الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الْوَكَالَةُ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ مَالِ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَمِنْ مَالِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْقُرُبَاتِ فَهِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ، وَقَدْ اسْتَنَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا عَلَى نَحْرِ الْبُدْنِ وَنَحْرُهَا قُرْبَةٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ شَيْئًا " مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[الفرع الثَّانِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ]
(الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ سَنَدٌ لَوْ تَصَدَّقَ بِجُمْلَةِ مَالِهِ فَإِنْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ وَمَا زَادَ تَطَوُّعٌ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ بِمَا لَوْ صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ يَنْوِي اثْنَيْنِ لِلصُّبْحِ وَالْبَقِيَّةَ لِلنَّفْلِ بِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ سَنَدٍ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ فَإِنْ نَوَى أَدَاءَ زَكَاتِهِ وَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ أَجْزَأَهُ وَلَهُ الْفَضْلُ، كَمَنْ أَطْعَمَ فِي كَفَّارَتِهِ مِائَةَ مِسْكِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْهُ الزَّكَاةَ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ وَاعْتَلُّوا بِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ فِعْلُ الْفَرْضِ وَهُوَ لَمْ يَنْوِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى مِائَةَ رَكْعَةٍ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضٍ وَلَا يَسْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بَلْ تَعَدَّى تَصَرُّفُهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ آخِرَ كَلَامِ سَنَدٍ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَحْوُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ بَعْضِ الْإِفْرِيقِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ حَائِطَهُ بَعْدَ الْخَرْصِ لِلْمَسَاكِينِ عَنْ تَبَعَاتِهِ وَلَيْسَتْ التَّبَعَاتُ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَنَوَى دُخُولَ الزَّكَاةِ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ
[الفرع الثَّالِث عَزَلَ زَكَاتَهُ بَعْدَ وَزْنِهَا لِلْمَسَاكِينِ وَدَفَعَهَا لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ]
(الثَّالِثُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ: قَالَ سَنَدٌ: لَوْ عَزَلَ زَكَاتَهُ بَعْدَ وَزْنِهَا لِلْمَسَاكِينِ وَدَفَعَهَا لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَهُ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ الْأُولَى الْفِعْلِيَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ سَنَدٌ: وَيَنْوِي الْمُزَكِّي إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ أَجْزَأَهُ وَتَجِبُ بِالتَّعْيِينِ فَلَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ عَزْلِهَا أَجْزَأَتْ، وَإِذَا عَيَّنَهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا وَيَعْزِلْهَا عَنْ مِلْكِهِ وَجَبَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الدَّفْعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ دَفْعِ الْوَدَائِعِ وَالدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى. وَلَفْظُ سَنَدٍ: وَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَيَنْوِي إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ أَجْزَأَهُ وَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَعْيِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى إخْرَاجِهَا وَدَفْعِهَا فَتَعَيَّنَتْ بِتَعْيِينِهِ كَالْإِمَامِ فَإِذَا قُلْنَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فَسَوَاءٌ نَوَى عِنْدَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ أَنَّهَا زَكَاةٌ أَوْ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمَّا تَعَيَّنَ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ نِيَّةٌ عِنْدَ تَسْلِيمِهِ كَمَا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الزَّكَاةَ أَوْ يَعْزِلْهَا عَنْ مَالِهِ وَجَبَ مُرَاعَاةُ النِّيَّةِ عِنْدَ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا، وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَقَدْ يَكُونُ وَدِيعَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
ص (وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبَهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ أَنْ تُفَرَّقَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ أَوْ قُرْبَهُ كَمَا لَوْ كَانَ زَرْعُهُ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَاضِرَةِ، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَانْظُرْ فَرْضَ الْعَيْنِ لِابْنِ جَمَاعَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ عَلَى نَقْلِهَا مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَانْظُرْهُ.
[مَسْأَلَةٌ الْقَادِمُونَ إلَى بَلَدٍ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ]
(مَسْأَلَةٌ) وَسَأَلَ السُّيُورِيُّ عَنْ قَادِمِينَ إلَى بَلَدٍ، هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ كَمَا يُعْطَى فُقَرَاءُ الْبَلَدِ أَوْ يُخَصُّ بِهَا أَهْلُ الْبَلَدِ؟ فَأَجَابَ: أَهْلُ بَلَدِهِمْ هُمْ الَّذِينَ يُعْطَوْنَ الْبُرْزُلِيُّ كَانَ أَكْثَرُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ يَقُولُ: يُعْطَوْنَ كَأَهْلِ الْبَلَدِ، وَبَعْضُهُمْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَر يُعْطَى، وَالْمُخْتَارُ لَا يُعْطَى وَيُجْرِيهَا عَلَى مَسْأَلَةِ قُرْطُبَةَ إذَا حَبَسَ عَلَى مَرَضَاهَا، هَلْ يُعْطَى مِنْهَا مَنْ أَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ أَمْ لَا؟ وَالصَّوَابُ الْإِعْطَاءُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ أَهْلِهَا
أَوْ ابْنُ السَّبِيلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حَقٌّ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، انْتَهَى. مِنْ الْبُرْزُلِيِّ.
ص (كَعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ)
ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ مَسْأَلَةٌ إذَا فَاضَ الْمَالُ، وَلَمْ يُوجَدَ مَنْ يَقْبَلُهُ بَعْدَ نُزُولِ السَّيِّدِ عِيسَى، قَالَ الْأَبِيُّ: قَالَ الشَّيْخُ - يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ إذَا أَفْضَى الْحَالُ فِي الْمَالِ إلَى أَنْ لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْإِنْسَانُ مَنْ يَسْتَأْجِرُ لِعَمَلِهِ عَمِلَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَتْ إعَانَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاسَاةَ كَمَا تَجِبُ بِالْمَالِ تَجِبُ بِالنُّفُوسِ الْأَبِيُّ، وَمَا تَقَدَّمَ لِلنَّوَوِيِّ مِنْ نَسْخِ الْجِزْيَةِ حِينَئِذٍ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ وَهُوَ فِي الزَّكَاةِ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِرْفَاقِ الضُّعَفَاءِ.
(فَإِنْ قُلْت) : إنَّمَا أَسْقَطَ قَبُولُ الْجِزْيَةِ نَسْخَهَا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ قُلْت: وَهَذِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ «وَلَتَتْرُكَنَّ الْقِلَاصَ فَلَا يَسْعَى عَلَيْهَا أَحَدٌ» انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنْ عِيَاضٍ: إنَّهُ لَا بَيْعَةَ لِأَخِذِ زَكَاتِهَا سُعَاةٌ زَهَادَةً فِيهَا لِفَيْضِ الْمَالِ مَعَ أَنَّهَا أَنْفَسُ مَالِ الْعَرَبِ، وَالْقِلَاصُ جَمْعُ قَلُوصٍ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ كَالْفَتَاةِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْحَدَثِ مِنْ الرِّجَالِ، انْتَهَى.
ص (وَإِنْ قَدَّمَ مُعَشَّرًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ إلَخْ)
ش: ذَكَر رحمه الله سَبْعَ مَسَائِلَ لَا تُجْزِئُ فِيهَا الزَّكَاةُ: (الْأُولَى) إذَا قَدَّمَ زَكَاةَ الْمُعَشَّرَاتِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَدَّمَ زَكَاةَ زَرْعِهِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِيهِ يُرِيدُ إذَا قَدَّمَهَا قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ: وَهَذَا خَاصٌّ بِالْحَيَوَانِ وَالْعَيْنِ، وَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْلَكْ بَعْدُ، نَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، انْتَهَى. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ فِي تَبْصِرَتِهِ لَمَّا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ: وَهَذَا فِي الْعَيْنِ وَلَا يَصِحُّ فِي زَكَاةِ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ عَمَّا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدُ وَلَا يَدْرِي مَا قَدْرُهُ، وَيَجُوزُ فِي الْمَوَاشِي إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سُعَاةٌ عَلَى مِثْلِ مَا يَجُوزُ فِي الْعَيْنِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي تَعْجِيلِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ.
(فَرْعٌ) أَمَّا إذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَهُوَ إفْرَاكُ الْحَبِّ وَطِيبُ الثِّمَارِ وَقَبْلَ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ زَرْعِهِ قَبْلَ حَصَادِهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي سُنْبُلِهِ، قَالَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ: يُجْزِيهِ وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ يَقُولُ: لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يُلْجِئَهُ السَّاعِي إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ فَعَلَ جَازَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ وَجَبَتْ بِطِيبِ الزَّرْعِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ " وَالْوُجُوبُ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ " مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ " أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ " يَعْنِي أَنَّ مَنْ زَكَّى دَيْنًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا زَكَّى عَنْ ثَمَنِ عَرْضِ الِاحْتِكَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ، قَالَ بَهْرَامُ فِي الْأَوْسَطِ: قَوْلُهُ " قَبْلَ الْقَبْضِ " أَيْ قَبْضِ الدَّيْنِ وَقَبْضِ ثَمَنِ الْعَرْضِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: " قَبْلَ الْقَبْضِ " ظَرْفٌ لَهُمَا، وَالْمُرَادُ فِي الْعَرْضِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ سَنَدٌ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ لَمَّا احْتَجَّ لِمَالِكٍ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُزَكَّى قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ صَدَقَتِهِ إلَّا دَيْنًا يَقْطَعُ بِهِ لِمَنْ يَلِي ذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَخْرُجَ زَكَاةُ كُلِّ مَالٍ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ احْتَجَّ أَيْضًا فِي عَرْضِ التِّجَارَةِ أَنَّهُ لَا يُزَكَّى حَتَّى يُبَاعَ وَيُقْبَضَ ثَمَنُهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْدَهُ أَيْضًا إنْ ابْتَاعَ الْعَرْضَ بِثَمَنٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَخَذَ بِهِ عَرْضًا لَمْ تَلْزَمْهُ زَكَاةُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَيْنًا فَمَا لَمْ يَنِضَّ فَهُوَ كَالْعَرَضِ فَكَأَنَّهُ ابْتَاعَ بِعَرَضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَخَذَ بِالْمِائَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا، وَذَكَرَ أَنَّهَا مُعَارِضَةٌ لِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَبْضَ الْحِسِّيَّ هُنَا مَطْلُوبٌ وَعَدَمَهُ مُؤْثَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ قَبْضِهِ عَرَضٌ مَبِيعٌ بِعَرْضٍ، انْتَهَى.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الثَّمَنَ لَا يُزَكَّى حَتَّى يُقْبَضَ، وَأَنَّهُ إنْ زَكَّاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَهُوَ دَيْنٌ وَالدَّيْنُ لَا يُزَكَّى قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ زَكَاةِ الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ عَيْنًا أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَلَيْسَ لَهُ صُورَةٌ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْعَرْضَ، وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ فِي
الْكِتَابِ: إذَا بَاعَ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي حِينَئِذٍ بَعْدَ الْقَبْضِ، انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ أَيْضًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سِلْعَةٌ لِلتِّجَارَةِ فَبَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِمِائَةِ دِينَارٍ إذَا قَبَضَ الْمِائَةَ دِينَارٍ زَكَّاهَا مَكَانَهُ، ثُمَّ قَالَ - فَرْعٌ - فَلَوْ بَاعَهَا بِمِائَةٍ إلَّا أَنَّهُ أَخَذَ بِهَا عَرَضًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُزَكَّى وَالْعَرْضَ لَا يُزَكَّى فَإِنْ بَاعَ الْعَرَضَ بِأَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَمَ أُمُورٌ مُتَوَهَّمَةٌ وَالْبَيْعُ يُحَقِّقُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (أَوْ نُقِلَتْ لِدُونِهِمْ)
ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: تَقَدَّمَ لِلْبَاجِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَقْلِ الزَّكَاةِ الْبَاجِيُّ، وَهَذَا إذَا نَقَلَ ذَلِكَ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَأَمَّا دُونَهُمْ فَهُمْ فِي حُكْمِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي مُسَمَّى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ أَقْوَالٍ، انْتَهَى. وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ فِي قَوْلِهِ " وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبَهُ " وَانْظُرْ الْبَيَانَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ وَانْظُرْ النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ.
ص (أَوْ دُفِعَتْ بِاجْتِهَادٍ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ)
ش: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي مَسَائِلِ الْحَبْسِ فِي أَوَّلِ الْوَرَقَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْحَبْسِ: وَأَمَّا الَّذِي زَكَّى مَالَ يَتِيمَةٍ ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ غَنِيًّا وَهُوَ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا صَنَعَ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَعَبَّدَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ إذَا أَعْطَى زَكَاتَهُ لِغَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَجْزَأَتْهُ زَكَاتُهُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُسْتَرَدَّ مِنْ عِنْدِهِ إذَا عَلِمَ بِهِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) فَإِنْ دَفَعَهَا لِشَخْصٍ يَظُنُّهُ غَنِيًّا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ آثَمُ، انْتَهَى. مِنْ عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَانْظُرْ الذَّخِيرَةَ
ص (أَوْ طَاعَ بِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ فِي صَرْفِهَا) ش، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا فِيهَا لَمْ يُجْزِهِ
دَفْعُهَا إلَيْهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ جَائِرًا فِي تَفْرِقَتِهَا وَصَرْفِهَا فِي غَيْرِ مَصَارِفِهَا لَمْ يُجْزِهِ دَفْعُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ، وَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ جَحْدُهَا وَالْهُرُوبُ فِيهَا مَا أَمْكَنَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ جَوْرُهُ فِي أَخْذِهَا لَا فِي تَفْرِقَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُجْزِيهِ ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَةِ دَفْعِهَا إلَيْهِ، انْتَهَى.
ص (لَا إنْ أُكْرِهَ)
ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ أَجْبَرَهُ أَجْزَأَ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَى أَخْذِهَا، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: فَإِنْ عَدَلَ فِي صَرْفِهَا أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فَفِي إجْزَائِهَا قَوْلَانِ، وَعَيَّنَ الْمُصَنِّفُ الْمَشْهُورَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ، وَهَذَا بَيِّنٌ إذَا أَخَذَهَا أَوَّلًا لِيَصْرِفَهَا فِي مَصَارِفِهَا، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَلَا، انْتَهَى، وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَهَذَا إنْ صَحَّ فَيَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى مَا إذَا أَخَذَهَا لِيَصْرِفَهَا فِي مَصَارِفِهَا أَمَّا إذَا كَانَ أَخْذُهُ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ كَمَا يُعْلَمُ قَطْعًا مِنْ بَعْضِهِمْ وَكَمَا فِي عَامَّةِ أَعْرَابِ بِلَادِنَا فَلَا يَتَمَشَّى ذَلِكَ فِيهِمْ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ، وَلَوْ أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ قُدِّمَتْ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ إذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ إذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُجْزِئُ قَبْلَ مَحِلِّهَا كَالصَّلَاةِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَغَيْرُهُ اسْتِحْسَانٌ، قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَحَمَلَ ابْنُ نَافِعٍ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَيْهِ وَهُوَ رَأَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ مَحِلِّهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَا بِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا حَتَّى
يُخْرِجَهَا بَعْدَ مَحِلِّهَا، انْتَهَى مِنْ أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ، قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَنْبَغِي إخْرَاجُ زَكَاةِ شَيْءٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ قَبْلَ وُجُوبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ فَيُجْزِئُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ فِيمَا بَعْدُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ هُنَا لَا يَنْبَغِي هُنَا بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَوْلِ رَاجِعٌ إلَى مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّسَخِ تَقْيِيدَ التَّقْدِيمِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِيمَا بَعْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ عَجَّلَ زَكَاةَ مَالِهِ لِعَامٍ أَوْ لِعَامَيْنِ أَوْ فِي الْعَامِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرُبَ الْحَوْلُ لَمْ يُجْزِهِ، وَاخْتُلِفَ إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ، انْتَهَى. وَلَا أَعْلَمُ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ إذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِكَثِيرٍ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ.
(الثَّانِي) لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَدَّ الْيَسِيرِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي حَدِّهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ، الثَّانِي - أَنَّهُ الْعَشَرَةُ الْأَيَّامِ وَنَحْوُهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، الثَّالِثُ - أَنَّهُ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، الرَّابِعُ أَنَّهُ الشَّهْرَانِ وَنَحْوُهُمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ، هَكَذَا قَالَ فِي الْبَيَانِ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الرَّابِعُ - أَنَّهُ الشَّهْرَانِ فَمَا دُونَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى.
وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، بَلْ قَالَ فِي قَوْلِهِ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ مِثْلُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَنَقَلَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ عِيَاضٌ، وَزَادَ هُوَ وَاللَّخْمِيُّ خَامِسًا، وَلَمْ يَعْزُوَاهُ وَهُوَ نِصْفُ شَهْرٍ، وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي حَدِّ الْيَسِيرِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا - إنَّهُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، الثَّانِي - إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُهَا، انْتَهَى. قُلْت: الْقَوْلُ بِالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يُشْبِهُ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْيَوْمَانِ وَنَحْوُهُمَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ لَمْ يَنْقُلَا قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ هُوَ الثَّالِثُ، وَجَّهَ صَاحِبُ الطِّرَازِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حَدَّ الْيَسِيرِ الشَّهْرُ، فَإِنَّهُ إذَا بَقِيَ لِحَوْلِهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَنَحْوُهَا فَقَدْ دَخَلَ شَهْرُ زَكَاتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفُقَرَاءِ حَاجَةٌ مُفْدَحَةٌ فَيُتَسَامَحُ فِي إخْرَاجِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ أَصْلَحُ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي كَلَامِهِ مَيْلٌ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ الشَّرِيفُ الْفَاسِيُّ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ فَلَعَلَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْمُخْتَصَرِ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ قُدِّمَتْ بِ كَشَهْرٍ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ لَأَفَادَ الْمَسْأَلَتَيْنِ - أَعْنِي التَّقْيِيدَ بِالْيَسِيرِ وَتَحْدِيدَهُ -، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَاشِيَةِ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُعَاةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّاعِي يَخْرُجُ وَيَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ مِمَّنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ مَجِيئِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ هُنَا، فَقَالَ لَمَّا ذَكَرَ التَّقْدِيمَ: وَيَجُوزُ فِي الْمَوَاشِي إذَا لَمْ يَكُنْ سُعَاةٌ عَلَى مِثْلِ مَا يَجُوزُ فِي الْعَيْنِ أَوْ كَانَ سُعَاةٌ عَلَى الْقَوْلِ إنَّهَا تُجْزِئُ إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي، انْتَهَى.
وَقَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ لِلسَّبَبِيَّةِ، كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ قُدِّمَتْ إذَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لِلظَّرْفِيَّةِ، أَيْ قُدِّمَتْ فِي زَكَاةِ عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ فَهِيَ ظَرْفٌ لِلتَّقْيِيدِ، ثُمَّ رَأَيْت الْبِسَاطِيَّ " أَنَّهَا لِلظَّرْفِيَّةِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِجْزَاءِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْنِ هَارُونَ فِي قَوْلِهِ " الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ " بِأَنَّهُ إنَّمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ والتِّلِمْسَانِيُّ
الْخِلَافَ فِي الْإِجْزَاءِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَطْلُوبَ تَرْكُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى وَأَرَى الشَّهْرَ قَرِيبًا عَلَى زَحْفٍ وَكُرْهٍ، وَقَوْلُهُ عَلَى زَحْفٍ بِالزَّايِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ اسْتِثْقَالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (فَإِنْ ضَاعَ الْمُقَدَّمُ فَعَنْ الْبَاقِي)
ش: يَعْنِي فَإِنْ قَدَّمَ زَكَاةَ مَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَضَاعَ الْمُقَدَّمَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْ الْبَاقِي إنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ قَدَّمَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِكَثِيرٍ أَوْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَقَبِلَهُ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَنَصُّهُ: إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَضَاعَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، قَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَخْرَجَهَا فِيهِ لَأَجْزَأَتْهُ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: قِيلَ مَعْنَاهُ تُجْزِئُ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْأَيَّامِ، وَذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَى أَنَّهُ مَتَى هَلَكَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَنَّهُ يُزَكِّي مَا بَقِيَ إنْ كَانَ فِيهِ زَكَاةٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَذَا يَأْتِي عِنْدِي عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ، وَإِنَّمَا تُجْزِئُهُ إذَا أَخْرَجَهَا وَنَقَدَهَا كَالرُّخْصَةِ وَالتَّوْسِعَةِ، فَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ وَلَمْ تَصِلْ إلَى أَهْلِهَا وَلَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا فَإِنَّ ضَمَانَهَا سَاقِطٌ عَنْهُ، وَيُؤَدِّي زَكَاةَ مَا بَقِيَ عِنْدَ حَوْلِهِ إلَّا عَلَى مَا تُؤَوَّلُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ
وَقَوْلُهُ " بِخِلَافِ الْأَيَّامِ " أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ فَضَاعَتْ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا إذَا قُدِّمَتْ عَلَى الْحَوْلِ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَقَطْ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، أَوْ نَحْوِهِمَا كَالثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ، وَاقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحَوْلِ عَلَى تَقْيِيدِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَتَقْيِيدَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَجَعَلَهُ مُخَالِفًا لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهَا فَصْلٌ فِيمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ تَلِفَ مِنْهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَيُزَكِّي الْبَاقِيَ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَفِيهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ فَتَلِفَتْ أَوْ أَخْرَجَهَا فَنَفَّذَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ تَنْفِيذُهَا فِيهِ يُزَكِّي الْبَاقِيَ إنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَنَصُّهُ: إذَا جُوِّزَ دَفْعُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِنَحْوِ الشَّهْرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَدَفَعَ نِصْفَ دِينَارٍ عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ وَبَقِيَ بَقِيَّةُ مَالِهِ بِيَدِهِ حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ زَكَاةً مَفْرُوضَةً أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا زَكَاةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَكُونُ زَكَاةً، ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ تَلِفَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ السَّاعِي قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، وَذَلِكَ الْوَقْتُ فِي حُكْمِ وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يَقَعُ ذَلِكَ مَوْقِعَ الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ بَلْ يَقَعُ عَلَى مُرَاعَاةِ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ عِنْدَ انْغِلَاقِ الْحَوْلِ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفُوا إذَا تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَمَاتَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ تَلِفَ