الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَشْتَرِيَ بِهِ أَصْلًا مُحْبَسًا فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا اشْتَرَطَ فِيهَا ذَلِكَ وَجَعَلَهَا بِيَدِ غَيْرِهِ، قَالَ: وَفِيهَا الزَّكَاةُ، يُرِيدُ مِنْهَا إذَا أَتَى لَهَا حَوْلٌ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَذَلِكَ جَائِزٌ، أَيْ إذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ الزَّكَاة فِي غلة الدُّورُ إذَا وُقِفَتْ]
(فَرْعٌ) إذَا وُقِفَتْ الدُّورُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّاتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لَمْ تَجِبْ فِي غَلَّاتِهَا زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّهَا وَيُقِيمَ فِي يَدِهِ سَنَةً فَكَذَلِكَ الْمُحْبَسَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ أَوْ نَسْلِهِ)
ش: أَمَّا النَّبَاتُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَمُرَادُهُ إذَا وُقِفَ لِيُنْتَفَعَ بِغَلَّتِهِ كَلَبَنِهِ وَصُوفِهِ أَوْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَسْلِهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا إنْ وُقِفَ لِتُفَرَّقَ عَيْنُهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا مُوصًى بِتَفْرِقَتِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ " أَوْ نَسْلِهِ " فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ لِيُنْتَفَعَ بِصُوفِهَا أَوْ لَبَنِهَا أَوْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُوقِفَ لِيُفَرَّقَ فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ عَدَدَ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَجْهُولِينَ فَالزَّكَاةُ فِي جُمْلَةِ الْأَوْلَادِ إذَا تَمَّ لَهَا حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ
ص (عَلَى مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَعَلَيْهِمْ إنْ تَوَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ حَصَلَ لِكُلٍّ نِصَابٌ)
ش: هَذَا إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى النَّبَاتِ فَقَطْ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطَابِقُ تَفْصِيلَهُ فِي الْمَنْقُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: كَعَلَيْهِمْ إنْ تَوَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ، قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّتِهِ دُونَ عَيْنِهِ كَالْحَوَائِطِ الْمُحْبَسَةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُحْبَسَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنْ كَانَتْ مُحْبَسَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ثَمَرَهَا يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْحَبْسِ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي ثَمَرِهَا إذَا بَلَغَتْ جُمْلَةَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ، مِثْلُ أَنْ يَحْبِسَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَجِنَانِهِ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْحَائِطِ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى السَّقْيَ وَالْعِلَاجَ دُونَهُمْ وَيُقَسِّمُ الثَّمَرَةَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ تُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ قَوْلًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ - وَإِنْ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ هُمْ يُسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ - فَهَلْ هُمْ كَالشُّرَكَاءِ وَيُعْتَبَرُ مَا يَنُوبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُمْ كَالشُّرَكَاءِ وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَنْ حَصَلَ عِنْدَهُ نِصَابٌ: إمَّا مِنْ ثَمَرِ الْحَبْسِ بِانْفِرَادِهَا، أَوْ بِإِضَافَتِهَا إلَى ثَمَرِ جِنَانٍ لَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي دُونَ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ نِصَابٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فِي جَمِيعِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ فَإِذَا
كَانَ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أُخِذَتْ مِنْهَا الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِمَا يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ وَيُزَكِّي عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ الَّذِي هُوَ رَبُّ الْحَائِطِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَرَةُ الْحَبْسِ دُونَ النِّصَابِ أَضَافَهَا إلَى مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَأَمَّا مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَلَّتِهِ وَلَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ وَذَلِكَ حَوَائِطُ النَّخْلِ وَالْأَعْنَابِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ مِثْلِ الْمَسَاكِينِ فِي بَنِي زُهْرَةَ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ثَمَرَتَهَا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي ثَمَرَتِهَا إذَا بَلَغَتْ جُمْلَتُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَثْمَرَتْ فِي حَيَاةِ الْمُحْبِسِ وَلَهُ حَوَائِطُ لَمْ يَحْبِسْهَا فَاجْتَمَعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ مُحْبَسَةً عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا أَيْضًا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إنَّهَا مُزَكَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ فَمَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ " إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ لَمْ يُوَرَّثْ عَنْهُ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ وَمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى أَصْلِ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ الْمَذْكُورِ إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ إبَارِهَا فَحَقُّهُ وَاجِبٌ لِوَرَثَتِهِ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا مَجْهُولِينَ أَوْ مُعَيَّنِينَ إنَّمَا هُوَ إذَا حِيزَ الْمُحْبَسُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُحَزْ فَإِنَّهُ يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ قَوْلًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْحَبْسُ غَيْرُ مَحُوزٍ كَمَالِ رَبِّهِ، وَالْمَحُوزُ إنْ كَانَ ذَا نَبَاتٍ عَلَى مَجْهُولٍ زُكِّيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَأَمَّا عَلَى مُعَيَّنٍ فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ فَيُشْتَرَطُ بُلُوغُ حَظِّ مُسْتَحِقِّهِ نِصَابًا قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ التُّونُسِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا سَقَطَتْ، انْتَهَى.
(الثَّانِي) اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ الْمَالِكُ التَّفْرِقَةَ وَحَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنِينَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَكَانَ فِي مِلْكِهِ جِنَانٌ فِي ثَمَرِهِ مَا يَكْمُلُ لَهُ بِهِ نِصَابٌ أَنَّهُ يَضُمُّ مَا حَصَلَ مِنْ ثَمَرِ الْوَقْفِ إلَى ثَمَرِ جِنَانِهِ وَيُزَكِّي الْجَمِيعَ وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْفٍ عَلَيْهِ آخَرَ مِثْلُ إضَافَتِهِ إلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَأَنَّهُ يَضُمُّ ثَمَرَ مَا أَوْقَفَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِصَابٌ إلَى ثَمَرِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْحَوَائِطِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْمَرَتْ الْحَوَائِطُ فِي حَيَاةِ الْمُحْبِسِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسِ.
(الرَّابِعُ) تَحَصَّلَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَبْسَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ، إلَّا أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِلْحَبْسِ أَنْ يُزَكِّيَ عَلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ قَوْلًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ،.
وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَهُمْ الْمُتَوَلُّونَ لَهُ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ، وَالثَّانِي - يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، وَالثَّالِثُ - إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُسْتَحِقِّ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) هَذَا تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ مَجْهُولِينَ أَوْ مُعَيَّنِينَ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ فَحَصَّلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَ طُرُقٍ الْأُولَى لِلتُّونُسِيِّ وَهِيَ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَالثَّانِيَةُ لِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ، وَالثَّالِثَةُ لِأَبِي حَفْصٍ أَنَّ مَا عَلَى الْمَسَاجِدِ مِنْ الْأَوْقَافِ يُضَمُّ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ، وَإِنْ تَعَدَّدَ وَاقِفُوهُ، وَنَصُّهُ: وَفِيمَا عَلَى الْمَسَاجِدِ طُرُقٌ التُّونُسِيُّ يَنْبَغِي زَكَاتُهَا عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا يَنْضَافُ لِمَالِهِ غَيْرُهَا اللَّخْمِيُّ قَوْلُهُ " مَالِكُ زَكَاتِهَا عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا " لِلْعَامِلِ، وَالْقِيَاسُ قَوْلُ مَكْحُولٍ: لَا زَكَاةَ فِيهَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ، وَالْمَسْجِدُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَكَوْنِهَا لِعَبْدٍ أَبُو حَفْصٍ لَوْ حَبَسَ جَمَاعَةٌ كُلٌّ نَخْلًا لَهُ عَلَى مَسْجِدٍ. فَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُهَا نِصَابًا زُكِّيَ
انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَزَادَ إثْرَهُ، وَقَوْلُ التُّونُسِيِّ يُضَافُ لِأَصْلِ مَالِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ عَيْنًا كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ لِكَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فَقَطْ.
وَنَصُّهُ: وَقَدْ أَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ عَبْدِ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ: أَعْرِفُ فِي الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِإِصْلَاحِ الْمَسَاجِدِ وَالْغَلَّاتِ الْمُحْبَسَةِ فِي مِثْلِ هَذَا اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي زَكَاةِ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُوقَفُ عَلَى مَا لَا عِبَادَةَ عَلَيْهِ مِنْ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَالتَّقْيِيدِ، انْتَهَى، وَبِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى أَفْتَى أَبُو عُمَرَ وَنَصُّهُ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَمِنْ التَّعَالِيقِ سُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ جَمَاعَةٍ حَبَسُوا حَبْسًا عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ عَلَى حِصْنٍ نَخْلًا أَوْ زَيْتُونًا كُلٌّ حَبْسُهُ عَلَى حِدَتِهِ، وَفِي جَمِيعِ مَا حَبَسُوا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَلَيْسَ فِي حَبْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ هَلْ تُزَكَّى هَذِهِ الْأَحْبَاسُ أَمْ لَا، فَقَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَبْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفِي بَعْضِهَا مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُزَكَّى إلَّا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ فِي مَسَائِلِ مَسَاجِدِ قَصْرِ الْمَسِيرِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ: إنَّهَا تُجْمَعُ وَنَصُّهُ، وَفِي تَعْلِيقَة ابْنِ الْعَطَّارِ إذَا حَبَسَ جَمَاعَةٌ عَلَى مَسْجِدٍ حَوَائِطَ كُلُّ إنْسَانٍ حَبَسَ نَخْلًا وَجُمْلَةُ ذَلِكَ لِلْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهُ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحَوَائِطُ الْمُحْبَسَةُ تُزَكَّى؛ لِأَنَّ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ غَيْرُ الْفُقَرَاءِ مَعَ الْفُقَرَاءِ فَلَا يُمْسَكُ لِأَجْلِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ قَدْ يَرَى صَرْفَهَا فِي غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْنَافِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ خَوْفٌ مِنْ الْعَدُوِّ صُرِفَتْ فِي السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْنُ وَالرَّخَاءُ أَعْتَقَ الرِّقَابَ، وَإِنْ كَانَ زَمَنُ شِدَّةٍ أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ، وَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَا يَصْرِفُ مَا سِوَى الزَّكَاةَ إلَّا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا ابْنُ رُشْدٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُزَكَّى عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ بِرُمَّتِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " كَعَلَيْهِمْ " قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَدْخَلَ أَدَاةَ الْجَرِّ عَلَى أَدَاةِ الْجَرِّ إيثَارًا لِلِاخْتِصَارِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا تَمَّ ظَمَؤُهَا
…
تَصِلُ وَعَنْ قَيْظٍ بِزَيْزَاءَ مُجْهَلٍ
، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ " عَلَى " فِي الْبَيْتِ اسْمٌ بِمَعْنَى " فَوْقَ " كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَكْثَرُ النُّحَاةِ، وَأَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ حَرْفٍ عَلَى حَرْفٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْكَافُ هُنَا اسْمًا أَوْ دَاخِلَةً عَلَى اللَّفْظِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا فِيهِ حَرْفٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَإِنَّمَا يُزَكَّى مَعْدِنٌ عَيْنٌ)
ش: أَفَادَ قَوْلُهُ " يُزَكَّى " أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ زَكَاةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهَا مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي اشْتِرَاطِهِمَا قَوْلَيْنِ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْعَيْنِ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي الْمَعْدِنِ كَالْوَاحِدِ وَالْعَبْدَ كَالْحُرِّ وَالْكَافِرَ كَالْمُسْلِمِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ، وَأَمَّا الْحَوْلُ فَقَدْ نَبَّهَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْمَعْدِنِ مِنْ اشْتِرَاطِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْقِطُ زَكَاتَهُ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ رُبْعُ الْعُشْرِ وَأَنْ يَصْرِفَهُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ إلَّا فِي النُّدْرَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ مَعْدِنَ غَيْرِ الْعَيْنِ لَا زَكَاةَ فِيهِ
ص (وَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَوْ بِأَرْضٍ مُعَيَّنٍ إلَّا مَمْلُوكَةً لِمَصَالِحَ فَلَهُ)
ش عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ رحمه الله وَبِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ أَنَّ الْمَعْدِنَ إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَالْفَيَافِيِ وَمَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ فَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ
كَأَرْضِ الْعَنْوَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْجَيْشِ فَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْمُصَالِحِينَ فَإِنَّ الْمَعْدِنَ يَكُونُ لَهُمْ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا ظَهَرَ مِنْ الْمَعَادِنِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ الْبَرْبَرِ فَالْإِمَامُ يَلِيهَا وَيَقْطَعُهَا لِمَنْ رَأَى وَيَأْخُذُ زَكَاتَهَا سَوَاءٌ ظَهَرَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا ظَهَرَ مِنْهَا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ فَهِيَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ دُونَ الْإِمَامِ وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ النَّاسِ أَوْ يَأْذَنُوا لَهُمْ فِيهَا وَمَا ظَهَرَ مِنْهُ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ فَهِيَ إلَى الْإِمَامِ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلَّذِينَ أَخَذُوهَا عَنْوَةً، انْتَهَى. وَقَدْ لَخَّصَ الرَّجْرَاجِيُّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: الْمَعْدِنُ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ أَوْ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ أَوْ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لِلْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ، وَالثَّانِي - أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِأَهْلِ الصُّلْحِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَفِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ هَلْ يَسْتَمِرُّ لَهُ مِلْكُهُ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصِّ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، أَوْ يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَالثَّالِثُ - أَعْنِي إذَا ظَهَرَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ ظَهَرَ فِي الْفَيَافِي فَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي مَمْلُوكَةٍ مَحُوزَةٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّظَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: النَّظَرُ لِمَالِكِهِ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) التَّمْثِيلُ بِمَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ لِلْأَرْضِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَيُرِيدُونَ بِهِ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ الْكُفَّارُ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَعْدِنَ إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مُعَيَّنٍ فَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ لَيْسَ خَاصًّا بِمَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ كَمَا فَرَضَهُ الشَّارِحُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيِّ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي - لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَالثَّالِثُ - إنْ كَانَ عَيْنًا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْجَوَاهِرِ فَلِمَالِكِ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ تَظْهَرُ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ فِيهَا لِلْإِمَامِ يَقْطَعُهُ لِمَنْ رَآهُ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَعَادِنَ يَجْتَمِعُ إلَيْهَا شِرَارُ النَّاسِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ، انْتَهَى، بَلْ فَرْضُهُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بَعِيدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهَا أَنَّهَا وَقْفٌ.
(الثَّالِثُ) زَادَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ وَشَامِلِهِ فِي مَوَاضِعِ الْمَعْدِنِ مَا وُجِدَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَقَالَ: حُكْمُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ وَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ زَالَ حُكْمُ أَهْلِهَا فَهِيَ عَنْوَةٌ أَوْ صُلْحٌ، أَوْ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ فَلَا وَجْهَ لِزِيَادَةِ هَذَا الْقِسْمِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي مَوَاضِعِ الرِّكَازِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الصُّلْحِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: رَجَعَ أَمْرُ الْمَعَادِنِ إلَى الْإِمَامِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَذْهَبُ سَحْنُونٍ أَنَّهَا تَبْقَى لَهُمْ، انْتَهَى، مُخْتَصَرًا. (الْخَامِسُ) لَمْ يُفْهَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ مَعْدِنِ غَيْرِ الْعَيْنِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ وَالْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَيْنِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَعَلَى ذَلِكَ فُهِمَ مِنْ شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَلَامُهُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ " فَالْإِمَامُ يَلِيهَا ": ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْمَعَادِنُ مِمَّا يُزَكَّى أَوْ مِمَّا لَا يُزَكَّى، وَقِيلَ: أَمَّا مَعَادِنُ مَا لَا يُزَكَّى فَهِيَ لِمَالِكِهَا، انْتَهَى.
وَفِي الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ الْقِسْمِ الثَّانِي: مِنْ الْمَعَادِنِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَعَادِنِ النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقَزْدِيرِ وَالْكُحْلِ وَالزَّرْنِيخِ وَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهِيَ مِثْلُ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالسُّلْطَانُ يَقْطَعُهَا