الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى سنة 642 هـ (= اكتوبر 1244 م) ومن ثم دخلت القدس تحت حكم سلاطين مصر ثم عادت بعد قليل فى سنة 647 هـ (= 1249 م) إلى سلطان دمشق، وظلت على هذا الوضع حتى جاء الغزو العثمانى سنة 922 - 923 هـ (= 1516 - 1517 م).
السنوات الثمانمائة الثانية
فضائل القدس فى الإسلام:
إن تاريخ القدس خلال هذه الفترة من الزمن كان متأثرًا إلى حدٍّ كبير بالتعظيم الدينى المتزايد الذى اكتسبه عبر الصراع الطويل بين المسلمين والنصارى، والذى مرت القدس أثناءه بتقلبات جمة، ولا نستطيع الاستفاضة فى هذه الناحية طالما أنه لم تخرج بعد إلى حيز الوجود المصادر الهامة المتعلقة بها مثل تفسير "المقاتلى" المتوفى سنة 150 هـ (767 م) وكمصنف عبد الرازق المتوفى سنة 211 هـ (= 827 م)، وكذلك أقدم كتابين عن "فضائل القدس" على أنه وجدت دراسة رائعة عن هذه المؤلفات التى تتناول هذا الموضوع واردة فى كتاب E.Sovin: Le caractere de jerusolen dans l'islm aux xie xiii siecles، idem: The Beginnungs of Fadail = al-Quds Literature، 1971)
لقد أمْلت طبيعة الإسلام الأولى أن تدرج القداسة التى يتمتع بها بيت المقدس من المسيحيين واليهود إلى جانب قداسته عند المسلمين فكانت ناحية هيكل اليهود القديم ناحية يتعبّد فيها المسلمون، وهكذا فإن الإسلام -منذ القرن الأول للهجرة- اعتبر القدس دون غيرها من مدن العالم ثالث موضع طاهر مقدس يلى مكة والمدينة واعتقد الجميع فى المقولة القائلة بأن قداسة القدس راجعة إلى أنها منزل الأنبياء والقديسين منذ القديم وزاد فى قداستها أن ارتبطت بقصة الإسراء والمعراج وأشار إلى ذلك صلاح الدين فى رسالة منه إلى ريتشارد قلب الأسد كحقيقة تؤكد حق المسلمين فى بيت المقدس. ويضاف إلى ذلك الاعتقاد بأن القيامة ويوم الحساب سيكونان بالقدس، إلى غير ذلك مما يراد منه جذب الحجاج والزوار إليها، ومع ذلك فلم تحظ القدس إلا بكتابين فى
فضائلها من مؤلفات القرن الخامس أما أحدهما فرسالة لأبى بكر الواسطى أحد خطباء المسجد الأقصى، أما الكتاب الآخر فلأبى المعالى المشرف بن المرجا أحد الفقهاء الذين عاشوا فى القدس وهناك مؤلف ثالث ضخم جمع فيه صاحبه أبو القاسم المكى المقدسى الأحاديث الخاصة بالقدس ولكنه لم يتم كتابه هذا لوقوعه فى أيدى الصليبيين الذين ما لبثوا أن قتلوه. ومما يسترعى الانتباه أن هؤلاء المؤلفين الثلاثة كانوا من سكان القدس. على أن الأمر الذى يثير كثيرًا من الدهشة هو أن فتح الصليبيين للقدس وتحويلها إلى مدينة مسيحية خالصة لم يكن له رد فعل عنيف لعدة قرون.
ولقد تغير الوضع حين فتح عماد الدين زنكى الرها سنة 539 هـ (= 1144 م) إذْ دلّ على ظهور حاكم وأعد له طموحات إقليمية يمكن لها أن تتحقق بالدعاية الدينية، ولذلك حمل شعراء وكتاب، بلاط زنكى وابنه نور الدين راية الجهاد من أجل القدس وقد وصلت هذه الدعاية ذروتها زمن صلاح الدين قبل وبعد سنة 583 هـ (= 1187 م) وإذا كان النصف الأول من القرن السادس الهجرى قد خلا من كتب تتحدث عن فضائل القدس إلا أن وفرة من المؤلفات فى هذا الموضوع ظهرت فى النصف الثانى من ذلك القرن وفيما تلاه من القرون. ومما يبين أن القدس أصبحت الشغل الشاغل للمسلمين كثرة الاحتجاجات ضد المعظم من موقفه من القدس سنة 616 هـ وتسليمها على يد الكامل إلى الإمبراطور فردريك الثانى سنة 626 هـ. ومجمل القول هو أن المؤلفات المتعلقة بفضائل القدس ظهرت بكثرة بعدما لم تعد المدينة مشكلة حربية أو سياسية خلال العصر المملوكى، ولقد توفر فى هذا الموضوع وفى هذه الفترة بالذات ما لا يقل عن ثلاثين كتابًا. ثم هناك ما كتبه ابن تيمية فى رسالته عن هذا الموضوع فى مهاجمة البدع التى شوهت مكانة القدس.
أما عند المسلمين المحدثين فقد أشار إليها سيد قطب فى مؤلفه الضخم فى ظلال القرآن جـ 15 ص 12.
القدس زمن المماليك (648 - 922 هـ).
كان معظم القدس فى هذا العصر أطلالًا وكانت مهجورة، وذلك لأن المسيحيين القلائل الذين ظلوا بها أو عادوا إليها بعد الدمار الذى ألحقه بها الخوارزميون سنة 624 هـ كما أن المسلمين واليهود الذين رجعوا للاستقرار بها فروا منها ثانية سنة 658 هـ قبل مذبحة المغول الذين توغلوا فى البلد وفى الخليل وغزة.
ثم دخلت القدس نهائيا فى دولة المماليك بعد انتصارهم فى عين جالوت فى شوال 658 هـ (سبتمبر 1260 م) وأصبح يدبر شؤونها نائب دمشق المملوكى، ثم أصبحت وحدة إدارية مستقلة يديرها نائب السلطنة المسئول مباشرة أمام الحكومة فى القاهرة، وأصبحت الأماكن المقدسة بها تحت إشراف "ناظر الحرمين" من ناحية الصيانة وإدارة الأوقاف، وأعاد السلاطين ترميم المبانى الكبرى ومدها بالماء وأما الأمراء فأسسوا المدارس والزوايا والخانقات والبيمارستانات التى لا يزال الجزء الكبير منها قائما حتى اليوم أو على الأقل يمكن التعرف عليه. وكانت القدس لأسباب عدة موضعًا لإقامة البعض الإجبارية ممن يُشْتَم فيه روح التمرد أو يصرف من الخدمة ويعرف مثل هؤلاء بالبطالين الذين كانت الحكومة تجرى عليهم رواتب ثابتة إلى جانب ما قد يكون لهم من دخل خاص بهم. وازدحمت القدس بالأوقاف التى يُصرف منها على الخطباء والفقهاء والدراويش.
وكان الإنتاج الفكرى يتناول شتى نواحى الفكر من حديث وفقه وأصول وفروع وتفسير وعلوم العربية والشعر. كذلك ظهرت أسرات ذات مكانة عالية تتقاسم فيما بينها أكبر الوظائف دخلًا، ومن الأسر التى ظهرت فى أواخر العصر الأيوبى وأوائل العهد العثمانى أسرة "ابن جماعة" الحموّية الأصل ثم نزلت القدس وسكنت دارًا متاخمة للحرم، وشغل رجالها مناصب الخطابة والقضاء وهناك أسرة "بنى غانم" وتولى رجالها مشيخة الخانقاه الصالحية الكبرى وكل من ذكرنا
شافعية. أما أهم أسرة حنفية فأسرة "الديرى" من مواطنى فلسطين، كما تولوا وظائف التدريس بالقاهرة فى المدرسة المعظمة الحنفية.
وإلى جانب هؤلاء وجدت أسرات صغيرة من أهل البلد ومن الأغراب عنه وقد تولوا فى العادة الوظائف الشرعية ومن أهم هذه الأسرات عائلة "ابن الهائم" العالم فى الرياضيات والمواريث والمتوفى سنة 412 هـ (= 1021 م) وكمال الدين بن أبى شريف من أهل القدس الحجة الثقة فى علوم الشريعة والفقه.
وكانت القدس أكثر الأماكن ملاءمة لوجود الصوفية، ويذكر مجد الدين ما يقرب من عشرين خانقاه للصوفية.
على أن النصارى الذين كانوا يعيشون فى القدس المملوكية ارتفعت معنوياتهم النفسية بتأسيس أحد الأديرة الفرنسيسكانية على جبل صهيون الذى كان يتباهى بأن به قبر داود وموضع العشاء الأخير والمرقد، وكان جبل صهيون هذا موضع نزاع لا القدس ينتهى بين المسلمين والمسيحيين بل واليهود، وما يترتب على ذلك من هدم بعض المبانى المقدسة ثم إعادة بنائها، ويوجد لدينا وصف لما جرى على معبد اليهود سنة 879 هـ (= 1474 م) مما فصله مجير الدين وابن اياس، وما خلَفه ابن عُبَيّةَ من هجومه بالكلام على أحد الأماكن اليهودية فأغضب ذلك الحكومة فى مصر فاستدعته وسجنته وجردته من وظيفته وأعادت بناء هذا المكان اليهودى.
على أنه لا ينبغى أن نعدّ كثرة المدارس الإسلامية التى قامت بالقدس دليلًا على الرخاء الاقتصادى، فقد تناقصت الأوقاف التى كانت موقوفة عليها.
على أن أهم الصناعات بالقدس هى صناعة الصابون من زيت الزيتون لكنها ما لبثت أن تدهورت بسبب سياسة الحكومة التركية الاقتصادية فقد احتكرت هذه الصناعة وزادت حياة الناس شدة من عدم استتباب الأمن حتى لقد توقف ركب الحاج من القدس عشر سنوات فى مطلع القرن السادس