الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ.
[دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ غَيْره مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ]
(الرَّابِعُ) إذَا دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ وَوَقَعَ ذَلِكَ وَنَزَلَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ بَلْ هِيَ حَبْسٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ حَفَرَ قَبْرًا لِلْمَيِّتِ فَدُفِنَ غَيْرُهُ فِيهِ: إنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَأَحْرَى مَسْأَلَتُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَانْظُرْ الشَّبِيبِيَّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ.
[الْمُعَلَّاةَ وَالشَّبِيكَةَ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَبَّلَةِ]
(الْخَامِسُ) لَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَلَّاةَ وَالشَّبِيكَةَ مِنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَبَّلَةِ الْمُرْصَدَةِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ وَأَنَّ الْبِنَاءَ بِهِمَا لَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ هَدْمُهُ يَدُلُّ لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْآتِي بَلْ لِلْمُعَلَّاةِ زِيَادَةُ خُصُوصِيَّةٍ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِي فَضْلِهَا وَتَسْمِيَتِهَا مَقْبَرَةً فَقَدْ رَوَيْنَا فِي تَارِيخِ الْأَزْرَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «نِعْمَ الْمَقْبَرَةُ هَذِهِ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ» قَالَ وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«نِعْمَ الشَّعْبُ وَنِعْمَ الْمَقْبَرَةُ» وَأَمَّا مَا يُقَالُ: إنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، أَوْقَفَهَا فَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ لِلدَّفْنِ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ فَإِنَّ الزَّرْكَشِيَّ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْخَادِمِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقُبُورِ قَالَ الْحَاوِي بَعْدَ ذِكْرِهِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيُهْدَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَأَيْت الْوُلَاةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِيهَا وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى الْقَرَافَةِ وَهَلْ هِيَ مَوْقُوفَةٌ، أَوْ مُرْصَدَةٌ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ
ص (كَحَجَرٍ، أَوْ خَشَبَةٍ بِلَا نَقْشٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ حَجَرًا، أَوْ خَشَبَةً بِلَا نَقْشٍ لِتَمَيُّزِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ: كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةً يَكْتُبُ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ بَأْسًا يَعْرِفُ بِهِ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِيهِ انْتَهَى.
وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مُسْتَحَبًّا وَنَصُّهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَلَّمَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ بِحَجَرٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا أَنْ دَفَنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ حَمَلَهُ فَوَضَعَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ أُعَلِّمُ بِهِ قَبْرَ أَخِي أَزُورُهُ وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» انْتَهَى.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ فِي طَرَفِ الْقَبْرِ عَلَامَةً لِيُعْرَفَ بِهِ أَنَّ فِيهِ قَبْرًا وَلِيَعْرِفَ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ فَأَمَّا الْحِجَارَةُ الْكَثِيفَةُ وَالصَّخْرُ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُ؛ فَلَا خَيْرَ فِيهِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ بِلَا نَقْشٍ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِلَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ: وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةٌ وَيُكْتَبَ فِيهَا، وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْخَشَبَةِ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِي ذَلِكَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ قَبْرَ وَلِيِّهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَرِهَ مَالِكٌ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَبْرِ وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ الْبَلَاطَةُ الْمَكْتُوبَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا أَهْلُ الطَّوْلِ مِنْ إرَادَةِ الْفَخْرِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالسُّمْعَةِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَيْهَا فَأَمْرٌ قَدْ عَمَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ تَسَامَحَ النَّاسُ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ إلَّا التَّعْلِيمُ لِلْقَبْرِ لِئَلَّا يَدَّثِرَ انْتَهَى
ص (وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ فَقَطْ وَلَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ) ش: وَلَا يُحَنَّطُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ قُتِلَ فِي مُعْتَرَكِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ سَبَبِهِمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِمْ وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ بِأَيْدِيهِمْ، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ عَنْ فَرَسِهِ فَانْدَقَّ عُنُقُهُ، أَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ، أَوْ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ شَهِيدٌ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَالشَّهِيدُ مَنْ مَاتَ فِي مُعْتَرَكِ الْعَدُوِّ فَقَطْ لَا بَيْنَ لُصُوصٍ، أَوْ فِتْنَةٍ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي دَفْعِهِ عَنْ حَرِيمِهِ وَإِنْ صَبِيًّا، أَوْ امْرَأَةً وَلَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، أَوْ هُوَ نَائِمٌ عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُهُ، أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ مَيِّتًا وَلَيْسَ فِيهِ جِرَاحٌ، أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ وَلَمْ يَحْيَ لِحَيَاةٍ بَيِّنَةٍ، أَوْ رُفِعَ مَغْمُورًا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ حُمِلَ لِأَهْلِهِ فَمَاتَ فِيهِمْ، أَوْ فِي أَيْدِي الرِّجَالِ، أَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَجُهِلَ قَاتِلُهُ، أَوْ تُرِكَ فِي الْمَعْرَكَةِ حَتَّى مَاتَ فَكَغَيْرِ الشَّهِيدِ إلَّا مَنْ عُوجِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ سَحْنُونٌ وَإِنْ جُهِلَ قَاتِلُهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الرَّمْيِ بِالنَّارِ وَالْحِجَارَةِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ بِحَجَرٍ، أَوْ بِعَصًا، أَوْ خَنَقُوهُ حَتَّى مَاتَ، أَوْ قَتَلُوهُ أَيَّ قِتْلَةٍ كَانَتْ فِي مَعْرَكَةٍ، أَوْ فِي غَيْرِ مَعْرَكَةٍ فَهُوَ كَالشَّهِيدِ فِي الْمُعْتَرَكِ وَلَوْ أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْإِسْلَامِ فَدَافَعُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ كَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ كَالشَّهِيدِ فِي الْمَعْرَكَةِ قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَوْ قَتَلُوهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي غَيْرِ مُلَاقَاةٍ وَلَا مُعْتَرَكٍ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ هُمْ كَالشُّهَدَاءِ فِي الْمُعْتَرَكِ حَيْثُمَا نَالَهُمْ الْقَتْلُ، مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ وَبِهِ أَقُولُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَةً، أَوْ صَبِيَّةً، أَوْ صَبِيًّا وَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ هُوَ وِفَاقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَمَّا مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا، أَوْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي الْمُعْتَرَكِ، أَوْ مَاتَ بِغَرَقٍ، أَوْ هَدْمٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي دَفْعِهِ إيَّاهُمْ عَنْ حَرِيمِهِ ابْنُ سَحْنُونٍ وَلَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُعْتَرَكِ مُسْلِمًا ظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ الْعَدُوِّ، أَوْ دَرَسَتْهُ الْخَيْلُ مِنْ الرِّجَالِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ انْتَهَى.
(فَوَائِدُ الْأُولَى) قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَاَلَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ» قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ: الْمَطْعُونُ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الطَّاعُونِ وَالْغَرِيقُ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ غَرَقًا فِي الْمَاءِ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ هُوَ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ وَرَمٌ يَعْرِضُ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ لِلْأَضْلَاعِ وَالْمَبْطُونُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ: هُوَ صَاحِبُ الْإِسْهَالِ وَقِيلَ: الْمَجْنُونُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي يَمُوتُ بِمَرَضِ بَطْنِهِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ وَفِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ لِأَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ شَيْخِهِ شُرَيْحٍ أَنَّهُ صَاحِبُ الْقُولَنْجِ، وَالْحَرِقُ الَّذِي يُحْرَقُ فِي النَّارِ فَيَمُوتُ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي تَمُوتُ بِجُمْعٍ هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ مِنْ الْوِلَادَةِ سَوَاءٌ أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا أَمْ لَا وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ فِي النِّفَاسِ وَوَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ عَذْرَاءَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ بَقِيَ مِنْ الشُّهَدَاءِ صَاحِبُ السِّلِّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْغَرِيبُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالصَّابُونِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَاحِبُ الْحُمَّى رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَاللَّذِيعُ وَالشَّرِيقُ الَّذِي تَفْتَرِسُهُ السِّبَاعُ وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْمُتَرَدِّي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْمَيِّتُ عَلَى فِرَاشِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَقْتُولُ دُونَ مَالِهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ أَهْلِهِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ دُونَ مَظْلَمَةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْمَيِّتُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حُبِسَ ظُلْمًا رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَالْمَيِّتُ عِشْقًا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَالْمَيِّتُ وَهُوَ طَالِبٌ لِلْعِلْمِ رَوَاهُ الْبَزَّازُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي الَّذِي يَقْتُلُهُ اللُّصُوصُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ شَهِيدٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا دُونَ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ وَمَنْ غَرِقَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ وَكُلُّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَإِنْ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَلَهُ أَجْرُ شَهَادَتِهِ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَاتَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ كَانَ قَوْمٌ فِي مَعْصِيَةٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِمْ الْبَيْتُ فَلَهُمْ الشَّهَادَةُ وَعَلَيْهِمْ الْمَعْصِيَةُ انْتَهَى.
(الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا الْغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ.
(الثَّالِثَةُ) الشَّهِيدُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا فَعَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ: لِأَنَّهُ حَيٌّ فَرُوحُهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ وَرُوحُ غَيْرِهِ إنَّمَا تَشْهَدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا لَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ وَقِيلَ: لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ وَقِيلَ: لِأَنَّ تَشْهَدُ بِصِدْقِ نِيَّتِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ مَعَهُ شَاهِدًا وَهُوَ الدَّمُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ وَدَمُهُ يَثْعَبُ وَقِيلَ: لِأَنَّ دَمَهُ يَشْهَدُ عَلَى الْأَلَمِ وَعَلَى هَذَا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِهَذَا السَّبَبِ.
وَالشُّهَدَاءُ ثَلَاثَةٌ: شَهِيدُ حَرْبِ الْكُفَّارِ لَهُ أَحْكَامُ الشَّهِيدِ فِي الدُّنْيَا وَفِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ.
وَالثَّانِي: شَهِيدٌ فِي الثَّوَابِ دُونَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُمْ الْمَبْطُونُ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ.
وَالثَّالِثُ: مَنْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ وَشِبْهُهُ فَلَهُ حُكْمُ الشَّهِيدِ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُمْ الثَّوَابُ الْكَامِلُ
ص (وَإِنْ أَجْنَبَ عَلَى الْأَحْسَنِ)
ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِ دَمِهِ كَالرَّوْثِ وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُغَسَّلُ اعْتِبَارًا بِالْجَنَابَةِ وَمَا قُلْنَاهُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ الْإِبْعَادُ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ فِي الدَّمِ خَاصَّةً؛ وَلِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى خَصْمِهِ فَتُرِكَ لِذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَاعْتِبَارًا بِمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ جِلْدُ خِنْزِيرٍ، أَوْ جِلْدُ مَيْتَةٍ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ إجْمَاعًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى
ص (وَدُفِنَ بِثِيَابِهِ إنْ سَتَرَتْهُ)
ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَنْزِعَ ثِيَابَهُ وَيُكَفِّنَهُ بِغَيْرِهَا وَيَخْتَلِفُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ هَلْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ شَيْئًا؟ .
قَالَ مَالِكٌ فِي
الْكِتَابِ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ يُزَادُ فِي كَفَنِ الشَّهِيدِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ.
ص (وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ إلَّا أَنْ يُدْفَنَ بِغَيْرِهَا وَلَا غَائِبٍ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ
وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى غَرِيقٍ، أَوْ أَكِيلٍ قَوْلَانِ ابْنُ حَبِيبٍ مَعَ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَالْمَشْهُورُ وَفِي مَنْعِهَا عَلَى قَبْرِ مَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ قَوْلَا الْمَشْهُورِ وَاللَّخْمِيُّ مَعَ نَقْلِهِ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَصَّارِ وَابْنِ عُمَرَ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَصَّارِ مَا لَمْ يُطِلْ وَأَقْصَى مَا قِيلَ فِيهِ: شَهْرٌ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ دُفِنَ دُونَ صَلَاةٍ أُخْرِجَ لَهَا مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ فَفِي الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرٍ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ وَهْبٍ وَسَحْنُونٍ مَعَ أَشْهَبَ وَشَرْطُ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يُطِلْ حَتَّى يَذْهَبَ الْمَيِّتُ بِفِنَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَفِي كَوْنِ الْفَوْتِ إهَالَةَ التُّرَابِ عَلَيْهِ، أَوْ الْفَرَاغَ مِنْ دَفْنِهِ.
ثَالِثُهَا: خَوْفُ تَغَيُّرِهِ لِأَشْهَبَ وَسَمَاعِ عِيسَى ابْنِ وَهْبٍ وَسَحْنُون مَعَ عِيسَى وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ بَشِيرٍ قِيلَ: يُخْرَجُ لِلصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا وَقِيلَ: إنْ طَالَ فَظَاهِرٌ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُخْرَجُ مُطْلَقًا، لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى.
فَنَصَّ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ أَنَّهُ يَفُوتُ بِالدَّفْنِ وَيُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ سَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ هَارُونَ كَمَا نَقَلَهُ عِنْدَ ابْنِ نَاجِي وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَمَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ: فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَارَ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ، وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ يَدْعُونَ وَيَنْصَرِفُونَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ.
الثَّانِي: يُخْرَجُ إلَّا أَنْ يُخَافَ تَغَيُّرُهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ.
الثَّالِثُ: يُخْرَجُ إلَّا أَنْ يَطُولَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ثَالِثُهَا: يُخْرَجُ مَا لَمْ يُطِلْ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ يُخْرَجُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى.
وَإِنَّمَا حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَنَبَّهَ عَلَى هَذَا ابْنُ هَارُونَ انْتَهَى كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ وَصِيٌّ رُجِيَ خَيْرُهُ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ يَعْنِي الْمُوصِيَ مُرَاغَمَةَ الْوَلِيِّ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَنَحْوِهَا انْتَهَى.
وَمُرَادُهُ بِالْوَصِيِّ مَنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْعُتْبِيَّةَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ اجْتَمَعَ وَلِيٌّ وَمَنْ أَوْصَاهُ الْمَيِّتُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَشْفِعُ لَهُ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمَيِّتِ لِعَدَاوَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ يُرِيدُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ أَوْلَى مِمَّنْ لَهُ دِينٌ وَفَضْلٌ وَإِلَّا كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ وَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ فِي التَّقْصِيرِ لَهُ فِي الدُّعَاءِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَكَانَ ابْنُ الْعَمِّ مَعَ الْعَدَاوَةِ كَانَ ذَلِكَ أَبْيَنَ وَأَرَى إذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَعْرُوفًا بِالدِّينِ وَالْفَضْلِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَدَاوَةٌ؛ لِأَنَّ فِي تَقَدُّمَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَصْمًا عَلَى الْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَ مُوصًى إلَيْهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَسُلْطَانُ كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ النَّاظِرُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى.
وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ ص (ثُمَّ الْخَلِيفَةُ لَا فَرْعُهُ إلَّا مَعَ الْخُطْبَةِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهِ مِنْ قَاضٍ وَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ، أَوْ وَالٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا حَضَرَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ بَلْدَةٍ كَانَ عِنْدَهُمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: قَوْلُهُ مَنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ إلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْخُطْبَةُ وَإِنَّمَا يَكُونُ صَاحِبُ الصَّلَاةِ وَالْمِنْبَرِ أَحَقَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إذَا كَانَ وَلِيُّهُ سُلْطَانَ الْحُكْمِ مِنْ قَضَاءٍ، أَوْ شُرْطَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَسَائِرِ النَّاسِ هَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا يَتَقَدَّمُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَتْ لَهُ خُطْبَةٌ وَالصَّلَاةُ دُونَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا، أَوْ قَاضِيًا، أَوْ صَاحِبَ شُرْطَةٍ، أَوْ أَمِيرًا عَلَى
الْجُنْدِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ قَالَ مَالِكٌ صَاحِبُ الصَّلَاةِ إذَا فَوَّضَ لَهُ الصَّلَاةَ الْأَمِيرُ، أَوْ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ، أَوْ الْقَاضِي فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمِنْبَرِ أَمِيرَ الْجُنْدِ، وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ إذَا كَانَ مُوَكَّلًا بِالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي فِي هَذَا عَمَلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ إلَيْهِ قِيلَ: يُوَكَّلُ أَمِيرُ الْجُنْدِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ إذَا غَابَ الْأَمِيرُ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْخُطْبَةَ فِي مِثْلِ وَكِيلِهِ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ إلَيْهِ شُرْطَةٌ وَلَا ضَرْبُ الْحُدُودِ وَلَا شَيْءَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ لَا أَرَى لِهَذَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ شَيْئًا؛ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ: فِي هَذَا الْكَلَامِ الْتِبَاسٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتِهِمْ إلَّا الْأَمِيرُ، أَوْ قَاضِيهِ، أَوْ صَاحِبُ شُرْطَةٍ، أَوْ مُؤَمَّرٌ عَلَى الْجُنْدِ إذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْخُطْبَةِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ بِقَضَاءٍ، أَوْ شُرْطَةٍ، أَوْ إمَارَةٍ عَلَى الْجُنْدِ، أَوْ انْفَرَدَ بِالْحُكْمِ بِالْقَضَاءِ، أَوْ الشُّرْطَةِ، أَوْ الْإِمَارَةِ دُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ إلَيْهِ وَالصَّلَاةُ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ حَقٌّ وَكُلُّ مَنْ كَانَ إلَيْهِ مِنْهُمْ الْحُكْمُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.
وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِمَنْزِلَتِهِ فِي أَنَّهُ أَحَقُّ فَوَكِيلُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَأَمَّا إنْ كَانَ وَكَّلَهُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الصَّلَاةِ، أَوْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ دُونَ الْحُكْمِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ كَانَتْ إلَيْهِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ يُرِيدُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ حُكْمٌ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ لِابْنِ الْقَاسِمِ نَصًّا وَظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْقَاضِيَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصَّلَاةُ إلَيْهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ حَقٌّ سِوَى الْأَمِيرِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ لِمَنْ انْفَرَدَ بِالصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ وَالْقَضَاءِ، أَوْ بِالْحُكْمِ دُونَ الْقَضَاءِ وَالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، فَهَذَا تَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى.
ص (ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ)
ش: قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَاسْتَحَبَّ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنُ الْمَيِّتِ أَبَاهُ وَأَخَاهُ وَجَدَّهُ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَفِي السُّلَيْمَانِيَّةِ لَا يَتَقَدَّمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ مَعَهُ عَبِيدًا قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَبِيهِ الْمَيِّتِ مِنْ الْأَحْرَارِ كَصَاحِبِ الْمَنْزِلِ يَوْمَ مَنْ غَشِيَهُ فِيهِ انْتَهَى.
ص (وَالْقَبْرُ حَبْسٌ لَا يُمْشَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ)
ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَفَاسِدَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى