الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى قصص العقاب) والاختلافات بين المراكز الحضرية الإسلامية المختلفة (الكوفة والبصرة والمدينة. . الخ) ومع هذا فإن كلا من الكاتبين (بيرتون وونسبرو) قد أكدا على نقطة أساسية واضحة لديهما تماما وهى أن محمدا [صلى الله عليه وسلم] كان هو نفسه صاحب الدور الأكبر فى جمع القرآن، وإن كان هذا لا يمنع من القول أن كلا الكاتبين قد بالغ كثيرا دون تقديم أسباب مقنعة لإنكار قصة جمع القرآن فى عهد عثمان رضى اللَّه عنه أو فى الزعم بأن القرآن الكريم ظل حتى القرن الثالث الهجرى غير مجموع وغير متفق عليه وهو ما ذهب إليه ونسبرو.
(جـ) النص المعتمد والقراءات المعتمدة:
من الناحية التاريخية، من الأفضل أن نتحدث عن النص القرآنى المعروف بمصحف عثمان وما ارتبط بطريقة قراءته لفترة استمرت أكثر من ثلاثة قرون، لكن تاريخ القراءات غير واضح كما أن القضايا التى أثارها معقدة بما فى ذلك مسألة طريقة كتابة القرآن وهى مرتبطة بالإملاء أو تهجية الكلمات والعلاقة بين اللفظ المكتوب وطريقة قراءته أو العلاقة بين المكتوب والشفهى، كما أثار نزاعا بين الآخذين بالتقويم النقدى للدليل التاريخى من ناحية وأهل السنّة فى نظرتهم المحدّدة للقرآن الكريم من ناحية أخرى.
لقد كانت هناك اختلافات منذ البداية فى نسخ عثمان (اختلافات إملائية) حتى نسخ المدينة المنوّرة (وكان مصحف عثمان بن عفان فى المدينة يعرف بالإمام) التى أرسلت إلى الآفاق (الأمصار) يقال إن طريقة كتابة الكلمات فيها لم تكن واحدة. وقد ناقش المستشرق برجستراسر فى كتابه عن تاريخ القرآن Gesch. des Qor (جـ 3، ص 6 - 19) عددا من الاختلافات (الإملائية) فى مصاحف عثمان رضى اللَّه عنه بالمدينة المنورة ودمشق والبصرة والكوفة ومكة، كما وردت فى كتاب المُقْنِعْ لأبى عمرو الدَّانى (المتوفى 44 هـ/ 1052 م) وكتب أخرى. فعلى سبيل المثال يقال إنه فى نسخة
دمشق كان مكتوبا "وبالزُّبر وبالكتاب" بدلًا من "والزّبر والكتاب" فى الآية 184 من سورة آل عمران {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} ويقال أيضا إنه ورد فى مصحف عثمان بدمشق (مِنْكُم) بدلا من (مِنْهم) فى الآية 21، من سورة غافر {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} ويقال إن نسخة الكوفة من مصحف عثمان كان بها (عَمِلَتْ) بدلا من (عَملَتْهُ) فى الآية 35 من سورة يس {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} و (أَو أن) بدلًا من (وَأن) فى سورة غافر آية 26، ومما يذكر أن (أو أن) هى الواردة فى طبعة المصحف الرسمية {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} وهى خلافات صغيرة بطبيعة الحال وقد تكون نتيجة عدم دقة الناسخين.
لقد كانت حروف الهجاء العربية بما اعتراها من القصور فى ذلك الوقت هى التى استخدمت فى كتابة نسخ القرآن الأولى مما أدَّى إلى ظهور اختلافات فى القراءات وفى صلب النص، ففى خلال القرن الهجرى الأول كانت العربية تكتب بما يمكن أن نسميه الحروف الناقصة حيث كانت تستخدم الحروف الصامتة دون المتحركة، كما كان الرسم الواحد يستخدم للدلالة على صوتين (حرفين) فالرسم (د) كان ينطق دالا وذالا والرسم (ح) كان ينطق حاء وخاء وجيما والرسم (د) كان ينطق راء وزايا، والرسم (ب) كان ينطق باء وتاء وثاء وياء فلم يكن هناك إعجام على الحروف العربية وقتئذ (الإعجام هى النقط التى تميز بين أصوات الحروف ذات الرَّسم الواحد) وعلى القارئ أن يميز بين هذه الحروف وفقا للسياق، وهذا يعنى أنه حتى فى حالة الاتفاق على نطق الحروف الصامتة، فإن مشكلة أخرى تظل قائمة فبعض الأفعال يمكن أن تُقرأ بصيغة المبنى للمعلوم كما يمكن أن تُقرأ -فى الوقت نفسه-
بصيغة المبنى للمجهول، كما أن بعض الأسماء يمكن أن تُضم نهاياتها أو تُفتح أو تكسر كما أن بعض الأسماء يمكن أن تقرأ على أنها أفعال أو العكس. وقد أورد المستشرق جفرى قوائم فى كتابه مواد لدراسة النص القرآنى الآنف ذكره يحتوى على أمثلة عديدة من الاختلافات التى نشأت عن طريقة الكتابة بما سميناه بالحروف الناقصة (غير المُعجَمة وغير المنقوطة) فى المصاحف الأولى. ففى معظم الحالات كان المعنى يتأثر قليلا (شيئًا ما) كالاختلاف فى (كبير) و (كثير) فى الآية 219 فى سورة البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا. . .} فقد قرأها (كثير) ابن مسعود وكذلك قرأها حمزة والكسائى. والاختلاف فى (حدب) و (جدث) فى الآية 16 فى سورة الأنبياء {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} وقد قرأها (جدث) ابن مسعود وآخرون. وفى بعض الأحيان كان الاختلاف فى إعراب أواخر الكلمات (التشكيل) أو فى أمور بسيطة أخرى لا يُحدِث تغييرا فى المعنى (انظر كتاب زويتَلر zwettler عن القراءات Orat treditian ص 122 وما بعدها).
وفى الفترة الأموية (41 - 132 هـ/ 661 - 750 م) زادت الاختلافات فى القراءات فى مصحف عثمان شيئا فشيئا بل وظهرت قراءات جديدة تشتمل على مزاوجة بين المعتمدة لمصحف عثمان والقراءة المنسوبة لآخرين خاصة ابن مسعود وأُبَىّ. وفى بداية العصر العباسى كان هناك مثل هذا الاختلاف فى القراءات بحيث أصبح من المحال التمييز بين القراءة المعتمدة لمصحف عثمان والقراءات الأخرى إلا أنه باستخدام الحروف العربية الواضحة (المُعجَمة والمنقوطة) دخل شئ من الانضباط على هذه القراءات، والروايات الإسلامية عن استخدام الحروف المُعْجمة والمنقوطة Scripto Plena يُعوّل عليها كثيرا لما فيها من تناقض لعدم توافقها مع الشواهد التى يقدمها لنا علم تطور الخط Bla)
chere، Introductian، PP 78 - 90) لكن الرأى الشائع هو أن الحجَاج كان هو المسئول عن إعجام الخط العربى أى وضع النقاط التى تميز بين المخارج الصوتية للحروف المشتركة فى رسم واحد: الدال والذال والراء والزاى والجيم والحاء. . الخ) كما كان مسئولًا عن نَقْط (أى وضع نقاط تبين الفتحة والكسرة والضمة والتنوين. . . إلخ) وذلك عندما كان واليا على العراق (74 - 95 هـ/ 694 - 714 م) لكن النسخ المخطوطة من القرآن الكريم فى القرون الثلاثة الأولى أو حتى الأربعة تبين أن استخدام الحروف المعجمة والمنقوطة لم يُقبل إلّا بالتدريج وببطء شديد. وقد استخدمت نقاط dots بألوان مختلفة أو بلون واحد ولكن فى مواضع مختلفة (فوق الحرف أو تحته أو إلى جانبه) لتعيين الفتحة والضمَّة والكسرة (الحركات الثلاث) فى بعض المخطوطات الباكرة، وقد استخدمت بعد ذلك علامات أخرى كالنقط والشرط (الخطوط القصيرة) للتمييز بين الحروف الصامتة، كما استخدمت علامات أخرى لتحديد مواضع التنوين، والمد، ومن المراجع التى تناولت هذا الموضع مادة خط فى هذه الموسوعة، ونولدكه فى كتابة تاريخ القرآن Geschichte des Qurans وأبوت N. Abbotr فى كتابه عن نشأة الخط العربى الشمالى Rise of the North Arabic Script كما يمكن مطالعة بحث جرومان A. Grohmann عن مشكلة تاريخ المصاحف الأولى The Problem of dating early Qurans فى دورية Der Islam العدد 33 الصادر سنة 1958 م (ص 213 - 231). وفى بداية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى انتشر استخدام الحروف العربية المُعْجمة والمنقوطة رغم إن بعض المشتغلين بنسخ القرآن ودراساته لم يوافقوا على استخدامها. وكانت إحدى نتائج استخدام هذه الحروف المنقوطة والمعجمة على نطاق واسع هو أن الاختلافات فى القراءات أصبحت معلنة واضحة، وأدى هذا إلى نزاعات حادة حول أى القراءات أصح، كما أدى إلى أن أصبح فى إمكان أولى الأمر العمل
على فرض التوحيد، وقد لعب أبو بكر ابن مجاهد (المتوفى 324 هـ/ 936 م) دورا محوريا فى ضبط القراءات، بل لعله أهم الأدوار-فى هذا المجال- منذ عهد عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه. فقد كان مجاهد يهدف إلى تحديد عدد القراءات المقبولة وأنكر محاولة بعض الفقهاء فى فرض قراءة واحدة وهو الأمر الذى تحقّق من عدم إمكانية تحقيقه، وتفتّق ذهنه عن فكرة عبقرية فقد قال إن القراء السبعة المشهورين فى القرن الثانى للهجرة/ الثامن للميلاد كل قراءاتهم صحيحة وموثقة، وذلك اعتمادا على حديث مشهور عن النبى [صلى الله عليه وسلم] يفيد أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، وقد ورد هذا الحديث الشريف بصيغ مختلفة وسياقات مختلفة وبمعنى واحد.
(عن عمر بن الخطاب؛ قال سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان فى حياة رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأها على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] فكنت أسَاوِرُه فى الصلاة فتصبَّرت حتى سلَّم، فلما سلَّم لَبَبْته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التى سمعتك تقرأها؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم]، فقلتُ كذبت، فواللَّه إن رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] لَهُو أقرأنى هذه السورة التى سمعتك تقرأها، فانطلقت به أقوده إلى رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] فقلت: يا رسول اللَّه إنى سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقْرِئنيها، وأنت أقرأتنى سورة الفرقان. قال: فقال رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم]: أرسله يا عُمر، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأها، فقال رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم]: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التى أقْرأنى رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] فقال رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم]: هكذا نزلت، ثم قال رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم]: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحْرُف فاقرأوا ما تيسر منه) رُوى فى السِّتَّة الصِّحاح. وكلمة أحرُف جمع كلمة حرف ومعناها غير واضح لكن ابن مجاهد فسَّرها بسبع قراءات وألف كتابا يحمل العنوان نفسه القراءات
السبع، وصدر هذا الكتاب فى الوقت المناسب إذ تبنَّاه الوزيران ابن مقلة وعلىّ بن عيسى واعتبر بمثابة كتاب رسمى سنة 322 هـ/ 924 م عندما تمّ إجبار ابن مقسم (أبو بكر البغدادى) على التراجع عن رأيه الذى مؤدّاه بجواز قراءة القرآن الكريم بأى طريقة (قراءة) صحيحة لغويا (نحويا) وفى العام التالى أجبر عالم آخر هو ابن شنبوذ (أبو الحسن البغدادى) على التخلى عن رأيه الذى مؤداه بجواز القراءة بقراءة ابن مسعود وأُبَى.
لقد كان انتقاء بعض القراءات من مدارس فى القراءة يصارع بعضها بعضا أو ينافس بعضُها بعضَها وإعلانها كقراءات موَّثقة معتمدة كالقراءات الأخرى -كان ذلك بطبيعة الحال هو الطريقة نفسها التى استخدمها المسلمون فى كل مكان لتجنب ما لا ينتهى من الخلافات، تماما كما حدث بالنسبة لمذاهب السنّة الأربعة. لكن طريقة ابن مجاهد فى اختيار قراءات سبع لم تكن طريقة تعسّفية تماما. لقد نشأت تقاليد فى قراءة القرآن ثابتة ومؤثّلَة فى كل من الكوفة والبصرة والمدينة ودمشق كما كان لمكة تقاليدها أيضًا فى قراءة القرآن، إلّا أن الكوفة قد تميزت عن المراكز الأخرى كمركز قيادى للدراسات القرآنية كما أنها كانت مركز الكثير من المدارس المتنافسة فى مجال القراءات والدراسات القرآنية عامة، لكل هذا اختار ابن مجاهد قراءة لكل من المدينة ومكة والبصرة ودمشق -إنها قراءة نافع (المتوفى 169 هـ/ 785 م) وقراءة ابن كثير (المتوفى 120 هـ/ 737 م) وقراءة أبى عامر (المتوفى 154 هـ/ 770 م) وقراءة ابن عامر (المتوفى 118 هـ/ 736 م) على التوالى، وثلاث قراءات للكوفة وهى قراءة عاصم (المتوفى 127 هـ/ 744 م) وقراءة حمزة (المتوفى 156 هـ/ 772 م) وقراءة الكسائى (المتوفى 189 هـ/ 804 م) ولم تكن محاولة مجاهد لعقد القراءات المعتمدة على سبع قراءات أمرا مقبولًا من كل المهتمين بالقراءات فقد
كان هناك دعم قوى لقراءات أخرى فى المراكز الحضرية الخمس الآنف ذكرها، وبين الحين والحين جرى حديث العلماء عن القراءات العشر بل والقراءات الأربع عشرة، ومن بين هذه القراءات تحظى قراءة أبى جعفر (المتوفى 130 هـ/ 747 م) وقراءة يعقوب الحَضْرمى (المتوفى 205 هـ/ 820 م) وقراءة خلف (المتوفى 229 هـ/ 843 م) وتسمَّى هذه القراءات، "القراءات الثلاث بعد السبع" ومن بين القراءات التى تسمى "القراءات الأربع بعد العشر" تستحق قراءتان منها التنويه وهى قراءة الحسن البصرى (المتوفى 110 هـ/ 728 م) وقراءة الأعمش الكوفى (المتوفى 148 هـ/ 765 م)، وبالنسبة لكل قراءة من القراءات العشر توجد اختلافات بسيطة فى روايتها أصبحت -أى هذه الاختلافات- مقبولة طوال جيل أو جيلين بعد ذلك، مثال ذلك رواية ورش (المتوفى 197 هـ/ 812 م) وقالون (المتوفى 220 هـ/ 835 م) عن نافع، وكرواية حفص (المتوفى 190 هـ/ 805 م) وشعبة (المتوفى 194 هـ/ 809 م) عن عاصم، ورواية خلف وخلاد (المتوفى 220 هـ/ 835 م) عن حمزة، ويمكن مراجعة القوائم الكاملة ومناقشة تطور القراءات فى تاريخ القرآن لنولدكة ومقدمة لدراسة القرآن لبلاشير وقد أشرنا إلى هذين المرجعين مرارا آنفا.
وخلال القرن الخامس للهجرة/ الحادى عشر للميلاد بدأت القراءات السبع تسود وظهرت كتب كثيرة عنها مثل كتاب التيسير للدانى (المتوفى 444 هـ/ 1053 م) الذى حل محل كتاب مجاهد، وتم الالتزام بالقراءات السبع خاصة فى القراءات الجهرية العامة ولم يعد يتعرض للقراءات الأخرى غير مفسرى القرآن الكريم وعلماء اللغة والنحو. . . إلخ. وحافظ القراء على تراث القراءة واستمر الاهتمام -على الأقل فى مجال الدراسة- بدراسة القراءات الثلاث بعد العشر، وتم تنقيح كل القراءات العشر،
وظهرت طريقتان للتلاوة فى كل رواية ثم ظهرت لكل طريقة قراءتان، فتلك ثمانى طرق للرواية الواحدة فإذا علمنا أن القراءات عشر، كان المجموع ثمانين طريقة (انظر دراسة لبيب السعيد (السيد) عن ترتيل القرآن The recited Koran، طبع برنستون، 1975 وتضم هذه الدراسة قائمة كاملة بالثمانين طريقة، وانظر أيضا مادة قراءة فى هذه الموسوعة، وكذلك مادة تجويد.
وفى الوقت الحاضر لم يعد يستخدم فى قراءة القرآن سوى رواية حفص عن عاصم التى ظل القراء يقرأون بها طوال قرون فى معظم بلاد العالم الإسلامى، وفى سنة 1924 م حظيت هذه الرواية بنوع من الاعتماد الرسمى بظهور المصحف الرسمى المطبوع فى مصر، وكذلك رواية ورش عن نافع التى اتبعت فى أنحاء أفريقيا. وقد استخدم هذه الرواية الأخيرة الشوكانى العالم اليمنى (المتوفى 1250 هـ/ 1834 م) فى تفسيره المخطوط، لكن عند طبعه استخدمت رواية حفص عن عاصم. وتعتبر الطبعة المصرية الرسمية للقرآن الكريم أفضل نص توثيقا وضبطا رغم اعتمادها على قراءات متأخرة.
إلا أن تاريخ النص القرآنى لازال هو تاريخ النص المكتوب. وأحد جوانب هذا العمل (دراسة تاريخ النص القرآنى) هو التحليل العميق للعلاقة بين القراءات السبع أو العشر والعلاقة بينها جميعا والقراءات الأخرى بما فى ذلك ما ورد فى مصاحف الصحابة، وحتى يتم هذا التحليل يصبح من المحال تقديم تقويم نهائى للمصادر. فالاختلافات الموجودة حتى فى القراءات "الأربع بعد العشر" غالبا ما تشتمل على اختلافات فى الحروف الصامتة وتختلف عن معظم ما هو موجود فى القراءات العشر بل وتشتمل أحيانا على ألفاظ مختلفة تماما. راجع على سبيل المثال قراءات الحسن البصرى والأعمش فى كتاب جفرى والقوائم الخاصة بابن مسعود وأُبىّ. إن قوائم جفرى هذه تبين أن اختلافات ابن