الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الميلادى. ويوافق معظم الباحثين الغربيين على النقاط الرئيسية فى معتقدات أهل السنة عن تاريخ القرآن الكريم، لكن هذا لا يمنع من وجود بعض المسائل الخلافية. فبالإضافة للصعوبات التقليدية فيما يتعلق بتقويم المصادر الإسلامية المعتمدة على الأحاديث فإن آلاف المصادر المخطوطة لم يتح للباحثين الغربيين الاطلاع عليها. وعلى أية حال فثمة كتابات مهمة عن تاريخ القرآن الكريم ظهرت فى القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى سنذكرها فيما بعد، ومن الملاحظ أن الباحثين المسلمين المعاصرين لم يُولوا هذا الموضوع العناية الكافية. أما المؤلفات الأوربية الأساسية عن هذا الموضوع فلا زالت تحظى بالاهتمام وقد طبعت أكثر من طبعة: كتاب نولدكة عن تاريخ القرآن Noldeke's Geschichte des Qurans خاصة الجزء الثانى منه، وكتاب جفرى A.Jeffery مواد لدراسة تاريخ النص القرآنى Materials for the history the text of the Quran المنشور سنة 1937 م.
(أ) جمع القرآن:
ثمة ما يشبه الإجماع على أن أول جمع كامل للقرآن الكريم تم فى عهد الخليفة الأول أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه (632 - 634 م) وقد كتبت هذه النسخة الأولى فى غضون عامين من وفاة النبى [صلى الله عليه وسلم]. ووفقا لما ذكره البخارى وما ورد فى فتح البارى لابن حجر العسقلانى فإن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه خشى من ضياع بعض القرآن بعد مقتل عدد كبير من حفاظه فى معركة اليمامة فاقترح على أبى بكر الصديق جمعه وتدوينه بشكل كامل، فتردد أبو بكر خشية القيام بعمل لم يعمله رسول اللَّه، لكن عمر بن الخطاب أقنعه بضرورة ذلك وجدواه، فأرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت أحد كتاب الوحى وعهد إليه بجمع القرآن الكريم، فتردد زيد بدوره لكن أبا بكر أقنعه بضرورة ذلك، فجمع زيد بن ثابت القرآن الكريم من العسب واللخاف والأكتاف والكرانيف وصدور الحُفاظ وكتبها فى صحف متساوية وقدمها إلى أبى بكر الصديق، فلما مات أبو بكر انتقلت هذه الصحف إلى عمر بتوليه
الخلافة سنة 634 م فلما مات انتقلت إلى ابنته حفصة التى كانت زوجة للنبى [صلى الله عليه وسلم].
وتثير هذه الرواية عن جمع القرآن عدة نقاط تعد بمثابة مفاتيح للبحث سواء من معناها الظاهرى الواضح أو من خلال فحواها وتحليل مضمونها مما يُعيننا على فهم تاريخ القرآن الكريم. وهذه النقاط هى:
- أن محمدا [صلى الله عليه وسلم] لم يترك -عند موته- نصا مكتوبا بشكل كامل.
- وأن شيئا من القرآن الكريم لم يَضِعْ أو يسقط.
- وأن القرآن الكريم كان فى البداية محفوظا فى الصدور (بطريقة شفهية).
- وأن ما كان مكتوبا من القرآن كان على مواد خام غير الصحف، كاللخاف والجريد. . إلخ.
- وأن أول تجميع رسمى هو ذلك الذى تم فى عهد الخليفة الأول أبى بكر الصديق، وهو أول تجميع كامل. وتردد كتابات المسلمين هذه الرواية التاريخية باعتبارها حقائق، كما تردد هذه النقاط (النتائج) باعتبارها مسلمات، ومع هذا فثمة قضايا مهمة أثيرت حول هذه النقاط. فالبخارى يشير إلى أن عمر بن الخطاب هو أول من جمع القرآن، وقد ردد ذلك الباحث فنسنك Wensick وبيرتون Burton (1) .
وهناك روايات أخرى تفيد أن أبا بكر هو الذى بدأ جمع القرآن لكنه لم
(1) الرواية التى أوردها البخارى لا تفيد ذلك وإنما تفيد أن عمر بن الخطاب هو أول من أشار بجمع القرآن وفيما يلى النص كما أورده البخارى بإسناده عن زيد ابن ثابت: أرسل إلىَّ أبو بكر عند مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إن عمر أتانى، فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن. فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا واللَّه خير، فلم يزل عمر يراجعنى حتى شرح اللَّه صدرى لذلك ورأيت فى ذلك الذى رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا تتهمك وقد كنت تكتب الوحى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه، فواللَّه لو كلَّفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىّ مما امرنى به من جمع القرآن. قلت كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو واللَّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح اللَّه صدرى للذى شرح له صدر أبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى، لم أجدها مع غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه اللَّه، ثم عمر إلى آخر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضى اللَّه عنها. (المترجم)
يُتِمّه فأتمه عمر فى خلافته (1) وهناك من يوفق بين هذه الروايات على أساس أن أبا بكر هو أول من جمع القرآن فى صحف بينما عمر هو أول من ضمه فى مجلد واحد (مصحف) وهناك رواية تقول إن عمر هو الذى أمر بالجمع لكنه مات قبل أن يتم هذا العمل وهذا رأى رواه ابن سعد. . وفى الحقيقة فإن هناك روايات مختلفة تنسب الجمع للمرة الأولى لكل خليفة من الخلفاء الراشدين الأربعة (راجع كتاب المصاحف لعبد اللَّه ابن أبى داود السجستانى وراجع أيضًا الإتقان فى علوم القرآن لجلال الدين السيوطى) وثمة روايات مختلفة يفيد ظاهر معناها أنه لم يوجد تجميع رسمى للقرآن الكريم قبل عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، وقد قام كيتانى Caetani فى مقاله بدورية Annali وكذلك شفالى Schwally فى كتابه عن تاريخ القرآن gesch. des (جـ 2 ص 20) بإثارة قضية حروب اليمامة كمناسبة للجمع الرسمى للقرآن الكريم ذاكرين أن قلة قليلة ممن عرفوا بحفظ القرآن هم الذين قتلوا فى هذه الحروب (ذكر شفالى اثنين منهم)(2).
ولم توضح رواية جمع القرآن الآنف ذكرها دور النسخ المكتوبة لبعض أجزاء القرآن الكريم فى عهد محمد [صلى الله عليه وسلم]، وقد أشير إلى هذه الأجزاء المكتوبة على عهد النبى -وهى مهمة جدا لتاريخ القرآن- فى سياق أن زيدا بن ثابت كان يكتب الوحى لرسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم]، وكان ينبغى تفصيل ذلك (3).
وتؤكد الروايات التى تتناول جمع
(1) انظر التعليق السابق. (المترجم).
(2)
وهنا يذكر كاتب المقال أن الأكثر دلالة هو أنه لا يوجد برهان على أن هذا الجمع المزعوم -على حد قوله- الذى تم فى عهد أبى بكر كان مقبولا كنص موثق أو معتمد، والواقع أن أكبر برهان على اعتراف جمهور المسلمين به أنه لا يوجد فى كل مصادر التاريخ الإسلامى، سواء الحوليات المعروفة أو السير ما يشير إلى أى خلاف جاد حول النص القرآنى فى عهد الخلفاء الراشدين جميعا، بل وبعد ذلك. (المترجم)
(3)
وقد اعتبر المؤلف عدم وجود هذه التفاصيل مبررا كافيا لرفض الرواية كلها واعتبارها لا تمثل حقيقة تاريخية There are thus sufficient grounds for rejecting the historicity of this story واعتبر أن الهدف منها هو إلقاء ظلال من الشك على دور محمد [صلى الله عليه وسلم] فى إعداد النسخة القرآنية والتقليل من دور عثمان (رضى اللَّه عنه) فى إظهار النسخ المعتمدة، ومحاولة إثبات =
القرآن فى عهد عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه أن مصحف عثمان المجموع قد ظهر فى النصف الثانى من حكمه أى بعد حوالى عشرين سنة من وفاة الرسول [صلى الله عليه وسلم]، وكان ذلك بسبب الخلاف بين القوى الإسلامية فى الشام والعراق حول الطريقة الصحيحة لقراءة القرآن فى الصلوات الجهرية أثناء حملة إلى أرمينيا وأذربيجان، فقد كتب قائد الحملة حُذيفة بن اليمان بهذه المشكلة إلى الخليفة عثمان رضى اللَّه عنه طالبا منه أن يحول بين الناس وبين الاختلاف فى القرآن، فطلب عثمان صحف القرآن من حفصة وجمع زيد ابن ثابت ومعه ثلاثة آخرين من حفاظ مكة وطلب منهم نسخ القرآن بلهجة قريش فلما انتهى النسخ احتفظ عثمان رضى اللَّه عنه بنسخة فى المدينة (المنورة) وأرسل نسخة لكل من الكوفة والبصرة ودمشق، كما أرسل نسخة -وفقا لبعض الروايات- إلى مكة المكرمة مع تعليمات بإتلاف كل ما عدا نسخته هذه، وبالفعل تم تنفيذ تعليماته إلا فى الكوفة إذ رفض ابن مسعود وأتباعه تنفيذ ذلك. والروايات مختلفة على أية حال فى عدد من حددهم عثمان رضى اللَّه عنه لنسخ القرآن كما أنها مختلفة فى المدن التى أرسل إليها عثمان مصحفه.
وهذه الرواية الثانية عن جمع القرآن (فى عهد عثمان) تثير كالرواية الأولى (جمع القرآن فى عهد أبى بكر) بعض الخلافات التاريخية. ويقبل الدارسون الغربيون الآن ما يقول به شفالى (فى كتابه عن تاريخ القرآن الآنف ذكره ص 57 - 62) وغيره من أن القرآن ليس بلهجة قريش (سنتناول هذا الموضوع فيما بعد) وإذا كان الأمر كذلك انهارت إحدى ركائز الرواية
= (تأسيس) أسبقية على المصاحف التى جمعها الخليفتان اللذان سبقاه. وبالإضافة لهذه الأهداف -فيما يقول المؤلف- فإن الهدف الجوهرى لهذه الرواية هو إثبات أن القرآن الكريم قد تم جمعه فى غضون فترة يسيرة بعد وفاة النبى [صلى الله عليه وسلم]، وأن هذا الجمع كان أساسا لما عُرف بعد ذلك بمصحف عثمان، وكل مذا يقصد إثبات أن القرآن الكريم لم يضع منه شئ ولم يتعرض لتغيير أو تزييف، وبطبيعة الحال فإن المسلمين يرفضون مثل هذه الأقوال، ومن المستشرقين الذين رددوا ذلك: نولدكه فى كتابة تاريخ القرآن Gresch des Qor جـ 3 ص 11 - 27 وبلاشير Blachere فى كتابه مقدمة عن القرآن، وبل وات Bell - Watt وبيرتون. (المترجم)
السابقة (عن جمع القرآن ونسخه فى عهد عثمان) وأصبح من الصعب أن نعرف الدور الذى قامت به هذه اللجنة التى عينها عثمان رضى اللَّه عنه -وقد بين شفالى أن الأشخاص المذكورين فى مختلف الروايات على أن عثمان رضى اللَّه عنه قد رشحهم لهذه المهمة كانوا غير مقبولين، كما شكك من خلال أسباب قدمها فى أن يصدر عثمان رضى اللَّه عنه أمرا بإتلاف كل نسخ القرآن عدا النسخ التى اعتمدها. ويبدو من غير المقبول أن نعتبر أن الإتلاف فى طرق "قراءة" القرآن فى الصلوات الجهرية اليومية يمكن أن يسبب نزاعا خطيرا بين القوى الإسلامية أثناء الفتوحات الأولى. إن هذه الأجزاء من الرواية تشير جميعا إلى ظروف تاريخية أدت لوضعها، إذ يبدو أن إدراج اسم حفصة كان ببساطة- وسيلة لربط الروايتين المتعلقتين بجمع القرآن الكريم معا (رواية جمعه فى عهد أبى بكر رضى اللَّه عنه، ورواية جمعه فى عهد عثمان رضى اللَّه عنه، لإثبات سلسلة متتابعة موثقة للنص القرآنى منذ وفاة الرسول [صلى الله عليه وسلم])، وقد أورد المستشرق بيرتون روايات مختلفة لأسباب مختلفة وظروف مختلفة كانت سببا لأمر عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بتوزيع نسخ معتمدة على الأمصار، أوردها بيرتون J.Burton فى كتابه عن جمع القرآن ، The Collection the Kuran، Canbr، 1977 (1) .
إننا نجد أمامنا رواية أخرى لا يمكن أن تكون مقبولة لكن هذا لا يعنى بالضرورة أنها بدون أساسى تاريخى مهما كان واهيا، فالإجماع على نسبة جمع القرآن فى مصحف إلى عثمان بالإضافة إلى عدم وجود دليل حاسم
(1) التشكيك فى رواية جمع القرآن على أساس أن القرآن الكريم كان مجموعا بالفعل زمن الرسول صلى الله عليه وسلم سببه عدم فهم لكلمة جمع Collection التى لا تعنى تأسيس أو إنشاء estahlishnent وهى الكلمة التى استخدمها المؤلف أحيانا، وعلى هذا فالقول بأن القرآن الكريم كان مجموعا بالفعل زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر لا خلاف عليه، فقد كان مجموعًا فى نسخ محدودة على العسب واللخاف. . إلخ وفى صدور الرجال، وفى عهد عثمان رضى اللَّه عنه جرت مقارنة ما هو مكتوب بما هو فى الصدور وضمت الصحف فى مجلد واحد (مصحف)، وتم إنتاج عدد كبير نسبيا من المصاحف لتوزيعها على الأمصار. . إلى آخر ما هو معروف، المهم أن المؤلف سينتهى فى نتائج بحثه إلى أصالة النص القرآنى الحالى وهو ما سيطالعه القارئ بعد ذلك). (المترجم)