الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْقَضَاءِ فَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الضَّرَرِ، وَلَوْ قَالَ " يَتَسَلَّفُ " لَكَانَ أَجْرَى عَلَى عَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَذْهَبِيٌّ.
(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ إذَا كَانَ يَرْتَجِي وُجُودَ الْقَضَاءِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ مَعْنَاهُ: إذَا كَانَ يُرْتَجَى الْقَضَاءُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْن الْمَوَّازِ وَلَعَلَّ الْمُحْتَاجَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إذَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ يَرْجُوهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: سَمِعْت مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إنَّمَا يَتَسَلَّفُهَا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ حَيْثُ يُؤَدِّيهَا، وَيُسَنُّ لِمَنْ يَتَسَلَّفُهَا مِنْهُ أَنَّهُ يُخْرِجُهَا زَكَاةً عَنْهُ فَمَتَى فُتِحَ لَهُ رَدَّ، صَحَّ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ مُحْرِزٍ، انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ.
[فَرْعٌ زَكَاة الْفِطْرِ هَلْ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ]
(فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، هَلْ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ أَشْهَبُ: لَا تَسْقُطُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ، انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْقِطُهَا، انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: ظَاهِرُ الْكِتَابِ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ، انْتَهَى مِنْ الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَهَلْ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ بِفَجْرِهِ؟ خِلَافٌ)
ش: هَذَا بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخِطَابُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّ الْخِطَابَ بِهَا يَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَذَلِكَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَمَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ بِهَا فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ أُخْرِجَتْ عَنْهُ.
وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ أَيْسَرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَشَهَّرَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي - أَنَّ الْخِطَابَ بِهَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ فَمَنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ أَيْسَرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ شَهَّرَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا - أَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخِطَابُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَهْمِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْفَجْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَصَوَّبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلَ هَذَا الْمُنْكِرِ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ يَمْتَدُّ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ يَمْتَدُّ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ إلَى زَوَالِ يَوْمِ الْعِيدِ، ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَعَزَاهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ،.
وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ عَنْ الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ تَسْقُطُ عَمَّنْ وُلِدَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ أَيْسَرَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَجَدَّ مِلْكَ رَقِيقٍ أَوْ اسْتَجَدَّ زَوْجَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَتَعَلَّقُ الْكَلَامُ بِالْوَقْتِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ أَرْبَعِ حَيْثِيَّاتٍ: الْوَقْتُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ، وَالْوَقْتُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا فِيهِ، وَالْوَقْتُ الَّذِي يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ، وَتَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ مِنْ مُعَشَّرٍ أَوْ أَقِطٍ غَيْرِ عَلَسٍ
إلَّا أَنْ يَقْتَاتَ غَيْرَهُ)
ش: هَذَا بَيَانٌ لِلْجِنْسِ الَّذِي تُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَذَكَرَ أَنَّهَا تُؤَدَّى مِنْ أَغْلَبْ الْقُوتِ يَعْنِي أَغْلَبَ قُوتِ الْبَلَدِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمُخْرِجُ لَهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَغْلَبَ مِنْ الْمُعَشَّرَاتِ أَوْ مِنْ الْأَقِطِ إلَّا الْعَلَسَ فَلَا تُؤَدَّى مِنْهُ، فَإِنْ اقْتَاتَ أَهْلُ بَلَدٍ غَيْرَ الْمُعَشَّرَاتِ أُخْرِجَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِمَّا يَقْتَاتُونَهُ، هَذَا حِلُّ كَلَامِهِ رحمه الله وَتَبِعَ رحمه الله فِيهِ كَلَامَ صَاحِبِ الْحَاوِي وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِنَا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُعَشَّرٍ إذَا كَانَ غَالِبَ قُوتِ أَهْلِ بَلَدٍ تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَتُؤَدَّى مِنْ الْقَطَانِيِّ وَالْجُلْجُلَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْأَصْنَافَ التِّسْعَةَ الْآتِي ذِكْرُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اُقْتِيتَ غَيْرُ الْمُعَشَّرِ يُخْرِجُ مِنْهُ
وَلَوْ وَجَدَ الْمُعَشَّرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ " مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ " لَكَانَ أَخْصَرَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافُ هَذَا، وَأَنَّهَا تُؤَدَّى مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ الَّتِي هِيَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالْأُرْزُ فَإِنْ كَانَ غَالِبُ الْقُوتِ فِي بَلَدٍ خِلَافَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ مِنْ عَلَسٍ أَوْ قُطْنِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَشَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مَوْجُودٌ لَمْ تُخْرَجْ إلَّا مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ بَلَدٍ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ، وَإِنَّمَا يَقْتَاتُونَ غَيْرَهَا فَيَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى حِينَئِذٍ مِنْ عَيْشِهِمْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَتُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْأُرْزِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ صَاعٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا وَيُخْرِجُ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ مِنْ جُلِّ عَيْشِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّمْرُ عَيْشُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُخْرِجُ أَهْلُ مِصْرَ إلَّا الْقَمْحَ لِأَنَّهُ جُلُّ عَيْشِهِمْ إلَّا أَنْ يَغْلُوَ سِعْرُهُمْ فَيَكُونُ عَيْشُهُمْ الشَّعِيرَ فَيُجْزِئُهُمْ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُجْزِئُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ شَيْءٌ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَإِنْ أَعْطَى فِي ذَلِكَ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ مَالِكٌ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ فِيهَا دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُخْرِجَ فِيهَا تِينًا، وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، مِثْلُ اللُّوبِيَا أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشُ قَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُؤَدُّوا مِنْ ذَلِكَ وَيُجْزِئُهُمْ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْأَخِيرُ هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا تُؤَدَّى مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْشَ قَوْمٍ، قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَرَوَاهُ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ، بَلْ الْخِلَافُ فِي كُلِّ مَا يُقْتَاتُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْمًا أَوْ لَبَنًا، انْتَهَى، فَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا لَا تُؤَدَّى مِنْ الْقُطْنِيَّةِ إنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ جُلَّ عَيْشٍ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَافَ التِّسْعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا كَذَلِكَ وَيَصِيرُ كَلَامُهُ الْأَخِيرُ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَتْ هِيَ جُلُّ عَيْشِهِمْ وَغَيْرُهَا مَوْجُودٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلُّ الْعَيْشِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَجْزَأَ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشَ قَوْمٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَيْشُهُمْ إلَّا ذَلِكَ، وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَيُجْزِئُهُمْ حِينَئِذٍ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَقَدْرُهَا صَاعٌ مِنْ الْمُقْتَاتِ فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالدُّخْنِ، وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَلَسَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: مِنْ السُّنَّةِ الْأَوَّلُ خَاصَّةً، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَقْدِيرُهَا بِالصَّاعِ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤَدَّى مِنْ الْبُرِّ مُدَّيْنِ إلَّا صَاعًا، وَقَوْلُهُ " فِي زَمَانِهِ " أَيْ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ، وَلَمْ يُرِدْ بَلَدًا مُعَيَّنًا كَمَا فَهِمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَذْهَبِ فِي الْعَلَسِ وَبَيْنَ أَشْهَبَ الْمَذْهَبُ فِي الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الْعَلَسُ وَالثَّلَاثَةُ غَالِبُ عَيْش قَوْمٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَوْجُودٌ، أَوْ كَانَ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ فَابْنُ حَبِيبٍ يَرَى الْإِخْرَاجَ مِنْ الْعَلَسِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَالْمَشْهُورُ يُخْرَجُ مِنْ التِّسْعَةِ وَأَشْهَبُ يَرَى الْإِخْرَاجَ مِنْ
السُّنَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُهُ كَالْقَطَانِيِّ وَالتِّينِ وَالسَّوِيقِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِي، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُ مَا ذُكِرَ فَهَلْ يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ غَيْرَ قُوتِهِ حَرَجًا عَلَيْهِ، وَرَأَى فِي الْقَوْلِ الْآخَرَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقَطَانِيِّ أَنَّهَا لَا تُخْرَجُ، وَإِنْ كَانَتْ قُوتَهُ، انْتَهَى. فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوتٌ غَيْرَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَلَسُ جُلَّ عَيْشِ قَوْمٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ مَوْجُودٌ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَذُكِرَ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْقَرَوِيِّينَ رَوَوْا الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، قَالَ: وَاخْتَصَرَهَا عَلَيْهِ حَمْدِيسٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: مَا تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، سَوَاءٌ كَانَ جُلَّ الْعَيْشِ أَوْ لَا، وَهُوَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ إذَا كَانَ جُلُّ عَيْشِهِمْ جُلَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تُؤَدَّى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتُجْزِئُهُ، وَالثَّلَاثَةُ فِيمَا بَيْنَهَا يُخْرِجُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى وَلَا نَعْكِسُ، وَغَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ السَّبْعَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا يُخْرَجُ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَتْ جُلَّ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَغَيْرُ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ جُلَّ الْعَيْشِ، وَاخْتُلِفَ، هَلْ يُخْرَجُ مِنْهَا إذَا كَانَتْ جُلَّ الْعَيْشِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: الْمُعْتَبَرُ بِالْغَالِبِ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا مَا قَبْلَهُ، وَكَانَ شَيْخُنَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرَةِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِينَ فَيُعْتَبَرُ مَا يُؤْكَلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَلِأَنَّهُ بِفَرَاغِهِ تَجِبُ، وَعَارَضَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْخَلِيطَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُهُمَا وَافْتِرَاقُهُمَا قُرْبَ الْحَوْلِ، وَأَجَبْتُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِالتُّهْمَةِ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِتْهَامُهُمَا أَقْرَبُ مِنْ إتْهَامِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَبِأَنَّ رَمَضَانَ هُوَ السَّبَبُ بِذَاتِهِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ لَا جَمِيعَ الْعَامِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخَلِيطَيْنِ: السَّبَبُ جَمِيعُ الْعَامِ لَا الشَّهْرُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْخُلْطَةُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَجَابَ بِهِ وَاصْطِلَاحُهُ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِبَعْضِ شُيُوخِهِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَلَمْ أَقِفْ لَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ يَحْكِيهِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ أَوْ وَقَفَ لَهُ عَلَيْهِ فِي فُتْيَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْجُلِّ الْعَامُ كُلُّهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّمَا يُرَاعَى يَوْمُ الْوُجُوبِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَامِ كُلِّهِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ اعْتِبَارِ يَوْمِ الْوُجُوبِ فَبَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَوَائِدُ أَنَّ غَالِبَ النَّاسِ يَأْكُلُونَ يَوْمَ الْعِيدِ خِلَافَ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ يَقُولُ: يُعْتَبَرُ الْجُلُّ بِالْفُرْنِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : هَذَا إذَا كَانَ الْفُرْنُ مُتَّحِدًا فِي الْبَلَدِ وَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَخْبِزُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَإِلَّا فَيَخْتَلِفْ الْجُلُّ بِحَسَبِ الْحَارَّاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) إذَا كَانَ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ قُوتَ قَوْمٍ، وَقُلْنَا: يُخْرِجُونَ، فَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي بِأَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَشِبْهِهِمَا مِقْدَارَ عَيْشِ الصَّاعِ، وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ لَا يَرْتَضِيهِ، وَيَقُولُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُكَالُ كَالْقَمْحِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ وَشِبْهَهُ لَا يُكَالُ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَمَا قَالَهُ الشَّبِيبِيُّ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) إذَا اقْتَاتَ أَهْلُ بَلَدٍ نَوْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ جُلٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ قُوتِهِ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ اُخْتُلِفَ فِي الْقُطْنِيَّةِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَتْ جُلَّ عَيْشِ قَوْمٍ أَجْزَأَتْهُمْ، وَقَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُجْزِئُ، انْتَهَى. قُلْت: مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْإِجْزَاءِ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشَهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ إذَا كَانَ جُلَّ عَيْشِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ.
(السَّادِسُ) ظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْعَلَسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اُخْتُصَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي قَدْرِ الصَّاعِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اخْتَارَهُ، وَقَالَ بِهِ، وَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ دَقِيقٍ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْزِئُ بِزَيْفِهِ.
وَكَذَا الْخُبْزُ الصَّقَلِّيُّ وَبَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ تَفْسِيرُ الْبَاجِيِّ خِلَافٌ، انْتَهَى.
(الثَّامِنُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ: وَالْأَقِطُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ خَثْرُ اللَّبَنِ الْمُخْرَجِ زُبْدُهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ انْتَهَى.
(التَّاسِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتُؤَدَّى مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا تُؤَدَّى مِنْهُ، مَا نَصُّهُ: إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْقَمْحُ أَفْضَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْأُرْزِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ، الْمُتَقَدِّمِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إجْزَاءِ الْقَمْحِ وَاخْتُلِفَ فِي إجْزَاءِ الْأُرْزِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْأَفْضَلُ الْقَمْحُ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَالسُّلْتُ يُلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَأَفْضَلُ مِنْ الشَّعِيرِ.
ص (وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ، وَإِنْ لِأَبٍ وَخَادِمِهَا أَوْ رِقٍّ، وَلَوْ مُكَاتَبًا وَآبِقًا رَجَى)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ