الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْتِ الْمَالِ يَجُوزُ صَرْفُهَا لَهُمْ، انْتَهَى.
ص (يُحْبَسُ فِيهِ)
ش: قَالَ فِي الشَّرْحِ الْأَصْغَرِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَا يُحْبَسُ فِيهِ كَدَيْنِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: فَلَا يُعْطَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِوَلَدِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَحْبِسُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْبَسَ فِيهِ خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَإِنْ أَرَادَ يُحْبَسُ بِالْفِعْلِ خَرَجَ مَنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ قَوْلَهُ: إنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ لَا يُحْبَسُ فِيهِ مَعَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ عُرِفَ بِمَنْعِهَا، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ حُبِسَ، انْتَهَى.
[فَرْعٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْغَارِمِينَ الْمُصَادَرُ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْغَارِمِينَ الْمُصَادَرُ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُعْطَى؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ وَالْحَالُ هَذِهِ لِلسُّلْطَانِ لَا لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لِلْأَسِيرِ لِلْكُفَّارِ لَا لَهُ، وَفِي الْوَجْهَيْنِ تَخْلِيصٌ مِنْ الْأَسْرِ وَالظُّلْمِ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمُصَادَرُ مُسْتَمِرَّ الْعُقُوبَةِ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَارِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَآلَتُهُ)
ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَفِي صُلْحِ الْعَدُوِّ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ وَالشَّيْخُ بَهْرَامُ وَالشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَغَرِيبٌ مُحْتَاجٌ لِمَا يُوصِلُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ)
ش: هَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّامِنُ وَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ الْغَرِيبُ الْمُحْتَاجُ لِمَا يُوصِلُهُ إلَى بَلَدِهِ إذَا كَانَ سَفَرُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، يُرِيدُ: وَلَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا لَا يُنْزَعُ مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِوَصْفِ الْفَقْرِ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُعْطَى مِنْهَا الْغَازِي وَابْنُ السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ بِمَوْضِعِهِمَا وَمَعَهُمَا مَا يَكْفِيهِمَا، وَلَا أُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَقْبَلَا ذَلِكَ فَإِنْ قَبِلَا فَلَا بَأْسَ، قَالَ أَصْبَغُ: أَمَّا الْغَازِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى، وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا وَهُوَ لَهُ فَرْضٌ، وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَلَا يُعْطَى إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُعَدُّ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الَّذِي فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، وَقَدْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ غَزْوٍ وَلَا تِجَارَةٍ فَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.
ص (وَإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ)
ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ أَخَذَ زَكَاةً لِفَقْرِهِ لَمْ يَرُدَّهَا إنْ اسْتَغْنَى قَبْلَ إنْفَاقِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْغَازِيَ وَابْنَ السَّبِيلِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِيهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَسُوغُ لَهُ لِفَقْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْنَ سَبِيلٍ، قَالَ: وَفِي الْغَازِي - يَأْخُذُ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ ثُمَّ يَسْتَغْنِي قَبْلَ أَدَائِهِ - إشْكَالٌ، وَلَوْ قِيلَ " يُنْزَعُ مِنْهُ " لَكَانَ وَجْهًا، انْتَهَى.
ص (وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ دُونَ عُمُومِ الْأَصْنَافِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا صِنْفًا وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَجْعَلَ زَكَاتَهُ فِيهِمْ، وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا آثَرَ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قِسْمٌ مُسَمًّى، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا صِنْفٌ وَاحِدٌ أَجْزَأَ الْإِعْطَاءُ لَهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا أَجْزَأَهُ صِنْفٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إذَا وُجِدُوا وَاسْتَحَبَّهُ أَشْهَبُ لِئَلَّا يَنْدَرِسَ الْعِلْمُ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مَصَالِحِ سَدِّ الْخَلَّةِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْغَزْوِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِمَا يُرْجَى مِنْ بَرَكَةِ دُعَاءِ الْجَمِيعِ وَمُصَادَقَةِ وَلِيٍّ فِيهِمْ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اسْتِيعَابِ آحَادِهِمْ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَمَّا إجْزَاؤُهَا إذَا دُفِعَتْ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ أَوْ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ فَفِيهِ الِاضْطِرَابُ الْمَعْلُومُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، وَاَلَّذِي تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَيْهِ هُوَ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى.
فَفُهِمَ مِنْهُ إنَّ دَفْعَهَا إلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ الصِّنْفِ كَدَفْعِهَا إلَى الصِّنْفِ فِي جَرْيِ الْخِلَافِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ فِيهِ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(الثَّانِي) قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُبْدَأُ فِي الزَّكَاةِ بِأَجْرِ الْعَامِلِينَ ثُمَّ بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَدَّ خَلَّةِ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ أَنْ لَا تُصْرَفَ زَكَاتُهُمْ لِغَيْرِ الْفُقَرَاءِ إلَّا بَعْدَ سَدِّ خَلَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ صَرْفَهَا إلَى غَيْرِهِمْ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُسَاوَاةَ لِأُولَئِكَ قَبْلَ الْعَامِ التَّالِي، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُؤَلَّفَةٌ بَدَأَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ اسْتِنْقَاذَهُمْ مِنْ النَّارِ بِإِدْخَالِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ تَثَبُّتَهُمْ عَلَيْهِ إنْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إطْعَامِ فَقِيرٍ، وَقَدْ يُبْدَأُ بِالْغَزْوِ إذَا خَشِيَ عَلَى النَّاسِ، وَيَبْدَأُ بِابْنِ السَّبِيل عَلَى الْفَقِيرِ إذَا كَانَ يُدْرِكُهُ فِي بَقَائِهِ وَتَأَخُّرِهِ ضَرَرٌ، وَالْفَقِيرُ فِي وَطَنِهِ أَقَلُّ ضَرَرًا، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَصَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ الْحُكْمُ الثَّانِي: التَّرْتِيبُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ مَا هُوَ الْأَوْلَى أَنْ يُعْمَلَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ " وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ " وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّخْمِيُّ تَبْدِئَةَ الْمَسَاكِينِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْوَجُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَحْوَجَ مُقَدَّمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا رُتْبَةَ الْغَارِمِينَ.
(الثَّالِثُ) قَالَ سَنَدٌ: إنْ اسْتَوَتْ الْحَاجَةُ، قَالَ مَالِكٌ: يُؤْثَرُ الْأَدْيَنُ وَلَا يُحْرَمُ غَيْرُهُ، وَكَانَ عُمَرُ يُؤْثِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ، وَيَقُولُ: الْفَضَائِلُ الدِّينِيَّةُ لَهَا أُجُورٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالصِّدِّيقُ رضي الله عنه يُؤْثِرُ بِسَابِقَةِ الْإِسْلَامِ وَالْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ؛ لِأَنَّ إقَامَةِ بِنْيَةِ الْأَبْرَارِ أَفْضَلُ مِنْ إقَامَةِ بِنِيَّةِ غَيْرِهِمْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بَقَائِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُمَرَيْنِ صلى الله عليه وسلم -
عَكْسُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُمَا إلَّا أَنَّهُمَا نَقَلَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَقَسَمْت ذَلِكَ قَسْمًا وَاحِدًا، وَلَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأُلْحِقَنَّ الْأَسْفَلَ بِالْأَعْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) أَطْلَقَ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ الْقَوْلَ بِأَنَّ دَفْعَهَا لِصِنْفٍ مُجْزِئٌ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَيَّدَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ بِمَا عَدَا الْعَامِلَ، قَالَ: إذْ لَا مَعْنَى لِدَفْعِهَا جَمِيعِهَا لَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَعَلَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَهُ بَالٌ، وَأَمَّا إنَّ حَصَلَتْ لَهُ مَشَقَّةٌ وَجَاءَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إعْطَاؤُهُ الْجَمِيعَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ ثُمَّ ذَكَرَهُ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ: الْإِشْكَالُ فِي تَبْدِئَةِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لَهَا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ مَشَقَّةٌ وَجَاءَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ لَا يُسَاوِي مِقْدَارَ أُجْرَتِهِ لَأَخَذَهُ جَمِيعَهُ وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ: وَصَرْفُهَا فِي أَحَدِهَا غَيْرَ الْعَامِلِ مُجْزِئٌ، انْتَهَى. وَيُقَيَّدُ بِمَا، قَالَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَوْ دُفِعَتْ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ إلَّا الْعَامِلَ فَلَا تُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْرَ عَمَلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَالِاسْتِنَابَةُ، وَقَدْ تَجِبُ) ش، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَلِيَ أَحَدٌ تَفْرِقَةَ صَدَقَةِ مَالِهِ خَوْفَ الْمَحْمَدَةِ وَالثَّنَاءِ، وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ وَلَكِنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ فَيُقَسِّمَهُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: لَا أُحِبُّ، وَهَذَا بَيِّنٌ أَنْ لَا يُعْجِبَنِي عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ وَأَرَادَ خَوْفَ قَصْدِ الْمَحْمَدَةِ، وَلَوْ جَزَمَ أَنَّهُ قَصَدَ الْمَحْمَدَةَ لَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ، وَلَوْ جَزَمَ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لَصَرَّحَ بِالْجَوَازِ، انْتَهَى. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا وَمَصْرِفِهَا وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ أَوْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: مِنْ آدَابِ الزَّكَاةِ أَنْ يَسْتُرَهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَ، وَقَدْ قِيلَ: الْإِظْهَارُ فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ، قَالَ شَارِحُهُ: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ أَنَّ إعْلَانَ صَدَقَةِ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ إسْرَارِهَا، وَأَنَّ الْإِسْرَارَ بِصَدَقَةِ النَّوَافِلِ أَفْضَلُ مِنْ إعْلَانِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَطِيَّةَ وَغَيْرِهِ خِلَافًا فِي صَدَقَةِ الْفَرْضِ لَكِنْ ضَعَّفَ الْقَوْلَ بِإِسْرَارِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَمَا بَدَأَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ الْمَطْعُونُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: فَأَمَّا سَتْرُهَا فَمُسْتَحَبٌّ لِمَا يَعْرِضُ مِنْ الرِّيَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ تَرْكَهَا فَيُسْتَحَبُّ الْإِظْهَارُ لِلِاقْتِدَاءِ، انْتَهَى. وَهَذَا عَكْسُ مَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَلَى مَا نَقَلَ الْقَبَّابُ فَإِنَّهُ قَالَ كَثُرَ الْمَانِعُ لَهَا وَصَارَ إخْرَاجُهَا عُرْضَةً لِلرِّيَاءِ، انْتَهَى. وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَمَنْ أَيْقَنَ بِسَلَامَتِهِ مِنْ الرِّيَاءِ وَحَسُنَ قَصْدُهُ فِي الْإِظْهَارِ اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ خَوْفُ الرِّيَاءِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْإِسْرَارُ وَمَنْ تَحَقَّقَ وُقُوعُ الرِّيَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْفَاءُ وَالِاسْتِنَابَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) عَنْ عِيَاضٍ فِي آدَابِهَا أَيْضًا دَفْعُهَا بِالْيَمِينِ، وَقَالَ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَدِّقِ وَالْإِمَامِ الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى دَافِعِهَا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْقُرْطُبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى السَّاعِي الدُّعَاءُ لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى نَائِبِهِ أَنْ يَدْعُوَ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ إذَا أَخَذَهَا مِنْهُ لَكِنْ يُنْدَبُ إلَى ذَلِكَ، انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي عَشَرَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، لَمَّا أَنْ «قَالَ الْأَعْرَابِيُّ لِرَسُولِ صلى الله عليه وسلم إنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْت» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ الْأَعْرَابِ الْجُفَاةِ الَّذِينَ لَا يَدْرُونَ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ مَنْ تَوَلَّى تَفْرِيقَ الصَّدَقَاتِ لَمْ يَعْدَمْ مَنْ يَلُومُهُ، قَالَ
وَقَدْ كُنْتُ أَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِي فَأُوذِيت فَتَرَكْت ذَلِكَ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَصْرِفِ الزَّكَاةِ: مَنْ دُفِعَتْ إلَيْهِ زَكَاةٌ لِيُفَرِّقَهَا فِي أَهْلِهَا، وَكَانَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْطَى مَالًا فِي خُرُوجِهِ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لِيَصْرِفَهُ عَلَى مَنْ قَطَعَ بِهِ فَقَطَعَ بِهِ فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ قَائِمَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ نَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ الثَّانِي فِيمَنْ بُعِثَ مَعَهُ جَزَاءٌ أَوْ فِدْيَةٌ أَوْ جَزَاءُ صَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِسْكِينًا فَجَائِزٌ أَنْ يَأْكُلَ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِهِ: وَنَظِيرُهُ الْكَفَّارَةُ وَالزَّكَاةُ تُدْفَعُ لِبَعْضِ الْمَسَاكِينِ يُفَرِّقُهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْهَا بِالْعَدْلِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أُعْطِيت لَهُ صَدَقَةٌ يُفَرِّقُهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ حَظِّهِ إذَا كَانَ مِسْكِينًا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِيهَا قَوْلَانِ وَسَبَبُهُمَا الْوَكِيلُ، هَلْ هُوَ مَعْزُولٌ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْمَأْمُورُ بِالتَّبْلِيغِ دَاخِلٌ تَحْتَ الْخِطَابِ أَمْ لَا؟ وَيَقُومُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ جَعَلَ مَالَهُ فِي الْعُطَاشِ أَنَّهُ يُشْرَبُ مِنْهُ إنْ عَطِشَ، انْتَهَى. وَفِي رَسْمِ الْبُرْزُلِيِّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ ابْنُ رُشْدٍ أَجَازَ لِمَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِمَالٍ فِي غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمُنْقَطِعِينَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إذَا احْتَاجَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنْ لَا يُحَابِيَ نَفْسَهُ فَيَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي غَيْرَهُ، وَاسْتُحِبَّ لَهُ إنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ أَنْ يَتَسَلَّفَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، وَاسْتُحِبَّ لَهُ إذَا رَجَعَ أَنْ يُعْلِمَ رَبَّهُ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُمْضِهِ وَجَبَ غُرْمُهُ لَهُ، وَإِنْ فَاتَ لَمْ يُمْكِنُهُ إعْلَامُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَاشَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ لَهُ الْأَخْذَ ابْتِدَاءً، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُهُ:" إنْ احْتَجْت فَخُذْ " جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِاتِّفَاقٍ مِثْلَ مَا يُعْطِي غَيْرَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَرْضَى بِذَلِكَ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ فَكَّ أَسِيرًا أَنَّهُ لَوْ افْتَقَرَ صَاحِبُ الزَّكَاةِ لَمْ يُعْطَ مِنْهَا، وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِإِثْرِ الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي مَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَلَمْ تَنْفُذْ حَتَّى أُسِرَ، فَقَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى مِنْهَا، وَلَوْ افْتَقَرَ لَمْ يُعْطَ مِنْهَا.
(فَرْعٌ) وَفِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَبْسِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْهَا وَرَثَتُهُ إنْ احْتَاجُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَهَلْ يُمْنَعُ إعْطَاءُ زَوْجَةٍ زَوْجَهَا أَوْ يُكْرَهُ تَأْوِيلَانِ) ش تَصَوُّرُ التَّأْوِيلَيْنِ وَاضِحٌ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا أَعْطَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ جَازَ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ لِلْمُعْطِي، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إثْرَ نَقْلِهِ هَذَا وَفِي التَّبْصِرَةِ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا أَخْرَجَ مِنْ زَكَاتِهِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَ أَبِيهِ، وَأَبُوهُ فَقِيرٌ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَعُودُ عَلَى الْمُعْطِي، انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِالتَّبْصِرَةِ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي اللَّخْمِيّ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ دَفَعَ زَكَاتَهُ لِأَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، وَذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيّ الْمُتَقَدِّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَجَازَ إخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ)
ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَفِي تَرْجَمَةِ قَدْرِ مَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ النَّفَرُ فِي الدِّينَارِ أَوْ يَصْرِفَهُ دَرَاهِمَ إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ كَثِيرَةً، وَإِنْ زَكَّى دَرَاهِمَ فَلَا يَصْرِفْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا دَنَانِيرَ وَلَا يَصْرِفْهَا بِفُلُوسٍ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ لِيَعُمَّهُمْ وَلَكِنْ لِيَجْمَعَ النَّفَرُ فِي الدِّرْهَمِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ صَرَفَهَا فُلُوسًا وَأَخْرَجَهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَأَجْزَأهُ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ " فِي الذَّهَبِ " عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ، وَقَوْلُهُ " فِي الْفُلُوسِ " عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَتْهُ كَمَا شَهَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَنَقْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ أَوْ طَاعَ بِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ فِي صَرْفِهَا أَوْ بِقِيمَةٍ لَمْ