الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا يَقُولُ تَعَالَى «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ: فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ: إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(تَنْبِيهٌ) وَتَحْسِينُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْمَرَضِ فَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا حَسَنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: حَسِّنْ ظَنَّك بِرَبِّك عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا تُسِئْ الظَّنَّ بِهِ فَإِنَّكَ فِي كُلِّ نَفَسٍ يَخْرُجُ مِنْك لَا تَدْرِي هَلْ أَنْتَ عَلَى آخِرِ أَنْفَاسِك وَدَعْ عَنْكَ قَوْلَ مَنْ قَالَ سِئْ الظَّنَّ بِهِ فِي حَيَاتِك وَحَسِّنْ الظَّنَّ بِهِ عِنْدَ مَوْتِك ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْفُتُوحَاتِ
ص (وَتَقْبِيلُهُ عِنْدَ إحْدَادِهِ عَلَى أَيْمَنَ ثُمَّ ظَهْرٍ)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي شَهَرَهُ هُنَاكَ أَنَّهُ أَوَّلًا عَلَى الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى الْأَيْسَرِ ثُمَّ عَلَى الظَّهْرِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُنَا بَلْ أَسْقَطَ الْأَيْسَرَ وَقَالَ سَنَدٌ وَيَكُونُ فِي تَوْجِيهِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ اعْتِبَارًا بِحَالِ صَلَاتِهِ وَبِحَالِ قَبْرِهِ النَّائِمِ انْتَهَى
[فَرْعٌ كَيْفِيَّة الْغُسْلِ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: أَمَّا فِي حَالَةِ الْغُسْلِ فَيُوضَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ لِيَبْدَأَ بِغُسْلِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى الْأَيْمَنِ وَذَلِكَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَفِي تَكْرِيرِ الْوُضُوءِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ خِلَافٌ انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ.
ص (وَتَجَنُّبُ حَائِضٍ وَجُنُبٍ لَهُ)
ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: لَا بَأْسَ أَنْ تُغْمِضَهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَحْضُرَ الْحَائِضُ وَلَا الْكَافِرَةُ قَالَ وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَقُرْبَهُ غَيْرُ طَاهِرٍ انْتَهَى.
وَكَذَا لَا يَحْضُرُهُ صَبِيٌّ يَعْبَثُ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ قَالَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَقَالَ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا وَمَا عَلَيْهِ طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ مَنْ حَضَرَهُ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ طِيبٌ وَأَنْ يَحْضُرَهُ أَحْسَنُ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ سَمْتًا وَخُلُقًا وَخَلْقًا وَدِينًا فَلْيُلَقِّنْهُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ بِرِفْقٍ وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ وَلِلْحَاضِرِينَ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ وَهُوَ مِنْ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا قَبُولُ الدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ أَحَدٌ يَبْكِي حَوْلَهُ بِرَفْعِ صَوْتٍ وَمَنْ كَانَ بَاكِيًا فَلْيَبْكِ بِمَوْضِعٍ لَا يَسْمَعُهُ فِيهِ الْمُحْتَضَرُ فَإِنْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ وَيَقُولَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ اُؤْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا وَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَبْدَلَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا أَيْ مِنْ الْمُصِيبَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ بَعِيدَاتٍ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَيَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ مِنْ الرِّجَالِ أَنْ لَا يُظْهِرَ الْجَزَعَ
ص (وَتَلْقِينُهُ الشَّهَادَةَ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَقَّنَ الشَّهَادَةَ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَيُلَقَّنَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ وَمُرَادُ الشَّرْعِ وَالْأَصْحَابِ الشَّهَادَتَانِ مَعًا ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً ثُمَّ تَكَلَّمَ أُعِيدَ تَلْقِينُهُ وَإِلَّا تُرِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ وَلَا يُقَالُ لَهُ: قُلْ بَلْ يُقَالُ عِنْدَهُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ انْتَهَى.
زَادَ فِي الْمَدْخَلِ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَا يُلَقِّنُوهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْرِجُهُ وَيُقْلِقُهُ انْتَهَى.
وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُلَقَّنَ الشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ يُلَقَّنَ التَّهْلِيلَ وَحْدَهُ وَذَكَرَ لِي الْوَالِدُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَالِ احْتِضَارِهِ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يُلَقَّنُ الصَّغِيرُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يُلَقَّنُ إلَّا مَنْ بَلَغَ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّلْقِينَ حَالَ الِاحْتِضَارِ وَالتَّلْقِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَهُ غَيْرُ وَارِثِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَأَقْرَبُهُمْ بِهِ، وَقَالَ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَجْلِسَ عِنْدَهُ إلَّا أَحْسَنُ أَهْلِهِ وَأَفْضَلُهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) وَلَا يَضْجَرُ مَنْ عَدَمِ قَبُولِ الْمُحْتَضَرِ لِمَا يُلْقِيهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ مَا لَا يُشَاهِدُونَ
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مَسْأَلَةُ مَنْ خَرِسَ لِسَانُهُ وَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَةِ وَلَا أَحْضَرَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَمَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مَاتَ مُؤْمِنًا وَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَأَخْرَسَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ عَاجِزًا عَنْ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَحْكَامُ الَّذِينَ اسْتَحْضَرُوا الْكُفْرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِالْفِعْلِ فَالْمُعْتَبَرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ انْتَهَى.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ وَقَالَ التَّادَلِيُّ إثْرَ كَلَامِ الرِّسَالَةِ الْمُتَقَدِّمِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ عِزُّ الدِّينِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِاسْتِحْبَابِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْإِرْشَادِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّلَّاعِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِالشَّوَاهِدِ وَعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِّ قَدِيمًا وَقَالَ الْمَتْيَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ إنْسَانٌ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ عَقِبَ دَفْنِهِ وَيَقُولَ لَهُ: يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ، أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَوْ يَا أَمَةَ اللَّهِ اُذْكُرْ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا، وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُسْلِمِينَ إخْوَانًا رَبِّي اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَقَّدَهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَيَقِفَ عِنْدَ قَبْرِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيُلَقِّنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَيْنِ عليهما السلام؛ إذْ ذَاكَ يَسْأَلَانِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ الْمُنْصَرِفِينَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَرَوَى رَزِينٌ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَفْرُغُ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا عَبْدُك نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَاغْفِرْ لَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ انْتَهَى.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو حَامِدِ بْنُ الْبَقَّالِ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ إذَا حَضَرَ جِنَازَةً عَزَّى وَلِيَّهَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَانْصَرَفَ مَعَ مَنْ يَنْصَرِفُ فَيَتَوَارَى هُنَيْهَةً حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ ثُمَّ يَأْتِيَ إلَى الْقَبْرِ فَيُذَكِّرَ الْمَيِّتَ بِمَا يُجَاوِبُ بِهِ الْمَلَكَيْنِ عليهما السلام وَيَكُونُ التَّلْقِينُ بِصَوْتٍ فَوْقَ السِّرِّ دُونَ الْجَهْرِ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ لَا تَنْسَ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَكَ الْمَلَكَانِ عليهما السلام وَسَأَلَاك فَقُلْ لَهُمَا اللَّهُ رَبِّي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّ وَالْقُرْآنُ إمَامِي وَالْكَعْبَةُ قِبْلَتِي وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ نَقَصَ فَخَفِيفٌ وَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ التَّلْقِينِ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَالزَّعَقَاتِ بِحُضُورِ النَّاسِ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ فَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلُوهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ.
وَاسْتَحَبَّ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَيْضًا الْقُرْطُبِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْأَبِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَيْلٌ إلَيْهِ
ص (وَتَغْمِيضُهُ)
ش: لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ» وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا إذَا قَضَى هُوَ قَيْدٌ فِي التَّغْمِيضِ وَالشَّدِّ قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ وَكَانَ رَجُلًا عَابِدًا: غَمَّضْت جَعْفَرَ الْمُعَلِّمَ وَكَانَ رَجُلًا عَابِدًا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ فَرَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي لَيْلَةً يَقُولُ: أَعْظَمُ مَا كَانَ عَلَيَّ تَغْمِيضُك لِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ، أَوْ قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِذَا قَضَى فَأَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِتَغْمِيضِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّنَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُغَمَّضَ بَصَرُهُ إذَا قَضَى وَيُقَالَ عِنْدَهُ: سَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، وَيُقَالُ عِنْدَ
إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَوْتَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ انْتَهَى.
وَانْظُرْ قَوْلَ الشَّيْخِ بَهْرَامَ وَفِي كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّغْمِيضَ يَكُونُ قَبْلَ الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ: وَيَقُولُ حِينَئِذٍ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَوْتَهُ وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إذَا قَضَى مَعَ كَلَامِ سَنَدٍ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الدُّعَاءَ الَّذِي قَالَهُ الشَّارِحُ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقُولُهُ عِنْدَ إغْمَاضِهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ التَّغْمِيضَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ بِالتَّسْهِيلِ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: إذَا قَضَى رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَتَغْمِيضُهُ وَشَدُّ لَحْيَيْهِ فَهُوَ قَيْدٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُغْمَضُ إذَا انْقَطَعَ نَفَسُهُ وَانْحَدَرَ بَصَرُهُ وَانْفَرَجَتْ شَفَتَاهُ وَلَمْ تَنْطَبِقَا وَسَقَطَتْ قَدَمَاهُ وَلَمْ تَنْتَصِبَا فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ عَلَامَاتٍ يُغْمَضُ الْمَيِّتُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَفِي التَّوْضِيحِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا قَضَى لَا قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بْنُ أَسْبَاطٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُغْمَضْ عِنْدَ مَوْتِهِ وَبَقِيَ مَفْتُوحَ الْأَجْفَانِ وَالشَّفَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ وَاحِدٌ بِعَضُدِهِ وَآخَرُ بِإِبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ وَيَجْذِبَانِهِ قَلِيلًا فَإِنَّهُ يَتَغَمَّضُ وَذَلِكَ مُجَرَّبٌ صَحِيحٌ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَشَدُّ لَحْيَيْهِ إذَا قَضَى وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ وَرَفْعُهُ عَنْ الْأَرْضِ وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ وَوَضْعُ ثَقِيلٍ عَلَى بَطْنِهِ)
ش: قَالَ سَنَدٌ ثُمَّ يَشُدُّ لَحْيَهُ الْأَسْفَلَ بِعِصَابَةٍ وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَسْتَرْخِيَ وَيَنْفَتِحَ فَاهُ فَتَدْخُلَهُ الْهَوَامُّ وَيَقْبُحَ بِذَلِكَ مَنْظَرُهُ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ: إغْمَاضُ عَيْنَيْهِ، وَشَدُّ لَحْيَيْهِ، وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ، وَتَجْرِيدُهُ مِنْ ثِيَابِهِ، وَوَضْعُهُ عَلَى لَوْحٍ أَوْ سَرِيرٍ، وَتَثْقِيلُ بَطْنِهِ، وَتَسْجِيَتُهُ بِثَوْبٍ.
زُعِمَ أَنَّ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ إسْهَالًا عَلَى غَاسِلِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ إذْ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِينُهُ لِوَقْتِ غُسْلِهِ، نَعَمْ تَمَدَّدَ فَإِنْ كَانَ مُرْتَفِعَ الرُّكَبِ غُمِزَ وَلِينَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَالَ فِي تَجْرِيدِهِ: لِئَلَّا تَحْمِيَهُ ثِيَابُهُ فَلَا يُؤْمَنُ مَعَهَا الْفَسَادُ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ فَلَا يُجْعَلُ سُنَّةً لِسَائِرِ الْأَمْوَاتِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رَفْعِهِ عَلَى سَرِيرٍ لِئَلَّا يَسْرُعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَتَنَالَهُ الْهَوَامُّ، وَتَثْقِيلُ بَطْنِهِ لِئَلَّا تَعْلُوَ فَيُتْرَكَ عَلَيْهَا حَدِيدٌ وَشِبْهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّسْجِيَةُ فَرَوَى ابْنُ حَنْبَلٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُجِّيَ فِي ثَوْبِ حِبَرَةٍ انْتَهَى.
وَنَقَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مَا عَدَا تَجْرِيدَهُ بَلْ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ التَّسْجِيَةِ: وَيُزِيلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ مَا عَدَا الْقَمِيصَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ التَّجْرِيدِ فِي كَلَامِ سَنَدٍ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَضْعِ ثَقِيلٍ: تُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدَةٌ، أَوْ سِكِّينٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَطِينًا مَبْلُولًا طَاهِرًا لِئَلَّا يَعْلُوَ فُؤَادُهُ فَيُخْشَى أَنْ يَنْفَجِرَ قَبْلَ حُلُولِهِ فِي قَبْرِهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَدَّ اللَّحْيَيْنِ عَنْ غَيْرِ الْمَذْهَبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ سَنَدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَعْزِهِ لِغَيْرِ الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَنَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ إلَّا أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِخَوْفِ دُخُولِ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ غُسْلِهِ لِجَوْفِهِ وَقَالَ ابْنُ غَازِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَدْ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ تُجْعَلُ حَدِيدَةٌ عَلَى بَطْنِهِ وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَعْنَاهُ قَالُوا لِئَلَّا يَسْرُعَ انْتِفَاخُ بَطْنِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا أَعْرِفُهُ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إبَاحَتَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ انْتَهَى.
وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَدْخَلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَإِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ إلَّا الْغَرَقَ) ش فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ الْمُسْلِمِ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ ثُمَّ يَأْخُذُ فِي تَجْهِيزِهِ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ مِنْ إكْرَامِ الْمَيِّتِ الِاسْتِعْجَالَ بِدَفْنِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ فَجْأَةً، أَوْ بِصَعْقٍ، أَوْ غَرَقٍ، أَوْ بِسِمَنِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يُسْتَعْجَلُ عَلَيْهِ وَيُمْهَلُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ، وَلَوْ أَتَى عَلَيْهِ الْيَوْمَانِ، أَوْ الثَّلَاثُ، أَوْ يَظْهَرُ تَغَيُّرُهُ فَيَحْصُلُ الْيَقِينُ بِمَوْتِهِ لِئَلَّا يُدْفَنَ حَيًّا فَيُحْتَاطُ لَهُ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَثِيرًا انْتَهَى.
(فَرْعٌ) الدَّفْنُ لَيْلًا جَائِزٌ نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي دَفْنِ فَاطِمَةَ لَيْلًا جَوَازُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ