الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقْتُهَا فِي أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُؤَخَّرُ فَكَذَلِكَ تَارِكُ الْجُمُعَةِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَلَا يُؤَخَّرُ وَلَمْ يُشَبِّهْ تَرْكَ الْجُمُعَةِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالَ مُطَرِّفٌ إذَا تَرَكَهَا مِرَارًا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ فَشَهَادَتُهُ مَطْرُوحَةٌ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ عُذْرٌ وَيَظْهَرَ وَلَا يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ بِجَهَالَةٍ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْعُذْرُ لِلنَّاسِ وَالْمَرْءُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ يَكُونُ بِحَالٍ لَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ وَلَيْسَ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى النَّاسِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُحَرِّقَ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا بَيْتَهُ هِيَ الْجُمُعَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْفَضْلِ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ انْتَهَى. ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ لِصَفْوَانَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ وَتَرَكَهَا مَرَّاتٍ ثَلَاثًا أَوْ غَيْرَهَا وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ الظُّهْرَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إتْيَانِ الْجُمُعَةِ لَا عُذْرَ لَهُ يَحْبِسُهُ عَنْهَا أَنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ إذَا كَانَ مُقِرًّا أَوْ مُتَأَوِّلًا وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ فَاسِقٌ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ وَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا وَهُوَ يُقِرُّ بِهِ انْتَهَى.
فَانْظُرْ قَوْلَهُ كَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا وَهُوَ يُقِرُّ بِهِ.
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالتَّشْبِيهِ بِهِ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ كُفْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ الصَّلَاةُ فِي أَيَّامِ مِنًى بِمِنًى]
(فَرْعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ حَبَسَهُ كَرِيهٌ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ حَتَّى يُصَلِّيَ أَهْلُ مَكَّةَ الْجُمُعَةَ قَالَ أَرَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُقِيمًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَلْحَقُ الْإِمَامَ فَإِنْ أَدْرَكَ الظُّهْرَ بِمِنًى وَإِلَّا صَلَّى فِي الطَّرِيقِ أَفْضَلُ انْتَهَى.
فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَفْضَلُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ مِنًى بِمِنًى أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِكَفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ)
ش: أَتَى بِالْكَافِ لِيُنَبِّه عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَمْيَالٍ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ فَلِذَا لَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ زِيَادَةً يَسِيرَةً تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَلْ الثَّلَاثَةُ تَحْدِيدٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَيْهَا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ أَوْ تَقْرِيبٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَتَجِبُ؟ قَوْلَانِ انْتَهَى.
يُشِيرُ إلَى قَوْلِهَا: وَيَجِبُ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي فَسَّرَ الْمَغْرِبِيُّ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ بِرُبْعِ الْمِيلِ وَثُلُثِهِ قَالَ وَسَأَلْت شَيْخَنَا لِمَ اعْتَبَرَ فِي الْكِتَابِ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ مَعَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ هُوَ الَّذِي يَبْلُغُهُ الصَّوْتُ الرَّفِيعُ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ تَحْقِيقٌ لِلثَّلَاثَةِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ بِكَفَرْسَخٍ مُتَعَلِّقٌ بِنَائِيَةٍ أَيْ بَعِيدَةٍ مِنْ النَّأْيِ وَهُوَ الْبَعْدُ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِثَانِيَةٍ وَكَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ كَذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَمَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهُ هُوَ الْمُرَاعَى شَخْصُهُ أَوْ مَسْكَنُهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَسْكَنُهُ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ أَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ خَارِجَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ وَأَخَذَهُ الْوَقْتُ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ الشَّيْخُ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي هَكَذَا حُكْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ طَالَ عَهْدِي بِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْجُزُولِيِّ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ أَبْعَدَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَكَانَ فِي وَقْتِ السَّعْيِ فِي ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَإِنْ كَانَ مُجْتَازًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّعْيُ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فَلَهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ انْتَهَى.
(الثَّانِي) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَنْزِلِهِ وَالْجَامِعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ أَبِي أُوَيْسِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
ص (كَانَ أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ النِّدَاءَ قَبْلَهُ) ش نَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ تَعْلِيقُ الرُّجُوعِ بِأَنْ يُدْرِكَهُ الْأَذَانُ لَا بِالزَّوَالِ
فَلَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الطِّرَازِ فَقَالَ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَزَالَتْ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ فَإِنْ لَمْ يُؤَذَّنْ لِلْجُمُعَةِ حَتَّى جَاوَزَ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ تَمَادَى وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَذَانِ وَوَقْتَ ابْتِدَاءِ السَّفَرِ لَمْ تَجِبْ الْجُمُعَةُ فَلَا يُرَاعَى الْوَقْتُ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنْ أُذِّنَ لَهَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ قَالَ الْبَاجِيُّ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى.
ثُمَّ وَجَّهَ النَّظَرَ بِنَحْوِ مَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَنَصُّ كَلَامِ الْبَاجِيِّ: فَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأُذِّنَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ نُودِيَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ بِمَوْضِعٍ يَلْزَمُ مِنْهُ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ انْتَهَى.
وَعَلَّقَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَرَفَةَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَلَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ فَحَضَرَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالِ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لُزُومُ الْجُمُعَةِ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَضَ الْإِقَامَةَ وَحَصَلَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ نِيَّةً وَفِعْلًا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي لُزُومِهَا الْمُسَافِرَ قَبْلَ وَقْتِ الْمَنْعِ فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ قَوْلَا الْبَاجِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ الْأَمْرُ بِهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا إذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا أَوْ يُدْرِكُ رَكْعَةً مِنْهَا وَأَمَّا إنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ رُجُوعَهُ لَا يُدْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَمْرِ بِهِ انْتَهَى، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
ص (لَا بِالْإِقَامَةِ إلَّا تَبَعًا)
ش: قَالَ فِي الْمُنْتَقَى الْإِقَامَةُ اعْتِقَادُ الْمَقَامِ بِمَوْضِعٍ مُدَّةً يَلْزَمُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِهَا وَالِاسْتِيطَانُ نِيَّةُ التَّأْبِيدِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فَإِنْ حَضَرَهَا صَحَّتْ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ إذَا كَانَ لَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي الْحُضُورِ وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ حَوَائِجِهِ انْتَهَى.
ص (وَنُدِبَ تَحْسِينُ هَيْئَةٍ وَجَمِيلُ ثِيَابٍ) ش قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَتُسْتَحَبُّ الزِّينَةُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَالِاسْتِحْدَادُ وَالسِّوَاكُ وَجَمِيلُ الثِّيَابِ انْتَهَى، وَقَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
ص (وَمَشْيٌ)
ش: قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالرَّوَاحِ إلَيْهَا وَالْمَشْيُ إلَى الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَاءٌ أَوْ طِينٌ أَوْ بُعْدُ مَكَان وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِي أَبُو عِيسَى وَأَنَا ذَاهِبٌ إلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ» انْتَهَى.
ص (وَتَهْجِيرٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّ التَّهْجِيرَ مُسْتَحَبٌّ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ التَّبْكِيرِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهَذَا وَاضِحٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ وَلَا الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بَهْرَامُ فِي شُرُوحِهِ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّهْجِيرِ الْمَطْلُوبِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَنَصُّهُ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: التَّهْجِيرُ أَفْضَلُ مِنْ التَّبْكِيرِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ هَلْ أَوَّلُهُ الْفَجْرُ أَوْ الشَّمْسُ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الْمُوَطَّإِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» فَحَمَلُوا السَّاعَةَ عَلَى الْعَادِيَّةِ وَقَسَّمَ مَالِكٌ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ الرَّوَاحَ لُغَةً لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] فَالْمَجَازُ لَازِمٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَمَذْهَبُنَا أَقْرَبُهُمَا لِلْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ عَقَّبَ الْخَامِسَةَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْخَامِسَةِ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَإِلَّا لَوَقَعَتْ الصَّلَاةُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِذَا بَطَلَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ؛ إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَتَقْسِيمُ السَّادِسَةِ لِصَاحِبِ الْمُنْتَقَى وَصَاحِبِ الِاسْتِذْكَارِ وَالْعَبْدِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ وَقَالَ اللَّخْمِيّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَصَاحِبُ الْمُعْلِمِ وَابْنُ يُونُسَ وَجَمَاعَةٌ: التَّقْسِيمُ فِي السَّابِعَةِ وَالْمَوْجُودُ لِمَالِكٍ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ أَرَى هَذِهِ السَّاعَاتِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ «كُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْجُدْرَانُ لَيْسَ لَهَا فَيْءٌ»
وَإِذَا كَانَ عليه السلام يَخْرُجُ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ «فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَخْرُجُ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ بَطَلَ الْحَدِيثُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ تِلْكَ الْأَزْمِنَةَ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَأْبَاهُ وَالْقَوَاعِدَ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ وَالْبَيْضَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ وَتَحَمُّلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا يَقْتَضِي هَذَا التَّفْصِيلَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلْحَدِيثِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُنْتَقَى هُوَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَصُّهُ: ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ هَذِهِ أَجْزَاءٌ مِنْ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَلَمْ يَرَ التَّبْكِيرَ لَهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي السَّاعَاتِ الْمَعْلُومَاتِ، وَأَنَّ أَفْضَلَ الْأَوْقَاتِ فِي ذَلِكَ أَوَّلُ سَاعَةِ النَّهَارِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ مِنْ النَّهَارِ لَمْ يَذْكُرْ فَضِيلَةَ مَنْ جَاءَ فِيهَا وَلَيْسَتْ بِوَقْتِ قُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بِوَقْتِ اسْتِمَاعِ الذِّكْرِ مِنْهُ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَرْتَفِعُ فَضِيلَةُ الرَّوَاحُ وَتَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ لِلذِّكْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِالسَّاعَةِ الْخَامِسَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ السَّاعَةَ الْخَامِسَةَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ تَصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّكْرِ، وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ أَجْزَاءٌ مِنْ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَتِلْكَ السَّاعَةُ يَصِحُّ تَجْزِئَتُهَا عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثُمَّ رَاحَ» . وَالرَّوَاحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَاقْتَصَرَ الْجُزُولِيُّ فِي أَحَدِ شُرُوحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ الْبَاجِيِّ وَأَمَّا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ نَاجِي فَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِتَبْيِينِ الْوَقْتِ.
وَقَوْلُ الْقَرَافِيِّ وَالْمَوْجُودُ لِمَالِكٍ إنَّمَا هُوَ إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ مَالِكٍ نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَبَيَّنَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ فَتَقَوَّى الْقَوْلُ الَّذِي صَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ وَزَادَ صِحَّةً عَلَى صِحَّةٍ بِوُرُودِ النَّصِّ عَنْ مَالِكٍ عَلَى وَقْفِهِ وَتَقْرِيرِ ابْنِ رُشْدٍ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ وَقْتَ الرَّوَاحِ يَدْخُلُ بِأَوَّلِ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ التَّهْجِيرَ يَكُونُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُرْجَعُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ إلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ كَمَا سَيَأْتِي وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ.
وَسُئِلَ عَنْ التَّهْجِيرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ نَعَمْ يُهَجِّرُ بِقَدَرٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وَقَالَ {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْدُونَ إلَى الْجُمُعَةِ هَكَذَا وَأَنَا أَكْرَهُ هَذَا الْقَدْرَ هَكَذَا حَتَّى إنَّ الْمَرْءَ لَا يُعْرَفُ بِهِ وَأَنَا أَخَافُ عَلَى هَذَا الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَهُ شَيْءٌ وَأَنْ يُحِبَّ أَنْ يُعْرَفَ بِهِ فَأَنَا أَكْرَهُهُ وَلَا أُحِبُّهُ وَلَكِنْ رَوَاحًا بِقَدَرٍ وَقَدْ سَمِعْت السَّائِلَ يَسْأَلُ رَبِيعَةَ يَقُولُ لَأَنْ أُلْقَى فِي طَرِيقِ الْمَسْجِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُلْقَى فِي طَرِيقِ السُّوقِ فَقِيلَ لِمَالِكٍ مَا تَقُولُ أَنْتَ فِي هَذَا؟ .
فَقَالَ هَذَا مَا لَا يَجِدُ أَحَدٌ مِنْهُ بُدًّا قِيلَ لَهُ أَفَتَرَى أَنْ يَرُوحَ قَبْلَ الزَّوَالِ؟ .
قَالَ نَعَمْ فِي رَأْيِي.
قِيلَ لَهُ: أَتُهَجِّرُ بِالرَّوَاحِ إلَى الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ .
فَقَالَ: نَعَمْ، فِي ذَلِكَ سَعَةٌ.
قَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ الْغُدُوَّ بِالرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ الْمَعْمُولِ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا لَا يَغْدُونَ إلَى الْجُمُعَةِ فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ بِالْخَمْسِ سَاعَاتٍ فِي قَوْلِهِ: «ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ سَاعَاتِ النَّهَارِ الْمَعْلُومَةَ مِنْ أَوَّلِهَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ سَاعَةَ الرَّوَاحِ وَهِيَ الَّتِي تَتَّصِلُ بِالزَّوَالِ وَقْتَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فَهِيَ الَّتِي تَنْقَسِمُ عَلَى الْخَمْسِ فَيَكُونُ الرَّائِحُ فِي الْأُولَى مِنْهَا كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَفِي الثَّانِيَةِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً وَفِي الثَّالِثَةِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا أَقْرَنَ وَفِي الرَّابِعَةِ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً وَفِي الْخَامِسَةِ كَالْمُتَّصِلَةِ بِالزَّوَالِ وَخُرُوجِ الْإِمَامِ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ السَّاعَةُ مُنْقَسِمَةً عَلَى الْخَمْسِ سَاعَاتِ مَحْدُودَةً بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَيُعْلَمُ حَدُّهَا حَقِيقَةً وَجَبَ أَنْ يُرْجَعَ فِي قَدْرِهَا إلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ وَأَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ فَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يُهَجِّرُ بِقَدَرٍ أَيْ يَتَحَرَّى قَدْرَ تَهْجِيرِ السَّلَفِ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَيَغْدُو مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ شَذَّ عَنْهُمْ فَصَارَ كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَفْهَمُوهُ أَوْ رَغِبَ مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَمْ يَرْغَبُوهُ انْتَهَى.
وَقَدْ أَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبِسَاطِيُّ هَذِهِ النُّقُولَ وَاقْتَصَرَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ.
وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَا ابْنِ حَبِيبٍ وَمَالِكٍ انْتَهَى.
وَفِي إطْلَاقِهِ التَّبْكِيرَ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مُسَامَحَةٌ وَنَصُّ الْبِسَاطِيِّ وَأَمَّا مَنْدُوبِيَّةُ التَّهْجِيرِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَةِ الْأُولَى.
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: إنَّ السَّاعَةَ الْأُولَى فِي الْحَدِيثِ طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ كَذَلِكَ وَقَالَ مَالِكٌ: السَّاعَةُ الَّتِي بَعْدَ الزَّوَالِ تَنْقَسِمُ سَاعَاتٍ انْتَهَى.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْإِمَامِ بِأَثَرِ الزَّوَالِ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ وَصَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ: اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ التَّبْكِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَبْلَ الزَّوَالِ انْتَهَى.
ص (وَسَلَامُ خَطِيبٍ لِخُرُوجِهِ لَا صُعُودِهِ)
ش: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ أَنَّ الْخَطِيبَ وَالْمُؤَذِّنَ الَّذِي يُنَاوِلُهُ الْعَصَا يُسَلِّمَانِ إذَا دَخَلَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَعَ الْخَطِيبِ مُؤَذِّنٌ يُنَاوِلُهُ الْعَصَا وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ سَلَامُ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ إذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ انْتَهَى.
ص (وَجُلُوسِهِ أَوَّلًا وَبَيْنَهُمَا) ش أَمَّا الْجُلُوسُ الثَّانِي فَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِيهِ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ الْمَشْهُورَ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ شَهَّرَهُ وَحَكَى فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَاصِلُ أَنْ كُلًّا مِنْ الْجَلْسَتَيْنِ سُنَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَلَسَ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ لِلْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ؟ .
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَجْلِسُ وَإِنَّمَا يَجْلِسُ فِي الْجُمُعَةِ انْتِظَارًا لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَفْرُغَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَكَانَ يَرَى إذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ خَطَبَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ فِيهِمَا مُؤَذِّنًا.
قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ ذَلِكَ أَهْدَى لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَهُ وَفِيهِ زِيَادَةُ وَقَارٍ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِ خُطْبَتِهِ وَفِي وَسَطِهَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مِقْدَارُ الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ بَيْنَ مُشْتَبِهَتَيْنِ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْكَافِي