الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى الْغُرُوبِ لَا يَأْثَمُ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُجْزِئَهُمْ وَأَنْ تَلْزَمَهُمْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ لَهُمْ جَائِزٌ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ فَرْعٌ فَإِذَا قُلْنَا لَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ فَإِنْ أَعَادُوا فَلْيُعِيدُوا بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فُرَادَى ثُمَّ أَعَادَهَا جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ ثُمَّ قَالَ فَرْعٌ وَهَلْ تُجْزِئُ الْإِمَامَ إذَا صَلَّوْا مَعَهُ، إنْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ تَسْتَقِلُّ بِهِمْ الْجُمُعَةُ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ فَوَّضْنَا أَمَرَ صَلَاتِهِمْ إلَى اللَّهِ فَلَا نَقْطَعُ بِتَعْيِينِ فَرْضِهِمْ مَعَهُ فَلَا تُجْزِئُ الْإِمَامَ الْجُمُعَةُ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرِ مُفْتَرِضِينَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بِالصِّبْيَانِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ التُّونُسِيُّ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِمَامِ إذَا هَرَبَ عَنْهُ النَّاسُ أَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ الْإِمَامَ وَالنَّاسَ يَنْتَظِرُونَ إلَّا أَنْ يَخَافُوا دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِنْ خَافُوا دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ صَلَّوْا ظُهْرًا أَرْبَعًا ثُمَّ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ فِي تَخَلُّفِ الْإِمَامِ أَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَأَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَّا بَعْضَهَا قَالَ وَرُبَّمَا تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِلْعَصْرِ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ سَحْنُونٌ إذَا رَجَوْا إتْيَانَهُ فَأَمَّا إنْ أَيْقَنُوا بِعَدَمِ إتْيَانِهِ فَلَا يُؤَخِّرُوا الظُّهْرَ انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ سَحْنُونٌ ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ التُّونُسِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ سَحْنُونٍ عَلَى مَا إذَا أَخَّرَ لِعُذْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة لِمَ سُمِّيَتْ الْجُمُعَةَ بِالْجُمُعَةِ]
(فَائِدَةٌ) الْجُمُعَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ فِيهَا وَتُسَمَّى جُمُعَةً بِالسُّكُونِ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي اعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ الْجُمُعَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ وَالْجُمُعَةُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ انْتَهَى.
وَقَرَأَ الْجَمَاعَةُ بِالضَّمِّ وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَحُكِيَ كَسْرُ الْمِيمِ انْتَهَى.
وَقُرِئَ بِالثَّلَاثِ فِي الشَّوَاذِّ وَقَرَأَ الْجَمَاعَةُ بِالضَّمِّ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ سُمِّيَتْ الْجُمُعَةَ؟ فَقُلْ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ يَوْمٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ جُمُعَةً؟ فَقُلْ: لَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَخُصُّ الشَّيْءَ بِاسْمِهِ إذَا كَثُرَ ذَاكَ مِنْهُ انْتَهَى.
ص (وَهَلْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ وَصُحِّحَ أَوْ لَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَنَا إنَّ وَقْتَ الْجُمُعَةِ مُمْتَدٌّ لِلْغُرُوبِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَخْطُبَ وَيُصَلِّي وَيَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُدْرِكُ فِيهِ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَا يُدْرِكُ فِيهِ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ فَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْعَصْرَ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ؟ قَوْلَانِ رُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَتَّابٍ وَإِذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلْيُصَلِّ الْجُمُعَةَ بِهِمْ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّمْسُ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ الْعَصْرَ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ عَتَّابٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بَعْضَ الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَصُحِّحَ.
ص (وَبِجَامِعٍ مَبْنِيٍّ)
ش: لَا إشْكَالَ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(تَنْبِيهٌ) لَا بُدَّ فِي
الْجَامِعِ مِنْ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ خَارِجًا عَنْ بِنَاءِ الْقَرْيَةِ قَالَ سَنَدٌ أَمَّا الْمَسْجِدُ فَهُوَ شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ خِلَافٌ عَنْ أَحَدٍ إلَّا أَبِي ثَوْرٍ وَشَيْءٌ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ مَالِكٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ الْمَسْجِدُ إلَّا دَاخِلَ الْمِصْرِ وَلَا تُصَلَّى فِي مَسْجِدِ الْعِيدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ خَارِجَ الْمِصْرِ قَرِيبًا نَحْوَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي جُعِلَتْ مُصَلًّى لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ الْعَمَلُ الْمُتَّصِلُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ، أَعْنِي إذَا سَافَرُوا عَنْ الْمِصْرِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ كَالْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ عَنْهُ، وَتُفَارِقُ الْجُمُعَةُ الْعِيدَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجُمُعَةَ مَرْدُودَةٌ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ فِعْلُهَا بِمَكَانٍ وَأَنْ يَخْتَلِفَ فِيهَا الْمِصْرُ وَخَارِجُهُ كَصَلَاةِ السَّفَرِ، وَالْعِيدُ لَيْسَتْ مَرْدُودَةً مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ النَّوَافِلِ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ قَالَ سَنَدٌ لَا تَكُونُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا دَاخِلَ الْمِصْرِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ مُصَلَّى الْعِيدِ تَشْبِيهًا لِلْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ لَنَا أَنَّهُ مَكَانٌ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِمُوجَبِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْجَامِعُ شَرْطٌ وَاتِّصَالُهُ بِالدُّورِ شَرْطٌ فَلَوْ انْفَرَدَ الْجَامِعُ مِنْ الْبُيُوتِ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمُنْتَقَى انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ الْمَوْصُوفَةُ حَيْثُ الْجَامِعُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْجَامِعِ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ وَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ مِمَّنْ يَقْرُبُ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ إقَامَتِهَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا تَصِحُّ بِمَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ بِالْقُرَى يَكُونُ الْجَامِعُ خَارِجَ الْقَرْيَةِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَإِنَّهَا تُقَامُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَوَجَدْت فِي تَعَالِيقِي - وَلَمْ أَدْرِ مِنْ أَيْنَ نُقِلَتْ - أَنَّ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالْجَامِعِ بَعِيدٌ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَإِذَا قُلْنَا فِي الْجَامِعِ إنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْقَرْيَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ حَتَّى يَكُونَ دُخَانُ الْمَنْزِلِ يَنْعَكِسُ عَلَيْهِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَنْزِلِ وَقَرُبَ مِنْهُ أَجْزَأَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ بَعُدَ لَمْ تُجْزِ فِيهِ.
قَالَ بَعْضُ: الشُّيُوخِ وَحَدُّ الْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْزِلِ أَرْبَعُونَ بَاعًا انْتَهَى.
(قُلْت) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الطِّرَازِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ الْجَوَازُ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ قَرِيبًا مِنْهُ إلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَأَمَّلْهُ.
ص (وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءً)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَلَوْ سَبَقَ فِي الْفِعْلِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَدِيدِ انْتَهَى.
نَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ وَأَمَّا الثَّانِي فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ فَاعْتِرَاضُ الْمَوَّاقِ غَيْرُ وَاضِحٍ وَانْظُرْ الطِّرَازَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فُرُوعًا تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَحَلِّ
ص (وَفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ)
ش: الظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَشَيْخُهُ ابْنُ زَرْقُونٍ وَابْنُ الْحَاجِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَلِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كَانَ فَضَاءً حَوْلَ الْكَعْبَةِ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَخِلَافَةِ الْفَارُوقِ رضي الله عنهما وَكَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ فِيهِ وَلَمْ يُذْكَرُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَنْكَرَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ بِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ السَّقْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) اُنْظُرْ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَوْ هُدِمَ الْمَسْجِدُ فَظُلِّلَ مَوْضِعُ السَّقْفِ بِسُتُورٍ وَنَحْوِهَا قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ نَقَضَ الْكَعْبَةَ وَجَعَلَ أَعْمِدَةً سَتَرَ عَلَيْهَا مَا نَصُّهُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي إنَّمَا يُمْنَعُ إقَامَتُهَا بِالْمَسْجِدِ الَّذِي انْهَدَمَ لِسَقْفِهِ إذَا لَمْ يُظَلَّلْ عَلَى السَّقْفِ بِسُتُورٍ وَأَمَّا لَوْ ظَلَّلُوا بِهَا لَنَابَتْ السُّتُورُ عَنْ السَّقْفِ كَمَا نَابَتْ عَنْ الْجُدُرِ فِي قَضِيَّةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بَلْ أَحْرَى وَنَزَلْتُ بِتُونُسَ لَمَّا نَزَلَ سَقْفُ جَامِعِهَا الْأَعْظَمِ وَخَطِيبُهَا الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ فَأَمَرَ أَنْ يُظَلَّلَ بِالْحُصْرِ وَخَطَبَ تَحْتَهَا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ أَبُو عَلِيٍّ الْقَرَوِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ: الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِقَامَةِ الْخَمْسِ تَرَدُّدٌ) ش أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَسُكُوتِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَنُزِّلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ؛ إذْ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ وَانْظُرْ عَزْوَهُمْ اشْتِرَاطَ إقَامَةِ الْخَمْسِ لِابْنِ بَشِيرٍ وَقَدْ نَقَلَ سَنَدٌ عَنْ الْمُخْتَصَرِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: إنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ بُيُوتُهَا مُتَّصِلَةً وَطُرُقُهَا فِي وَسَطِهَا وَفِيهَا سُوقٌ وَمَسْجِدٌ تُجْمَعُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ فَلْيَجْمَعُوا كَانَ لَهُمْ وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا انْتَفَيَا)
ش: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُفْهَمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْمَوَّاقُ.
ص (وَبِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ أَوْ لَا بِلَا حَدٍّ وَإِلَّا فَتَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ بَاقِينَ لِسَلَامِهَا)
ش: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ
كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَيْ يُطْلَبُ حُضُورُهُمْ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا بَاقِينَ لِسَلَامِهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَفِي صِحَّتِهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِمَعْنَى أَنْ يُطْلَبَ وُجُودُهُمْ فِي الْقَرْيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ الصَّلَاةَ لَا فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ. وَنَصُّ كَلَامِهِ: الَّذِي يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ إقَامَتِهَا فِي الْبَلَدِ وَوُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ هَذَا الْعَدَدِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْعِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ عليه السلام ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا انْتَهَى.
وَنَحْوُ هَذَا فِي الْإِكْمَالِ وَنَصُّهُ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَمَالِكٌ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ أَيْ الْعَدَدِ الَّذِي تُقَامُ بِهِ الْجُمُعَةُ حَدًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ مِمَّنْ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ وَنَصْبُ لِأَسْوَاقِ عِيَاضٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا لَا فِي إجْزَائِهَا وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا إجَازَتُهَا مَعَ اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَحَكَى أَبُو يَعْلَى الْعَبْدِيُّ نَحْوَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ رَأَيْت لِمَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَلَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ انْتَهَى.
وَنَصُّ مَا فِي الْمُنْتَقَى: الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَلَا حَدَّ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَدَدًا تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بِانْفِرَادِهِمْ وَتُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ وَمُنِعَ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ؛ إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُمْ وَاسْتِدْلَالُ أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ الْعِيرِ يَقْتَضِي إجَازَتَهُمْ لِلْجُمُعَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا مَعَ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ هَذَا عَدَدٌ يَصِحُّ مِنْهُمْ الِانْفِرَادُ بِالِاسْتِيطَانِ فَصَحَّ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهِمْ الْجُمُعَةُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِتَكَلُّفٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَفِي صِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ إقَامَتِهَا جَمَاعَةٌ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ أَوَّلًا أَيْ فِي وُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ وَصِحَّتِهَا مِنْهُمْ لَا فِي حُضُورِهَا وَإِلَّا فَيَجُوزُ إذَا حَضَرَهَا اثْنَا عَشَر رَجُلًا فَتَأَمَّلْهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاسْتَفْسَرَهُ فَقَالَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ عَدَدَ الْجَمَاعَةِ شَرْطُ كِفَايَةٍ فِيهَا فَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا لَا فِي أَدَائِهَا فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ وَإِلَّا أَجْزَأَ الْفِعْلُ قَبْلَ وُجُوبِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ وَإِنْ أَرَادَ صِحَّتَهَا بِاثْنَيْ عَشَر قَبْلَ إحْرَامِهَا أَوْ بَعْدَ فَهَذَا مَا تَقَدَّمَ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ انْتَهَى.
(قُلْت) لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ شَرْطُ كِفَايَةٍ وَلَا أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ دُونَ الْأَدَاءِ بَلْ أَرَادَ الْوَجْهَ الثَّالِثَ وَهُوَ أَنَّ وُجُودَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَفِي الْأَدَاءِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمْ بَلْ تَصِحُّ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ فَلَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ جَمَاعَةٌ تَتَقَرَّى بِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ سَافَرَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْ تَتَقَرَّى بِهِ فَإِنْ سَافَرُوا بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ فَلَا إشْكَالَ فِي سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ سَافَرُوا لِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ وَقَدْ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إذَا كَانَ بِالْقَرْيَةِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ تَفَرَّقُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي أَشْغَالِهِمْ مِنْ حَرْثٍ أَوْ حَصَادٍ حَتَّى لَا يَبْقَى بِهَا إلَّا الْعَدَدُ الَّذِي لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَكَانَ الشَّيْخُ يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ يَقُولُ إذَا بَقِيَ مِنْهُمْ فِي الْقَرْيَةِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا جَمَعُوا انْتَهَى مُخْتَصَرًا فَتَأَمَّلْهُ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ أَيْ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ أَيْ الْإِقَامَةُ آمِنِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ.
قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيُّ: لَا حَدَّ لِمَنْ يُقَامُ بِهِمْ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ بِهَا آمِنِينَ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى
الْجِهَاتِ فِي كَثْرَةِ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ فَفِي الْجِهَاتِ الْآمِنَةِ تَتَقَرَّى بِالنَّفَرِ الْيَسِيرِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِمَّا يُتَوَقَّعُ فِيهِ الْخَوْفُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الثَّوَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ فَالْبِلَادُ الَّتِي سَلِمَتْ مِنْ الْفِتَنِ تَتَقَرَّى الْقَرْيَةُ فِيهَا بِجَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ فِي الْخُصُوصِ وَغَيْرُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَقَالَ الْأَبِيُّ مَعْنَى يُمْكِنُهُمْ الثَّوَاءُ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ كَالرَّوْحَاءِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْخُصُوصِ كَانَ عَلَيْهِمْ وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ مَرَّةً: الْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ الَّتِي فِيهَا الْأَسْوَاقُ يَجْمَعُ أَهْلُهَا، وَمَرَّةً لَمْ يَذْكُرْ الْأَسْوَاقَ انْتَهَى.
قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْأَسْوَاقِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَالِكٌ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِكَثْرَةِ النَّاسِ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ فَلَوْ اجْتَمَعَ مَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ وَلَا سُوقَ عِنْدَهُمْ جَمَعُوا قَالَ وَأَمَّا اتِّصَالُ الْبُنْيَانِ فَشَرْطٌ فَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ كَدُورِ جِرْبَةَ وَدُورِ جِبَالِ الْغَرْبِ لَمْ يَجْمَعُوا. بِهَذَا وَقَعَتْ الْفُتْيَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي ضَرُورِيَّاتِهِمْ وَالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ جَمَعُوا؛ لِأَنَّهُمْ وَهُمْ كَذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ انْتَهَى.
(قُلْت) مَا اسْتَظْهَرَهُ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَقَالَ: وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اتِّصَالِ بُنْيَانِ الْقَرْيَةِ فَإِنْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهَا بِحَيْثُ لَوْ سَافَرَ مَنْ فِي بَعْضِهَا قَصَرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَهُ وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ الْبَاقِيَ فَهَذَا تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ يَجْعَلُهَا فِي حُكْمِ الْقُرَى وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلَةِ وَقَدْ يَخْرَبُ بَعْضُ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ فَتَنْهَدِمُ وَتَحْتَرِقُ فَيَكُونُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْبَيْتِ هَذَا الْقَدْرُ انْتَهَى.
وَالثَّوَاءُ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمَدِّ وَأَمَّا الْتَوَى بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَالْقَصْرِ فَمَعْنَاهُ الْهَلَاكُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ حُكْمَ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ حَصَلَ لَهُمْ الْأَمْنُ بِمَحَلَّتِهِمْ وَأَمْكَنَهُمْ الْمُقَامُ بِمَوْضِعِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا مَعْنَى التَّقَرِّي وَهُوَ أَنْ تُمْكِنَهُمْ الْإِقَامَةُ آمِنِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَاجِيِّ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَدَدٌ يَصِحُّ مِنْهُمْ الِانْفِرَادُ بِالِاسْتِيطَانِ فَصَحَّ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: وَأَمَّا الِاسْتِيطَانُ فَقَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ الْإِقَامَةُ بِنِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ الْفُرَاتِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجِّ حَقِيقَةُ التَّوَطُّنِ الْإِقَامَةُ بِعَدَمِ نِيَّةِ الِانْتِقَالِ وَلَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ حَقِيقَةِ الِاسْتِيطَانِ كَوْنُهُمْ يَخْرُجُونَ فِي أَيَّامِ الْمَطَرِ نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْجَمَاعَةِ يُقِيمُونَ بِمَوْضِعٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ يُقِيمُونَ فِيهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَقَرْيَتَيْنِ إذَا حَلُّوا بِإِحْدَاهُمَا أَقَامُوا فِيهَا وَإِذَا حَلُّوا بِالْأُخْرَى أَقَامُوا فِيهَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّةِ فِي الْقَوْمِ يَمُرُّونَ بِثَغْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَيُقِيمُونَ فِيهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ فَقَالَ الْبَاجِيُّ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِيطَانِ وَقَيَّدَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِكَوْنِ أَهْلِ الثَّغْرِ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ فِيهَا اسْتِيطَانٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ أَبِي عِمْرَانَ انْتَهَى.
وَقَالُوا أَيْضًا فِي شُرُوطِ التَّمَتُّعِ فِيمَنْ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إذَا أَقَامَ فِي إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ جُعِلَ وَطَنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي الْفَتْوَى عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ بِمَا فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ.
وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقِيمُهَا الثَّلَاثُونَ وَمَا قَارَبَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِثْلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ بَيْتًا» وَالْبَيْتُ مَسْكَنُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَا قَارَبَهَا فَكَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يَقُولُ كَالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ لَا أَقَلَّ وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ يَقُولُ كَالْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْأَوَّلُ وَبِهِ أَقُولُ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَدَدِ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَبِيدِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَذَا إذَا كَمُلَ بِهِمْ عَدَدُ الْجَمَاعَةِ لَا أَنَّهُمْ
كُلَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ مُسَافِرُونَ انْتَهَى.
قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي لَا تُجْزِئُ الْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ إلَى الْعَشَرَةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ حَيْثُ يَسْتَغْنُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الْأُمُورِ الْكَثِيرَةِ لَا النَّادِرَةِ بِحَيْثُ يَدْفَعُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ؟ .
عَلَى قَوْلَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي اُخْتُلِفَ فِي كَمِّيَّةِ ذَلِكَ فَفِي الْوَاضِحَةِ لَا دُونَهَا وَفِي الْمُخْتَصَرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَمْسِينَ وَفِي اللُّمَعِ عَشَرَةٌ وَفِي غَيْرِهِ اثْنَيْ عَشَرَ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْمُشْتَرَطُ حُصُولُ الْعَدَدِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْعِيرِ مَا نَصُّهُ وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ زَادَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ وَرَجَعَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِلْأَوَّلِ انْتَهَى.
ص (وَبِإِمَامٍ مُقِيمٍ)
ش: اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْمُقِيمِ، الْمُسْتَوْطِنِ أَوْ الْمُقِيمِ إقَامَةً تُسْقِطُ حُكْمَ السَّفَرِ؟ .
فَأَفْتَى الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَطِّنًا مُسْتَنِدًا لِمَا ذَكَرَهُ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَ كَلَامَهُ فِي التَّلْقِينِ وَنَصُّهُ: قَالَ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَغْرِبِيِّ مَا نَصُّهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا يُصَلِّي بِهِمْ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ كَمَنْ هُوَ خَارِجَ الْبَلَدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَدُونَ.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُسَافِرٌ انْتَهَى.
وَقَالَ الْجُزُولِيُّ أَهْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَتَجِبُ بِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ الْمِصْرِ، وَقِسْمٌ تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَجِبُ بِهِمْ وَهُمْ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ، وَقِسْمٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَجِبُ بِهِمْ وَهُمْ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْأَمْيَالِ الثَّلَاثَةِ وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْإِمَامُ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ وَلَيْسَ فِي الْمِصْرِ إمَامٌ هَلْ يُقِيمُ هَذَا الَّذِي خَارِجَ الْمِصْرِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا؟ .
قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُقِيمُهَا بِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ قَالَ الْفَقِيهُ رَاشِدٌ: يُقِيمُهَا بِهِمْ كَمَا يُصَلِّيهَا بِهِمْ الْمُسَافِرُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمِصْرِ مَنْ يُحْسِنُ الْخُطْبَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ إمَامٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى آخِرِ كَلَامِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَهْلُ قَرْيَةٍ تَوَفَّرَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ لَا مَنْ يُحْسِنُ الْخُطْبَةَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ وَيَأْتِي مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ مِنْ خَارِجِ الْقَرْيَةِ وَدَاخِلِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَجَرَتْ الْفُتْيَا فِي زَمَانِنَا هَذَا بِجَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَابُلُسِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ لَمْ أَرَهُ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُقِيمُهَا الْمُقِيمُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُقِيمًا ثُمَّ يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْإِقَامَةُ الْمُقَابِلَةُ لِلسَّفَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْجُزُولِيِّ: كَمَا يُصَلِّيهَا بِهِمْ الْمُسَافِرُ. غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إلَّا الْخَلِيفَةَ يَمُرُّ بِقَرْيَةٍ جُمُعَةً) ش ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِالْخَلِيفَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا فِي تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِالْإِمَامِ وَلَفْظُ الْأُمِّ يَدُلُّ