الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خراج بساتين سلّومة الغاصة بالخضراوات على فقراء المدينة، وصارت سلومة حسب شروط الصلح فى أيدى المسلمين.
وكانت أم الدرداء (زوجة قاضى دمشق الحكيم) تمضى ستة أشهر كل عام بالقدس "وتجلس بين الفقراء" كما يقول صاحب الأنس الجليل، ص 254، وربما كانت هذه الأخبار موضوعة وملفقة ولكن أوردها من ذكروها استرضاءً للمسيحيين الأوائل لما كان لهم من نفوذ كبير هناك.
ولقد أدّى الفتح الإسلامى بالجماعة المسيحية الموجودة بالقدس إلى حال من الاضطراب الشدى يد إذْ ما كاد المسلمون يفرغون من فتح البلد حتى مات البطرك العجوز "سوفرونيوس" وظل مكانه شاغرًا لم يشغله أحد حتى سنة 706 م.
ونلحظ أن تاريخ بطاركة القدس فى السنوات الأولى من الحكم الإسلامى كان يعتوره من الغموض ما يعتور السلطة الدينية اليهودية هناك خلال هذه الفترة، لكن القدس ظلت محافظة على طابعها المسيحى، فيشير المقدسى إلى أن أيام العطلات النصرانية كانت مرعية.
القدس فى العصر الأموى
(*)
امتد حكم الأمويين من سنة 19 هـ حتى سنة 132 هـ، ولم يكد ينصرم عامان على فتح بيت المقدس حتى أصبح معاوية بن أبى سفيان الأموى قائد الجيش العامل فى فلسطين والشام، وطال حكمه بهذه البلاد أربعين عاماء ما بين والٍ [للخليفة فى المدينة] وخليفة بعد قيام الدولة الأموية، ولقد شهدت القدس فى أيامه حادثين من الأحداث الفاصلة ذلك أنه فى سنة 38 هـ = 658 م اتفق هو وعمرو بن العاص فاتح مصر اتفاقًا كان فيه تقرير مصير النزاع الذى كان قائمًا حينذاك بين والى الشام ابن أبى سفيان وبين على بن أبى طالب وتضمّن هذا الاتفاق ما فيه صالح معاوية (ابن سعد 4/ 2،
* أدخل المؤلف فى هذا التاريخ فترة ولاية معاوية للشام قبل أن يصبح خليفة فى عام الجماعة كما هو معروف. (هيئة التحرير).
22 وما يليها)، ونص هذا الاتفاق -كما يبدو- صحيح غير موضوع ولما كان شهر صفر أو ربيع الأول من عام 40 هـ (= يوليو 660 م) بويع معاوية بالخلافة فى القدس، ولقد أورد هذا التاريخ أحد المصادر السريانية الذى يعود فيقرر أيضًا أن معاوية صلى فى هذه المناسبة فى جبل الجلجتة وعند قبر مريم (راجع فى ذلك Noldeke in 2 ZMG.، xxix، 95) ولم يكن هذا غير مظاهرة سياسية.
وفى خلال حكم معاوية كان اتخاذ منطقة الهيكل موضعًا لصلاة المسلمين قد أصبح أمر، مقررا، وقد وصف الأسقف اركولفوس Arculfus حوالى سنة 680 م اتخاذ هذه الناحية مكانا للصلاة انظر L.Bieler: Lorpus lhrinerararia، 1965، 1771 كما يقرر مطهر بن طاهر تقرير، لا لبس فيه ولا غموض أن تشييد قبة الصخرة تطلب استعدادات ضخمة وضعت أيام معاوية التى امتازت بالاستقرار، على حين أن النقش المكتوب عليها مؤرخ بسنة (اثنتين وسبعين للهجرة = 691 م). ولقد اتسمت بداية عهد عبد الملك بن مروان بالاضطرابات والقلاقل الخطيرة، وكان لعبد الملك أسبابه القوية التى تحمله على بذل الجهود لتكملة العمارة حتى يستقر فى نفوس الناس أنه بطل الإسلام العظيم. غير أن السنوات الأولى من خلافته -كما قلنا- لم تكن تساعده على القيام بمثل هذا العمل الضخم والاستمرار فيه حتى يتمه خلال فترة قصيرة كهذه الفترة.
أما الأمر مع معاوية فكان على النقيض من ذلك إذ تيسر له الثراء الكبير، ولذلك عرف عنه كثرة ما شيد فى مكة من مبان استهدف من ورائها ما يعود بالفائدة على الحجاج والمجاورين لبيت اللَّه الحرام ولم يخلفه من الأمويين من استطاع مجاراته فى هذا الميدان (انظر M.J.Kister: Some reports concerning mercca، in JESHO، xv 1972 p. 84 - 91).
على أن جولدتسميهر فى كتابه "دراسات إسلامية، جـ 3 ص 44 - 46" يطيل فى شرح نظرية مؤداها أن عبد الملك فى بنائه قبة الصخرة إنما كان يحاول أن يحمل الحجاج على
الانصراف إلى القدس بدلًا من مكة التى كانت إذ ذاك عاصمة منافسه عبد اللَّه بن الزبير، ليسوق من الأخبار ما يلقى الضوء على هذا النضال السياسى من أجل الخلافة. وقد صادفت هذه النظرية قبولًا عند بعض المغرضين من كتاب التاريخ الإسلامى ولكنها لم تستطع الصمود، إذ ليس هناك أبدًا من كبار المؤرخين المسلمين من رجال القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) الذين فصلوا أحداث الصراع بين عبد الملك وابن الزبير تفضيلًا دقيقًا، ولا بين الجغرافيين القدماء (بما فيهم المقدسى وهو من أهل القدس) أقول ليس هناك بين هؤلاء ولا هؤلاء من يشير -ولو إشارة عابرة- إلى مثل هذه النزعة من جانب الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان، بل نطالع ما يخالف هذا الرأى حين ننظر فى الطبرى (تاريخ، جـ 2 ص 781 - 783) وغيره من المؤرخين فنراهم يقررون فى جلاء قيام جند عبد الملك بن مروان بالمشاركة فى أداء الحج سنة ثمان وستين للهجرة (= 687/ 688 م)، بل إنهم كانوا حريصين على أداء هذه الشعيرة حتى أثناء حصار مكة، ذلك الحصار الذى أنكره عليهم ابن الزبير، وكان لابد له بطبيعة الحال أن يرفضه (انظر الأنساب للبلاذرى جـ 8 ص 360). وبالإضافة إلى ذلك فمن الواضح أنه لم يكن فى قيام عبد الملك بمثل هذا العمل ما يؤدى إلى دعم موقفه، بل كان لابد لمثل هذا الأمر أن يعرّض مكانته للخطر إن هو حاول القيام بتغيير وجهة الحج من البقاع المقدسة التى نص عليها القرآن الكريم أو تبديل القبلة فى الصلاة، لأنه إن فعل ذلك فإنه يكون قد هدم أحد أركان الإسلام الخمسة، ووضع نفسه فى زمرة "الكفار"، وأصبح "الجهاد" ضده "فرض عين".
أما المصدران الآخران القديمان اللذان يشيران إلى الزعم بأن عبد الملك حاول ببنائه قبة الصخرة أن يجذب الحجيج إلى بيت المقدس فهما اليعقوبى جـ 1 ص 311. وانيوخيوس جـ 2 ص 39، وقد تصدى للرد عليهما جماعة من المؤرخين تبينوا ما فى روايتهما من فساد وخلل إذ قالا إن الأمويين نهوا عن الحج إلى مكة مما يناقض تمام
المناقضة ما ظهر من جانب الخلفاء أنفسهم من أنهم قاموا بأداء الحج.
ويذكر ناصر خسرو الذى زار القدس سنة 439 هـ (1047 م) أن المسلمين فى فلسطين الذين عجزوا عن الحج تجمَّعوا فى القدس وكأنهم قد انجزوا "الوقوف" بحضرة اللَّه جل جلاله على جبل عرفات المقدس. وإن هذه الرواية التى يُدْلَى بها فى بعض الأحيان لدعم نظرية جولدتسيهر يجب أن تفسر فى ظل مفهوم إسلامى أوسع من هذا المفهوم، ونعنى بذلك أن هذا "الوقوف" كان يحدث فى بعض مدن الولايات الأخرى كالبصرة والفسطاط، ويطلق عليه اسم "التعريف" وهى كلمة مشتقة من كلمة "عرفات". (انظر ابن تغرى بردى، جـ 1 ص 207)، لكن الحافز الحقيقى الكامن وراء بناء قبة الصخرة فى الموقع الذى هى فيه وبالصورة التى هى عليها إنما كان دافعًا دينيًا، بالإضافة إلى تعريف العرب بأن المنشآت العظيمة تعتبر الشاهد الناطق على عظمة الحكام، ونرى أن رجاء بن حيوة من أهل بيسان الذى وكل إليه الإشراف على عمليات البناء كما يقول صاحب الأنس الجليل، ص 241، كان من أبرز محدثى الشام، وكان رجلًا ورعًا تقيًا زاهدًا كما هو وارد فى التهذيب لابن حجر جـ 3 ص 266. وكان هو وأمثاله من المؤيدين لهذا العمل. ثم إن إيثار الإسلام لهذه البقعة بالذات يبين فى وضوح أن الإسلام وحده -دون سواه- هو الوريث الوحيد للديانات التى سبقته. يضاف إلى ذلك أن الرخام الرائع المحلى بفصوص الجواهر والزينات المتنوعة كلها إتمام وتصديق لما جاء فيما بشرت به التوراة عن قدس المستقبل، وهى نبوءات أصبحت معروفة للمسلمين (ابن الفقيه جـ 5 ص 97 فى BGA) حتى إنهم أدخلوها فى الأوصاف الأسطورية التى وصفوا بها هيكل سليمان (شرحه، ص 99)
وتتفق المصادر الإسلامية واليهودية على السواء على أن اليهود كانوا يقومون بالخدمة فى هذه الناحية، إذ كانوا يتولون نظافة الهيكل وإسراج قناديله بل وصناعة القناديل الزجاجية،
فإذا كانت هذه المصادر صادقة فيما تقوله فلابد أن ذلك كان فى فترة قصيرة من الزمن وموغلة فى القدم. كما أننا نجد من ناحية أخرى أن الاهتمام بالزيت لإضاءة منطقة الهيكل كان معدودًا من الأعمال الدينية المقدسة عند المسيحيين واليهود على السواء، ويقول الخصّاف المتوفى سنة 261 هـ (= 874 هـ) فى كتابه عن الوقف (ص 341) أنه إذا ما أوقف مسيحى أو يهودى أرضه أو داره ليصرف ريعها على إصلاح بيت المقدس فيقبل ذلك منه، لأن هذا العمل فى نظره من أعمال الخير، هذا على الرغم من أن المؤلف ذاته سبق له أن أشار بأنه لا يجوز أن يُقبل من ذمى وقف يوقفه على أغراض إسلامية معينة، وحدث أن يهوديًا من أهل إيطاليا من رجال القرن العاشر الميلادى كان أسخى الناس كفا ومن جيادهم قد أوقف زيتا على مكان طاهر فى السور الغربى أعنى على المذبح الموجود بالداخل (Ahim'as: Ehrnicle، ed B. Klar. Jerus - abem 1944. P. 47
وإذا خلينا جانبًا بناء قبة الصخرة فإننا نجد أن العصر الأموى حفل بإنشاء إنجازات معمارية ضخمة أقامها بالقدس فى كل من المسجد الأقصى ودار الإمارة، كما استحدث فى هذا العصر بوابات جديدة (ويعيد ابن الأثير الكامل جـ 11 ص 226) الإشارة إلى قصة الباب المزين بنقش أمر به الحجاج وقت أن كان واليًا على فلسطين وكيف أن هذا النقش ظل سليما على حين أن النقش المحفور عليه اسم عبد الملك قد سقط.
كذلك استصلح عبد الملك الطريق الواصل إلى القدس (وهذا مذكور أيضًا فى أحد المصادر اليهودية)، ومن الجلى الواضح أنه كان لمثل هذه العمليات العمرانية الشاملة أثر كبير عند سكان القدس.
إن أساسات المبانى الأموية الواقعة إلى الجنوب والجنوب الغربى للجامع الأقصى والتى كشفت عنها حفريات "هازار" الحديثة التى تمت فيما بين عامى 1968، 1976 م ترجح أن