الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤتمر الرابع لاكاديمية البحث الإسلامى التابع للأزهر الشريف (القاهرة 1970 م) وأبحاث عن مكانة القدس فى الإسلام لعبد الحميد حسن واسحق موسى الحسينى وعبد الحميد السايح، وقضية فلسطين لعز الدين فودة ومتصرفيات القدس أواخر العهد العثمانى لعبد العزيز عواض: Spezidon: Annals of Palestine 1821 - 41
المصادر: وردت فى المتن
.
د. حسن حبشى [س. د. جويتين S. D. Goitein]
قدم
تعنى فى مصطلح الفلسفة الإسلامية، وعلم الكلام: الخلود والبقاء. ولابد أن تُمّيز عن مصطلح "أزل" وعن مصطلح "أبد". ويرى التهانوى: أن الأزل هو الوجود الذى لا أول له، والأبد هو الوجود الذى لا نهاية له والقِدَم مضاد للحدوث، فالقدم يعنى (اللامسبوقية بالغير)، والأزل يفيد (نفى الأولوية)؛ وهو بذلك حالة فى
= وقرر اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلى آنذاك أن يواجه المشكلة بادراج قضيتى القدس والانسحاب من الجولان السورية فى جدول أعمال محادثات السلام، ولكن متعصبًا إسرائيليًا اسمه إيجال عامير اغتاله يوم 4 نوفمبر 1995.
"وكان اغتيال رابين بمثابة النكسة لقضية السلام، إذ إن بنيامين ناتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى الجديد المنتخب (فى 29 مايو 1996) اتجه إلى التشدد مما أعاد العنف على امتداد عامى 1996 و 1997 إلى المنطقة وفى قلبها القدس. فوقعت أحداث تفجير انتحارية فى 25 فبراير 1996 فى القدس وفى عسقلان وتل أبيب، ثم قتل أعضاء منظمة حماس أحد عشر جنديًا اسرائيليا فى الجنوب اللبنانى الذى تحتله اسرائيل، وقامت اسرائيل بقصف جدى مركز راح ضحيتة عدد كبير من القتلى بلغ 160 من المدنيين اللبنانيين.
"وتوقف تنفيذ اتفاقيات السلام التى كانت قد وقعت فى أوسلو، وتوقف انسحاب اسرائيل من الأراضى العربية المحتلة. وتمادى ناتانياهو فى تحدى مشاعر العرب والمسلمين باعلانه فتح نفق يصل أراضى القدس الغربية بالقدس الشرقية بل يصل إلى قلب المدينة الإسلامية. فعاد الصدام بين الفلسطينين والاسرائيلين فى القدس، فانقض الجنود الاسرائيليون على المسلمين بعد صلاة الجمعة فى المسجد الأقصى يوم 27 سبتمبر 1996 م وقتلوا ثلاثة وجرحوا 120 شخصًا، ولكن المصادمات استمرت وبلغ عدد الضحايا آخر الأمر خمسة وسبعين من القتلى و 150 جريح.
"واستمر التوتر خلال عام 1997 وبداية عام 1998، ولكن إسرائيل كانت تخرج من وقت لآخر بمشروعات استيطان جديدة تتضمن تغير الهيكل المعمارى والسكانى للمدينة، وكان العرب والمسلمون يعارضونها بشدة، وكان بناء المستوطنات بمثابة إعلان من جانب إسرائيل بأنها سوف تتمادى فى التمسك بالقدس العربية الإسلامية، فى حين يزداد إصرار العرب والمسلمين على تخليص المدينة المقدسة من قبضة الاحتلال".
د. محمد عنانى
الطرف الَقْبلى للبقاء والخلود eternity والأبد هو الطرف البعدى لها. وأساسًا، لابد أن يكون الأزل والأبد متماثلين فى اللَّه سبحانه وتعالى حيث (إن أبده عين أزله)، لأنهما يعنيان أن طرفى النقيض النسبيين اللذين هما البداية والنهاية كلاهما "منقطعان" عن اللَّه (انقطاع الطرفين الإضافيين عنه). لأنهما صفات سلبية بالنسبة لذات اللَّه (انظر فخر الدين الرازى، تفسير أسماء اللَّه الحسنى، سورة الأعراف، الآية 180؛ وأزلى وقديم مصنفان بين الصفات الحقيقية والسلبية. إذ تعد صفته "الأول" على أنها صفة حقيقية، مصحوبة بعلاقة ونفى "صفة حقيقية مع الإضافة والسلب". وهو قديم بمعنى أزلى، أى غير مسبوق، وهو فى الوجود قبل أى تصور عقلانى للبداية الأولى (قبل تعقل الأولية)، وبمعنى أبدى أى الدائم (بعد تعقل الآخرية). ويخرج إلى النور من بين هذه التعريفات العديدة مفهومان، ما قبل السرمدية، وما بعد السرمدية. والأول هو البقاء إلى ما لا نهاية (لا نهاية له) ويمتد تجاه الماضى، أو تجاه المستقبل (ويعرف فى أى الحالين على أنه (اللايزال). ويثير هذا الترتيب كثيرًا من الصعوبات أمام حل مشكلة خلق العالم، فهو يطرح تصور الزمان اللانهائى قبل لحظة هذا الخلق، والثانى تصور فلسفى بدرجة أكثر حيث أن هذين اللونين من السرمدية ليسا سوى تصورين سلبيين لجأ إليهما الفكر التأملى ليفهم فكرة السرمدية بالنسبة للزمان، ولكن الذى لا يتوافق مع حقيقة الزمان اللانهائى فى المعنيين الاثنين هو: أنهما نسبيان لأسلوب الفكر المنتمى إلى الروح البشرية التى -كما يشير الرازى- لا يمكن أن تدرك بذاتها خارج نطاق الزمان، والحقيقة المحجوبة خلف هذه التصورات الخيالية هى أن "بقاء اللَّه بذاته" يعنى وجودًا غير متأثر بالزمان، والصفة الزمانية كلية.
وبالتالى، إلى ماذا يرمز القِدَم؟ من ناحية الاشتقاق يجب أن يرتبط هذا المصطلح بالأزل، لأنه جذر معبر عن
فكرة الأسبقية، ويقول لسان العرب عنه ما يقوله التهانوى نفسه عن الأزل:"إنه نقيض الحدوث". ويشرحه ابن منظور أيضا من خلال جذور عَتَقَ، وسَبَقَ (أن تتقدم فى سباق). والواقع أنه يجب ملاحظة أن فكرة الأسبقية فى الزمان أو المكان متصلة باستحقاق التفوق، كما قد يظهر من القَدَمِ المادى، ومن استخدامه القرآنى: قَدَم صدق (سورة يونس، الآية 2) التى يفسرها الزمخشرى على أنها سبق وفضل ومنزلة رفيعة، وأولوية، ومنزل عَلَّىٌ، يعده اللَّه للمؤمنين، وفى شرح آخر هى هدية مسبقة قد أعدها اللَّه لهم بفضله وكرمه (قد سبق لهم عند اللَّه خير) الأمر الذى يوحد الفكرتين الاثنتين للأسبقية، وسمو الإتحافات الالهية، وقد يلاحظ بدرجة أكثر بالنسبة لقَدَم (بمعنى "خطوة"، من حيث حقيقة أنها تكون إلى أمام الآخرين، أى أسبقية) حتى أن لسان العرب، وكذلك القرطبى فى تفسيره يقتبس كل منهما بيتًا من شعر ذى الرمة يقول فيه:
وَأَنْتَ امْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ ذُؤابَةٍ
…
لَهُمْ قَدَمٌ مَعْرُوفَةٌ وَمَفَاخِرُ
حيث نرى تعبير العقلية البدوية: فالقَدَمُ مرتبطة بالشرف الرفيع، والأعمال المجيدة (المفاخر).
وقد يكون الافتراض معقولا بأن جذر ق - د - م، يستخدم ليفيد أسبقية اللَّه. بل ليفيد سموه الوجودى على كل الأشياء، وعلينا أن نوضح أن ذلك ليس أسبقية وسموًا نسبيًا إزاء الآخرين، كما هى حال "المفاخرة" التى تفيد المنافسة، لكنها الصفات الفائقة المطلقة، وبهذا المعنى يقول لسان العرب: فى أسماء اللَّه تعالى المُقِدَّمُ: هو الذى يقدم الأشياء ويضعها فى مواضعها، أى الخلود المطلق، ويكتب القاضى عبد الجبار، فى شرح الأصول الخمسة، أنه وفق مبادئ اللغة يكون مصطلح "قديم" هو "ما تقدم وجوده" ويستشهد بالآية 39 من سورة يس:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} حيث يقارن اللَّه عز وجل، القمر بسعفة نخل قديمة (كالعرجون القديم)، أما كلمة قِدَم،
فإنها لا توجد فى القرآن الكريم ويوصل الكتاب الموحى به فكرة اللانهائية الإلهية من خلال فكرة السمو تلك، فاللَّه هو المتعالِ (سورة الرعد، الآية 9)، وهذا الاسم فى رأى الرازى، يختص به اللَّه سبحانه على أساس أنه (منزه) فى ذاته، وفى صفاته، وفى أفعاله عن كل ما قد لا يفرض على الآخرين الاعتراف به. ونتيجة لذلك. فإنه سبحانه خارج الزمان، وسرمدى، ولهذا السبب، فإن مصطلح قديم يؤخذ بصفة مطلقة على أنه يدل على اللَّه جل جلاله نفسه.
1 -
يكمن القدم الحقيقى فى أنه غير مسبوق بشئ آخر وفق الأسبقية التى هى "جوهوية" وليست "زمنية". وهذا ما يعرف بأنه "قدم ذاتى"، ويكمن فى حقيقة عدم الاحتياج لكى يوجد إلى أى شئ على الاطلاق سوى الذات: فاللَّه جل جلاله غير محتاج لموجود كى يوجد. والقديم فى هذا المعنى هو واجب الوجود. وعكس مصطلح (قدم) مصطلح (حدوث) الذى يعنى حقيقة أن شيئا ما قد سبقه فى الوجود وفق أسبقية أساسية، والتى قد تكون فى هذه الحالة، أو قد لا تكون أسبقية زمنية (مثال ذلك، أن العالم هو نتيجة أصل بالضرورة، إنه حدوث، ولكن لا شئ يسبق زمنه، والإنسان يولد أساسًا أيضًا، ولكن والديه وجدا فى زمن سابق لمولده)، بمعنى مؤكد أن الزمان هو نتيجة أصل، أى "حادث"، لأنه إذا كان قد سبق بلا شئ قد وجد قبله بطريقة زمنية، فإن هذه الفرضية تكون عبثية، لأن الوجود المطلق لواجب الوجود لا يتوافر فيه، وهو يجدد ذاته فى كل لحظة، ومن الممكن أن نفهم بالقدم بوجه خاص حقيقة أنه غير مسبوق بعدم الوجود لأسبقية زمانية: ولذلك سوف يسمى هذا "قدم زمانى"، والقديم بلغة الزمان، يكون لهذا السبب هو "ذلك الذى يكون زمان وجوده ليس له بادية أولى" وبالمثل، قد يتحدث المرء عن أصل زمنى، أى (حدوث زمانى) حيث يكون وجود موجود ما مسبوقًا بعدم وجود فى الزمان، وعلى هذا النحو، نحدد ما هو ثمرة "الحدوث الزمانى"، وعلى أنه المسبوق فى الزمان بعدم وجوده، ووفق الصياغة المشهودة:
(لم يكن، ثم كان)، وبهذا المعنى، يكون الزمان غير حادث، لأنه ليس ثمة شئ بوسعه أن يوجد نفسه قبلا.
2 -
بالنسبة للقدم النسبى، فإنه يفيد أن الزمان الماضى لوجود موجود يكون أعظم من زمان وجود موجود آخر. ولكن هذا المعنى، لا يمكن أن ينقل بكلمة قِدَم. إنه يخص عتق موجود بالمقارنةَ إلى جِدَّه موجود آخر، وكلمة قديم تعنى عتَيق، وبشكل عكسى، سوف يكون الحدوث جِدَّةَ، والحادث هو الجديد.
ويضيف التهانوى أن القِدَمَ الأساسى "أخص" من القدم الزمانى، الذى يكون بدوره أخص بدرجة أكثر من القدم النسبى أو العتاقة، ولهذا السبب، فإن واجب الوجود الذى هو "قديم ذاتى"، يكون قديمًا أيضا وفق وجهة نظر زمانية، حيث أنه مسبق لا بعدم ولا بشئ غير ذاته، ولكن العكس ليس صحيحًا: ولذلك، فإن صفات الموجود القديم التى لم تسبق بعدم لأنها مصاحبة لذاته القديمة، لا تكن قديمة فى حد ذاتها، هكذا، لا يكون لها قِدَم ذاتى. ويمكن أن يقال الشئ نفسه عن العالم الذى هو "قديم زمانى" فى رأى الفلاسفة، ولكنه ليس قديم ذاتى بأية حال، لأنه يعتمد على علته التى هى خلاف ذاته، وبالنسبة للقدم الإضافى، فإنه ليس مشاركًا شاملًا مع القدم الزمانى، والواقع، أن الزمان الماضى لوجود ما قد يكون أعظم بالمقارنة إلى ذلك الذى يوجد بشكل لاحق لأول مرة، وينطبق هذا على الأب الذى هو قديم بالنسبة لابنه، وهو ليس بتلك الوسيلة قديم زمانى، لأن هذا الأب قد أنجبه والدان، هكذا، لو قارنا العالم بإنسان ما، يكون لكليهما تاريخ قوامه أحداث متعاقبة. فإنه بالنسبة لواحد من هذه الأحداث، يمتد ماضى العالم، وماضى هذا الإنسان إلى زمان أعظم من زمان الحدوث الجديد. ولذلك سوف يسمى كل منها قديم بالنسبة له. ويكون كلاهما قديمًا إضافيًا. ولكن العالم ليس قديمًا فحسب فى هذا السياق: إنه كذلك فى حد ذاته، لأنه لم يكن هناك زمان ذات يوم لم يوجد فيه. والإنسان قديم فحسب، على سبيل المثال، بالنسبة
لحادثة أبوته: إنه سبقها دون شك، ولكن على نحو دقيق، وفق سابقة تكون نسبية بالنسبة لها فحسب، وعلى العكس، فإنه فى سياق "الأصول" يكون "حدوثا إضافيًا" الذى هو خاص إلى أقصى حد، ثم يأتى حدوث زمانى، وفى النهاية حدوث ذاتى. هذا لأن كل شئ يغطى وجوده فى الماضى فترة زمانية (أقل، يقال إنه حدوث إضافى) يكون مسبوقًا بعدم، وهو لذلك حدوث زمانى، والأحرى، إنه حدوث ذاتى، ولقد كان هذا التحليل متأثرًا بوضوح بفكر فلاسفة يميلون إلى ربط القِدَم بالضرورة الوجودية لواجب الوجود، وربط الحدوث بالإستمرارية. ويفهم المتكلمون ببساطة مصطلح قديم، على أنه غير المسبوق بعدم، أو وفق مفردات التهانوى، قديم زمانى.
فعلى ماذا تنطبق فكرة القدم؟ ينسب القدم أولًا إلى ذات اللَّه. وكل الفلاسفة علماء الدين متفقون على هذه النقطة. وهناك اختلافات فى الرأى بين المتكلمين حول مسألة قدم صفات اللَّه، فاللَّه قديم لأنه ليس خاضعًا لأصل، والموجود لا يمكن أن يكون إلا محدثًا أو قديمًا. وهكذا لو كان اللَّه خاضعًا لأصل لكى يوجد، فإنه قد يحتاج إلى موجود آخر لكى يوجده، أى إلى مُحدث، ولكن المسألة قد تنطبق على "المُحْدِثِ" أيضًا، وهلم جرًا إلى ما لا نهاية. ومن ثم، لابد للمرء أن يؤكد وجود اللَّه على أنه خالق قديم، وكما عبر عبد الجبار، هو "الصانع القديم"، وهذه الحجة التى تحمل رمزًا فلسفيًا، ليست سمة مميزة قاصرة على المعتزلة، إنها توجد فى المصطلحات نفسها أو فى ما يماثلها فى "كتاب التمهيد" للباقلانى، فى الفصل الذى يوضح فيه أن الفاعل الذى ينتج موجودات خاضعة لأصل (فاعل المحدثات) لا يمكن أن يكون هو نفسه ثمرة أصل ما. كما يوجد فى "كتاب الإرشاد" للجوينى الذى يبرهن على أن (وجود القديم غير مفتتح)؛ ويطرح فى الموضوع نفسه ملاحظة مهمة ودقيقة عن تصور وجود ما ليس له بداية: ألا يدل هذا على التوالى اللامتناهى للحظات؟ ويجيب أن اللحظة: للشئ تحدد يحقيقة أنها معاصرة مع أى
أشياء أخرى، وبالتالى، فإن قدم اللَّه يدل عليه تفرده ضمنًا.
ويقر الاشاعرة قدم الصفات الإلهية. وعلى العكس، يعبر المعتزلة عن المبدأ الذى صاغه عبد الجبار فى "شرح الأصول الخمسة" وهو (لا قديم مع اللَّه). ومع ذلك، فإنهم يعترفون بأربع صفات على أنها قديمة: صفة الوجود، وصفة الحياة، وصفة العلم، وصفة القدرة. والواقع أن هذه الصفات الأربع، فى رأى الجبائى وأغلبية علماء المدرسة، تنسب إلى ذات اللَّه بالضرورة، ولذلك فإنها هى الأخرى قديمة. إن علمه هو وجوده فى تصرفات للعلم (كونه عليمًا) وينطبق الشئ نفسه على صفات أخرى، أو ما هو أكثر من ذلك، إنه يعلم من علم هو ذاته (أبو الهذيل)، إلخ. . . إنهم لا يقولون إن له علم قديم، ولكنه (لم يزل عليما)، إلخ. . . وقد رفض عَبَّادُ ابن سليمان أن يقول إن للَّه علم أكثر مما له من قِدَم؛ ولكن ربما يقال إنه "قديم". وعلى العكس، اعتقد ابن كُلاب إن اللَّه فى تصرفات من خلال علم يخصه، وهلمَّ جرًا. ولتقول إنه "قديم" هو أن تؤكد أنه (لم يزل بأسمائه) وصفاته؛ المقالات)، وذات اللَّه وحدها هى القديمة، ليس بمعنى أنها تجردت من كل الصفات، بل على العكس، إنها متشحة بكل ما يخص اللَّه. ونبدأ هنا فى التعامل مع دقائق بحتة فى اللغة، كما هو الحال فى التمييز بين التعبيرين "إن اللَّه لم يكف عن أن يكون"، و"إن اللَّه لم يكف عن أن يكون فى صفة قديمة للقدم" وأيا كان الأمر، هناك فقرة من المقالات جديرة بالملاحظة، هى "أن مؤيدى نظرية الصفات (أسباب الصفات) يختلفون فى الرأى المتعلق بصفات الخالق: هل هى قديمة، أم لم يكن لها أصل؟ يقول البعض إنها قديمة، ويصرح آخرون: إذا كنا نقول إن الخالق قديم فى صفاته، فلا داعى إذن للقول إن صفاته قديمة، بل نقول إنها لا قديمة، ولا كان لها أصل. "وقد أضاف أبو هاشم على ما ارتآه التهانوى، صفة قديمة خامسة إلى الصفات الأربع (المتقدم ذكرها) هى (الإلهية)، التى هى متباينة عن الذات، ويذكرنا هذا بما قاله علماء مدينة
Charters شارتز بشمالى فرنسا عن الطبيعة الإلهية divimitas، فى القرن الثانى عشر، ومنهم Gilbert de la porree ليس ثمة شك فى هذه الفرضية التى يلمح إليها عبد الجبار حين يكتب أنه وفق ما يقوله أبو هاشم، إن الصفات تخص اللَّه بالضرورة، وبموجب ذلك، فإنه يثبت ذاته (بما هو عليه فى ذاته)، وعلى هذا النحو، تكون هذه الصفات قديمة فى الصفة الإلهية، لأن سليمان ابن جرير، وغيره من "الصفاتية" يرون أن ما ينسب إلى اللَّه من الصفات يكون بالضرورة عبر أفكار (لمعانى) يمكن أن توصف لا بالوجود، ولا بعدم الوجود، ولا بأصل، ولا بقدم" (شرح الأصول الخمسة). إنه تصور "الصفة المعنوية"، وهو مصطلح قد ترجم على نحو مختلف بأنه "أساسى" و"نوعى"، أو حتى "وجودى"، إنه أمر لا يختلف عن الوصف الذى صار واجبًا بالفكرة التى لدى الإنسان عن اللَّه. والمعنى دائمًا هو فكرة تفيد مع (ما هو جوهرى فى خلفيته Cum Fumdamento - in re). ولذلك، فإن الصفة المعنوية ليست ذاتًا، ولا هى "شئ" فى اللَّه. إن حقيقة اللَّه هى التى تقتضى ما يقوله المرء عن اللَّه. ولكن هنا أيضًا، يكون القديم هو اللَّه، وذاته، وتغيب الصفة المعنوية عن كل البدائل الوجودية. ومع ذلك، ففى رأى عبد الجبار، أن بعض تلاميذ بعينهم لابن كُلَّاب، قد جعلوا المعانى مجردات مادية، وعدوها قديمة، وعندهم أن الصفات الأربع (المتقدم ذكرها) ملائمة للَّه بواسطة المعانى الأزلية.
ومن الجذر نفسه مثل قِدَم تشتق الصيغة الخامسة من مصدر تَقدُّم الذى يوجد فى تفسير مثير للاهتمام، للرازى للآية 3، سورة الحديد:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ. . .} ولكلمة تقدم معانٍ كثيرة:
(1)
التقدم بالتأثير حيث يمارس السابق تأثيرًا على اللاحق، ومثال ذلك، أن حركة الإصبع تستلزم حركة الخاتم؛
(2)
التقدم بالحاجة، أى الذى يقوم على الحاجة التى للاحق من السابق، ومن ثم يكون رقم واحد أقدم من رقم اثنين دون أن يكون علته؛
(3)
التقدم بالشرف، وفق الأحقية، ومن ثم يكون لأبى بكر السبق على عمر؛
(4)
التقدم بالمرتبة، طبقًا لنظام المراتب، هو إما أن
يكون محسوسًا مثل مكان الإمام فى الصلوات أمام المؤمنين الذين يقيمون الصلاة؛ وإما أن يكون عقلانيا، مثل مكان الجنس، بالنسبة للأنواع؛
(5)
التقدم بالزمان، أسبقية زمانية أو "قبلية"؛ ويضيف إليها الرازى (6)"ولكنى أظن أن هناك قسم سادس مثل أسبقية فترات معينة من الزمان لفترات أخرى" وهذه الأسبقية ليست زمانية، إِلَّا، يكون لازما للزمان زمانًا آخر حتى يتطور، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية. ومن ثم، قد يكون الحاضر فى نطاق حاضر آخر، ويكون الحاضر الآخر بدوره فى نطاق حاضر ثالث. . وكل هذه الأزمنة الحاضرة حاضرة فى اللحظة الحاضرة (كلها حاضرة فى هذا الآن). ولكن مجموعة هذه اللحظات ربما تكون لاحقة لمجموعة لحظات ماضية، إلى الحد الذى قد يكون فيه زمن آخر لمجموعة الأزمنة. ونتيجة لذلك، ربما يكون كلاهما داخل وخارج هذه المجموعة، وهذا أمر محال. "زد على ذلك، أن هذه الأسبقية لفترات من الزمان بعضها على البعض، ليست أسبقية طبقًا لقانون العلة، ولا طبقًا للحاجة، وإلَّا، فإن هذه الفترات تتعايش معًا، ومن الواضح أيضًا، أن هذه الأسبقية ليست طبقًا للأحقية، ولا للمكان. لذلك، فإنها نوع سادس للتقدم. والآن، يوضح القرآن الكريم أن اللَّه هو "الأول" (Primus)، ويوضح الرازى هنا أن هذه الأهلية تناسب الواجب وحده، موجود أول وفريد، ولأن كل ذلك ليس هو، لأنه "ممكن"، ولا يوجد الممكن إلا عبر أصل: إنه مُحْدَث، ولكن ما هى طبيعة هذه الأسبقية الإلهية؟ إنها لا تدين لفعل من أفعال التأثير، لأن الفاعل والمريض نسبيان أحدهما للآخر، ويتعايشان معا إنها ليست أولوية قائمة على الحاجة، حيث أن الأسبقية هنا أسبقية مطلقة. إنها ليست أسبقية مدينة للأحقية، لأنه لا يمكن أن يقال إن أحق أو "أشرف" من الممكن، لأنه ليس كمثله شئ (مع أن أحد المعانى هو أن الوجود الواجب يفيد تمام الموجود الذى يكون وجود الممكن ناقصًا بالإضافة إليه). وبالنسبة لأسبقيات الزمان والمكان، فليس لها معنى بالنسبة للَّه،
لأن الزمان والمكان أمران ممكنان يعتمدان على أصل. ويكون اللَّه سابقًا لجملة الأزمان، فهو ليس سابقًا بالنسبة للزمان، وإلَّا، قد تدخل الأسبقية الإلهية فى مجموعة الأزمان، لأنها ستكون زمنًا، ولكنها خارجية له، ولأنها سوف تحتوى هذه الأزمان جميعًا، وأن ما تحتويه يكون خلاف ما احتوته. وربما يكون هذا نوعًا من العبث. ويقترح الرازى بوضوح، من المحتمل أن يتعلق باللَّه نوع سادس من الأسبقية التى لا تخلو من قياسات للتمثيل بأسبقيات فترات الزمان لبعضها البعض. ولكن هذه الفترات الزمانية ليست متطابقة، وذلك هو السبب فى أن الرازى حين يقدم هذا القسم السادس، لا يقول إنه، بل يقول إنه يشبه فحسب. . وختامًا، نحن نعلم أن اللَّه "أول"(على سبيل الإجمال)، وليس (على سبيل التفصيل). وبالنسبة لفهم حقيقة هذه (الأولوية) فليس لدى أنواع الذكاء البشرى أى وسيلة توصلها إلى ذلك، لأنها لا تستطيع أن تفلت من نطاق القوالب الزمانية. ويلاحظ أن تقسيمًا مماثلًا للتقدم موجود فى كتاب "مقاصد الفلاسفة" للغزالى، باستثناء التقدم بالحاجة، حيث يسميه التقدم بالطبع، فى حالة لا يكون السابق فيها موقوفًا بقمع اللاحق، ولكن اللاحق فيها يكون موقوفًا بقمع السابق (كما هى الحال مع مجموعة أرقام)، وفيما عدا ذلك، نجد أن التقدم بالتأثير، يحمل اسم "التقدم بالذات"(بالنسبة للعلة والمعلول).
لم يساند مذهب قدم العالم فى الإسلام إلا الفلاسفة الواقعون تحت تأثير فلاسفة اليونان: أفلاطون؛ وأرسطو؛ وفيلو الإسكندرى؛ وبروكليس، وجون فيلو بونوس الأصولى. ويتناول كتاب تهافت الفلاسفة للغزالى وتهافت التهافت لابن رشد هذا المذهب بالتفصيل. والحجة الأساسية، هى أن من المحال أن تتصور بداية زمانية للعالم، أى لحظة الزمان التى خلق فيها، حيث يفيد ذلك أنه قد سبق خلقه زمان فارغ. والواقع، إذا كان الزمان مقياسًا رقميا للحركة، كما
يؤكد أرسطو (وهى نظرية يقتنيها الفلاسفة) نجد أن الحركة تتطلب شيئًا متحركًا، وأجساما متحركة، والعالم الطبيعى وبخاصة النجوم، حينئذ يكون من المحال بالنسبة للزمان أن يكون قد وجد قبل وجود العالم. زد على ذلك، أنه إذا وجد، فسوف يكون قديمًا أو مخلوقًا. ولكن القدم لا يتفق مع زمان آخذ فى التغير و"السيلان": كل جزء منه يكون جديدًا بالنسبة للجزء السابق، والزمان يتجدد فى كل لحظة من لحظاته. فإذا كان الزمان حادثًا فى كل أجزائه، يكون له كله سبب فى أن يكون هكذا فى جملته. ومن ثم، فإنه مخلوق: عندئذ تثور مشكلة: هل هو مخلوق فى زمان، وهل وجد زمان قبل زمان؟ وهذا عبث. وهذه هى الحجة، كما تؤخذ فى جانب العالم. وفى جانب اللَّه، مع افتراض خلق زمانى، ماذا فعل الخالق قبل الخلق. هل كان ساكنا؟ وتلك ليست طبيعته، كما جاء فى (سورة البقرة، الآية 255) أنه {. . لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْم. . .} . أضف إلى ذلك، أنه إذا كان ساكنا أولًا، ثم نشيطًا بعد، فلابد أن يكون حدث تغيير فيه، وهذا أمر غير معترف به. وما الذى أغراه بالخلق فى لحظة ما حين تولى خليقته؟
ومن جانب علماء علم الكلام الذين يعتقدون فى خلق العالم فى حينه، فإنهم يعترضون على أسس أن العالم قديم، وليس له بداية، وأنه لم يكف عن الوجود ذات يوم، وبالتالى إنه قد وجد لفترة لا نهائية من الزمان.
وهذا تناقض ظاهرى. ويطرح هذا التعليل نفسه فى النظر إلى السلسلة اللامتناهية للعلل: المعلول الذى يوجد فى الحاضر، قد لا يوجد بأية حال. وتنشأ الصعوبة من استيعاب القدم فى زمان لا متناه. ولكن القول، بأن العالم قديم، هو أن نؤكد أنه فى أثناء البقاء فى داخل العالم، وفى الزمان المرتبط بالعالم، لن يجد المرء لحظة يمكن أن تكون بدايته الأولى. وسوف يحتاج المرء إلى أن يعود إلى الوراء على نحو غير محدد، وليس إلى اللاتناهى:
وبعبارة أخرى، إننا نتعامل هنا مع أمر لا محدود، أو بلغة أرسطو، مع اللاتناهى فى القدرة وليس اللاتناهى فى الحركة. وباختصار، يدل الاعتراض على أن التعبير "ليس له بداية فى الزمان" يعنى "أن له بداية فى الزمان اللامتناهى". بالإضافة إلى لا محدودية ما، قد يمكن قطعها، إذا كانت محصورة بين نقطتين على خط مستقيم، فيُقْطَعُ عدد لا متناه من النقاط. ويبدو أن ابن سينا قد أخذ بهذا الرأى بالنسبة لمشكلة العلة الأولى بتمثيلها قياسيًا بمشكلة البداية الأولى. فإذا نظر المرء إلى (جملة) العلل داخل هذا العالم، سيرى بوضوح أن كل علة منها هى علة ومعلول معًا. ولذلك، لا يستطيع المرء أن يقحم فى هذه (الجملة) علة أولى قد تكون بدون علة. "كل جملة تكون كل وحدة منها معلولًا مسببًا يحتاج إلى علة خارجية لهذه الوحدات. "وفى فرضية كهذه لسلسلة العلية" تتكون كل مجموعة من علل ومعلولات سواء كانت متناهية، أو لا متناهية، تظهر نفسها، فلو أنها تحتوى بداخل ذاتها معلولات مسببة ليس إلا، لتحتاج علة تكون خارجية عنها، ولكنها تكون فى استمرارية معها بشكل محدد (تتصل بها طرفًا). "وإذا كانت مكونات هذه الجملة لا متناهية، فإننا نتعامل عندئذ مع جملة لا متناهية محدودة. ذلك لكى نقول إنه فى البحث عن العلة الأولى، سوف ترى ظاهرة بوضوح كحد للامتناهى الذى لا يستطيع الفكر أن يصل إليه أبدا، ويجاهد فى سبيله. ولكن فعله لا يحتاج إلى اجتياز الانقطاع اللامتناهى للعلل والمعلولات، لكى تعمل هنا وحالًا، لأنه كما يوضح ابن سينا، "كل علة لجملة لا تكون واحدة من وحدات تلك الجملة هى فى المقام الأول علة لهذه الوحدات، وبالتالى علة للجملة. "وهذه إحدى وجهات نظر ابن سينا التى من هذا القبيل فى هذه المسألة، طبقًا لكتاب الإشارات. وثمة اعتراض آخر على نظرية قدم العالم تقوم على علم الفلك. ولدينا مثال فى هذا الصدد فى كتاب
الفصل بين البخيل لابن حزم. وبالتصريح بأن الإنسان ليس بوسعه أن يضيف لا شئ إلى الزمان اللامتناهى، فقد أوضح بذلك أن لا تناهى القرون التى ستأتى لن يضيف لا شئ إلى القرون الماضية، ويكتب ابن حزم: "فى مداره الدائرى، يدور زحل دورة واحدة فى ثلاثين سنة، ويدور حوالى 11000 دورة، ولم يكف عن الدوران ذات يوم. ويدور أعظم كوكب فى هذه السنين الثلاثين 11000 دورة تقريبًا، ولم يكف عن الدوران ألبته. والآن، وبما يتجاوز الشك، فإن 11000 دورة أكبر من دورة واحدة وحيدة. وبالتالى، فإن ما هو لا متناه سوف يكون أعظم 11000 مرة من ذلك اللامتناهى، وهذا عبث. بل هو تباين خطير فى الموضوع نفسه: استيعاب القدم فى زمان لا متناه. وتعليل ابن حزم صريح، لكنه يتجاهل قدرات اللامتناهى.
وماذا عن نهاية العالم؟ يتمسك أفلاطون من دون الفلاسفة بالرأى القائل بأن ماله بداية يجب أن تكون له نهاية، وتمشيا مع ذلك، فإن ما ليست له بداية لا يمكن أن تكون له نهاية. ومن منظور الخالق المبدع، يكون بوسع المرء أن يعترف بأن اللَّه لن يدمر خلقه بالطريقة التى خلق العالم بها، ولكن القديم هو طرف بعدى أى أنه سيبقى دائما وعند الفلاسفة، لا يمكن أن يفنى الكون، ولكن ربما يختفى جزء منه. وعند علماء اللاوهوت الذين يعتقدون فى نهاية العالم، سوف تبقى هناك جنة ونار قديمان بالمعنى الأبدى؛ ولكن على أساس آية يصف اللَّه نفسه فيها، بأنه الآخر، افترض بهم بن صفوان أن الجنة والنار سوف يكون لهما نهاية كذلك، وقد التمس توكيدًا لنظريته فى الآيتين 107، 108 من سورة هود:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وهكذا، سوف يجد اللَّه نفسه