المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تنبيهات أحرم الصبي بغير إذن وليه ولم يعلم إلا بعد بلوغه] - مواهب الجليل في شرح مختصر خليل - جـ ٢

[الحطاب]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ الْعَاجِزُ عَنْ قِيَامِ السُّورَةِ لِلصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ يَسْقُطُ عَنْ الْمَرِيضِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ مَا عَجَزَ عَنْهُ]

- ‌[فَرْعٌ الْمُصَلِّي جَالِسًا إذَا دَنَا مِنْ رُكُوعِهِ]

- ‌[فَرْعٌ صَلَاةَ الْجَالِسِ]

- ‌[فَرْعٌ الْمُصَلِّي فِي الْمَحْمَلِ أَيْنَ يَضَعُ يَدَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ قَضَاءُ فَائِتَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَجَرَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ مَنْسِيَّاتٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَضَرِيَّةِ]

- ‌[فَصَلِّ السَّهْوِ عَنْ بَعْضِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ سَهَا فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ نَسِيَ سَهْوَهُ]

- ‌[تَنْبِيه السُّجُودَ الْقَبْلِيَّ]

- ‌[فَرْعٌ لَمْ يُعِدْ التَّشَهُّدَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا]

- ‌[فَرْعٌ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ وَقَدْ كَانَ تَيَقَّنَ غَسْلَهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ هَلْ يَنْوِي بِتَكْبِيرَةِ الْهُوِيِّ الْإِحْرَامَ أَمْ لَا]

- ‌[تَنْبِيهٌ تَشَهَّدَ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ]

- ‌[فَرْعٌ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ السَّلَامِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شَكَّ فِي فَرْضٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمْ يَدْرِهِ بِعَيْنِهِ]

- ‌[فَرْعٌ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ حَتَّى سَلَّمَ]

- ‌[تَنْبِيه كَرَّرَ أُمَّ الْقُرْآنِ سَهْوًا]

- ‌[فَائِدَة أَبْكَمَ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ]

- ‌[فَرْعٌ خَافَ تَلَفَ مَالٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَكَانَ كَثِيرًا وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ أَتَاهُ أَبُوهُ لِيُكَلِّمَهُ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ يَقُومُ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ إثْرَ سَلَامِ الْإِمَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سَلَّمَ يَعْنِي الْمَأْمُومَ وَانْصَرَفَ لِظَنِّ]

- ‌[فَرْعٌ قَامَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ثُمَّ رَجَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ]

- ‌[فَرْعٌ انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَذُكِّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِبَ فَرَجَعَ]

- ‌[تَنْبِيه قِيَامِ الْإِمَامِ لِلْقُنُوتِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ]

- ‌[تَنْبِيه يَقْعُدُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْعَسُ]

- ‌[تَنْبِيهٌ نَعَسَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ رُكُوعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ سُجُود التِّلَاوَة بِشَرْطِ الصَّلَاةِ بِلَا إحْرَامٍ]

- ‌[فَصَلِّ مَا زَادَ عَلَى الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[فَرْعٌ ذَكَرَ صَلَاةً بَقِيَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَرْعٌ مَا كَانَ مِنْ الصَّلَاةِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ]

- ‌[فَرْعٌ صَلَّى التَّحِيَّةَ ثُمَّ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَجَعَ بِالْقُرْبِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّرَاوِيحُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ]

- ‌[فَرْعٌ افْتَتَحَ الرَّكْعَة الَّتِي يَخْتِم بِهَا بِالْفَاتِحَةِ ثُمَّ أَرَادَ إِن يبدأ بِسُورَةِ الْبَقَرَة]

- ‌[فَرْعٌ يُرِيدُ أَنْ يُطَوِّلَ التَّنَفُّلَ فَيَبْدَأَ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ أَنْ يَخُصَّهُمَا بِالنِّيَّةِ]

- ‌[فَرْعٌ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ]

- ‌[فَصَلِّ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[فَرْعٌ صَلَّوْا الصُّبْحَ جَمَاعَةً وَارْتَحَلُوا وَلَمْ يَنْزِلُوا إلَّا بَعْدَ الْعِشَاء]

- ‌[فَرْعٌ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ قَطْعَ صَلَاتِهِ]

- ‌[فَصَلِّ مَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ]

- ‌[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ صَلَّى جَمَاعَتَانِ بِإِمَامَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ]

- ‌[الثَّانِي أَهْلُ السَّفِينَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْتَرِقُوا عَلَى طَائِفَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الثَّالِث يُصَلُّونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِإِمَامَيْنِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ]

- ‌[فَرْعٌ الْمَرَاوِحِ أَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوَّحَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَائِدَة خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَبِيَدِهِ حَصْبَاءُ نَسِيَهَا أَوْ بِنَعْلِهِ]

- ‌[فَرْعٌ دَخَلَ مَعَ قَوْمٍ فِي صَلَاةِ عَلَى أَنَّهَا الظُّهْرُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ]

- ‌[فَرْعٌ الْمُوقِنَ إذَا ائْتَمَّ بِالشَّاكِّ]

- ‌[فَرْعٌ ائْتِمَامِ نَاذِرِ رَكْعَتَيْنِ بِمُتَنَفِّلٍ]

- ‌[فَرْعٌ وَيُحْرِمُ الْإِمَامُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ الصُّفُوفِ]

- ‌[فَرْعٌ تَقْدِيمُ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ لِحُسْنِ صَوْتِهِ]

- ‌[فَصَلِّ رَجُلَيْنِ أَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ يُحْدِثُ الْإِمَامُ فَيَسْتَخْلِفُ صَاحِبَهُ]

- ‌[فَرْعٌ رَأَى الْمَأْمُومُ نَجَاسَةً فِي ثَوْبِ الْإِمَامِ]

- ‌[فَرْعٌ أحرم وَالْإِمَام رَاكِع فِي الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَة فَاسْتَخْلَفَهُ قَبْل أَنْ يركع الدَّاخِل]

- ‌[فَصَلِّ صَلَاةُ السَّفَرِ]

- ‌[فَرْعٌ سَافَرَ مَسَافَة تقصر فِيهَا الصَّلَاةُ ثُمَّ اسلم فِي أَثْنَائِهَا أَوْ احتلم]

- ‌[فَائِدَتَانِ الْمِيلِ هَلْ هُوَ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَشُهِرَ أَوْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ]

- ‌[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ قَصَرَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْبُيُوتِ]

- ‌[الثَّانِي الْقَوْمِ يَبْرُزُونَ مِنْ مَكَّة إلَى ذِي طُوًى يُرِيدُونَ الْمَسِيرَ أَيَقْصُرُونَ]

- ‌[الثَّالِث صَلَاة الْقَصْر لِمَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْر]

- ‌[الرَّابِع بَانَ الْمُسَافِرُ عَنْ أَهْلِهِ ثُمَّ نَوَى الرَّجْعَةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَنَوَى السَّفَرَ]

- ‌[فَرْعٌ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ نَهْرٌ جار مجاور مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَهَلْ يُقَصِّر]

- ‌[فَرْعٌ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الْخُصُوصِ]

- ‌[فَرْعٌ سَافَرَ الْعَبْدُ بِسَفَرِ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ بِسَفَرِ زَوْجِهَا وَنَوَوْا الْقَصْرَ]

- ‌[فَرْعٌ عَزَمَ الْقَصْر بَعْدَ نِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى السَّفَرِ]

- ‌[فَرْعٌ نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعٍ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ بِنِيَّةٍ]

- ‌[فَرْعٌ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْقَوْمِ وَيَظُنُّهُمْ مُقِيمِينَ]

- ‌[فَرْعٌ جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِشِدَّةِ السَّيْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَقَامَ بِمَكَانِهِ]

- ‌[فَرْعٌ جَمَعَ فِي السَّفَرِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّنَفُّلُ فِي السَّفَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمْعِ الْبَادِيَةِ فِي وَسَطِ النَّزْلَةِ]

- ‌[فَرْعٌ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثُمَّ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ]

- ‌[فَصَلِّ شَرْطُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[تَنْبِيه أَخَّرَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ الصَّلَاةَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عذر]

- ‌[فَائِدَة لِمَ سُمِّيَتْ الْجُمُعَةَ بِالْجُمُعَةِ]

- ‌[فَرْعٌ ذِكْرِ خَطِيبِ الصَّلَاةِ فِي خُطْبَتِهِ الصَّحَابَةَ وَالسُّلْطَانُ]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاةُ فِي أَيَّامِ مِنًى بِمِنًى]

- ‌[فَرْعٌ الْأَذَانُ بَيْنَ يَدِي الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ صَلَاةُ الْخَوْفِ]

- ‌[فَصَلِّ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصَلِّ صَلَاةُ الْكُسُوفِ]

- ‌[فَرْعٌ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ صَلَاة الْكُسُوف]

- ‌[فَصَلِّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[تَنْبِيه الْخُرُوجَ إلَى الصَّحْرَاءِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[فَصَلِّ غُسْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّكْفِين بِثَوْبِ غَسَلَ بِمَاء زَمْزَم]

- ‌[الصلاة على الميت]

- ‌[تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ الطَّهَارَة لِصَلَاةِ الْجِنَازَة]

- ‌[الثَّانِي اشْتِرَاط الْجَمَاعَة فِي صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الثَّالِث ذِكْر مَنْسِيَّة فِي صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الرَّابِع صلوا الْجِنَازَة قُعُود]

- ‌[الْخَامِس قَهْقَهَ أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا فِي صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[السَّادِس صَلَّى عَلَيْهَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ قَبْلَ الدَّفْنِ]

- ‌[السَّابِع نوي الْإِمَام الصَّلَاةَ عَلَيَّ احدي الْجِنَازَتَيْنِ وَمنْ خَلْفه يَنْوِيهِمَا]

- ‌[مسائل متعلقة بالغسل والدفن والصلاة]

- ‌[فَرْعٌ غُسِلَتْ الْمَيِّتَةُ ثُمَّ وُطِئَتْ]

- ‌[غسل الزوجين للآخر]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ فَأَرَادَ زَوْجُهَا دَفْنَهَا فِي مَقْبَرَتِهِ وَأَرَادَ عَصَبَتُهَا دَفْنَهَا فِي مَقْبَرَتِهِمْ]

- ‌[فَرْعٌ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدِمَ رَجُلٌ لَمْ يُغَسِّلْهُ]

- ‌[فُرُوعٌ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ]

- ‌[تبين أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[مَا يُدْعَى بِهِ لِلْمَيِّتِ وَالدُّعَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ]

- ‌[الدُّعَاء لِلْمَيِّتِ إِن كَانَ رَجُلًا بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَالْإِفْرَادِ]

- ‌[صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ فَوَجَدَ الْمَيِّتَ ذَكَرًا]

- ‌[الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ الْمَيِّت]

- ‌[تُصَفَّ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ]

- ‌[فَرْعٌ يَسْتَعِدَّ لِلْكَفَنِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ الْقَبْرُ]

- ‌[فَرْعٌ كَيْفِيَّة الْغُسْلِ]

- ‌[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ الْبَخُور عِنْد غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الثَّانِي مَا يَجِب عَلَيَّ الْغَاسِل]

- ‌[فَرْعٌ أَوْصَى بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَى ثَوْبٍ فَزَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ آخَرَ]

- ‌[فَرْعٌ الْقِيَام فِي صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[فَرْعٌ تَقَدُّمُ الْمُصَلِّي عَلَى الْإِمَامِ وَالْجِنَازَةِ]

- ‌[فَرْعٌ سُنَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الْأَوَّلُ الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ]

- ‌[الثَّانِي مَحَلِّ التَّعْزِيَةِ]

- ‌[الثَّالِث مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيَة]

- ‌[الرَّابِع التَّعْزِيَةِ بِالنِّسَاءِ وَالْقَرِينِ الصَّالِحِ]

- ‌[الْخَامِس تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ أَوْ بِالْكَافِرِ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ لِمَنْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ بِالْمَيِّتِ عَدَدٌ مَحْصُورٌ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ]

- ‌[ضَرْبُ الْفُسْطَاطِ عَلَى قَبْرِ الْمَرْأَةِ]

- ‌[يَحْفِرَ قَبْرًا لِيُدْفَنَ فِيهِ]

- ‌[دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ غَيْره مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ]

- ‌[الْمُعَلَّاةَ وَالشَّبِيكَةَ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَبَّلَةِ]

- ‌[مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ]

- ‌[الثَّانِيَة اتِّخَاذُ الْقُبُورِ وَطَنًا]

- ‌[فَرْعٌ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مَعْزٌ وَأَعْطَى ضَأْنًا]

- ‌[فَرْعٌ وَجَبَتْ بِنْتُ اللَّبُونِ فَلَمْ تُوجَدْ وَوُجِدَ حِقٌّ]

- ‌[فَرْعٌ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَفْضَلَ مِنْ الْوَاجِبِ وَأَعْطَى عَنْ الْفَضْلِ ثَمَنًا]

- ‌[فَرْعٌ الْمَاشِيَة صِنْفَيْنِ تَوَافَرَتْ فِي أَحَدهمَا شُرُوط الزَّكَاةِ وَلَمْ تَتَوَافَر فِي الْآخِر]

- ‌[نَزَلَ بِهِ السَّاعِي فَقَالَ لَهُ إنَّمَا أَفَدْت غَنَمِي مُنْذُ شَهْرٍ]

- ‌[لَا يَحِلُّ لِلسَّاعِي أَنْ يَسْتَضِيفَ مَنْ يَسْعَى عَلَيْهِ]

- ‌[لِكُلِّ أَمِيرِ إقْلِيمٍ قَبْضُ صَدَقَاتِ إقْلِيمِهِ]

- ‌[حَالَ الْحَوْلُ وَالْإِبِلُ فِي سَفَرٍ]

- ‌[تَخْرُجُ السُّعَاةُ لِلزَّرْعِ وَالثِّمَارِ عِنْدَ كَمَالِهَا]

- ‌[دُعَاء السَّاعِي لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ]

- ‌[ذَبَحَ الشَّاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ وَصَدَّقَهَا لَحْمًا]

- ‌[فَرْعٌ ضَلَّ بَعِيرٌ مِنْ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ]

- ‌[تَنْبِيه أَتَى السَّاعِي بَعْدَ غَيْبَة سِنِينَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَعَهُ أَلْفُ شَاة أَخَذْتهَا مِنِّي]

- ‌[تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ هَلَكَ الْمَال الَّذِي تجب فِيهِ الزَّكَاة]

- ‌[الثَّانِي عَدَّ نِصْفَ الْمَاشِيَةِ الَّتِي تجب فِيهَا الزَّكَاةُ وَمَنَعَهُ مِنْ عَدِّ بَاقِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ عَزَلَ مِنْ مَاشِيَةٍ شَيْئًا لِلسَّاعِي فَوَلَدَتْ]

- ‌[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ بَاعَ الْمُسْلِمُ أَرْضًا لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا لِذِمِّيٍّ]

- ‌[الثَّانِي مَنَحَ أَرْضَهُ صَبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ أَكْرَاهَا]

- ‌[الثَّالِث وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجِبَالِ مِنْ كَرْمٍ وَزَيْتُونٍ وَتَمْرٍ]

- ‌[فَرْعٌ عَجَّلَ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ أَوْ أَخَّرَهَا]

- ‌[تَنْبِيهَانِ مَاتَ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ ذِمَّتَهُ]

- ‌[فَرْعٌ وَهَبَ الزَّرْعَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ]

- ‌[فَرْعٌ الزَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ خَرْصُهُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَأْمُونِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ الْمُخَاطَبُ بِزَكَاةِ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ]

- ‌[السَّفِيهُ الْبَالِغُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ]

- ‌[الْوَصِيَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُنَمِّيَ مَالَ الْيَتِيمِ]

- ‌[فَرْعٌ زَكَاة مَا جُعِلَ فِي ثِيَابِ الرَّجُلِ أَوْ الْجُدُرِ مِنْ الْوَرِقِ]

- ‌[فَرْعٌ زَكَاة مَا تحلي بِهِ الْكَعْبَة وَالْمَسَاجِد]

- ‌[فَرْعٌ وَرِثَ حُلِيًّا لَمْ يَنْوِ بِهِ تِجَارَةً وَلَا قُنْيَةً]

- ‌[فَرْعٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَزَلَهَا الْمُتَصَدِّقُ فَأَقَامَتْ سِنِينَ]

- ‌[تَجَرَ فِي الْمَالَيْنِ فَرَبِحَ فِيهِ سِتَّةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا هُوَ فَكَيْف يُزْكِيه]

- ‌[فَرْعٌ لَهُ دَنَانِيرُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَاشْتَرَى عَرْضًا لَلْهُرُوبَ مِنْ الزَّكَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ يَبِيعُ الْعَرْضَ بِالْعَرْضِ وَلَا يَنِضُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ عَيْنٌ فَمَا حُكْم زَكَاته]

- ‌[فَرْعٌ أَخْرَجَ الْمُحْتَكِرُ زَكَاتَهُ قَبْلَ بَيْعِ الْعَرْضِ]

- ‌[فَرْعٌ بَعَثَ الْمُدِيرُ بِضَاعَةً وَجَاءَ شَهْرُ زَكَاتِهِ]

- ‌[فَرْعٌ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فَحَالَ حَوْلُهُ وَزَكَّى مَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَدِمَ مَالُهُ الْغَائِبُ سِلَعًا]

- ‌[فَرْعٌ أَخَّرَ الزَّكَاةَ انْتِظَارًا لِلْمُحَاسَبَةِ فَضَاعَ]

- ‌[فَرْعٌ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلِ وَهُوَ عَيْنٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغِلَّهُ]

- ‌[فَرْعٌ وَلَا يَضُمُّ الْعَامِلُ مَا رَبِحَ إلَى مَالٍ لَهُ آخَرَ لِيُزَكِّيَ]

- ‌[فَرْعٌ الزَّكَاةُ فِيمَا رِبْحه الْعَامِل إِذَا ضَمّ إلَيْهِ مَال رَبّ الْمَال]

- ‌[فَرْعٌ اشْتِرَاطُ زَكَاةِ الْمَالِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِبْحِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ]

- ‌[فَرْعٌ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ زَكَاةَ الرِّبْحِ فَتَفَاصَلَا قَبْلَ الْحَوْلِ]

- ‌[فَرْعٌ حُكْم مُقَارَضَة النَّصْرَانِيَّ]

- ‌[فَرْعٌ الزَّكَاةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ]

- ‌[أَوْصَى بِمَالٍ لِشَخْصٍ يَشْتَرِي بِهِ أَصْلًا وَيُوقَفُ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَبْلَ الشِّرَاءِ]

- ‌[فَرْعٌ الزَّكَاة فِي غلة الدُّورُ إذَا وُقِفَتْ]

- ‌[فَرْعٌ تَلِفَ مَا خَرَجَ مِنْ النَّيْلِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَهَلْ يُضَمُّ مَا خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْهِ]

- ‌[فَرْعٌ مَا أَصَابَهُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنْ رِكَازٍ]

- ‌[فَرْعٌ مَا كَانَ فِي جِدَارٍ مِنْ ذَهَبَ أَوْ فِضَّةٍ]

- ‌[فَرْعٌ رِكَاز الْأَرْضِ إذَا بِيعَتْ]

- ‌[فَرْعٌ مَا غُسِلَ مِنْ تُرَابِ سَاحِلِ بَحْرٍ وُجِدَ بِهِ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةُ مَعْدِنٍ]

- ‌[فَرْعٌ أَسْلَمَ دَابَّتَهُ فِي سَفَرٍ آيِسًا مِنْهَا فَأَخَذَهَا مَنْ أَخَذَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَعَاشَتْ]

- ‌[فَصَلِّ مصارف الزَّكَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ يُعْطِي الْفَقِيه مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ لَهُ كَتَبَ يَحْتَاج إلَيْهَا]

- ‌[فَرْعٌ الْيَتِيمَةَ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَا تَصْرِفُهُ فِي ضَرُورِيَّاتِ النِّكَاحِ]

- ‌[تَنْبِيه السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ لِمَنْ لَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ]

- ‌[فَرْعٌ صَرْف الزَّكَاةِ فِي كفن مَيِّت أَوْ بِنَاء مَسْجِد أَوْ لِكَافِرِ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْغَارِمِينَ الْمُصَادَرُ]

- ‌[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ وَجَبَ جُزْءُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَأَخْرَجَ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى بِالْقِيمَةِ]

- ‌[الثَّانِي إخْرَاجُ الْعَرَضِ وَالطَّعَامِ عَنْ الْوَرَقِ أَوْ الذَّهَبِ فِي الزَّكَاةِ]

- ‌[الثَّالِث وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا أَوْ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ]

- ‌[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَغَيْرِ إذْنِهِ]

- ‌[الفرع الثَّانِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ]

- ‌[الفرع الثَّالِث عَزَلَ زَكَاتَهُ بَعْدَ وَزْنِهَا لِلْمَسَاكِينِ وَدَفَعَهَا لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَادِمُونَ إلَى بَلَدٍ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ]

- ‌[مسالة لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي]

- ‌[فَصَلِّ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِ صَاعٍ عَنْ نَفْسِهِ وَبَعْضِ صَاعٍ عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ]

- ‌[الثَّانِي تَعَدَّدَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا صَاعًا وَاحِدًا أَوْ بَعْضَ صَاعٍ]

- ‌[الثَّالِث قَدْرُ الصَّاعِ]

- ‌[فَصَلِّ مَنْ تجب عَلَيْهِ الزَّكَاةُ]

- ‌[فَرْعٌ زَكَاة الْفِطْرِ هَلْ يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالزَّكَاةُ عَنْهُ]

- ‌[الْمُكَاتَبُ وَالْمُخَدِّمُ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ]

- ‌[لِلْكَافِرِ عَبْد مُسْلِم فَهَلْ تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[ارْتَدَّ مُسْلِمٌ فَدَخَلَ وَقْتُ الزَّكَاةِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ ثُمَّ تَابَ]

- ‌[جَنَى عَبْدٌ جِنَايَةً عَمْدًا فِيهَا نَفْسُهُ فَلَمْ يُقْتَلْ إلَّا بَعْدَ الْفِطْرِ]

- ‌[الزَّوْجُ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]

- ‌[صَبِيٌّ فِي حِجْرِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَلَهُ بِيَدِهِ مَالٌ]

- ‌[أَمْسَكَ عُبَيْدَ وَلَدِهِ الصِّغَارَ لِخِدْمَتِهِمْ وَلَا مَالَ لِلْوَلَدِ سِوَاهُمْ]

- ‌[تَنْبِيه عِنْدَهُ قَمْحٌ فِي مَنْزِلِهِ وَأَرَادَ شِرَاءَ الْفِطْرَةِ مِنْ السُّوقِ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْأَبِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الْغَنِيِّ أَمْ لَا]

- ‌[فَرْعٌ أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ أَوْ أَرَادَ أَهْلُهُ أَنْ يُزَكُّوا عَنْهُ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[بَاب مَا يَثْبُت بِهِ رَمَضَان]

- ‌[بَابٌ الِاعْتِكَافُ]

- ‌[فَرْعٌ الِاعْتِكَافُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ]

- ‌[فَرْعٌ نَذَرَ الصَّوْمَ بِمَكَّة أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

- ‌[فَرْعٌ نَذَرَ صَوْمًا بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ وَغَيْرِ رِبَاطٍ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ اعْتَكَفَ بِمَكَّةَ]

- ‌[فَرْعٌ وَتَرْقِيعُ ثَوْبِهِ وَقْت الِاعْتِكَاف]

- ‌[فَرْعٌ الْمُعْتَكِف إذَا اصْبَحْ جنبا]

- ‌[بَابُ الْحَجِّ]

- ‌[فَائِدَة أَحْكَامَ الْحَجِّ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَلَمْ يَعْلَم إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ حَجُّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ رُكُوبُ الْبَحْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ خَرَجَ لِحَجٍّ وَاجِبٍ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ]

- ‌[فَرْعٌ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إهْدَاء الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَرْعٌ قَرَنَ يَنْوِي الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ]

الفصل: ‌[تنبيهات أحرم الصبي بغير إذن وليه ولم يعلم إلا بعد بلوغه]

الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ فِي حَالَ رِقِّهِ ثُمَّ عَتَقَ أَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ بُلُوغِهَا ثُمَّ بَلَغَا فَلَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْإِحْرَامُ فَرْضًا، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَلَوْ رَفَضُوهُ وَنَوَوْا الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ بِالْفَرْضِ لَمْ يَرْتَفِضْ، وَهُمْ بَاقُونَ عَلَى إحْرَامِهِمْ وَلَوْ حَصَلَ الْعِتْقُ وَالْبُلُوغُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: يُجْزِيهِمَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ وَالْبُلُوغُ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَوَافَقَهُمَا فِي الْعَبْدِ وَمَنَعَ انْعِقَادَ إحْرَامِ الصَّبِيِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَهُوَ صَبِيٌّ ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُرْفَضُ إحْرَامُهُ وَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ إنْ نَوَى فِي إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ انْتَهَى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ عَلَى الْإِجْزَاءِ فِيمَا إذَا اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ، وَأَمَّا إذَا نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ الْفَرْضَ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَانْظُرْهُ، انْتَهَى.

(قُلْت) هَذَا الْحَمْلُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَالصَّبِيُّ وَالْجَارِيَةُ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَمَادَوْا عَلَى حَجِّهِمْ، وَلَمْ يُجِزْ لَهُمْ أَنْ يُجَدِّدُوا إحْرَامًا وَلَا تَجْزِيهِمْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى.

وَلَفْظُ الطِّرَازِ أَبْيَنُ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ يُحْرِمُ ثُمَّ يَبْلُغُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهَا فَيُجَدِّدُ إحْرَامًا: إنَّهُ لَا يُجْزِي عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: قَالَ: لَوْ أَنَّ غُلَامًا مُرَاهِقًا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ احْتَلَمَ مَضَى عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ وَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يُرْدِفَ إحْرَامًا عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى.

وَقَالَ سَنَدٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ: لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ نَفْلًا إجْمَاعًا وَمَا عُقِدَ نَفْلًا لَا يَنْقَلِبُ فَرْضًا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْإِكْمَالِ السَّابِقِ: إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِالْحَجِّ وَبَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ فَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَ نَفْلًا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ عَنْ مَالِكٍ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ سَوَاءٌ جَدَّدَ إحْرَامًا أَمْ لَا، وَنَحْوُهُ لِلتِّلِمْسَانِيِّ وَالْقَرَافِيِّ وَنَحْوُهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ لِقَوْلِهِ: اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَاهِقِ وَالْعَبْدِ يُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ ثُمَّ يَحْتَلِمُ هَذَا وَيُعْتَقُ هَذَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا سَبِيلَ إلَى رَفْضِ إحْرَامِهَا وَيَتَمَادَيَانِ وَلَا يُجْزِيهِمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ: انْتَهَى بِمَعْنَاهُ، وَنَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا التَّمَادِي وَلَا يَكُونُ لَهُمَا رَفْضٌ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِثْلُ مَالِهِ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ وَهَذَا النَّقْلُ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهَاتٌ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَلَمْ يَعْلَم إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ظَاهِرٌ إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالسَّيِّدِ ثُمَّ أَجَازَاهُ فَإِنْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ وَلَا السَّيِّدُ بِذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدَ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحَلِّلَ الصَّبِيُّ وَلَوْ بَلَغَ إذَا كَانَ سَفِيهًا؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْمَوَانِعِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحَلِّلَ السَّفِيهَ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَيُحَلِّلُهُ مِنْ هَذَا الْإِحْرَامِ النَّفَلُ لَيُحْرِمَ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ رَشِيدًا وَانْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَتَقَ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُحَلِّلَهُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ وَيَتَمَادَى عَلَى حَجِّهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ فَأَعْتَقَ أَوْ بَلَغَ أَحْرَمَ عَنْ فَرِيضَتِهِ، وَلَوْ بِعَرَفَاتٍ لَيْلَتُهَا وَلَا دَمَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ، أَمَّا لَوْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَهُمَا بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ فَلَا الضَّمِيرُ فِي كَانَ

ص: 488

عَائِدٌ عَلَى أَحَدِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَقَوْلُهُ: قَبْلَهُمَا، أَيْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ، أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ بِإِذْنِ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحَلِّلَهُ وَكَلَامُهُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّبِيِّ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُ السَّفِيهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ فَلَا؛ لِأَنَّ بِالْعِتْقِ ارْتَفَعَ حُكْمُ السَّيِّدِ عَنْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّمَادِي فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَانْظُرْ مَنَاسِكَ ابْنِ فَرْحُونٍ.

(الثَّانِي) لَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ إحْرَامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ إحْرَامَ الْوَلِيِّ يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْفُضَهُ وَيُجَدِّدَ إحْرَامًا بِالْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مَعْتُوهٍ انْتَهَى.

(قُلْت) إنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْمَعْتُوهِ الْمَجْنُونَ وَهُوَ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: الْمَعْتُوه الذَّاهِبُ الْعَقْلِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةٌ يُعِيدُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ أَبَدًا فَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهِ ضَعِيفُ الْعَقْلِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ.

(الرَّابِعُ) إنْ قِيلَ: ظَاهِرُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ وُقُوعَهُ فَرْضًا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ وَاجِبًا بِأَنْ يَقَعَ فَرْضًا، وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِمُقَارَنَتِكُمْ بَيْنَهُمَا بِتَشْبِيهِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ؛ قِيلَ: نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ شَرْطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا حَتَّى يَحْصُلَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ، فَلَوْ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ وَتَحَمَّلَ الْمَشَاقَّ وَالْكَفَّ وَحَجَّ قَبْلَ حُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ مَعَ أَنَّهُ أَوَّلًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الِاسْتِطَاعَةُ عِنْدَهُ شَرْطٌ أَوْ سَبَبٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَجِبُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِ وُجُوبِهِ وَلَا مَعَ فَقْدِ سَبَبِ وُجُوبِهِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يُجْزِئُ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ عَنْ الْفَرْضِ؟ (فَالْجَوَابُ) كَمَا قَالَ سَنَدٌ: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا حَصَلَ بِمَوْضِعِ الْحَجِّ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فَأَجْزَأَهُ فِعْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَبْلُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَجْزِيَهُ عَنْ فَرْضٍ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ إذَا وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ بِخِدْمَةِ النَّاسِ أَوْ بِالسُّؤَالِ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَجَابَ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُجْزِي عَنْ الْوَاجِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، كَالْجُمُعَةِ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَتُجْزِيهِمَا عَنْ الظُّهْرِ انْتَهَى.

(قُلْت) إنَّمَا أَجْزَأَتْ الْجُمُعَةُ عَنْ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلِاسْتِقْرَارِ وُجُوبِ شَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) اُنْظُرْ هَلْ عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ أَنْ يَجْزِيَهُ عَنْ الْفَرْضِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ، مَا حُكْمُ مَنْ كَانَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ مِنْهُ ثُمَّ تَكَلَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوُصُولَ إلَى مَكَّةَ عَلَى وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ الشَّرْعُ عَلَيْهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، قَالَ سَنَدٌ: لَمَّا قَسَّمَ شُرُوطَ الْحَجِّ وَمِنْهَا مَا يُمْنَعُ فَقْدُهُ الْوُجُوبَ دُونَ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ: وَأَمَّا عَدَمُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ فَيُمْنَعُ الْوُجُوبُ دُونَ الْإِجْزَاءِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَكَلَامِ غَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَتَخَرَّجَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْحُكْمِ سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَإِنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا لَمْ يُعْتَبَرْ إجْمَاعًا وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا اُعْتُبِرَ إجْمَاعًا وَإِنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهَا بَعْدَ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ سَبَبُهَا وَكَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَعْدَ جَرَيَانِ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ، وَقَبْلَ وُجُوبِ شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَخْتَلِفُ التَّشْهِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِحَسَبِ مَدَارِكَ أُخَرَ، فَنَقُولُ: كَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا وَقَعَ بَعْدَ شُرُوطِهِ

ص: 489

وَقَبْلَ سَبَبِهِ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَيَتَّجِهُ حِينَئِذٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْصُلْ الِاسْتِطَاعَةُ لَمْ يَصِحَّ الْحَجُّ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطُ صِحَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَطِيعِ لَا يُجْزِئُهُ حَجُّهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ الْقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ: إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فَرَضْنَاهَا وَهِيَ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ فَتَكَلَّفَ وَأَتَى وَمَا حَصَلَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِهِ مِنْ مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مُسْتَطِيعًا فَلَا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ وَلَا فِي صِحَّةِ حَجِّهِ وَإِجْزَائِهِ عَنْ الْفَرْضِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ أَنْ نَقُولَ بِالْإِجْزَاءِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا حَصَلَ السَّبَبُ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ وَفُقِدَتْ الشُّرُوطُ أَعْنِي الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشُّرُوطِ عَدَمُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ غَيْرَ مُسْتَطِيعِينَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا تُصْرَفُ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا فِي التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمَا.

وَقَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ وَنَفْلٍ يَعْنِي بِهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الْحَجِّ فَرْضًا أَنْ يَخْلُوَ عَنْ نِيَّةِ النَّفْلِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْفَرْضَ أَوْ يَنْوِيَ الْحَجَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَهُ سَنَدٌ، وَنَصَّهُ وَلَوْ نَوَى الْحَجَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ انْصَرَفَ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْجَمِيعِ إذَا كَانَ صَرُورَةً وَذَلِكَ لِتَأْثِيرِ قُرْبِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ إذَا نَوَى النَّفَلَ هَلْ يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ صَرُورَةٌ، قَالَ: يَنْصَرِفُ إلَى فَرْضِ نَفْسِهِ انْتَهَى.

فَنَحْصُلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا نَوَى النَّفَلَ انْعَقَدَ وَلَمْ يَنْقَلِبْ فَرْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَكَرِهَ لَهُ تَقْدِيمَ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ قَالَهُ الْجَلَّابُ وَالتَّلْقِينُ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِمَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ تَقْدِيمُهُ عَلَى فَرْضٍ قَالَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ بَقِيَّةٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ قَرَنَ النَّفَلَ مَعَ الْفَرْضِ فَجَعَلَهُ الْبِسَاطِيُّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَوَى النَّفَلَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ، فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَالَ: أَيْ خَالٍ مِنْ نِيَّةِ نَفْلٍ سَوَاءٌ لَمْ يَنْوِ إلَّا النَّفَلَ أَوْ قَرَنَهُ عَلَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ انْتَهَى.

وَهُوَ فِي عُهْدَةِ قَوْلِهِ: أَوْ قَرَنَهُ، وَقَوْلُهُ: غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَنَى بِهِ قَوْلَهُ أَوْ قَرَنَهُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ عَنَى بِهِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ فَغَيْرُ مُسْلِمٍ وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ: بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ، يُغْنِي عَنْهُ مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَقْتَ إحْرَامِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ فَقَدْ انْعَقَدَ إحْرَامُهُمَا نَافِلَةً، وَلَا يَنْقَلِبُ فَرِيضَةً، وَكَذَلِكَ نَفْلُ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ انْقِلَابِ نَفْلِهِمَا إلَى الْفَرْضِ وَعَدَمِ انْقِلَابِ نَفْلِ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ الْإِحْرَامُ حَصَلَ مِنْهُمَا وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ أَلْبَتَّةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَحَالَ أَنْ يَنْقَلِبَ النَّفَلُ فَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفَرْضُ بِخِلَافِ نَفْلِ مَنْ كَانَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَلِبَ فَرْضًا فَلِذَلِكَ نُبِّهَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّادِسُ) تَقَدَّمَ أَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ الْحَجِّ الْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَأَنَّهَا أَيْضًا مِنْ شَرْطِ وُقُوعِهِ فَرْضًا، وَهَذَا إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُمَيِّزَ عَاقِلٌ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا عَقْلَ إلَّا لِلْبَالِغِ فَيَكْفِي اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ عَنْ الْبُلُوغِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْعَبِيدَ مُسْتَغْرِقُونَ بِحُقُوقِ السَّادَاتِ وَالْحَجُّ مَشْرُوعٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَهُمْ غَيْرُ مُسْتَطِيعِينَ، وَقِيلَ فِي إسْقَاطِهِ عَنْهُمْ: إنَّهُمْ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي الْخِطَابِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي دُخُولِهِمْ فِي خِطَابِ الْأَحْرَارِ وَالصَّحِيحُ دُخُولُهُمْ انْتَهَى.

وَكَوْنُ شُرُوطِ الْوُجُوبِ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ وَالْعَقْلَ هُوَ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطًا بَلْ جَعَلَهَا سَبَبًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَعَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَذَاهِبِ مِنْ أَنَّهَا شَرْطٌ؛ فَنَقُولُ: شُرُوطُ الْوُجُوبِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ

ص: 490

وَالِاسْتِطَاعَةُ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَإِمْكَانِ السَّيْرِ وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي فُرُوعِ الِاسْتِطَاعَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ يُزِيدَانِ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ الْمَحْرَمُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ شَرْطًا عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ هُوَ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَى قَوْلِ الْبَاجِيِّ: هُوَ وَالْعَقْلُ، وَعَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِّ وَغَيْرُهُ هُمَا وَالِاسْتِطَاعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ) ش لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ شَرْطِهِ وَسَبَبِهِ وَانْتِفَاءِ مَانِعِهِ، وَفَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِ الْحَجِّ ذَكَرَ هُنَا سَبَبَهُ وَسَيَذْكُرُ فِي آخِرِ الْحَجِّ مَوَانِعَهُ، فَقَالَ: وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ، يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَجِّ الِاسْتِطَاعَةُ، وَإِفْرَادُهَا عَنْ شُرُوطِ الْحَجِّ وَعَدَمُ عَطْفِهَا عَلَيْهَا وَإِدْخَالُ الْبَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَكَذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا: زَنَى فَرُجِمَ، وَسَرَقَ فَقُطِعَ، وَسَهَا فَسَجَدَ، وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْوُجُوبَ بِحَرْفِ " عَلَى " لِلِاسْتِطَاعَةِ فَتَكُونُ سَبَبًا لَهُ انْتَهَى.

وَتَبِعَهُ التَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَجْعَلُونَ الِاسْتِطَاعَةَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ لَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق وَنَصَّهُ وَالِاسْتِطَاعَةُ هِيَ شَرْطُ وُجُوبٍ لَا صِحَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى.

وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ هُوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَنَحْوِهِ فِي عِبَارَةِ التَّلْقِينِ وَنَصَّهُ وَشَرْطُ أَدَائِهِ شَيْئَانِ: الْإِسْلَامُ وَإِمْكَانُ الْمَسِيرِ، قَالَ مُؤَلِّفُ طُرَرِ التَّلْقِينِ: عَدَّهُ إمْكَانَ الْمَسِيرِ شَرْطُ أَدَاءً وَهُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ إذْ هُوَ مِنْ لَوَاحِقِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ هَذَا هُوَ أَنْ لَا يَتَصَوَّرَ لَهُ حَجٌّ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُغَرَّرُ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَهُ فَيَكُونُ حَجُّهُ عَلَى هَذَا مَعْصِيَةً وَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فَلَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ وَيَكُونُ كَحَجِّ الْكَافِرِ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: هُوَ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ وَلِلْوُجُوبِ انْتَهَى.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا حَيْثُ يَقَعُ الْإِحْرَامُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَأَمَّا لَوْ تَكَلَّفَ حَتَّى صَارَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ مُسْتَطِيعًا ثُمَّ أَحْرَمَ صَحَّ حَجُّهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ نِزَاعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا سَبَبٌ. الثَّانِي أَنَّهَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ. الثَّالِثُ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ الْوُجُوبُ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِالْفِعْلِ انْتَهَى.

وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ بِدُونِ الِاسْتِطَاعَةِ وَيَتَحَتَّمُ بِوُجُودِهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ بِدُونِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) فَإِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَوُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَعْنِي الِاسْتِطَاعَةَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَانِهِ وَقْتٌ وَاسِعٌ كَانَ وُجُوبُهُ مُوسِعًا وَمَتَى سَعَى فِيهِ سَعَى فِي وَاجِبِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ سَقَطَ عَنْهُ كَمَا إذَا طَرَأَ لِعُذْرٍ فِي وَقْتِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إذَا مَاتَ سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا، وَلَا يَلْزَمُ وَرَثَتُهُ وَلَا مَالُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنَ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ انْتَهَى.

ص (بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ)

ش: لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَجِّ الِاسْتِطَاعَةُ أَخَذَ يُفَسِّرُهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى

ص: 491

{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] أَذَلِكَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا ذَاكَ إلَّا طَاقَةُ النَّاسِ، الرَّجُلُ يَجِدُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَسِيرِ وَآخَرُ يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى رِجْلِهِ وَلَا صِفَةَ فِي هَذَا أَبْيَنُ مِمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَزَادَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَرُبَّ صَغِيرٍ أَجْلَدُ مِنْ كَبِيرٍ، وَنَقَلَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَلَامَ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إمَّا رَاجِلًا بِغَيْرِ كَبِيرِ مَشَقَّةٍ أَوْ رَاكِبًا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا وَقِيلَ: الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَدَلِيلُهُ أَيْ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ هِيَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» التِّرْمِذِيُّ وَتَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي رَاوِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ فُهِمَ عَنْ السَّائِلِ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ إلَّا بِذَلِكَ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَعْنَاهُ فِي بَعِيدِ الدَّارِ انْتَهَى.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَتَأَوَّلَ أَيْ قَوْلَ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ انْتَهَى.

وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِتَقْيِيدِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَوْلُهُمَا فِي اعْتِبَارِ الرَّاحِلَةِ بِالْبَعِيدِ حَيْثُ قَالَ فِي نَوَادِرِهِ: يُرِيدُ الرَّاحِلَةَ فِي بَعِيدِ الدَّارِ وَقَبِلَ الْمُتَأَخِّرُونَ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ وَنَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ: الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لِبَعِيدِ الدَّارِ وَالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ انْتَهَى.

بَلْ حَكَى سَنَدٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ وَنَصُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِالْقُدْرَةِ دُونَ الْمِلْكِ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْمَشْيِ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ الرَّاحِلَةُ إجْمَاعًا، وَمَا كَانَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ اسْتَوَى فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ كَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ انْتَهَى.

وَعَلَى هَذَا يَقُولُ صَاحِبُ الشَّامِلِ: وَمَنْ تَبِعَهُ. وَثَالِثُهَا يُعْتَبَرُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لِمَنْ بَعُدَ مَكَانُهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ خِلَافٌ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَعِيدِ رَاجِعٌ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا فِي الرَّاحِلَةِ، وَأَمَّا الزَّادُ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُ لِابْنِ قُنْبُلَ الْمَكِّيِّ: مَا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْنَا الْحَجَّ؟ قَالَ خُبْزَةٌ نَتَزَوَّدُوهَا إلَى عَرَفَةَ انْتَهَى.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ هُنَا: بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي مَنْسَكِهِ: مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ بِالْفَاءِ وَالدَّالِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ ثَقِيلَةٍ عَظِيمَةٍ مَنْ فَدَحَهُ الدَّيْنُ، إذَا أَثْقَلَهُ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ مُطْلَقِ الْمَشَقَّةِ فَإِنَّ السَّفَرَ لَا يَخْلُو عَنْهَا، وَلِذَلِكَ رُخِّصَ فِيهَا لِلْمُسَافِرِ بِالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَنَدٌ: الْمَشَقَّةُ عَلَى حَسَبِ الْأَحْوَالِ فَمَا هَانَ تَحَمُّلُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَمَا صَعُبَ أَثَّرَ انْتَهَى.

(الثَّانِي) إذَا فَسَّرْنَا الِاسْتِطَاعَةَ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ دَخَلَ فِي ذَلِكَ إمْكَانُ الْمَسِيرِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ وَإِنْ فَسَّرْنَاهَا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ قَالَ سَنَدٌ: فَهُمَا شَرْطَانِ زَائِدَانِ، قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمُعْظَمُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ هُمَا شَرْطَا وُجُوبٍ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِنَا، وَقَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: هُمَا شَرْطَا أَدَاءً. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَعَطْفُ الْمُصَنِّفُ الْأَمْنَ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالَ عَلَى إمْكَانِ الْوُصُولِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ.

(الثَّالِثُ) مَعْنَى إمْكَانِ الْمَسِيرِ أَنْ يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ زَمَانٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهِ السَّيْرُ الْمُعْتَادُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعِبَادَةِ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِمْكَانِهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، قَالَهُ سَنَدٌ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ سَنَدٍ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ حَمْلُ الْمَشَقَّةِ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَجُّ انْتَهَى.

(قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا قَالَهُ سَنَدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حَمْلُ الْمَشَقَّةِ وَلَيْسَتْ عَظِيمَةً فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ عَظِيمَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ بِوُجُوبِ تَحَمُّلِهَا، وَإِذَا لَمْ

ص: 492

يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَنِ الْحَجِّ زَمَنٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْمَسِيرُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَيَكُونُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ فِيهِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُهُ فِيهِ الْمَسِيرُ مِنْ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْخُرُوجُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا كَانَتْ لَهُ طَرِيقٌ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ كَخَوْفِهَا مِنْ عُذْرٍ أَوْ غَوْرِ مَائِهَا وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ السَّفَرُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى لَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ كَمَا لَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَمَّنْ بَعُدَتْ دَارُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي كِلَا الطَّرِيقَيْنِ عُذْرٌ قَاطِعٌ انْتَهَى.

وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ وَنَصُّهُ: الْحَجُّ يَجِبُ فِي الْبَرِّ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ يَغْرَمُهُ لِمَانِعِ طَرِيقٍ، فَإِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَوَجَدَ السَّبِيلَ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ؛ لَمْ يَسْقُطْ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ أَوْعَرَ بِأَمْرٍ يُدْرِكُهُ فِيهِ مَشَقَّةٌ أَوْ كَانَ مَخُوفًا مِنْ سِبَاعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ لُصُوصٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَنَصُّهُ: وَيُعْتَبَرُ الْأَمْنُ عَلَى النَّفْسِ اتِّفَاقًا وَعَلَى الْمَالِ مِنْ لُصُوصٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ مَا يَأْخُذُ ظَالِمٌ مِمَّا يُجْحِفُ بِهِ أَوْ غَيْرُ مَعْلُومٍ إنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا سِوَاهُ أَوْ كَانَتْ مَخُوفَةً أَوْ وَعِرَةً تَشُقُّ وَإِلَّا وَجَبَ كَأَخْذِهِ مَالًا يُجْحِفُ عَلَى الْأَظْهَرِ إنْ لَمْ يَنْكُثْ انْتَهَى.

وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْعُذْرِ أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ أَوْعَرَ بِأَمْرٍ يُدْرِكُهُ فِيهِ مَشَقَّةٌ يُرِيدُ الْمَشَقَّةَ الْعَظِيمَةَ كَمَا تَقَدَّمَ.

(قُلْت) وَإِذَا كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ يُمْكِنُ سُلُوكُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِحْدَاهُمَا تُوَصِّلُ فِي عَامٍ وَالْأُخْرَى فِي عَامَيْنِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ سُلُوكُ الْقُرْبَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ وَيَتَرَجَّحُ سُلُوكُهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلَّخْمِيِّ فِي مَسْأَلَةِ سُلُوكِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.

(الْخَامِسُ) السُّلْطَانُ الَّذِي يَخَافُ أَنَّهُ مَتَى حَجَّ اخْتَلَّ أَمَرُ الرَّعِيَّةِ وَيَفْسُدُ نِظَامُهُمْ مِنْ خَوْفِ عَدُوِّ الدِّينِ أَوْ الْمُفْسِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ وَسُئِلْت عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ حُكْمِ اسْتِئْجَارِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا نَصُّهُ مَا قَوْلُكُمْ فِي سُلْطَانٍ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَخَافَ أَنَّهُ مَتَى حَجَّ بِنَفْسِهِ اخْتَلَّ أَمْرُ الرَّعِيَّةِ وَفَسَدَ نِظَامُهُمْ وَاسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى بِلَادِهِمْ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ يَحُجُّ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَبْت إذَا تَحَقَّقَ مَا ذُكِرَ مِنْ اخْتِلَالِ أَمْرِ الرَّعِيَّةِ وَفَسَادِ نِظَامِهِمْ وَاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بِلَادِهِمْ بِسَبَبِ حَجِّ هَذَا السُّلْطَانِ فَلَا كَلَامَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ وَيَصِيرُ الْحَجُّ فِي حَقِّهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ حِينَئِذٍ فِيهِ وَصِحَّتُهَا إنْ وَقَعَتْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَقُولُ بِجَوَازِهَا ابْتِدَاءً وَأَجَابَ سَيِّدِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي السَّعَادَاتِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُرْجَى لَهُ زَوَالُ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَعْضُوبِ فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ وَإِنْ رَجَى زَوَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ كَالْمَرْجُوِّ الصِّحَّةَ، وَنَصُّهُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَجُّ مُتَرَكِّبًا مِنْ عَمَلٍ بَدَنِيٍّ وَعَمَلٍ مَالِيٍّ وَرَدَ النَّصُّ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ بِقَبُولِ النِّيَابَةِ فِيهِ فِي حَقِّ الْمَعْضُوبِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ: مَنْ لَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ الْبَاجِيِّ كَالزَّمِنِ وَالْهَرِمِ فَالسُّلْطَانُ الْمَذْكُورُ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّ مَا خَشِيَهُ مِنْ اخْتِلَالِ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ وَصْفٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَهُوَ كَالْمَعْضُوبِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ أَجْرَ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءَ وَإِنْ رَجَى زَوَالَ مَا خَشِيَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِنَابَةُ كَالْمَرِيضِ الْمَرْجُوِّ صِحَّتَهُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَرَأَيْت بِخَطِّ الْقَاضِي عَبْدِ الْقَادِرِ الْأَنْصَارِيِّ صُورَةَ اسْتِئْجَارٍ وَنَصُّهُ بِاخْتِصَارٍ لَمَّا عَظَّمَ اللَّهُ حُرْمَةَ الْبَيْتِ وَأَوْجَبَ حَجَّهُ وَكَانَ السُّلْطَانُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْأَنْصَارِيُّ السَّعْدِيُّ الْخَزْرَجِيُّ مِمَّنْ شَطَّتْ بِهِ الدِّيَارُ وَاشْتَغَلَ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ فِي ذَاتِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَنْ عَجَزَ عَنْ زِيَارَةِ الْبَيْتِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْحَجِّ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ

ص: 493

مِنْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ انْتَهَى.

وَلَعَلَّ الْقَوْلَ الْغَيْرَ الْمَشْهُورِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ مُؤَلِّفُ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْعَاجِزِ وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ، هُوَ ظَاهِرُ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا اسْتِنَابَةَ لِلْعَاجِزِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَنْعِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَنُقِلَ أَنَّ الْقَادِرَ لَا يَسْتَنِيبُ اتِّفَاقًا وَإِجْمَاعًا: وَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ مِنْ شِرَاءِ الْحَجَّاتِ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا يَفْعَلُ فِي حَقِّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ، وَفَعَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَامَ حَجَّ فَذَكَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلْخَلِيفَةِ سُلْطَانِ إفْرِيقِيَّةَ الْأَمِيرِ أَحْمَدَ أَبِي الْعَبَّاسِ حَجَّةً انْتَهَى.

وَأَجَابَ سَيِّدِي الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْنِ الدِّينِ الْقَطَّانُ الشَّافِعِيُّ إمَامُ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَخَطِيبُهُ بِمَا نَصُّهُ الَّذِي رَضِيَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مِنْ الْحَصْرِ الْخَاصِّ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إنْ أَيِسَ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ وَيَكُونُ كَالْمَعْضُوبِ فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفِعْلِ النَّائِبِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ أَنَّ الْمُعْتَمِدَ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنَّ الْحَصْرَ الْخَاصَّ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ عِنْدَ الْيَأْسِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(السَّادِسُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ اُنْظُرْ هَلْ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخُطُوَاتِ وَإِذَا فَعَلَ هَلْ يُجْزِئُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم؟ انْتَهَى.

(قُلْت) أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَمَحَلُّ نَظَرٍ كَمَا قَالَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّابِعُ) شَمَلَ قَوْلُهُ: " وَأَمِنَ " عَلَى نَفْسِ الْأَمْنِ مِنْ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، وَالْأَمْنُ عَلَى الْبِضْعِ وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ. وَشَمَلَ قَوْلُهُ:" وَمَالُ الْأَمْنِ " عَلَى الْمَالِ مِنْ اللُّصُوصِ جَمْعُ لِصٍّ مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ السَّارِقُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُحَارِبُ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقِتَالِ لِقَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ: لَا يَشُكُّ فِي اعْتِبَارِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ، وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنْ كَانَ مِنْ لُصُوصٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ إلَى ضَيَاعِ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ انْتَهَى.

وَقَدْ يُطْلَقُ اللِّصُّ عَلَى الْمُحَارِبِ، وَأَمَّا السَّارِقُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِالْحِرَاسَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَجُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشَمَلَ أَيْضًا كَلَامُهُ الْأَمْنَ عَلَى الْمَالِ مِنْ الْمُكَّاسِ وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ شَيْئًا مُرَتَّبًا فِي الْغَالِبِ، وَأَصْلُ الْمَكْسِ فِي اللُّغَةِ النَّقْصُ وَالظُّلْمُ وَيُقَالُ لَهُ الْعَشَّارُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْعُشُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ، وَمِنْهُ الرَّصَدِيُّ الَّذِي يَرْقَبُ النَّاسَ عَلَى الْمَرَاصِدِ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا قَالَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمَّا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْمَكَّاسُ فِيهِ تَفْصِيلٌ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِمَا سَيَأْتِي، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَمْنِ عَلَى الْمَالِ مِنْ اللُّصُوصِ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الصَّادِقِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ مِنْ اللُّصُوصِ: هُوَ عُذْرٌ بَيِّنٌ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ مَا أَفْتَى بِهِ زَمَانًا، فَقَالَ: لَا يُنْجِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ مَالِكٌ إلَّا فِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْأَمْصَارِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَجَابَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَعَلَى الْمَالِ مِنْ لُصُوصٍ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى.

وَكَأَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُ مَا نَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الصَّادِقِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الصَّادِقِ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ جُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَ عَبْدِ الصَّادِقِ وَجَعَلَهُ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً فَيُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يَتَحَدَّدُ أَوْ يَتَحَدَّدُ وَيُجْحِفُ فَلَا يَجِبُ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يُجْحِفُ

ص: 494

فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لَا يَنْكُثُ عَلَى الْأَظْهَرِ)

ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَمْنَ عَلَى الْمَالِ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْأَمْنِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ فِي الطَّرِيقِ مَكَّاسًا يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ شَيْئًا قَلِيلًا وَلَا يَنْكُثُ بَعْدَ أَخْذِهِ لِذَلِكَ الْقَلِيلِ، فَذَكَرَ أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ سُقُوطِ الْحَجِّ، وَالثَّانِي سُقُوطُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْمَكَّاسُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنًا مُجْحِفًا سَقَطَ الْوُجُوبُ وَفِي غَيْرِ الْمُجْحِفِ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ وَالْآخَرُ حَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَكَّاسُ يَأْخُذُ مَا يُجْحِفُ سَقَطَ الْحَجُّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يَخْتَارُ عَدَمَ السُّقُوطِ سَوَاءٌ طَلَبَ مَا يُجْحِفُ أَمْ لَا يُجْحِفُ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ السِّرَاجِ: فَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الظَّالِمُ فِي طَرِيقٍ أَوْ فِي دُخُولِ مَكَّةَ مَالًا فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَدْخُلُ وَلَا يُعْطِيهِ وَلْيَرْجِعْ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ عِرْضَهُ مِمَّنْ يَهْتِكُهُ بِمَالِهِ، وَقَالُوا: كُلُّ مَا وَقَى بِهِ الْمَرْءُ عَرْضَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ دِينَهُ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ إيَّاهُ وَلَوْ أَنَّ ظَالِمًا قَالَ لِرَجُلٍ لَا أَمْكَنَك مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ إلَّا بِجُعْلٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ انْتَهَى.

وَصَاحِبُ السِّرَاجِ هُوَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُجْحِفُ وَمَا لَا يُجْحِفُ، كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَيْلٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِبَقَائِهِ فَقِيرًا وَأَنَّهُ يَبِيعُ عُرُوضَهُ، وَأَنَّهُ يَتْرُكُ وَلَدَهُ لِلصَّدَقَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى مَا يُجْحِفُ فَضْلًا عَمَّا لَا يُجْحِفُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ فِي الْإِعْطَاءِ هُنَا إعَانَةً لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ وَبَغْيِهِ انْتَهَى.

((قُلْتُ)) وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَّا بِهَا بِخِلَافِ هَذِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ قَلِيلًا وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَكَّاسُ يَطْلُبُ الْكَثِيرَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَجَّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْكَثِيرُ لَا يُجْحِفُ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَوْ صَرِيحُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا لَا يُجْحِفُ وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْقَرَافِيّ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: يَسْقُطُ فَرْضُ الْحَجِّ إذَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ عَدُوٌّ يَطْلُبُ النَّفْسَ أَوْ مِنْ الْمَالِ مَا لَا يَتَحَدَّدُ أَوْ يَتَحَدَّدُ وَيُجْحِفُ وَفِي غَيْرِ الْمُجْحِفِ خِلَافٌ انْتَهَى.

وَلَا شَكَّ فِي تَغَايُرِ الْعِبَارَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُجْحِفَ وَغَيْرَ الْمُجْحِفِ يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَرُبَّ شَخْصٍ يُجْحِفُ بِهِ الدِّينَارُ وَآخَرُ لَا يُجْحِفُ بِهِ الْعَشَرَةُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَا يَسْقُطُ بِعَدَمِ الْيَسِيرِ قَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي: وَلَا بِكَثِيرٍ، لَا يُجْحِفُ انْتَهَى.

((قُلْتُ)) وَاعْتِبَارُ الْمُجْحِفِ وَغَيْرِ الْمُجْحِفِ هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: مَا قَلَّ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَلَا يُجْحِفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ فَيَتَّفِقُ كَلَامُهُ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: وَاَلَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، وَنَصُّ كَلَامِهِ إذَا كَانَ الْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ لِمَغْرَمٍ فَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ: إذَا كَانَ يُجْحِفُ لَمْ يَلْزَمْ فَاعْتُبِرَ مَا تَبْلُغُ مَضَرَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى حَدٍّ لَا يُحْتَمَلُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَسِيرُ إلَّا بِدَفْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِعَلْعَلٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي يَعْنِي فِي الْمَعُونَةِ حَسَنٌ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُوسِرِ بِانْتِقَاصِ دِينَارٍ مِنْ مَالِهِ، وَضَرَرُ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ انْتَهَى.

وَمِمَّنْ قَالَ بِسُقُوطِ الْحَجِّ بِغَيْرِ الْمُجْحِفِ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ فَإِنَّهُ أَفْتَى جَمَاعَةً مَشَوْا مَعَهُ لِلْحَجِّ فَطَلَبَ مِنْهُمْ أَعْرَابِيٌّ عَلَى كُلِّ جَمَلٍ ثَمَنُ دِرْهَمٍ بِأَنْ يَرْجِعُوا

ص: 495

فَرَجَعُوا ذَكَرَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالتَّادَلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الْوُجُوبَ بِكَوْنِ الظَّالِمِ لَا يَنْكُثُ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ فِي مَنَاسِكِهِ، وَمَا قَالَهُ هُنَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ فِي مَنَاسِكِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا كَانَ الظَّالِمُ يَنْكُثُ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلُّ مِنْ الْمُخْتَصَرِ: أَوْ جَهِلَ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ:" عَلَى الْأَظْهَرِ " رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: " مَا قَلَّ " لَا إلَى قَوْلِهِ: لَا يَنْكُثُ، إذْ لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ إذَا كَانَ يَنْكُثُ وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ غَدْرِهِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ: لَا يَنْكُثُ، عَلَى قَوْلِهِ: مَا قَلَّ؛ فَقَالَ: إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ لَا يَنْكُثُ مَا قَلَّ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لَكَانَ أَبْيَنَ.

(الرَّابِعُ) قَوْلُهُ: " عَلَى الْأَظْهَرِ " يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ هُوَ الَّذِي اسْتَظْهَرَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي رَجَّحَهُ، وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَمْ أَجِدْهُ لَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَا فِي الْبَيَانِ وَلَا فِي الْأَجْوِبَةِ وَلَا عَزَاهُ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَلَا فِي مَنَاسِكِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي سُقُوطِهِ بِغَيْرِ الْمُجْحِفِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى.

((قُلْتُ)) رَأَيْت فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْحَجِّ مِنْ الْبُرْزُلِيِّ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ عَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَصَدَّرَ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ مَا نَصُّهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى: إنْ سَأَلَ يَسِيرًا أَوْ عَلِمَ عَدَمَ غَدْرِهِ قِيَاسًا عَلَى عَادِمِ الْمَاءِ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يُجْحَفُ بِهِ، وَإِنْ أَجْحَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ انْتَهَى.

فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ فَأَشَارَ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ مَالَ إلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ عَزْوُ مُقَابِلِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو عِمْرَانَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ أَفْتَاهُمْ بِالرُّجُوعِ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمْ ثَمَنَ دِينَارٍ عَلَى كُلِّ جَمَلٍ.

(الْخَامِسُ) قَالَ سَنَدٌ: أَمَّا مَا يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ عَلَى مَنْ بَذْرَقَةُ الْحَجِيجِ لِيَدْفَعُوا عَنْهُمْ كُلَّ يَدٍ عَادِيَةٍ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْوَلِيدِ: هِيَ مِنْ وَجْهٍ تُشْبِهُ سَائِرَ النَّفَقَاتِ اللَّازِمَةِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا لِلْجُنْدِ جَائِزٌ إذْ لَا يَلْزَمُهُمْ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ فَهِيَ أُجْرَةٌ يَصْرِفُونَهَا فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَهِيَ مِنْ وَجْهٍ تُشْبِهُ الظُّلْمَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ تَوْظِيفِهَا خَوْفُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ وَزَادَ عَلَيْهِ وَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِمْ مَنْ يَخْفِرُهُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ وَاللُّصُوصِ مَعَ تَجْوِيزِ الْغَرَرِ، وَقَالَ: إنَّ أُجْرَةَ الدَّلِيلِ تَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَلَا يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ انْتَهَى.

وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ سُؤَالِ ابْنِ رُشْدٍ: لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْحَافِظُ مِنْ اللُّصُوصِ إذَا قَلَّ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا يَأْخُذُهُ الظَّالِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ نَكْثُهُ وَالْحَافِظُ لَيْسَ بِظَالِمٍ فِيمَا يَأْخُذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْتَمَنَ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ نَكْثُهُ؛ تَعْلِيلٌ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْكُثَ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لَيْسَ لَهُ دِينٌ يَمْنَعُهُ وَأَمَّا لَوْ عُلِمَ نَكْثُهُ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ، وَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا أَنَّ أُجْرَةَ الدَّلِيلِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ وَمَنْ يَحْفَظُ الْحُجَّاجَ مِنْ اللُّصُوصِ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَجُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْبَذْرَقَةُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا قَافٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ مَعْنَاهَا الْخِفَارَةُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: هِيَ الْخَفِيرُ وَهُوَ الَّذِي يَحْفَظُ الْحُجَّاجَ وَيَحْرُسُهُمْ وَكَأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، وَالْخُفَارَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا حَكَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَكَّمِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي الصِّحَاحِ وَالنِّهَايَةِ الْفَتْحَ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَلَى الضَّمِّ وَفَسَّرَهَا بِالذِّمَّةِ، وَكَذَا صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَفَسَّرَهَا فِي النِّهَايَةِ بِالذِّمَامِ وَهُوَ بِمَعْنَى الذِّمَّةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهَا جُعْلُ الْخَفِيرِ

ص: 496

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّادِسُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ قَوْلُ الْقَائِلِ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قِلَّةُ أَدَبٍ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِطَاعَةُ مَعْدُومَةٌ فِي الْمَغْرِبِ وَمَنْ لَا اسْتِطَاعَةَ لَهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَرَأَيْت كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَقَصْدُهُ التَّقْرِيبَ إلَى فَهْمِ الْعَامَّةِ انْتَهَى.

((قُلْتُ)) وَقَفْت عَلَى تَأْلِيفٍ فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّخْمِيِّ السَّبْتِيِّ وَلَعَلَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق وَأَوَّلُهُ: سَأَلْت أَيُّهَا الْأَخُ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ عَنْ بَعْضِ مَنْ يُعْزَى إلَى الْفِقْهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ سُقُوطَ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مُكَلَّفٍ ضَمَّهُ أُفُقٌ مِنْ آفَاقِ الدُّنْيَا أَوْ صُقْعٌ مِنْ أَصْقَاعِ الْأَرْضِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَحَضَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الِاسْتِطَاعَةِ مَفْقُودٌ عِنْدَهُمْ وَالصُّقْعُ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ: النَّاحِيَةُ، وَيُقَالُ بِالسِّينِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ حَكَاهُ التَّادَلِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ فَحَكَى عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْوَلِيدِ أَفْتَى بِسُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ وَأَنْ الطُّرْطُوشِيَّ بِضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى أَفْتَى بِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَأَنَّ مَنْ غُرَّ وَحَجَّ سَقَطَ فَرْضُهُ وَلَكِنَّهُ آثِمٌ بِمَا ارْتَكَبَ مِنْ الْغَرَرِ وَذَكَرَ عَنْ مَدْخَلِ ابْنِ طَلْحَةَ أَنَّ السَّبِيلَ السَّابِلَةَ اسْمٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَقِيتُ فِي الطَّرِيقِ مَا اعْتَقَدْت أَنَّ الْحَجَّ مَعَهُ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ بَلْ حَرَامٌ. وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ رَدَّ هَذَا وَنَصَّهُ، وَفِي تَعْلِيقِ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ قَدْ عَلَّقَ اللَّهُ الْحَجَّ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَبَيَّنَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ هِيَ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَتَرْكِ التَّفْرِيطِ وَارْتِكَابِ الْمَنَاكِيرِ وَسَبَبُ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْوَلِيدِ أَفْتَى بِسُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، وَأَفْتَى الطُّرْطُوشِيُّ بِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ فَمَنْ غُرَّ وَحَجَّ سَقَطَ فَرْضُهُ وَلَكِنَّهُ آثِمٌ بِمَا ارْتَكَبَ مِنْ الْغَرَرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَاعْلَمُوهُ وَاعْتَقِدُوهُ، وَفِي مَدْخَلِ ابْنِ طَلْحَةَ السَّبِيلُ السَّابِلَةُ اسْمٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ مُسَمًّى فَلَقَدْ دَخَلْت الطَّرِيقَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ إلَى إشْبِيلِيَّةَ ثُمَّ إلَى بِجَايَةَ وَعَبَرْت الزُّقَاقَ،

وَتَخَيَّلْت وُجُودَ السَّبِيلِ ثُمَّ خَرَجْت إلَى الْمُهْدِيَةِ فَلَقِيت فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ مَا اعْتَقَدْت أَنَّ الْحَجَّ مَعَهُ سَاقِطٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ بَلْ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنَّ الِانْصِرَافَ فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَوْلَى مِنْ تَقَحُّمِ هَذِهِ الْمُخَاطَرَاتِ وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَرَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى هَؤُلَاءِ فَقَالَ: الْعَجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ يُسَافِرُ مِنْ قُطْرٍ إلَى قُطْرٍ وَيَقْطَعُ الْمَخَاوِفَ وَيَخْرِقُ الْبِحَارَ فِي مَقَاصِدَ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ، وَالْحَالُ وَاحِدٌ فِي الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ وَإِعْطَائِهِ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ لِمَنْ لَا يُرْضِي انْتَهَى.

مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى: إشَارَةٌ صُوفِيَّةٌ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ سُقُوطِ فَرْضِ الْحَجِّ عَمَّنْ يُكْرَهُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ غَيْرِ مُجْحِفٍ بِهِ لِظَالِمٍ اسْتَغْرَمَهُ إيَّاهُ مَا نَصُّهُ وَقَدْ خَاضَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَكْثَرُوا فِيهَا الْقَوْلَ فَكُلُّ تَعَلُّقٍ بِمِقْدَارِ مَا يَكْثُرُ عَلَى سَمْعِهِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ إلَى مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ مِنْ تَهْوِيلِ مَا يَجْرِي عَلَى الْحُجَّاجِ، قَالَ: وَلَقَدْ حَضَرْت مَجْلِسَ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ بِصَفَاقُصَ وَحَوْلَهُ جُمَلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَكْثِرُوا الْقَوْلَ وَالتَّنَازُعَ فِيهَا فَمِنْ قَائِلٍ بِالْإِسْقَاطِ وَمِنْ مُتَوَقِّفٍ صَامِتٍ، وَالشَّيْخُ رحمه الله لَا يَتَكَلَّمُ وَكَانَ مَعَنَا فِي الْمَجْلِسِ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ الْوَاعِظُ وَكُنَّا مَا أَبْصَرْنَاهُ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي الْحَلَقَةِ وَخَاطَبَ الشَّيْخَ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ: يَا مَوْلَايَ الشَّيْخَ

ص: 497

إنْ كَانَ سَفْكُ دَمِي أَقْصَى مُرَادُهُمْ

فَمَا غَلَتْ نَظْرَةٌ مِنْهُمْ بِسَفْكِ دَمِي

فَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ مِنْ جِهَةِ طُرُقِ الْمُتَصَوِّفَةِ لَا مِنْ جِهَةِ التَّفَقُّهِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ قَالَ: وَأَنْشَدَ فِي السِّرَاجِ

قَالُوا تَوَقَّ رِجَالَ الْحَيِّ إنَّ لَهُمْ

عَيْنًا عَلَيْك إذَا مَا نِمْت لَمْ تَنَمْ

(فَقُلْت) إنَّ دَمِي أَقْصَى مُرَادُهُمْ

وَمَا غَلَتْ نَظْرَةٌ مِنْهُمْ بِسَفْكِ دَمِي

وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمَتْ نَفْسِي بِمَنْ هَوِيَتْ

جَاءَتْ عَلَى رَأْسِهَا فَضْلًا عَنْ الْقَدَمِ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ الَّذِي لَهُ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْي كَأَعْمَى بِقَائِدٍ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا)

ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ هِيَ إمْكَانُ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَقَدْ يَجِبُ الْحَجُّ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ إذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ لَهُ صَنْعَةٌ يَعْمَلُهَا فِي الطَّرِيقِ وَتَقُومُ بِهِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى فِعْلِهَا وَتَكُونُ نَافِعَةً بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهَا قُوتَهُ وَيَكُونُ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ كَالْجَمَّالِ وَالْعَكَّامِ وَالْخَرَّازِ وَالنَّجَّارِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ وَأَشَارَ بِ " لَوْ " إلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَابْنِ أَبِي سَلَمَةَ زَادَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ صَحِيحَ الْأَعْضَاءِ جَمِيعِهَا فَلَوْ كَانَتْ بِهِ زَمَانَةٌ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَأَمْكَنَهُ الْوُصُولُ مَعَهَا إلَى مَكَّةَ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ مَعَ الْأَمْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَذَلِكَ كَأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا يَقُودُهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَكَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ يَعْمَلُهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ لَا تَكُونُ لَهُ صَنْعَةٌ وَوَجَدَ الزَّادَ وَمَنْ يَحْمِلُهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى حَمْلِ زَادِهِ وَمِثْلُهُ أَقْطَعُ الْيَدَيْنِ وَأَشَلُّهُمَا وَأَقْطَعُ الرِّجْلَيْنِ وَأَشَلُّهُمَا، وَالْأَعْرَجُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الْوُصُولِ وَكَذَلِكَ الْأَصَمُّ بَلْ هُوَ أَحْرَى وَلِذَلِكَ أُتِيَ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ:" كَأَعْمَى بِقَائِدٍ " قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ كَانَتْ بِهِ زَمَانَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ نُظِرَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الرُّكُوبِ وَلَهُ مَالٌ يُكْتَرَى بِهِ لِرُكُوبِهِ وَمَنْ يَخْدِمُهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ لَزِمَهُ الْحَجُّ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَقُودُهُ ثُمَّ هُوَ فِي الْعَيْشِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَانَ يَتَكَفَّفُ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ وَجَدَ الْمَرْكُوبَ وَمَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ كَغَيْرِهِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى.

كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوُصُولُ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ فَيُعْتَبَرُ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ وَمَتَى وُجِدَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ وَجَبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتَبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا فِي جَانِبِ السُّقُوطِ فَمَتَى عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الزَّادِ فَقَطْ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُهُ وَوُجُودُ مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ أَوْ يَعْجِزُ عَنْ الْمَشْيِ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الْمَرْكُوبِ بِكِرَاءٍ أَوْ بِشِرَاءٍ أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُمَا فَيُعْتَبَرَانِ جَمِيعًا قَالَ سَنَدٌ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْي وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ وَلَا ضَعْفٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّكُوبِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَحِقَتْهُ مَشَقَّةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَظِيمَةً لَا يُمْكِنُهُ تَحَمُّلُهَا مِثْلَ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ رُكُوبُ الْقَتَبِ وَالزَّامِلَةِ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الْمَحْمَلِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهِ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الزَّادِ الْمُبَلِّغِ إلَى مَكَّةَ أَوْ مَا يَرُدُّ بِهِ إلَى بَلَدِهِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْخِلَافِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ إلَّا أَنَّهَا لَا تَقُومُ بِهِ فَإِذَا وَجَدَ مِنْ الزَّادِ مَا يَقُومُ بِهِ مَعَ صَنْعَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ

ص: 498