الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظاهرها وعلى غير ظاهرها فالشك في أيهما يقع.
3896 -
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال:"تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ".
[انظر: 3894 - مسلم: 1422 - فتح: 7/ 224]
(أبو أسامة) هو حماد بن أسامة. (بثلاث سنين) وقيل: بأربع، وقيل: بخمس.
45 - بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ إِلَى المَدِينَةِ
وَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ".
[3779، 4330]
وَقَال أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ، أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ".
[انظر: 3622]
(باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة) أي: بيان هجرتهم إليها. (وهلي) بفتح الهاء وسكونها أي: ظني (إلى أنها اليمامة)(1) هي مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف (2). (أو هجر) بفتح الهاء والجيم: بلد معروف من البحرين، وقيل: قرية بقرب المدينة (3)، وفي
(1) انظر: "معجم البلدان" 5/ 441.
(2)
الطائف: هي قرية على مسيرة يوم للطالع من مكة ونصف يوم للهابط إلى مكة.
انظر: "معجم البلدان" 4/ 8.
(3)
انظر: "معجم البلدان" 5/ 393.
نسخة: "أو الهجر" بالتعريف. (فإذا هي المدينة يثرب) أي: المسماة بيثرب بالمثلثة (1).
3897 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، يَقُولُ: عُدْنَا خَبَّابًا فَقَال: "هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ، شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا".
[انظر: 1276 - مسلم: 940 - فتح: 7/ 226]
(الحميدي) هو عبد الله بن الزبير. (سفيان) أي: ابن عيينة.
(الأعمش) هو سليمان بن مهران. (أبا وائل) بالهمز: هو شقيق بن سلمة بكسر اللام.
(خبابًا) أي: ابن الأرت. (فمنا من مضى) أي: مات (أَيْنَعتْ) أي: نضجتْ. (يهدبُها) بكسر الدال المهملة ويجوز فتحها وضمها أي: يجنيها، ومرَّ الحديث في الجنائز في باب: إذا لم يجد كفنًا إلا ما يواري رأسه (2).
3898 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه، قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا،
(1) يثرب: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سميت بذلك؛ لأن أول من سكنها عند التفرق
يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. انظر: "معجم البلدان" 5/ 430.
(2)
سبق برقم (1276) كتاب: الجنائز، باب: إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه.
فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ".
[انظر: 1 - مسلم: 1907 - فتح: 7/ 226]
(مسدد) أي: ابن مسرهد. (حماد هو ابن زيد) لفظ: (هو ابن زيد) ساقط من نسخة. (يحيى) أي: ابن سعيد القطان. (الأعمال بالنية) إلى آخره مرَّ شرحه أول الكتاب (1).
3899 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَال: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ المَكِّيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ يَقُولُ:"لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ".
[4309، 4310، 4311 - فتح: 7/ 226]
3900 -
قَال: يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ وَحَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَال: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، فَسَأَلْنَاهَا عَنِ الهِجْرَةِ فَقَالتْ:"لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ، كَانَ المُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالى، وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا اليَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ، وَاليَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ".
[انظر: 3080 - مسلم: 1864 - فتح: 7/ 226]
(وحدثني الأوزاعي) في نسخة: "قال يحيى بن حمزة: وحدثني الأوزاعي" فهو المراد من الأولى وكأنه قال مرة: حدثني إسحاق، حدثنا يحيى، حدثنا الأوزاعي، عن عبدة، ومرة: حدثنا إسحاق إلى آخره، لكن أبدل:(عن عبدة) بقوله: (عن عطاء) ومرَّ شرح الحديث في أول كتاب: الجهاد (2).
3901 -
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: قَال هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي،
(1) سبق برقم (1) كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
سبق برقم (3008) كتاب: الجهاد، باب: الكسوة للأسارى.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أَنَّ سَعْدًا قَال: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ "وَقَال أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ، " مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ".
[انظر: - مسلم: 1796 - فتح: 7/ 226]
(ابن نمير) هو عبد الله الهمداني. (أن سعدا) أي: ابن معاذ الأنصاري. (أن أجاهدهم) أي: قريشًا.
3902 -
حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَال:"بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ".
[انظر: 3851 - مسلم: 3251 - فتح: 7/ 227]
3903 -
حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال:"مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ".
[انظر: 3851 - مسلم: 2351 - فتح: 7/ 227]
(هشام) أي: ابن حسان القردوسي. (بحث رسول الله) إلى آخره، مرَّ شرحه، والذي بعده في كتاب: المبعث (1).
3904 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَال: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَال:"إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ" فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَال: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَال النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ.
(1) سبق برقم (3851) كتاب: مناقب الأنصار، باب: مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
وَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إلا خُلَّةَ الإِسْلامِ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إلا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ".
[انظر: 466 - مسلم: 2382 - فتح: 7/ 227]
(فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -هو المخير) بنصب (المخير) خبر كان وهو ضمير فصل، وبرفعه خبر:(هو) فالجملة خبر كان، ومرَّ الحديث في الصلاة وغيرها (1).
3905 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ، إلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فَقَال: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَال أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَال ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَال لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا: لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَال ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلاتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ
(1) سبق برقم (476) كتاب: الصلاة، باب: المسجد يكون في الطريق، وبرقم (2138) كتاب: البيوع، باب: إذا اشترى متاعًا أو دابة.
بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلاةِ وَالقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إلا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ، قَالتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَال: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عز وجل وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ:"إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ" وَهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَال لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي" فَقَال أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَال: "نَعَمْ" فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الخَبَطُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَال ابْنُ شِهَابٍ، قَال: عُرْوَةُ، قَالتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَال قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إلا أَمْرٌ، قَالتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ:"أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ". فَقَال أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَال:"فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ" فَقَال أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ" قَال أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ - بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - إِحْدَى
رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"بِالثَّمَنِ". قَالتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَالتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ إلا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.
[انظر: 476 - فتح: 7/ 230]
(يدينان الدين) أي: الإسلام أي: يطيعانه. (برك) بفتح الموحدة، وحكي كسرها وبسكون الراء: موضع بناحية اليمن. (الغماد) بمعجمة مكسورة، وحكي ضمها ودال مهملة: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن مما يلي ساحل البحر (1). (ابن الدغنة) بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون عند اللغويين، وبفتح المهملة وكسر المعجمة وفتح النون المخففة عند المحدثين: وهي اسم أمه، وقيل: اسم أبيه،
(1) برك الغماد: وقيل: بلد باليمن، دفن عنده عبد الله بن جدعان التيمي القرشي.
انظر: "معجم البلدان" 1/ 399.
وقيل: دايته، وأما اسمه: فالحارث بن زيد، وقيل: مالك. (سيد القارة) هي قبيلة مشهورة من بني الهون، بضم الهاء (وتكسب المعدوم) أي: تعطيه مالا. (الكلَّ) بفتح الكاف وتشديد اللام: ما يثقل حمله من القيام بالعيال ونحوه. (فأنا لك جار) أي: مجير. (فقدم عليهم) أي: على أشراف قريش، وفي نسخة:"فقدم عليه" أي: على أبي بكر. (أحث) من الحث: وهو الإسراع. (الجهاز) بفتح الجيم وكسرها: ما يحتاج إليه في السفر ونحوه. (من نطاقها) بكسر النون، ويقال له: منطق: وهو ما تشد به المرأة وسطها فوق ثيابها من إزار ونحوه عند معاناة الأشغال. (ثقف) بفتح المثلثة وكسر القاف، وحكي إسكانها وفتحها، أي: حاذق فطن. (لقن) بكسر القاف، أي: سريع الفهم. (فيدلج) بتشديد المهملة أي: فيسير إلى مكة. (من عندهما بسحر) أي: فيه. (يكادان) في نسخة: "يكتادان" أي: بزيادة فوقية. (حتى ينعق) بكسر العين أي: يصيح. (بهما) أي: بالمنحة، أو بالغنم. (عامر) بالرفع فاعل (ينعق) (فأمناه) بفتح الهمزة وكسر الميم أي: ائتمناه كقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} .
3906 -
قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ المُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَال يَا سُرَاقَةُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْودَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَال سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وَفُلانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي المَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا
عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ، حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلانِي، إلا أَنْ قَال:"أَخْفِ عَنَّا". فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَال ابْنُ شِهَابٍ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ المُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ، لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ اليَهُودِيُّ أَنْ قَال بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ العَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ المُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ
الأَنْصَارِ - مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ، لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ:"هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ المَنْزِلُ". ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الغُلامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ، لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالا: لَا، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ، وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
"هَذَا الحِمَالُ لَا حِمَال خَيْبَرْ
…
هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ"
وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ
…
فَارْحَمِ الأَنْصَارَ، وَالمُهَاجِرَهْ "
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي قَال ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا البَيْتِ.
[فتح: 7/ 238]
(وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم) لفظ: (ابن مالك) ساقط من نسخة. (فخططت) بخاء معجمة، وفي نسخة بحاء مهملة. (بزجِّه) في نسخة:"به" أي بالرمح أي: أمكنت أسفله. (الأرض) أي: فيها. (وخفضت عاليه) أي: عالي الرمح لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه؛ لأنه كره أن يتبعه أحد فيشركه في الدية (تقرب بي) من التقريب: وهو السير دون العدو وفوق العادة. (فخرج الذي أكره) أي: وهو الذي لا يضرهم. (فسألته) أي: قال سراقة: سألت النبي صلى الله عليه وسلم. (أن يكتب لي كتاب أمن) بسكون الميم، وفي نسخة:"كتاب موادعة".
(مبيضين) أي: عليهم ثياب بيض. (يزول بهم السراب) أي: يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له، والسراب: ما يرى في شدة الحر كالماء، فإذا جئته لم تلق شيئًا. (وأسس المسجد الذي أسس على التقوى) هو مسجده صلى الله عليه وسلم، وقيل: مسجد قباء. (هذا الحمال) إلى آخره بكسر الحاء وفتحها في الموضعين أي: هذا المحمول من اللبن أبر عند الله وأطهر من حمال خيبر، أي: مما يحمل منها من التمر والزبيب ونحوهما الذي يتغبط به حاملوه. (لم يسم لي) سماه غيره: بعبد الله بن رواحة. (غير هذا البيت) في نسخة: "غير هذه الأبيات" ومرَّ شرح الحديث في كتاب: الصلاة وغيره (1).
3907 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، وَفَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، رضي الله عنها " صَنَعْتُ سُفْرَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، حِينَ أَرَادَا المَدِينَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُهُ إلا نِطَاقِي، قَال: فَشُقِّيهِ فَفَعَلْتُ فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ " قَال ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْمَاءُ ذَاتَ النِّطَاقِين.
[انظرنا: 2979 - فتح: 7/ 240]
(وفاطمة) أي: بنت المنذر. (عن أسماء) أي: بنت أبي بكر.
(صنعت سفرة) إلى آخره، مرَّ شرحه في كتاب: الجهاد، في باب: حمل الزاد في الغزو (2).
3908 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَال: سَمِعْتُ البَرَاءَ رضي الله عنه، قَال: "لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ قَال: ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ، فَدَعَا لَهُ، قَال: فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِرَاعٍ، قَال أَبُو بَكْرٍ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ
(1) سبق شرحه في حديث (428) كتاب: الصلاة، باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية. وبرقم (1868) كتاب: فضائل المدينة، باب: حرم المدينة.
(2)
سبق برقم (2979) كتاب: الجهاد، باب: حمل الزاد في الغزو.
كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ".
[انظر: 2439 - مسلم: 2009 - فتح: 7/ 240]
(لما أقبل النبي) إلى آخره، مرَّ شرحه في كتاب: اللقطة (1).
3909 -
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها: أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ المَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ "دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلامِ" تَابَعَهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها، أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى.
[5469 - مسلم: 2146 - فتح: 7/ 248]
3910 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالتْ: أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلامِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم "فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً فَلاكَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَأَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم".
[مسلم: 2148 - فتح: 7/ 248]
(وأنا متم) أي: مدة الحمل الغالب. (ثم حنكه) أي: مضغ تمرًا ودلك به حنكه، بأن دلكه في فمه. (تابعه) أي: زكريا بن يحيى.
3911 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَابٌّ لَا يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ
(1) سبق برقم (2439) كتاب: اللقطة، باب: من عرف اللقطة.
يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ» . فَصَرَعَهُ الفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ:«فَقِفْ مَكَانَكَ، لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا» . قَالَ: " فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي المَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ، يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ» . فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، قَالَ:«فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا» ، قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ، وَيْلَكُمْ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا» ، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَ:«فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟» قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ:«أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» ، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ:«أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ:«أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» ، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ:«يَا ابْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ» ، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ
الَّذِي لَا إِلَهَ إلا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[انظرنا: 3329 - فتح: 7/ 249]
(محمد) أي: ابن سلام، أو ابن المثنى. (عبد الصمد) أي: ابن عبد الوارث.
(يعرف) أي: لتردده إلى أهل المدينة للتجارة. (تحمحم) أي: تصوت. (لا تتركن أحدا يلحق بنا) برفع (يلحق) صفة لأحد، لا يجزمه جواب لما قبله، إذ جوابه محذوف، أي: تنل خيرًا فسقط ما قيل: إنه نظير قولهم: لا تدنُ من الأسد تهلك، حتى يأتي فيه مذهب الكسائي وغيره. (مسلحة له) بفتح الميم، أي: دافعًا عنه الأذى كالسلاح. (وحفُّوا) أي: أحدقوا (يخترف) أي: يجني، ومرَّ شرح الحديث في كتاب: الأنبياء (1).
3912 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَال: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَال: كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لِابْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِائَةٍ، فَقِيلَ لَهُ هُوَ مِنَ المُهَاجِرِينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافٍ، فَقَال:"إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ".
[فتح: 7/ 253]
(هشام) أي: ابن يوسف الصنعاني.
(أربعة آلاف في أربعة) قيل: أي في أربعة أيام أعوام فيخص كل عام أربعة آلاف، ولفظ:(في أربعة) ساقط من نسخة.
3913 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،
(1) سبق برقم (3329) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: خلق آدم.
عَنْ خَبَّابٍ، قَال:"هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".
[انظر: 1276 - مسلم: 940 - فتح: 7/ 253]
(سفيان) أي: ابن عيينة. (هاجرنا مع رسول الله) إلى آخره، مرَّ آنفا في الجنائز (1).
3914 -
وحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، قَال: سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ، قَال: حَدَّثَنَا خَبَّابٌ، قَال:"هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، وَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا نُكَفِّنُهُ فِيهِ إلا نَمِرَةً، كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاهُ، فَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِهَا، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ إِذْخِرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا".
[انظر: 1276 - مسلم: 940 - فتح: 7/ 253]
3915 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَال: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَال: قَال لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَال أَبِي لِأَبِيكَ؟ قَال: قُلْتُ: لَا، قَال: فَإِنَّ أَبِي قَال لِأَبِيكَ: "يَا أَبَا مُوسَى، هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلامُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ، وَجِهَادُنَا مَعَهُ، وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ، بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ، كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ؟ فَقَال أَبِي: لَا وَاللَّهِ، قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَلَّيْنَا، وَصُمْنَا، وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ، فَقَال أَبِي: لَكِنِّي أَنَا، وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي".
[فتح: 7/ 254]
(عملنا كلنا) روي: (وعملنا كله). (برد) أي: ثبت وسلم، يقال: برد لي على الغريم حق أي: ثبت. (كفافًا رأسًا برأس) أي: لا لي ولا
(1) سبق برقم (1276) كتاب: الجنائز، باب: إذا لم يجد كفنا.
علي، قال عمر: ذلك هضما لنفسه، أولما رأى أن الإنسان لا يخلو عن تقصير في كل خير يعمله. (فقال أبي) صوابه: فقال أبوك كما في رواية (1)؛ لأن ابن عمر يخاطب أبا بردة. (وإنا لنرجوا ذلك) أي: ثوابه من الكريم الوهاب.
3916 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، إِذَا قِيلَ لَهُ هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ يَغْضَبُ، قَال:"وَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْنَاهُ قَائِلًا، فَرَجَعْنَا إِلَى المَنْزِلِ فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ، وَقَال: اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ فَأَتَيْتُهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْولُ هَرْوَلَةً حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَبَايَعَهُ ثُمَّ بَايَعْتُهُ".
[4186، 4187 - فتح: 7/ 255]
(إسماعيل) أي ابن علية. (عن عاصم) أي: ابن سليمان الأحول.
(قائلا) أي: نائما في القائلة. (نهرول) الهرولة: ضرب من السير بين المشي والعدو.
3917 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَال: سَمِعْتُ البَرَاءَ، يُحَدِّثُ قَال: ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا، فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، قَال: فَسَأَلَهُ عَازِبٌ عَنْ مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَال: "أُخِذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ، فَخَرَجْنَا لَيْلًا فَأَحْثَثْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ، فَأَتَيْنَاهَا وَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ، قَال: فَفَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْوَةً مَعِي، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ
(1) قال ابن حجر في: "الفتح" 7/ 254: قد وقع في رواية النسفي على الصواب ولفظه: فقال أبوك: لا والله. ورواه الحاكم 3/ 466 - 467 كتاب: معرفة الصحابة، مناقب أبي موسى الأشعري، والبيهقي 6/ 359 كتاب: قسم الفيء والغنيمة، باب: الاختيار في التعجيل بقسمة مال الفيء.
فِي غُنَيْمَةٍ يُرِيدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَال: أَنَا لِفُلانٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَال: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ؟ قَال: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرْعَ، قَال: فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ، قَدْ رَوَّأْتُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا وَالطَّلَبُ فِي إِثْرِنَا".
[انظرنا: 2439 - مسلم: 2009 (سيأتي بعد رقم: 3014) - فتح: 7/ 255]
3918 -
قَال البَرَاءُ: فَدَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيْتُ أَبَاهَا فَقَبَّلَ خَدَّهَا وَقَال:"كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ"؟ [فتح: 7/ 255]
(فأحثثنا) من الحث وهو الحض على الشيء، وفي نسخة:"فأحيينا" من الإحياء. (قد روأتها) أي: تأنيت بها حتى صلحت، وقال ابن الأثير: روَّأتها جاء بالهمزة والصواب: بغير همز أي: شددتها الخرقة وربطتها عليها (1).
ومرَّ الحديث في أبواب، منها باب: علامات النبوة (2).
3919 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَال:"قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالحِنَّاءِ، وَالكَتَمِ".
[3920 - فتح: 7/ 256]
(أشمط) هو من خالط شعره الأسود بياض. (فغلفها) بفتح اللام مخففة ومشددة، أي: لطخ لحيته. (بالحناء) بالمد (والكتم) بفتح الفوقية المخففة، وحكي تشديدها وروق يخضب به كالآس، وقيل: النيل،
(1)"النهاية في غريب الحديث" 2/ 280.
(2)
سبق برقم (3615) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
وقيل: حناء قريش.
3920 -
وَقَال: دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَال:"قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالحِنَّاءِ وَالكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا".
[انظرنا: 3919 - فتح: 7/ 257]
(دحيم) بالتصغير: هو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي. (الوليد) أي: ابن مسلم. (أبو عبيد) هو حيي.
(حتى قنألونها) بفتح القاف والنون وبهمزة، أي: اشتدت حمرتها.
3921 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا، هَذَا الشَّاعِرُ الَّذِي قَال هَذِهِ القَصِيدَةَ رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ:
وَمَاذَا بِالقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ
وَمَاذَا بِالقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ القَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الكِرَامِ
تُحَيِّينَا السَّلامَةَ أُمُّ بَكْرٍ
…
وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلامِ
يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا
…
وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
[فتح: 7/ 257]
(أصبغ) أي: ابن الفرج.
(من كلب) أي: من بني كلب. (رثى) حال أي حالة كون قائل القصيدة رثى بها من رثيت الميت، إذا بكيته وعددت محاسنه. (كفار قريش) الذين قتلوا يوم بدر.
(ماذا بالقليب) هو البئر الذي لم تطو. (قليب بدر) بدل من القليب.
(من الشِّيزى) بكسر المعجمة وسكون التحتية وفتح الزاي والقصر:
شجر يعمل منه الجفان، والمراد: أصحابها إذ المعنى: ماذا بقليب بدر من أصحاب الجفان المتخذة من الشيزى للثريد. (تزين) بالبناء للمفعول.
(بالسنام) بفتح المهملة أي: بلحوم سنام الإبل، فهو على حذف مضاف. (وماذا بالقليب قليب بدر من القينات) أي: المغنيات. (والشرب) بفتح المعجمة وسكون الراء أي: الندماء الذين يجتمعون للشرب. (تحيي) أي: القينات أي: تدعو بالسلامة، وفي نسخة:"تحيينا السلامة" وفي أخرى: "تحيني" بالإفراد. (أم) أي: يا (أم بكر وهل) في نسخة: "فهل"(لي بعد قومي) أي: بعد هلاكهم. (من سلام) أي: من سلامة. (يحدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن سنحيا) أي: بعد الموت. (وكيف حياة أصداء) جمع صدى: وهو ذَكر البوم، وقيل: طائر يطير بالليل، وقيل: غير ذلك.
(وهام) جمع هامة، بتخفيف الميم: وهي جمجمة الرأس، وكانت العرب تزعم أن عظام الميت وروحه تصير هامة، ويسمونها الصدى، وهذا تفسير أكثر العلماء للهامة، وقيل: كانت العرب تعتقد أن روح القتيل الذي لم يؤخذ بثأره تصير هامة فترفرف عند قبره وتقول: اسقوني اسقوني من دم قاتلي، فإذا أخذ بثأره طارت، وهذا لا يخالف الأول في الحقيقة بأن يحمل الطير فيه على الصدى المفسر بذكر البوم، وحينئذ فعطف الهامة على الصدى عطف تفسير، وأراد الشاعر بما قاله إنكار البعث كأنه يقول: إذا صار الإنسان طيرًا فكيف يصير مرة أخرى إنسانا؟
3922 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، قَال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَارِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ القَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا، قَال: "اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ