الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْعُمْرَةِ الْقَصْدُ قَالَ الشَّاعِر
لَقَدْ سَمَا ابْنُ مَعْمَرٍ حِينَ اعْتَمَرَ
…
فَحَلَّ أَعْلَى مُحْتَدٍ وَمُفْتَخِرٍ
أَرَادَ حِينَ قَصَدَ انْتَهَى. وَفِي الشَّرْعِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ أَوْ تَقُولُ: عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا طَوَافٌ وَسَعْيٌ فَقَطْ مَعَ إحْرَامٍ، وَقَوْلُنَا: فَقَطْ لِيَخْرُجَ الْحَجُّ
[فَائِدَة أَحْكَامَ الْحَجِّ]
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ: أَحْكَامُ الْحَجِّ كَثِيرَةٌ وَفُرُوعُهُ غَزِيرَةٌ وَالِاعْتِبَارُ بِهَا الْيَوْمَ قَلِيلٌ لَا سِيَّمَا بِبِلَادِ الْغَرْبِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَتَحْقِيقُهَا فِي الْغَالِبِ يَحْتَاجُ لِطَوِيلِ الْبَحْثِ وَدَقِيقِ النَّظَرِ وَبَعْضِ الْمُلَابَسَةِ فِي الْفِعْلِ فَلْيُعْذَرْ الْمُتَكَلِّمُ فِيهِ عِنْدَ تَقْصِيرِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ الْقُورِيَّ رحمه الله يَقُولُ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ: إنَّ أَحْكَامَ الْحَجِّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ لِزِمَامٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَدْ تَنْضَبِطُ أَفْعَالُهُ وَذَكَرَ أَنَّهَا تِسْعَةَ عَشَرَ فِعْلًا وَالْعُمْرَةُ نِصْفُهَا وَعِنْدِي أَنَّ أُصُولَهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَقَدْ جَمَعْتهَا فِي أَبْيَاتٍ
وَهِيَ أَحْرِمْ وَلَبِّ ثُمَّ طُفْ وَاسْعَ وَزِدْ
…
فِي عُمْرَةٍ حَلْقًا وَحَجًّا إنْ تُرِدْ
فَزِدْ مِنًى وَعَرَفَاتٍ جَمْعًا
…
وَمَشْعَرًا وَالْجَمَرَاتِ السَّبْعَا
وَانْحَرْ وَقَصِّرْ وَافْضِ ثُمَّ ارْجِعْ
…
لِلرَّمْيِ أَيَّامَ مِنًى وَوَدِّعْ
وَكَمِّلْ الْحَجَّةَ بِالزِّيَارَةِ
…
مُتَّقِيًا مِنْ نَفْسِك الْأَمَّارَةِ
فَالسِّرُّ فِي التَّقْوَى وَالِاسْتِقَامَةِ
…
وَفِي الْيَقِينِ أَكْبَرُ الْكَرَامَةِ
ص (وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلَافٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَشُرُوطُهُ الْآتِيَةُ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِيهَا وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْهَا أَوْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ إمَّا لِفَسَادِ الطَّرِيقِ بَعْدَ أَمْنِهَا أَوْ لِخَوْفِ ذَهَابِ مَالِهِ أَوْ صِحَّتِهِ أَوْ بِبُلُوغِهِ السِّتِّينَ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَغَيْرُهُ: أَوْ يُخَافُ عَجْزُهُ فِي بَدَنِهِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْفَوْرِ اتِّفَاقًا، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ وَابْنُ بَزِيزَةَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي مِنْهُمَا شَهَرَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ رَاشِدٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَغَارِبَةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ انْتَهَى.
((قُلْتُ)) يَعْنِي أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَسَائِلَ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا خِلَافَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اُخْتُلِفَ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ فَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَمَسَائِلُهُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، شَهْرُ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا التَّرَاخِي وَحَاصِلُ نُصُوصِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ اخْتَلَفَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: هَلْ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي يَرَى التَّوْسِعَةَ مُغَيَّاةً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ خَوْفِ الْفَوَاتِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَكَثْرَةِ الْأَمْرَاضِ وَقِلَّتِهَا وَأَمْنِ الطَّرِيقِ وَخَوْفِهَا وَحَدَّهُ سَحْنُونٌ بِسِتِّينَ سَنَةٍ، قَالَ: وَيَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا زَادَ عَلَيْهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ صَاحِبُ التَّمْهِيدِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ غَيْرَ سَحْنُونٍ انْتَهَى.
زَادَ ابْنُ الْحَاجِّ وَالتَّادَلِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ وَهَذَا تَوْقِيتٌ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ مِمَّنْ يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ.
قَالَ: وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُجْدِي ذَلِكَ وَالْحُدُودُ فِي الشَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ إلَّا مِمَّنْ لَهُ أَنْ يُشَرِّعَ، وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ لِسَحْنُونٍ بِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» وَقَلَّ مَنْ يُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ خَرَجَ عَنْ الْأَغْلَبِ أَيْضًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ
بِتَفْسِيقِ مَنْ صَحَّتْ عَدَالَتُهُ وَدِينُهُ وَأَمَانَتُهُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ التَّأْوِيلِ انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا: يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ تَأْخِيرُ مَا لَمْ يَخَفْ عَجْزَهُ عَنْهُ كَمَا يَقُولُ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ أَنْ لَا يَعْصِي وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنَّهُ مَتَى يَخَافُ الْفَقْرَ وَالضَّعْفَ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَعَصَى وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] وَإِنَّمَا أَرَادَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إذَا أَخَّرَهُ وَهُوَ شَابٌّ مُقْتَدِرٌ وَفِي نِيَّتِهِ فِعْلُهُ فَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا طَرَأَ عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَأْثَمُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، كَمَا جُوِّزَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصِّبْيَانِ وَلِلزَّوْجِ ضَرْبُ الزَّوْجَةِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ مَتَى يَعْصِي؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِتَأْخِيرِهِ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْقُدْرَةِ إذْ التَّأْخِيرُ عَنْهَا إنَّمَا جَازَ بِشَرْطٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْ آخِرِ سَنَةٍ لَمْ يُمْكِنْهُ الْحَجُّ بَعْدَهَا انْتَهَى.
وَرَأَى بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِي عَائِدًا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَنَحْوُ هَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَنَصُّهُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكَلَّفِ فَوَاتُهُ. وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى إبَاحَةُ التَّعْزِيرِ لِلْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا أَخَّرَ الرَّجُلُ حَجَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْعَجْزُ عَنْهُ يُعَدُّ عَاصِيًا وَإِنْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ فَلَيْسَ بِعَاصٍ وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ الْمُعْتَرَكَ فَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ تَكُونَ الطَّرِيقُ آمِنَةً فَيَخَافُ فَسَادُهَا أَوْ يَكُونَ ذَا مَالٍ فَيَخَافُ ذَهَابَ مَالِهِ بِدَلِيلٍ يَظْهَرُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ عَجَّلَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَبْلُغَ الْمُعْتَرَكَ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ، وَتَعْجِيلُهُ نَفْلٌ كَالصَّلَاةِ الَّتِي تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنْ عَجَّلَهَا فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَتَعْجِيلُهَا نَفْلٌ انْتَهَى.
فَلَمَّا تَرَجَّحَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ تَجْدِيدَهُ بِخَوْفِ الْفَوْتِ لَا بِسِتِّينَ سَنَةٍ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ: جَزَمَ بِهِ فَقَالَ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ لَكِنْ مِنْ خَوْفِ الْفَوَاتِ بُلُوغُ السِّتِّينَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ الْمُعْتَرَكَ أَيْ مُعْتَرَكَ الْمَنَايَا وَهُوَ مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَتُسَمِّيهَا الْعَرَبُ دَقَّاقَةَ الرِّقَابِ انْتَهَى.
فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا خِيفَ الْفَوَاتُ بِبُلُوغِ السِّتِّينَ مُعْتَرَكَ الْمَنَايَا أَوْ بِغَيْرِهِ تَعَيَّنَ عَلَى الْفَوْرِ اتِّفَاقًا وَإِذَا لَمْ يَخَفْ الْفَوَاتَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَرَأَوْا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَشَهَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ بَزِيزَةَ وَمُصَنِّفُ الْإِرْشَادِ وَشَهَرَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الرِّسَالَةِ التَّرَاخِي وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْهَا: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْبَاجِيّ وَابْنُ رُشْدٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَغَارِبَةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَخَذُوهُ مِنْ مَسَائِلَ فَأَخَذَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لَا تَخْرُجُ إلَيْهِ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ فَوْرًا إجْمَاعًا انْتَهَى.
وَأَخَذَهُ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ يُؤَخَّرُ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ الْعَامَ وَالْعَامَ الْقَابِلَ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ وَإِلَّا خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ تَعَجَّلَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مَعْصِيَةٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، فَقَدْ نُقِلَ فِي النَّوَادِرِ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِالْإِعْجَالِ عَلَيْهَا، الثَّانِي أَنَّ طَاعَةَ الْأَبَوَيْنِ لَمَّا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْفَوْرِ بِاتِّفَاقٍ وَكَانَ الْحَجُّ مُخْتَلَفًا فِي فَوْرِيَّتِهِ قُدِّمَ الْمُتَّفَقُ عَلَى فَوْرِيَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِوَاجِبٍ أَقْوَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْفَوْرُ غَيْرَ وَاجِبٍ انْتَهَى.
وَهَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي لِابْنِ بَشِيرٍ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: يُرَدُّ بِقَوْلِهَا: إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَسَمَاعَ الْقَرِينَيْنِ: سَفَرُ الِابْنِ الْبَالِغِ بِزَوْجَتِهِ وَلَوْ إلَى الْعِرَاقِ وَتَرْكُ أَبِيهِ شَيْخًا كَبِيرًا عَاجِزًا
عَنْ نَزْعِ الشَّوْكَةِ مِنْ رِجْلِهِ جَائِزٌ فَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَحَمْلُ ابْنِ مُحْرِزٍ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِهِ لَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ بَعِيدٌ جِدًّا، انْتَهَى.
وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِي أَوَائِلِهِ وَسَمَاعُ الْقَرِينَيْنِ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ مِنْ كِتَابِ الْمِدْيَانِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَانِعِ الْحَجِّ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَأَخَذَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: رَوَى أَشْهَبُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ زَوْجَتُهُ فَأَرَادَتْ الْحَجَّ وَهِيَ صَرُورَةٌ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ مَا أَدْرِي مَا تَعْجِيلُ الْحِنْثِ، حَلَفَ أَمْسِ، وَتَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، وَلَعَلَّهُ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ سَنَةً وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ سَنَةً وَكَذَلِكَ يُقْضَى عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عِنْدَهُ عَلَى التَّرَاخِي إذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا شَكَّ فِي تَعْجِيلِ الْحِنْثِ فِي أَوَّلِ الْعَامِ، بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي أَوَّلِ الْعَامِ وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تُعَجِّلَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ تَعْجِيلُهُ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَالِكًا فَهِمَ عَنْهَا قَصْدَ الْإِضْرَارِ؛ لِقَوْلِهِ: حَلَفَ أَمْسِ وَتَخْرُجُ الْيَوْمَ، وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَجَدْت دَلَالَتَهُ عَلَى الْفَوْرِ أَقْرَبَ، انْتَهَى.
وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْبَيَانِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي بِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ نَزَلَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَخَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَإِنَّمَا فُرِضَ الْحَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَهَذِهِ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ قَالَ سَنَدٌ: وَقِيلَ: سَنَةَ عَشْرٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ الْوَقْتَ كَانَ لَا يَتَّسِعُ بِأَنْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ الْعَامِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) سَوَّى الْمُصَنِّفُ رحمه الله هُنَا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: الظَّاهِرُ قَوْلُ مَنْ شَهَرَ الْفَوْرَ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مِيلٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعَّفَ حُجَّةَ التَّرَاخِي وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِ نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ بِالتَّرَاخِي إنَّمَا أُخِذَ مِنْ مَسَائِلَ، وَلَيْسَ الْأَخْذُ مِنْهَا بِقَوِيٍّ انْتَهَى.
وَقَدَّمَ فِي مَنَاسِكِهِ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ الثَّانِي بِقِيلَ فَقَالَ: وَالْحَجُّ وَاجِبٌ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ: عَلَى التَّرَاخِي. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا تَأَمَّلْت الْمَسَائِلَ الْمَأْخُوذَ مِنْهَا التَّرَاخِي وَجَدْتهَا أَقْرَبَ إلَى دَلَالَتِهَا عَلَى الْفَوْرِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: الَّذِي عَلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْمَذَاهِبِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ الْفَوْرُ انْتَهَى.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِ أَرْجَحُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى مَنْ بَلَغَ السِّتِّينَ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيّ عَنْ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى مَنْ بَلَغَهَا أَوْ كَادَ، وَفِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَتَقَدَّمَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ السِّتِّينَ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَوْلُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ سَحْنُونٍ.
(الثَّالِثُ) وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ الْعَامِ عَصَى وَلَا يَكُونُ قَضَاءً خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ نَقَلَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ عَامٍ فَقَضَاءٌ، وَقِيلَ: أَدَاءٌ انْتَهَى. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَا صَدَّرَ بِهِ هُوَ الرَّاجِحُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُسَمَّى قَاضِيًا إجْمَاعًا وَنَصُّهُ فِي الِاحْتِجَاجِ لِلْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْحَجَّ عَنْ أَوَّلِ سَنَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُسَمَّى قَاضِيًا إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَوَجَبَ إذَا أَخَّرَهُ عَنْهَا أَنْ يَفُوتَ أَدَاؤُهُ وَيُسَمَّى قَاضِيًا كَمَا تَقُولُ: إذَا أَفْسَدَهُ أَنَّهُ يَقْضِيهِ، وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا اسْمُ الْقَضَاءِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَخْتَصُّ وُجُوبُهُ بِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ وَإِنَّمَا
يَجِبُ وَقْتُ إمْكَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ كَوُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْعَارِيَّةِ لَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِوَقْتٍ كَأَنْ فَعَلَهُ أَوَّلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ كَفِعْلِهِ فِيمَا بَعْدَهُ فِي تَسْمِيَتِهِ أَدَاءً، بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ إذَا أَوْقَعْته فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ بِوُقُوعِهِ فَإِذَا أَفْسَدَ فَسَمَّيْنَا عَزْمَتَهُ لَهُ قَضَاءً انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي فَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ لَمْ يَعْصِ وَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ أَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ عَصَى.
(الرَّابِعُ) قَالَ سَنَدٌ: إذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ الْحَجِّ وَجَبَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمَانِهِ وَقْتٌ وَاسِعٌ كَانَ وُجُوبُهُ مُوَسَّعًا فَمَتَى سَعَى فِيهِ سَعَى فِي وَاجِبِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ وَرَثَتُهُ وَلَا مَالُهُ إذَا لَمْ يُوصِ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ: إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدُ فَذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ) قَالَ أَشْهَبُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ: فَإِنْ أَرَادَتْ الْحَجَّ وَهِيَ صَرُورَةٌ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صَرُورَةٌ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ نَذَرَتْهُ وَلَهُ مَنْعُهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ فِيهَا: وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ إذَا نَذَرَتْ الْمَشْيَ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ النَّوَادِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَصِحَّتُهُمَا بِإِسْلَامٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْإِسْلَامُ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمِمَّا ذَكَرَ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي وُجُوبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ صَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى خِطَابِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي خِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ قَالَ الْبَاجِيِّ: وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ خِطَابُهُمْ بِهَا خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ انْتَهَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: الْكُفَّارُ عِنْدَنَا مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْقُرْطُبِيِّ نَفْيُ الْخِلَافِ فِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ نَفْسِهِ لَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِ الْخِلَافَ مِنْهُمْ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ: إنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحَكَى فِي الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَفِي كَلَامِهِ فِي الصِّيَامِ مِيلٌ إلَى عَدَمِ الْخِطَابِ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ. وَيُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِالْخِطَابِ بِالنَّظَرِ إلَى مَسَائِلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَيَكُونُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ أَيْضًا إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْعِبَادَةَ تَصِحُّ مِنْ الْكُفَّارِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَفِي الشَّامِلِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ حِكَايَةِ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ: مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ، وَإِلَّا أَجْزَأَ الْفِعْلُ قَبْلَ وُجُوبِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ، وَلَا يُنْقَضُ بِإِجْزَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ مِثْلُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَتْ قَبْلَهُ مُطْلَقًا اهـ.
وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الشَّامِلِ وَهَلْ الْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ وَرُجِّحَ أَوْ فِي وُجُوبِهِ أَوْ فِيهِمَا خِلَافٌ وَمِمَّنْ تَبِعَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: يَعْنِي أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَقِيلَ: شَرْطٌ فِيهِمَا، انْتَهَى.
وَكَانَ الْحَامِلُ لِلشَّيْخِ بَهْرَامَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا فَحَمَلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَنَصُّهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْإِسْلَامِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ وَالْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْخِطَابِ أَوْ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ شَاسٍ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي التَّبْصِرَةِ وَجَعَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ مَعًا وَحَكَى الْأُولَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا، انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ إنَّمَا هِيَ فِي تَضْعِيفِ الْعَذَابِ فَقَطْ وَذَكَرَ الْبِسَاطِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِذَلِكَ فَائِدَةً أُخْرَى وَهِيَ وُجُوبُ الِاسْتِنَابَةِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ إذَا أَسْلَمَ وَمَاتَ فِي الْحَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ، وَإِنَّمَا تُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ ((قُلْتُ)) : وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لَا تَجِبُ عِنْدَنَا وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا مُسْتَطِيعًا وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَسْتَطِيعُهُ بِالنِّيَابَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَوْلَى رَدُّهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْعَقْلَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ أَيْضًا وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ يَعْنِي نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِّ الِاسْتِطَاعَةَ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّادَلِيِّ وَجَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ وَشُرُوطُ وُجُوبِهِ ثَلَاثَةٌ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلِأَدَائِهِ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ ثُمَّ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعْيِينِهَا انْتَهَى.
وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ أَعْنِي نَفْيَ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ فَمَنْ أَحَبَّ فَلِيُرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: لَوْ اعْتَقَدَ الصَّبِيُّ الْكُفْرَ لَمْ يَكْفُرْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلَوْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الرُّويَانِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ وَالِدُهُ: يَصِحُّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَمَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ أَنَّ ارْتِدَادَهُ ارْتِدَادٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ)
ش: يَعْنِي فَبِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا الْإِسْلَامُ صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُحَجُّ بِالرَّضِيعِ وَأَمَّا ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ خَمْسٍ فَنَعَمْ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا فَلَا يَحُجُّ بِالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقُ. وَكَأَنَّهُ فَهِمَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الْمَنْعِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي صِحَّتِهِ يَعْنِي الْإِحْرَامَ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِلَّخْمِيِّ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يُحَجُّ بِابْنِ أَرْبَعٍ لَا بِرَضِيعٍ وَفِي الْمَجْنُونِ قَوْلَانِ لَهَا وَلِتَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: عَدَمُ الْعَقْلِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ خِلَافُ النَّصِّ وَنَقْلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَهُ عَنْ بَعْضِ شَارِحِي الْمُوَطَّإِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَعْمِيَةٌ أَوْ قُصُورٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَمَلَ عِيَاضٌ قَوْلَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُحَجُّ بِالرَّضِيعِ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ لَا مَنْعِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ شَارِحِي الْمُوَطَّإِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ نَفْلًا وَلَا فَرْضًا وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ فِي
شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَأَمَّا الْمُمَيِّزُ وَالْعَبْدُ فَعَنْ أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ فِي التَّوْضِيحِ نَقَلَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَجِبُ بِالْإِسْلَامِ إلَى آخِرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ الْبَاجِيُّ: هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، انْتَهَى. فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ تَرْكَ الْإِحْرَامِ بِالرَّضِيعِ مُسْتَحَبٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْأَصْلُ فِي الْحَجِّ بِالصَّغِيرِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مَحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ إلَّا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَنَعُوهُ وَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِمْ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ وَإِجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ يَرُدُّ قَوْلَهُمْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ لِلْعُلَمَاءِ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْحَجِّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إلْزَامُهُمْ مِنْ الْفِدْيَةِ وَالدَّمِ وَالْجَبْرِ مَا يَلْزَمُ الْكَبِيرَ أَمْ لَا؟ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُلْزِمُهُمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَتَجَنَّبُ عِنْدَهُ مَا يَتَجَنَّبُ الْمُحْرِمُ عَلَى طَرِيقِ التَّعْلِيمِ وَالتَّمْرِينِ وَسَائِرُهُمْ يُلْزِمُونَهُ ذَلِكَ وَيَرَوْنَ حُكْمَ الْحَجِّ مُنْعَقِدًا عَلَيْهِ إذْ جَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ إذْ جَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَجًّا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ إذَا بَلَغَ مِنْ الْفَرِيضَةِ، إلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ فَقَالَتْ: يُجْزِيهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ الْعُلَمَاءُ إلَى قَوْلِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَحْرَمَ وَهُوَ صَبِيٌّ فَبَلَغَ قَبْلَ عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَجِّ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُرْفَضُ إحْرَامُهُ وَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَإِنْ اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: يُجْزِيهِ إنْ نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ وَرَفْضُ الْأُولَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُجْزِئُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي الْعَبْدِ يُحْرِمُ ثُمَّ يُعْتَقُ سَوَاءٌ وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّضِيعِ وَمَنْ لَا يَفْقَهُ هَلْ يَحُجُّ بِهِ؟ وَحَمَلَ أَصْحَابُنَا قَوْلَهُ بِالْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَرْكِهِ، وَالْكَرَاهَةِ لِفِعْلِهِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ.
وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ مِنْ الْإِجْزَاءِ إذَا اسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ أَوْ نَوَى بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلَ الْفَرْضَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفَى فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ
وَإِذَا صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا وَمَنْ الْمَجْنُونِ فَيُحْرِمُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا قُرْبَ الْحَرَمِ وَتَجْدِيدِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْوِي الْإِحْرَامَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: قُرْبَ الْحَرَمِ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ، وَالْمَعْنَى فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الرَّضِيعِ قُرْبَ الْحَرَمِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِهِ جَرَّدَهُ وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ: قُرْبَ الْحَرَمِ، عَلَى قَوْلِهِ: وَجَرَّدَ، لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْيَنَ فَإِنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِجَرَّدَ بَلْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوَلِيَّ يُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيُؤَخِّرُ تَجْرِيدَهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ يُجَنَّبُ مَا يُجَنَّبُهُ الْكَبِيرُ وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مُنَاهِزٌ وَرَضِيعٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُدْخِلَ الْجَمِيعَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَأَنْ يُحْرِمَ بِهِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قُرْبَ الْحَرَمِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَ الرَّضِيعِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُنْهَى عَنْهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَأَنْ يُحْرِمَ الْمُنَاهِزُ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ فِي الْأُمِّ: قَالَ مَالِكٌ: وَالصِّبْيَانُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ الْكَبِيرُ قَدْ نَاهَزَ وَمِنْهُمْ الصَّغِيرُ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَثَمَانِ سِنِينَ الَّذِي لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فَذَلِكَ يُقَرَّبُ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمُ، وَاَلَّذِي قَدْ نَاهَزَ فَمِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَدَعُ مَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ الَّذِي إذَا جَرَّدَهُ أَبُوهُ يُرِيدُ بِتَجْرِيدِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَيُجَنِّبُهُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي اخْتِصَارِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ صَبِيًّا صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ فَلَا يُلَبِّي عَنْهُ وَيُجَرِّدُهُ إذَا دَنَا مِنْ الْحَرَمِ، وَإِذَا
جَرَّدَهُ كَانَ مُحْرِمًا وَيُجَنِّبُهُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ وَمَنْ كَانَ مِنْ الصِّبْيَانِ قَدْ نَاهَزَ وَيَتْرُكُ مَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ فَهَذَا يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سَبْعٍ فَلَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِهِ فَهَذَا أَيْضًا يُقَرَّبُ مِنْ الْحَرَمِ وَيُجَنَّبُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: نَاهَزَ، أَيْ قَارَبَ الْبُلُوغَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الصَّغِيرُ وَالْمُنَاهِزُ بِكَسْرِ الْهَاءِ الْمُرَاهِقُ انْتَهَى. وَقَالَ سَنَدٌ: قَالَ مَالِكٌ وَالصِّبْيَانُ فِي هَذَا مُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ الْكَبِيرُ وَقَدْ نَاهَزَ وَمِنْهُمْ الصَّغِيرُ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَسَبْعٍ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فَهَذَا يُقَرَّبُ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمُ وَاَلَّذِي قَدْ نَاهَزَ فَمِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَدَعُ مَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ وَيَقَعُ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَبْعُدُ بِهِ الْمَسَافَةُ بِخِلَافِ مَنْ يَنْزَجِرُ وَجَازَ تَأْخِيرُ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ وَهُوَ مُرِيدٌ لِلنُّسُكِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ الْبَالِغُ الْمُكَلَّفُ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ سِيَّمَا الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ، وَأَسْقَطَ الْبَرَاذِعِيّ ذِكْرَهُ فِي تَهْذِيبِهِ وَذَلِكَ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّ حُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُحْرِمُ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَالصَّبِيُّ يُجْزِئُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجُنُونِ لِيُعْلَمَ مِنْ أَيِّ الْبَابَيْنِ هُوَ وَهُوَ بِالصَّغِيرِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ غَفْلَتَهُ دَائِمَةٌ كَغَفْلَةِ الصَّغِيرِ وَالْإِغْمَاءُ مَرَضٌ يُرْتَقَبُ زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ انْتَهَى.
((قُلْتُ)) وَلَعَلَّ مَسْأَلَةَ الْمَجْنُونِ سَقَطَتْ مِنْ نُسْخَتِهِ مِنْ تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ وَإِلَّا فَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيمَا رَأَيْتُهُ مِنْ نُسَخِ التَّهْذِيبِ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: الصِّبْيَانُ مُخْتَلِفُونَ فَمَنْ كَانَ كَبِيرًا قَدْ عَقَلَ وَعَرَفَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيُنْهَى عَنْهُ فَإِنَّ أَهْلَهُ يُحْرِمُونَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيُنْهَى عَنْهُ فَإِنَّ أَهْلَهُ لَا يُحْرِمُونَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُونَ بِهِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمُونَ بِهِ وَيُجَرِّدُونَهُ مِنْ مِخْيَطِ الثِّيَابِ وَيَكْشِفُونَ رَأْسَهُ وَيُجَنِّبُونَهُ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مِنْ الطِّيبِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُلَبُّونِ عَنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ بِتَجْرِيدِهِ يَنْوِي الْإِحْرَامَ لَا أَنْ يُلَبِّيَ عَنْهُ لَا يُقَالُ: ذِكْرُهُ التَّجْرِيدَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا حَجَّ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ وَهُوَ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِثْلُ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِيَةٍ فَلَا يُجَرَّدُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ: إذَا حَجَّ وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ كَقَوْلِ الْجَلَّابِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَ الصَّبِيِّ عَنْ الْمِيقَاتِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ انْتَهَى.
((قُلْتُ)) وَهَكَذَا لَفْظُ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْأُمِّ صَرِيحًا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَحُجَّ بِالصَّبِيِّ وَيُلَبِّيَ الطِّفْلُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَاَلَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ لَا يُلَبِّي عَنْهُ. وَكَيْفِيَّةُ إحْرَامِ الصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ الْوَلِيُّ إدْخَالَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُدْخِلَهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ بَلْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامِهِ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْحَرَمِ وَإِذَا نَوَى إدْخَالَهُ فِي الْإِحْرَامِ جَرَّدَهُ مِنْ الْمِخْيَطِ فَيُعْقَدُ إحْرَامُهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَخَّرُ إحْرَامُهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيُؤَخِّرُ تَجْرِيدَهُ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ إلَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ شَارِحِ الْعُمْدَةِ وَابْنِ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَكَى لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ السَّابِقِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِذَا حَجَّ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ إلَى آخِرِهِ، بِلَفْظٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا أَحْرَمَ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ وَهُوَ لَا يَجْتَنِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِثْل ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ وَثَمَانِيَةٍ فَلَا يُجَرِّدُهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْحَرَمِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ دُونَ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ فَهُوَ خِلَافُ مَا يَقُولُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ جَعَلَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا الْإِحْرَامُ مَعَ النِّيَّةِ وَتَقُومُ مَقَامَ التَّجَرُّدِ التَّوَجُّهَ عَلَى الطَّرِيقِ؛ فَبِذَلِكَ يَنْعَقِدُ إحْرَامُ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُجَرَّدُ مِنْ الْمِيقَاتِ انْتَهَى.
((قُلْتُ)) وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَعْنِي
قَوْلَهُ: وَإِذَا أَحْرَمَ بِالصَّبِيِّ؛ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا ابْنَ الْمُنِيرِ فِي اخْتِصَارِهِ لِتَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيّ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ التَّهْذِيبِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ وَفِي نُسَخِ التَّهْذِيبِ وَفِي اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنِ يُونُسَ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَصَاحِبِ الطِّرَازِ إنَّمَا هُوَ بِلَفْظٍ: وَإِذَا حَجَّ بِالصَّبِيِّ أَبُوهُ، كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِهِ يُجَنِّبُهُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ وَنَصُّ كَلَامِ شَارِحِ الْعُمْدَةِ فِي إحْرَامِ الصَّبِيِّ وَلَا يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا لَكِنْ لَا يُجَرِّدُ الطِّفْلَ الصَّغِيرَ جِدًّا مِنْ الْمِيقَاتِ؛ لِلْمَشَقَّةِ وَخَوْفِ الْإِضْرَارِ بِهِ حَتَّى يُقَارِبَ الْحَرَمَ وَيَفْدِي عَنْهُ، انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَمَتَى يُجَرَّدُ الصَّبِيُّ مِنْ الْمَخِيطِ أَمَّا الْكَبِيرُ فَكَالْبَالِغِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِذَا خِيفَ عَلَيْهِ أُخِّرَ تَجْرِيدُهُ وَأُفْدِيَ عَنْهُ انْتَهَى.
فَكَلَامُهُمَا أَيْضًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ إحْرَامُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي حِلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ احْتِمَالًا وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّارِحِ وَرَدَّهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ احْتِمَالًا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَنَصُّ كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ وَهَذَا التَّجْرِيدُ مُخَالِفٌ لِتَجْرِيدِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهُوَ مَعْمُولٌ مُجَرَّدٌ، وَأَجَازَ الشَّارِحُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا فِي يُحْرِمُ وَجُرِّدَ مَعًا وَلَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُجَرِّدُ إلَّا قُرْبَ الْحَرَمِ؛ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخَّرَ إحْرَامُ الصَّبِيِّ عَنْ الْمِيقَاتِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ قُلْت: يُحْمَلُ عَلَى تَجْرِيدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يُؤَخَّرُ الْفِعْلُ عَنْ النِّيَّةِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُؤَخَّرُ انْتَهَى. فَمَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَقَصَدَ خِلَافَهُ فَالصَّوَابُ مَعَ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّارِحِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فَقَطْ وَنَصُّهُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ: قُرْبَ الْحَرَمِ، هَلْ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ، وَبِقَوْلِهِ: جُرِّدَ، مَعًا حَتَّى تَكُونَ النِّيَّةُ مِنْ الْوَلِيِّ مَقْرُونَةً بِتَجْرِيدِ الصَّبِيِّ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِنِيَّةٍ مَقْرُونَةٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَنْوِيَ عَنْهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَيُجَرَّدُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّيْخِ انْتَهَى.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ وَالْوَسَطُ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فِي كَلَامِهِ فِي الصَّغِيرِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَمُطْبِقٌ، أَيْ فَيُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَيُجَرِّدُهُ وَلَيْسَ كَالصَّبِيِّ فِي تَأْخِيرِ تَجْرِيدِهِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ كَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ وَحُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَأَنَّهُ يُؤَخَّرُ إحْرَامُهُ، وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي الشَّرْحِ، وَنَصُّهَا نَوَى وَلِيٌّ عَنْ كَرَضِيعٍ وَجَرَّدَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ انْتَهَى. وَلَمَّا اضْطَرَبَتْ هَذِهِ النُّقُولُ وَغَيْرُهَا عَلَى بَعْضِ مَنْ عَاصَرَ مَشَايِخَنَا جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: فَقَالَ فِي مَنْسَكِهِ: وَيُجَرِّدُهُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهَلْ يُحْرِمُ بِهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ أَوْ عِنْدَ تَجْرِيدِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ إحْرَامَ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ لَيْسَ خَاصًّا بِالرَّضِيعِ وَكَذَا تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِقُرْبِ الْحَرَمِ لَيْسَ خَاصًّا بِهِ كَمَا قَدْ يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَلْ ذَلِكَ عَامٌّ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلَكِنَّهُ رحمه الله خَصَّ الرَّضِيعَ بِالذِّكْرِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ صِحَّةُ حَجِّهِ وَجَوَازُهُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ مَنْعِ الْحَجِّ بِهِ وَلَوْ أُتِيَ بِالْكَافِ فَقَالَ: عَنْ كَرَضِيعٍ؛ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَكُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ: يُسْتَحَبُّ الْحَجُّ بِالصِّبْيَانِ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُهُ وَعَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ قَرْنٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحُجُّ بِالصِّبْيَانِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُشْتَغَلُ بِهِ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو مَهْدِيٍّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكَافِلِ الصَّبِيِّ تَمْرِينُهُ عَلَى الْعِبَادَاتِ حَتَّى تَصِيرَ لَهُ كَالْعَادَاتِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى
كَافِلِهِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ فِي وَقْتِهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَيُعْفَى عَمَّا يَجْتَرِحُهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَإِنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَأِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَلَا تَجِبُ فَرِيضَةُ الْحَجِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ الْحُلُمَ وَالصَّغِيرَةُ الْحَيْضَ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَجَّ بِهِمَا وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى.
ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: كَانَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحُجُّوا بِأَبْنَائِهِمْ وَيَعْرِضُونَهُمْ لِلَّهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَنَصُّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ أَجْزَأَ عَنْهُ فَإِنْ عَتَقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» انْتَهَى. مِنْ الذَّخِيرَةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ السَّابِقِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمَا أَيْ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ فِي الْإِحْرَامِ بِالتَّجْرِيدِ، وَالتَّجْرِيدُ فِعْلٌ فَيَكُونُ كَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقًا لِمَا سَبَقَ لَهُ وَأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا بُدَّ فِي انْعِقَادِهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ؛ لِأَنَّ التَّجْرِيدَ فِعْلٌ انْتَهَى.
((قُلْتُ)) وَهَذَا فِي الذَّكَرِ وَفِي الْأُنْثَى يَكُونُ الْفِعْلُ كَشْفَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَالتَّوَجُّهَ عَلَى الطَّرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَجُرِّدَ؛ أَنَّ الرَّضِيعَ يُجَرَّدُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَقَالَ الْبَرَاذِعِيّ أَيْضًا: وَإِذَا كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فَلَا يُلَبِّي عَنْهُ أَبُوهُ وَإِذَا جَرَّدَهُ أَبُوهُ يُرِيدُ بِتَجْرِيدِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَيُجَنِّبُهُ مَا يُجَنِّبُ الْكَبِيرَ انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي سَنَدٌ مَسْأَلَةٌ وَسُئِلَ عَنْ صَغِيرٍ لَا يَتَكَلَّمُ حَجَّ بِهِ أَبُوهُ لَا يُلَبِّي عَنْهُ أَبُوهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ وَلَكِنَّهُ يُجَرِّدُهُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَعَلَى صِحَّتِهِ، أَيْ صِحَّةِ إحْرَامِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ يُحْرِمُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا بِتَجْرِيدِهِمَا نَاوِيهِ وَلَا يُلَبِّي عَنْهُمَا انْتَهَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ فِي كَلَامِهِ شَامِلٌ لَهُ وَلِلرَّضِيعِ لِمُقَابِلَتِهِ لَهُ بِقَوْلِ الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُحْرِمُ بِالرَّضِيعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: لَا يُجَرَّدُ الرَّضِيعُ وَنَحْوُهُ لِلْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يُجَرَّدُ الْمُتَحَرِّكُ مِنْ الصِّغَارِ. وَقَبِلَهُ شَارِحَاهُ التِّلِمْسَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ لَا يُجَرَّدُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَالْمَجْنُونُ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: لَا يُجَرَّدُ الرَّضِيعُ؛ لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهِ تَضْيِيعًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْسَكُ مَا يُجْعَلُ عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي مَنْسَكِ ابْنِ الْحَاجِّ وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَيَتَحَصَّلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) يَشْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلِيُّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ قِبَلِ الْقَاضِي وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَلِيِّ كُلُّ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي كَفَالَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ.
(السَّادِسُ) سَيَأْتِي أَنَّ سَفَرَ الْوَلِيِّ بِالصَّبِيِّ وَالْكَافِلِ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: جَائِزٌ وَمَمْنُوعٌ. فَفِي الْوَجْهِ الْجَائِزِ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ وَلَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهَا عَلَى الصَّبِيِّ وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّعَرِّي إنَّمَا كَانَ قَبْلُ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ كَانَ إحْرَامُهُ أَوْلَى وَأَفْضَلَ، وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَى وَلِيِّهِ انْتَهَى.
وَكَلَامُهُ فِي الطِّرَازِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَأَصَابَ صَيْدًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْأَبِ انْتَهَى فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ وَإِلَّا لَمَا لَزِمَهُ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ) تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ وَالْأَمْرُ بِاسْتِحْسَانِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يُكْتَبَ لِلصَّبِيِّ دَرَجَةٌ وَحَسَنَةٌ فِي الْآخِرَةِ بِصَلَاتِهِ وَزَكَاتِهِ وَحَجِّهِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يَعْمَلُهَا وَيُؤَدِّيهَا عَلَى سُنَّتِهَا تَفَضُّلًا مِنْ اللَّهِ كَمَا تَفَضَّلَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَنْ يُؤْجَرَ بِصَدَقَةِ الْحَيِّ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَمْرِ الصَّبِيِّ بِالصَّلَاةِ إذَا عَقَلَهَا. وَصَلَّى صلى الله عليه وسلم بِأَنَسٍ وَالْيَتِيمِ، وَأَكْثَرُ السَّلَفِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يُؤْجَرَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَصَايَاهُمْ
وَلِلَّذِي يَقُومُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ أَجْرٌ لَعَمْرِي كَمَا لِلَّذِي يَحُجُّهُمْ أَجْرٌ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: يُكْتَبُ لِلصَّغِيرِ حَسَنَاتُهُ وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وَلَا عَمِلْت لَهُ مُخَالِفًا مِمَّنْ يَجِبُ اتِّبَاعُ قَوْلِهِ انْتَهَى.
وَفِي الْإِكْمَالِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى طَاعَةٍ وَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ دُونَ سَيِّئَاتِهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَاخْتُلِفَ هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ أَوْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ؟ وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ أَوْلِيَاؤُهُمْ بِحَمْلِهِمْ عَلَى آدَابِ الشَّرِيعَةِ وَتَمْرِينِهِمْ عَلَيْهَا وَأَخْذِهِمْ بِأَحْكَامِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَبْعُدُ مَعَ هَذَا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ بِادِّخَارِ ثَوَابِ مَا عَمِلُوهُ مِنْ ذَلِكَ لَهُمْ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي أَوَائِلِ الْمُقَدِّمَاتِ: لِلصَّبِيِّ حَالَانِ: حَالٌ لَا يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَهُوَ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ، وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ وَحَالٌ يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ فِيهَا مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَإِنَّ وَلِيَّهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِتَعْلِيمِهِ وَالْمَأْجُورُ عَلَى ذَلِكَ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَنْدُوبَانِ إلَى ذَلِكَ مَأْجُورَانِ عَلَيْهِ. قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ: وَلَكِ أَجْرٌ، الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَعِنْدَ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ وَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ كَانَ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَنَقَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَفَعَتْ صَبِيًّا، انْتَهَى. مِنْ مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ إحْرَامِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ إلَى آخِرِهِ.
(الثَّامِنُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ وَفِي أَرْجُلِهِمْ الْخَلَاخِلُ وَفِي أَيْدِيهِمْ الْأَسْوِرَةُ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ حُلَى الذَّهَبِ انْتَهَى. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ إبَاحَةُ لُبْسِ الْحُلِيِّ لَهُمْ وَهَذَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى، وَالثَّانِي كَوْنُهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِنَزْعِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّبِيَّ يُمْنَعُ مِنْ لِبَاسِ الْمَخِيطِ وَيَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُ الْكَبِيرُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَخْرَجَ قَوْلِهِ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ بِالْمُخْتَصِرِ لَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الْخَاتَمَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ جِنْسِ الْمَخِيطِ وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَمَنْ مَنَعَ الْخَاتَمَ لِلرِّجَالِ مَنَعَ أَيْضًا لِلصَّبِيِّ الْخَلْخَالَيْنِ وَالسِّوَارَيْنِ انْتَهَى.
وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُتْرَكَ عَلَيْهِ مِثْلُ الْقِلَادَةِ وَالسِّوَارَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ الشُّيُوخِ فِي إبَاحَةِ الْمُحَلَّى لَهُمْ ثُمَّ قَالَ عَنْ التُّونُسِيِّ: يَشْغَلُ السِّوَارَ وَالْخَلْخَالِ مَحَلَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ: يَنْزِعُ الْكَبِيرُ فِي إحْرَامِهِ مَا بِعُنُقِهِ مِنْ كُتُبٍ، انْتَهَى.
وَقَدْ رَأَيْت كَلَامَ التُّونُسِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَشْهُورِ مَذْهَبِهِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمَوَّازِيَّةِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَمُطْبِقٌ)
ش: هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَكَذَا يُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ قُرْبَ الْحَرَمِ وَيُجَرِّدُهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ كَالصَّبِيِّ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ قَوْلُهُ: وَمُطْبِقٌ، أَيْ فَيُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَيُجَرِّدُهُ، وَلَيْسَ كَالصَّبِيِّ فِي تَأْخِيرِ تَجْرِيدِهِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَلِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمَا.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُطْبِقُ هُوَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ انْتَهَى.
(قُلْت) وَلَا يَخْتَصُّ بِمَنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْأَحْسَنُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يُقَالَ: هُوَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَلَوْ كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ كَمَا يَأْتِي فِي الصَّبِيِّ.
(الثَّانِي) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " وَمُطْبِقٌ " مِمَّا إذَا كَانَ يُجَنُّ أَحْيَانًا وَيُفِيقُ أَحْيَانًا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ بِهِ حَالَ إفَاقَتِهِ فَإِنْ عُلِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ صَارَ كَالْأَوَّلِ، انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الشَّامِلِ وَنَصُّهُ:
وَالْمُطْبِقُ وَمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ قَبْلَ الْفَوَاتِ كَالصَّغِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا غَيْرُهُمَا كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا مُغْمًى)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ يُرِيدُ وَلَا غَيْرُهُ، فَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَحَدٌ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُتَرَقَّبُ زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ غَالِبًا، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالصَّبِيِّ لِدَوَامِهِ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ غَيْرَهُ - فِي أَصْلِ الدِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَوَاءٌ أَرَادُوا أَنْ يُحْرِمُوا - عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، وَسَوَاءٌ خَافُوا أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ أَمْ لَا كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْبَرَاذِعِيّ: وَمَنْ أَتَى الْمِيقَاتَ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَتَمَادَوْا فَإِنْ أَفَاقَ وَأَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمُوا عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ أَوْ بَعْدَهُمْ - قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ أَجْزَأَهُ حَجُّهُ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَأَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا وَلَيْسَ مَا أَحْرَمُوا عَنْهُ أَصْحَابُهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ مَا أَحْرَمَ بِهِ هُوَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقِفْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَقَدْ وَقَفَ بِهِ أَصْحَابُهُ؛ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ. انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمُوا عَنْهُ لَا بِفَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ، أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعُمْرَةَ وَهِيَ نَافِلَةٌ وَلِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ؛ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ وَلَمْ يَقُلْ: وَيُكْمِلُ حَجَّهُ - وَيُجْزِئُ نَافِلَةً فَتَأَمَّلْهُ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ لِلدُّخُولِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالِاعْتِقَادَاتُ - النِّيَّاتُ وَلَا يَنُوبُ فِيهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةٌ وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا فِي حَالِ إغْمَائِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَنْ أُغْمِيَ - عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَيُنْتَظَرُ فَإِنْ لَمْ يُفِقْ مِنْ إغْمَائِهِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ أَفَاقَ مِنْ إغْمَائِهِ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَلَا يَخْلُو؛ - إمَّا أَنْ يُفِيقَ بِعَرَفَةَ أَوْ يُفِيقَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ أَفَاقَ بِعَرَفَةَ أَحْرَمَ مِنْهَا حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي ثُمَّ يَقْطَعُ مَكَانَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ أَفَاقَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ سَنَدٌ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَجْزَأَهُ، وَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَحْفَظُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ شَيْئًا وَأَرْجُو أَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ بَيِّنٌ فَإِنَّ دَمَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يُجَاوِزُهُ مُرِيدًا لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ أَوْ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى خِلَافٍ فِي الْأَخِيرَةِ وَهَذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ مُرِيدًا أَصْلًا؛ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ الْمُطْبَقَ إذَا جَاوَزَ بِهِ أَهْلُهُ الْمِيقَاتَ ثُمَّ عُوفِيَ فَأَفَاقَ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ فَتَحَصَّلَ - مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَرْبَعَ - حَالَاتٍ: الْأُولَى: أَنْ لَا يُفِيقَ أَصْلًا مِنْ أَوَّلِ الْحَجِّ إلَى كَمَالِهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُفِيقَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ بَعْدَ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَهَذَا قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي الصُّورَتَيْنِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُفِيقَ بِعَرَفَةَ فَهَذَا مُحْرِمٌ حِينَئِذٍ وَيُلَبِّي إلَى الزَّوَالِ إنْ كَانَتْ إفَاقَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِنْ كَانَتْ إفَاقَتُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيُلَبِّي ثُمَّ يَقْطَعُ فِي حِينِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. الرَّابِعَةُ أَنْ يُفِيقَ قَبْلَ عَرَفَةَ فَحُكْمُ هَذَا مَا قَالَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ، فَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ لَكِنْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَكَانَ لِلْمُوَلَّى - تَحْلِيلُهُ مِنْهُ وَلَهُ إجَازَةُ فِعْلِهِ وَإِبْقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ كَانَ يُرْتَجَى بُلُوغُهُ فَالْأَوْلَى تَحْلِيلُهُ لِيُحْرِمَ بِالْفَرْضِ بَعْدَ بُلُوغِهِ
فَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ، قَالَ الشَّارِحُ: وَانْظُرْ إذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْعَبْدِ أَمْ لَا، انْتَهَى.
(قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ كَالْعَبْدِ بَلْ هُوَ أَوْلَى لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) فُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ مُنْعَقِدٌ وَأَنَّ تَحْلِيلَهُ جَائِزٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ سَنَدٌ: الصَّبِيُّ يَصِحُّ حَجُّهُ فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فَأَحْرَمَ وَصَحَّ إحْرَامُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَيَصِيرُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِمَا يَنْوِيهِ وَلِيُّهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ؟ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الرَّجُلِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ السَّفَهِ لَا يَمْضِي. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ فَحَلَّلَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ أَعْتَقَ أَوْ حَلَّلَ الصَّبِيُّ وَلِيَّهُ ثُمَّ بَلَغَ فَلِيُحْرِمَا الْآنَ بِالْحَجِّ وَيَجْزِيهِمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا يَقْتَضِي انْعِقَادُ إحْرَامِهِ، وَإِنَّمَا لِلْوَلِيِّ النَّظَرُ فِي إمْضَائِهِ وَرَدِّهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَاخْتَلَفَ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى.
وَلَمْ يَفْهَمْ الشُّيُوخُ رِوَايَةَ الْعُتْبِيَّةِ كَمَا فَهِمَهَا الْقَاضِي سَنَدٌ كَمَا سَيَأْتِي الْآنَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ جَوَازُ التَّحْلِيلِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تَأَمَّلْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ؟ وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَحْلِيلِ الصَّبِيِّ إذَا حَصَلَ هُنَاكَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ إلَّا أَنْ يَخْشَى مِنْ تَمَادِيهِ عَلَى الْإِحْرَامِ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَوْ جَزَاءٌ فَإِنْ صَحَّ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ السَّفِيهُ الْبَالِغُ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُ ذِي رِقٍّ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَشَكَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي جَوَازِ تَحْلِيلِ الصَّبِيِّ وَالْكَبِيرِ السَّفِيهِ قُصُورٌ؛ لِقَبُولِ الصَّقَلِّيِّ وَالشَّيْخِ قَوْلَ أَشْهَبَ: لَوْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ عَقِبَ تَحْلِيلِهِ سَيِّدَهُ أَوْ وَلِيُّهُ فَأَحْرَمَ لِفَرْضِهِ أَجْزَأَهُ، وَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ إحْرَامُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ سَفَهٌ لَا يَمْضِي وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ، وَتَعَلَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْحَجِّ وَمِيقَاتِهِ بَعِيدٌ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَالْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِي عَقَلَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: حَقِيقَةُ الْمُمَيِّزِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَمَقَاصِدَ الْكَلَامِ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِفْهَامِ انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ.
(الثَّالِثُ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِحْرَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ.
(الرَّابِعُ) هَلْ يَنْعَقِدُ إحْرَامُ الْمُمَيِّزِ بِإِحْرَامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ الِانْعِقَادُ وَالْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُمْكِنُ الصَّبِيُّ فِعْلُهُ فَلَا يَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُمَيِّزَ يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَةَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَا قَضَاءَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَحَلَّلَهُ الْوَلِيُّ مِنْ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا حَلَّلَهُ مِنْهُ سَيِّدُهُ فِي حَالِ الرِّقِّ إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَإِذَا عَتَقَ؛ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَيُقَدِّمُ حَجَّةَ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَنَصُّهُ: وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَعْتَقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْفَرْضِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَشْهَبَ، رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا لِقَوْلِهِ: وَقَدَّمَهُ وَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي الْجَزْمِ بِتَقْدِيمِ حَجَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَرْضِ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَعْتَقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الْفَرْضِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ انْتَهَى.
وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ الْأَقْطَعِ فِي مَنْسَكِهِ بِأَنَّهُ يُقَدِّمُ حَجَّةَ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي فَصْلِ الْمَوَانِعِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَبْدِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالتُّونُسِيِّ اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ أَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ
التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَأَمَرَهُ مَقْدُورُهُ وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ إنْ قَبْلَهَا كَطَوَافٍ لَا كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَحْرَمَ عَنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ فِي فِعْلِهِ إنْ قَبِلَ ذَلِكَ الْفِعْلُ النِّيَابَةَ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ النِّيَابَةَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ كَالتَّلْبِيَةِ وَالرُّكُوعِ لِلْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ لِلطَّوَافِ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ. قَاعِدَةٌ إنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ الصَّبِيُّ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فَإِنْ قَبِلَ النِّيَابَةَ فَعَلَ عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَ انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ فِعْلِ الطَّوَافِ وَمَا أَشْبَهَهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَإِنَّ حَقِيقَةَ النِّيَابَةِ أَنْ يَأْتِيَ النَّائِبُ بِالْفِعْلِ دُونَ الْمَنُوبِ عَنْهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: نَابَ عَنَّى فُلَانٌ، أَيْ قَامَ مَقَامِي وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُطَافَ بِهِ وَيَسْعَى مَحْمُولًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: ضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مَا يُمْكِنُ الصَّبِيُّ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا فَعَلَهُ وَمَا لَا يُمْكِنُهُ مُسْتَقِلًّا فَعَلَ بِهِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ النِّيَابَةَ كَالرَّمْيِ فَعَلَ عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَ كَالتَّلْبِيَةِ وَالرُّكُوعِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَنَصُّهُ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ الصَّبِيُّ فَلَا يَفْعَلُ عَنْهُ، وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ وَالْأَصْلُ سُقُوطُهُ كَالتَّلْبِيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الرُّكُوعِ وَالْأَشْهَرُ سُقُوطُهُ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَقَالَ حَمْدِيسٌ وَغَيْرُهُ: يَرْكَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ رُكُوعَ الطَّوَافِ جُزْءٌ مِنْ الْحَجِّ الَّذِي تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ انْتَهَى وَبَقِيَ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِأَنْ يَقُولَ: وَمَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مُسْتَقِلًّا وَلَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ وَقَبْلَ النِّيَابَةِ فَعَلَ عَنْهُ كَالرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْ الصَّبِيِّ اسْتِقْلَالًا وَلَا بِمُشَارَكَةٍ فَيَفْعَلُ عَنْهُ وَمَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ سَقَطَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ يُلَقَّنُ التَّلْبِيَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ لِصِغَرِهِ سَقَطَ حُكْمُ التَّلْبِيَةِ فِي حَقِّهِ كَمَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ الْكَبِيرِ وَإِذَا سَقَطَ وُجُوبُهَا رَأْسًا سَقَطَ حُكْمُ الدَّمِ عَنْهَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ رُكْنٌ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يُلَبِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا يَنْوِي عَنْهُ انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَقَالَ الشَّارِحُ: لَا يُلَبِّي عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ الصِّرْفَةِ وَلَمْ يَعْمَلْ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِجَوَازِ الرُّكُوعِ عَنْهُ قَوْلٌ بِجَوَازِ التَّلْبِيَةِ عَنْهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَعْجُوزٌ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا كَانَ كَالْجُزْءِ مِنْ الطَّوَافِ، وَالطَّوَافُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ نَاسَبَ أَنْ يَرْكَعَ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ انْتَهَى.
وَفِي قَوْلِهِ إنَّ الطَّوَافَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ نَظَرٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ يُلَبِّي عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّلْبِيَةَ رُكْنٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْكَانَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَمَعَ ذَلِكَ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إلَّا بِهَا، وَالظَّاهِرُ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْكَعُ عَنْهُ لِلطَّوَافِ أَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَرْكَانِ وَكَانَ الرُّكُوعُ مِنْ وَاجِبَاتِهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَيُعِيدُ الطَّوَافَ لِأَجْلِهَا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ فَأُمِرَ بِالرُّكُوعِ عَنْهُ، وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا كَانَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَإِلَّا لَرَجَعَ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَعَلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَرْكَعُ عَنْهُ الْإِحْرَامُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرْكَعُ عَنْهُ لِلطَّوَافِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ أَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعَزَاهُ لِحَمْدِيسٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِحَمْدِيسٍ وَغَيْرِهِ.
(الثَّانِي) ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ الطَّهَارَةَ وَلَا يُمْتَثَلُ
مَا يُؤْمَرُ بِهِ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ طَوَافِهِ فِيهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَتُهُ مِنْ الْخُبْثِ وَلَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ بِطُرُوِّ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَيْسَ بِهِ سَلَسٌ، (قُلْت) هُوَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ الطَّهَارَةَ وَلَا يَمْتَثِلُ مَا أُمِرَ بِهِ انْتَهَى.
(قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي طَوَافِهِ بَقِيَّةُ شُرُوطِ الطَّوَافِ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَكَوْنِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا ذَكَرُوا هَذِهِ الشُّرُوطَ لَمْ يَخُصُّوهَا بِأَحَدٍ، وَلِقَوْلِ ابْنِ فَرْحُونٍ: وَلَا يُبْطِلُهُ طُرُوُّ الْحَدَثِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُطْلَبُ أَوَّلًا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَلِقَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الصَّبِيُّ عَلَى الطَّوَافِ طَافَ بِهِ مَنْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ مَحْمُولًا عَلَى سُنَّةِ الطَّوَافِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الطَّوَافِ: قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَإِذَا طَافَ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُتَوَضِّئَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الطَّوَافُ وَكَذَا إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُتَوَضِّئًا وَالْوَلِيُّ مُحْدِثًا، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُتَوَضِّئًا وَالصَّبِيُّ مُحْدِثًا فَوَجْهَانِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِحُّ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْفَرْعَيْنِ غَرِيبٌ.
(الثَّالِثُ) حُكْمُ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَتْهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْإِحْرَامَ بِالصَّبِيِّ وَالطَّوَافَ بِهِ وَالسَّعْيَ بِهِ وَالرَّمْيَ عَنْهُ، وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ كَالصَّبِيِّ، انْتَهَى.
ص (وَأَحْضَرَهُمْ الْمَوَاقِفَ)
ش: الضَّمِيرُ لِلرَّضِيعِ وَالْمُطْبِقِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُمَيِّزِ يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يُحْضِرَ الطِّفْلَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونَ وَالْمُمَيِّزَ مَوَاقِفَ الْحَجِّ، وَالْمُرَادُ بِهَا عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى وَلَا يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِيمَنْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ خَافَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِمْ الْمَوَاقِفَ فَأَجَابَ بِزَوَالِ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ: الضَّمِيرُ فِي إحْضَارِهِمْ عَائِدٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ انْتَهَى وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَمَا ذَكَرْتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَوَاقِفِ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُحْضِرُهُ الْمَوَاقِيتَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ وَاحِدٌ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ الْمَشَاعِرَ كَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى انْتَهَى.
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاقِفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ: وَجُمِعَتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا يَصِحُّ فِيهِ الْوُقُوفُ وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إحْضَارُهُ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ عَرَفَةَ وَمِثْلُهُ تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ الْمَوَاقِفَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَقَالَ: أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ؛ لِأَنَّ مِنًى مِنْ الْمَوَاقِفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ بِهَا الْوُقُوفُ إثْرَ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ ضَيَاعُهُ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ وَلِيَّ الصَّبِيِّ إذَا خَرَجَ بِهِ إلَى الْحَجِّ فَزَادَتْ نَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ عَلَى نَفَقَتِهِ فِي الْحَضَرِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي الْحَضَرِ رُبْعَ دِرْهَمٍ فِي الْيَوْمِ وَفِي السَّفَرِ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَالزِّيَادَةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إذَا تَرَكَهُ وَلَمْ يَسْتَصْحِبْهُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ بَعْدَهُ فَالزِّيَادَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فَقَوْلُهُ:" وَإِلَّا " شَرْطٌ مُرَكَّبٌ مِنْ إنْ الشَّرْطِيَّةِ وَلَا النَّافِيَةِ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً، كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ وَجُمْلَةُ الشَّرْطِ مَحْذُوفَةٌ، وَقَوْلُهُ:" فَوَلِيُّهُ " الْفَاءُ دَخَلَتْ لِرَبْطِ الْجَوَابِ بِالشَّرْطِ وَوَلِيُّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ فَوَلِيُّهُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ، وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: أَوْ يَكُونُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَإِلَّا فَالزَّائِدُ عَلَى وَلِيِّهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، انْتَهَى.
وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَكُلُّ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي كَفَالَتِهِ مِنْ أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَيْسَ لِأُمِّ الصَّبِيِّ أَوْ أَبِيهِ أَوْ مَنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُحِجَّهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ ضَيْعَتِهِ بَعْدَهُ أَوْ لَا كَافِلَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا ضَمِنَ لَهُ مَا أَكْرَى لَهُ بِهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرَ مَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي مَقَامِهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ السَّفَرِ بِالصَّبِيِّ وَقَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ: السَّفَرُ فِي أَصْلِهِ مَضَرَّةٌ بِالصَّبِيِّ فِي بَدَنِهِ وَلَمَّا كَانَ
مَشَقَّةٌ قَصَرَ الْمُسَافِرُ وَأَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ وَالصَّبِيُّ لَا يَسْلُكُ بِهِ وَلِيُّهُ إلَّا سَبِيلَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا لِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا إلَّا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ فَالْأَبُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ مَعَهُ لِمَالِهِ فِي صُحْبَتِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ حُسْنِ النَّظَرِ وَلِكَمَالِ شَفَقَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ بَعْدَهُ لِمَا عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ وَغَيْرُ الْأَبِ لَا يَخْرُجُ بِهِ إذَا وَجَدَ مَنْ يُكَلِّفُهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ خَافَ ضَيْعَتَهُ حَمَلَهُ وَنَفَقَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ إذَا سَافَرَ لِمَصْلَحَتِهِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ مَصْلَحَةٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ لَا كَبِيرَ ضَرَرٍ فِيهَا عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَعَ وَلِيِّهِ انْتَهَى.
وَقَالَ قَبْلَهُ: لَا يَحُجُّ بِالصَّبِيِّ إلَّا وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَمَنْ لَهُ النَّظَرُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فَكَانَ أَمْرُهُ لِمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي مَالِهِ وَذَلِكَ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَوَلِيُّ الْحَاكِمِ وَلَوْ كَانَ فِي كَفَالَةِ أَحَدٍ بِغَيْرِ إيصَاءٍ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيَّةِ مِنْ الْأَعْرَابِ تَأْخُذُهُمْ السَّنَةُ فَيَضُمُّهَا الْإِنْسَانُ وَيُرَبِّيهَا وَيُرِيدُ تَزْوِيجِهَا مَنْ أَنْظَرَ لَهَا مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ تَحْتَ جَنَاحِ أَبِيهِ وَخَالِهِ وَعَمِّهِ وَأَخِيهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ انْتَهَى.
(قُلْت) قَوْلُهُ: " يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ " يَعْنِي إذَا خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فَلَا يَحُجُّ بِهِ إلَّا الْأَبُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى: إنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا فَلَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ إنْ خَافَتْ ضَيْعَتَهُ بَعْدَهَا وَنَصُّ الْمَسْأَلَةِ وَشَرْحُهَا، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْوَالِدَةِ أَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ جَوَازُهُ لِلْأُمِّ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام لِلْمَرْأَةِ وَلَكِ أَجْرٌ، وَلَمْ يَقُلْ وَلِوَلِيِّهِ وَلَا شَرْطُهُ فِي إحْرَامِ الصَّبِيِّ وَبِهِ احْتَجَّ مَالِكٌ فَإِنَّ الَّذِي رُفِعَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُحِفَّةِ إنَّمَا رَفَعَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ. وَلَمْ تَذْكُرْ أَنَّ مَعَهُ وَالِدُهُ قَالَ: فَإِذَا أَحْرَمَتْ أُمُّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَازَ الْإِحْرَامُ فَأَرَى كُلَّ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ يَجُوزُ لَهُ مَا جَازَ لِلْأُمِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّ الْوَلَدَ فِي كَفَالَةِ أُمِّهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي حِجْرِ وِصَايَتِهَا وَلِأَنَّ لِلْأُمِّ أَخْذُ النَّفَقَةِ مِنْ الْأَبِ وَتَصْرِفُهَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَتَنْظُرُ فِي بَعْضِ شَأْنِهِ فَكَانَ نَظَرُهَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ جَائِزًا كَنَظَرِهَا فِي غَيْرِهِ بِمَا يَصْلُحُ شَأْنُهُ إلَّا أَنَّ الْأُمَّ لَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ إنْ خَافَتْ ضَيْعَتُهُ بَعْدَهَا انْتَهَى.
(قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ لَا تُسَافِرُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ لِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّفَقَةِ كَالْأَبِ بَلْ هِيَ أَعْظَمُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فَلَا تُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَيَنْظُرُ الْوَلِيُّ لِلصَّبِيِّ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَنْ يُسَافِرُ بِهِ، إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ.
(قُلْت) وَهَذَا كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ السَّفَرُ بَعِيدًا مِمَّا تَسْقُطُ بِهِ الْحَضَانَةُ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَرِيبًا فَيَجُوزُ لِلْأُمِّ أَنْ تَخْرُجَ بِهِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَضَانَةِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا حُكْمُ إحْرَامِهِ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ وَلَيٌّ عَنْ رَضِيعٍ.
(الثَّانِي) تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِالصَّبِيِّ يَضْمَنُ لَهُ مَا أَكْرَى لَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: كِرَاءُ الدَّابَّةِ عَلَى مَنْ سَافَرَ بِهِ إلَّا قَدْرَ كِرَاءِ بَيْتِهِ فِي مُدَّةِ سَفَرِهِ إنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بِالْكِرَاءِ انْتَهَى.
وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ كَانَ كِرَاءُ الصَّبِيِّ وَنَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ قَدْرَ نَفَقَتِهِ فِي الْإِقَامَةِ ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْكِرَاءَ أَدْخَلَتْهُ فِي السَّفَرِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْكِرَاءِ وَعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ فِيمَا طَرَأَ فِي السَّفَرِ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِ الصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِثْلَ أَنْ يَغْرَقَ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ إذْ لَا صُنْعَ
لِلْآدَمِيِّ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.
ذَكَرَ هَذَا فِيمَا إذَا سَافَرَ بِهِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَجَزَاءِ صَيْدٍ وَفِدْيَةٍ بِلَا ضَرُورَةٍ)
ش: هَذَا الْكَلَامُ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَوَلِيِّهِ " فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الْجَزَاءَ وَالْفِدْيَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ ضَرُورَةٍ عَلَى الْوَلِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ خِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ الضَّيْعَةُ أَمْ لَا، وَلَا يَفْصِلُ فِي ذَلِكَ كَمَا فَصَلَ فِي زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الصَّغِيرِ وَكَذَا الْأَقْفَهْسِيُّ وَالْبِسَاطِيُّ وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا فِي الْحَجِّ الثَّالِثِ، وَإِذَا حَجَّ بِالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالِدُهُ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَبِسَ وَتَطَيَّبَ فَالْجَزَاءُ وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الدَّمِ فِي الْحَجِّ فَذَلِكَ عَلَى وَالِدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَجَّهُ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ وَالِدُهُ فِي الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ وَلَكِنْ يُطْعِمُ أَوْ يُهْدِي انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَحَمَلَهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ بِالْوَلَدِ نَظَرًا لَهُ إذْ لَا كَافِلَ لَهُ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِهِ وَلَا يُحِجُّهُ فَلَمَّا أَدْخَلَهُ فِي الْحَجِّ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ أُمُورِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ أَحَجَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَفْصِلُ فِي ذَلِكَ كَالنَّفَقَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا خِلَافُ مَا يَتَأَوَّلُهُ مَنْ ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ لَهُ وَجْهٌ فِي الْقِيَاسِ لَكِنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ مَا يَتَخَوَّفُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي إحْجَاجِهِ إيَّاهُ مِنْ الْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ وَإِحْجَاجُهُ طَاعَةٌ وَأَجْرٌ لِمَنْ أَحَجَّهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَهَذَا حَجُّ تَطَوُّعٍ لِلصَّبِيِّ وَأَجْرٌ لِمَنْ أَحَجَّهُ لَا يُتْرَكُ لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَهَذَا أَصْلُنَا أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ انْتَهَى.
ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَ الثَّالِثَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا وَتَأَوَّلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ عَلَى وَجْهٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ رَجَّحَ الْقَوْلَ الثَّالِثَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا رَجَّحَ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ كَزِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَحَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلتُّونُسِيِّ عَنْ ثَالِثِ حَجِّهَا وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْكَافِي هُوَ الْأَشْهَرُ لَكِنْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنْ تَكُونَ الْفِدْيَةُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ غَيْرُهُ بِذَلِكَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَتْ الْفِدْيَةُ لِضَرُورَةٍ تَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَقَبِلَهُ الشَّارِحُ قَالَ وَقَالَهُ ابْنُ شَاسٍ.
(قُلْت) وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ حَكَى فِي الْفِدْيَةِ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ التَّفْصِيلُ كَزِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَصَوَّبَهُ.
وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَعَطَفَهُ بِقِيلَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ طَيَّبَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ إلَّا إذَا قَصَدَ الْمُدَاوَاةَ فَيَكُونَ كَاسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ انْتَهَى مِنْ آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي، فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ كَاسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ وَقَدْ حَكَى فِي اسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَإِذَا حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَشْهَرِ وَأَنَّ الْفِدْيَةَ فِي اسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ الطِّيبَ عَلَى الْوَلِيِّ فَكَذَلِكَ إذَا طَيَّبَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ وَلَوْ كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَتَأَمَّلْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ يَفْصِلُ فِي ذَلِكَ كَزِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَهُوَ الَّذِي صَدَرَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ مَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِ يُصِيبُ صَيْدًا: إنَّهُ الْمَشْهُورُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَحَمَلَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي أَنَّ الْفِدْيَةَ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ يَفْصِلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِضَرُورَةٍ لَا يُفْصَلُ فِيهَا وَهُوَ عَكْسُ الْمَنْقُولِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ تَكُونُ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا يَفْصِلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِضَرُورَةٍ تَكُونُ كَاسْتِعْمَالِ الصَّبِيِّ
فَيَفْصِلُ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَأَوْلَى وَيُتْرَكُ الْعَمَلُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ أَوْ يُجْعَلُ مِنْ بَابِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْفِدْيَةُ الَّتِي بِلَا ضَرُورَةٍ عَلَى الْوَلِيِّ فَأَحْرَى الَّتِي لِضَرُورَةٍ فَتَأَمَّلْهُ.
وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الْوَلِيَّ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ فَلَمَّا أَدْخَلَهُ فِي الْإِحْرَامِ صَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: يَفْصِلُ بِهِ كَزِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ أَحْرَمَ بِهِ أَمْ لَا وَنَصُّهُ وَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ فِي الْحَرَمِ كَانَ فِي مَالِ الْوَصِيِّ إذَا أَخْرَجَهُ تَعَدِّيًا وَإِنْ أَخْرَجَهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَانَ مَا أَصَابَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْرِمْ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْإِحْرَامُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ: وَجَزَاءُ صَيْدٍ بِالْحَرَمِ دُونَ إحْرَامِهِ جِنَايَةٌ إنْ خِيفَ، أَيْ فَيَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِلَّا فَعَلَى وَلِيِّهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا أَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ كَانَ فِي مَالِ الَّذِي أَخْرَجَهُ وَلَيْسَ بِالْبَيْنِ؛ لِأَنَّهَا جَنَابَةٌ مِنْ الصَّبِيِّ كَمَا لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ دَابَّةً فِي سَفَرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا فِي مَالِهِ انْتَهَى.
(قُلْت) وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْهَدْيِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْهَدْي لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْوَلِيِّ فَإِذَا فَرَّطَ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الدَّمِ فِي الْحَجِّ فَذَلِكَ عَلَى وَالِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: فِي الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
(الثَّالِثُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ: وَإِذَا أَفْسَدَ حَجَّهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَصْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ وَخِلَافَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنْ أَعْطَيْنَا وَطْأَهُ حُكْمَ الْجِمَاعِ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ نُعْطِهِ حُكْمَ الْغُسْلِ وَالْحَدَثِ فَلَا قَضَاءَ فِيهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَضَاءُ فِي حَالِ صِبَاهُ؟ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى جِمَاعِ الصَّبِيِّ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ وَأَنَّهُ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْقَضَاءِ فَلَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَقِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ الصِّحَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَقْتُ إحْرَامِهِ بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ) ش شُرُوطُ الْحَجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ، وَشَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَشَرْطٌ فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا شَرْطَ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَذَكَرَ هُنَا شُرُوطَ وُجُوبِهِ وَشُرُوطَ وُقُوعِهِ فَرْضًا، فَقَالَ: وَشَرْطُ وُجُوبِهِ فَرْضًا إلَى آخِرِهِ
يَعْنِي أَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ الْحَجِّ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ أَيْ كَوْنُ الشَّخْصِ مُكَلَّفًا وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ، وَشَرْطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَخُلُوُّهُ عَنْ نِيَّةِ النَّفْلِ فَيَكُونُ شُرُوطُ وُجُوبِهِ ثَلَاثَةً: الْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَشُرُوطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا أَرْبَعَةً: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَخُلُوُّهُ عَنْ نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ مِنْ مُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٍ بَعْضُهُ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُهُ وَلَا عَلَى مَنْ لَيْسَ بِبَالِغٍ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ وَيَصِحُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ إذَا كَانُوا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا يَقَعُ فَرْضًا مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَلَوْ نَوَوْا الْفَرْضَ وَقَوْلُهُ وَقْتَ إحْرَامِهِ رَاجِعٌ إلَى الْأَخِيرِ، يَعْنِي أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِ فَمَنْ كَانَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ حُرًّا مُكَلَّفًا صَحَّ إحْرَامُهُ بِالْفَرْضِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا أَوْ مُكَلَّفًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ الَّذِي أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ أَوْ الْوَلِيُّ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفَرْضُ، وَلَوْ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ