الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جانب اليهود فى ملاحظة عابرة ذكرها أحد الكتَّاب القرّائين المعاصرين لهذه الأحداث وهى تشير إلى ما كان يدبرُه المسيحيون من مكائد سرّية ضد اليهود بالمدينة (J. Mann: Texts and studies II، 18 - 19).
وكذلك كثرة شكاياتهم من اليهود وقد وردت هذه كلها فى ثنايا الرسائل التى وصلت من القدس والبندقية إلى هنرى الأول سنة 922 م.
الفاطميون والتركمان والسلاجقة
(358 - 492 هـ = 969 - 1099 م).
سرعان ما دخلت فلسطين (بما فيها القدس) تحت سيطرة الفاطميين بعد قليل من فتحهم لمصر، لكن دخولهما فى دائرة هذا النفوذ الفاطمى لم يصحبه إلا مشاركة ضئيلة فى الازدهار الاقتصادى الذى حدث فى السنوات المائة الأولى من حكمهم، وكانت فلسطين عرضة على الدوام لغارات القرامطة والبدو الذين تحالفوا معا وصاروا يدًا واحدة لكن سرعان ما جاء كل فريق منهم على حدة منذ سنة 363 هـ (= 974 م) ولقد ظل بنو جَرَّاح لمدة تقرب من سبعين عاما يحاولون الاستيلاء على الإقليم بما فيه القدس (انظر ابن الأثير 10/ 308)، وكان الأباطرة البيزنطيون يعاونونهم فى بعض الأحيان، وقد بلغت هذه الغارات غاية ما يمكن أن تبلغه من ايقاع الأذى والضرر فى العشرينيات من القرن الحادى عشر الميلادى، ولم يكن لها مثل فى الأقطار الإسلامية (انظر رسالة "جنيزة"، فى J.Mann: Jeus in Egypt، II. 181
كما أن التفاصيل الواردة فى رسائل الجنيزة تبعث فى النفس النفور. لكن الاضطرابات المحلية التى كانت لا تنقطع أبدا قد غطت عليها -مؤقتًا- الاضطهادات العامة التى وقعت على المسيحيين واليهود بأمر الخليفة الحاكم (386 - 411 هـ = 996 - 1021 م) والتى بلغت ذروتها فى محاولة هدم القبر المقدس يوم 28 سبتمبر 1009 م ولا يمكن تفسير هذا الإجرام الشاذ على ملابسات خاصة كاضطراب ذهن الخليفة أو غضب المسلمين بحجة انقاذ الحمية الدينية M. Cunard: La destrution
dele Egylise de la Resurrection et la descente du leu socre (Byzantion، xxv، 1965، 16 - 43، واستغرق الاضطهاد وقتا طويلًا ولم يقع الاضطهاد على اليهود إلا بدءًا من سنة 402 هـ (= 1012 م) فى اللحظة التى أخذ فيها مسيحيو القدس (مساعدة فى السر أو تأييدا من جانب الشيخ البدوى مفرج ابن الجراح) ليحاولوا إعادة إصلاح الهيكل المقدس (القبر المقدس)، ومن المحتمل كل الاحتمال أن ما حدث فى سياسة القيادة الإسماعيلية من التحول كان هو السبب الرئيسى فى وقوع هذا الاضطهاد، وعلى أية حال فإن هذا الأمر جعل القدس كومة من الأطلال بعد أن كانت عامرة قبله بالعديد من العمائر المسيحية. يضاف إلى ذلك أن زلزال سنة 407 هـ (1016 م) الذى ترتب عليه سقوط الصخرة زاد الأحوال سوءًا، وقد جاء فى إحدى رسائل (الجنيزة) أن سقوط القبة حدث يوم الخامس والعشرين من يوليو فى الرابعة ظهرًا (Texts: mann and studies i، 313، إذا كان الزلزال قد تناقص فقد تناقص الاضطهاد وزالت حدته، لكن ترتب عليه أن بلغ اليهود والمسيحيون من الفقر والمتربة حدًا لم يعودوا يستطيعون معه التخلص من هذا الدمار إلا بعد مرور ما يقرب من أربعين سنة حين تم إعادة ترميم القبر المقدس فعاد إلى ما كان عليه من قبل.
وأخذت القدس (حوالى منتصف القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر الميلادى) تحل محل الرملة فى أن تكون المدينة الكبرى بالإقليم ولقد عانت "الرملة" كثيرًا من جراء زلزالى 424 هـ (= 1033 م) و 460 هـ (= 1068 م) وبسبب ما ابتليت به من النهب والسلب والدمار على يد البدو مما أثر فيها أكثر مما أثر بالقدس (راجع يحيى بن سعيد الأنطاكى جـ 2 ص 201).
غير أنه جرى أمر على غير ما كان متوقعًا ذلك أنه ازداد تدفق سيل الحجاج القادمين من أوربا إلى بيت المقدس زيادة عما كانت عليه من قبل، حتى لقد شهدت سنة 1065 م قافلة من قوافل الحجاج الأوربيين الذين جاءوا
من جنوب ألمانيا وهولندة بلغ عدد أفرادها اثنى عشر ألف حاج، وقد وصل إلينا وصف شيق لهذه القافلة خلفه لنا لامبرت من أهل هرسفيلد.
كذلك يمكن الإشارة إلى ما طرأ من تطور على أساليب الحرب والتحصينات مما جعل الدفاع عن القدس أسهل من الدفاع عن أى مدينة تقع فى منبسط من الأرض مثل "الرملة" ولقد كانت شدة شكيمة بنى جراح وغيرهم من جماعات البدو عاملًا هامًا كان له أثره فى قيام الفاطميين بتقوية أسوار المقدس مرتين، جرت الأولى 424 هـ (= 1033 م) والثانية فى سنة 455 هـ (= 1063 م) وهكذا لم يدخل الثلث الأخير من القرن الخامس الهجرى (= الحادى عشر الميلادى) حتى أصبحت القدس (وليس الرملة) فى بؤرة الأحداث الحربية.
لقد أدت الغزوات السلجوقية إلى خروج الكثيرين من رعاع العسكر من شتى الأمم ممن تحركهم الأطماع، وكانوا بقيادة جماعة من المخاطرين الغلاظ الأكباد، كان منهم واحد تركمانى اسمه "اتسز بن أفاك" كانت حكومة الفاطميين قد اضطرت للاستعانة به ضد البدو -دعاة الفوضى- فى فلسطين، وكان الدافع للفاطميين إلى الاستعانة بهذا الرجل هو شدة المجاعة وتفاقمها وتفشى الأوبئة فى مصر وما عمها من الفوضى التى سادتها، ولكن ما لبث "أتسز" أن انقلب على الفاطميين واستولى على بيت المقدس عام 463 هـ (= 1071 م) بعد أن حاصرها حصارًا طويلا، وقد مدته انتصاراته بقوة دفعته إلى مهاجمة مصر ذاتها، غير أن عودة الأمن واستتباب الأمور بها على يد بدر الجمالى الأرمنى الأصل الذى جبّ دينه وأسلم، كل ذلك أرغم "اتسز" على الارتداد سنة 469 هـ (= 1077 م)[دون أن يحقق هدفه وهو الاستيلاء على مصر]. وتوجد قصيدة عبرية طويلة تشيد بالنصر الفاطمى، وقد نظم هذه القصيدة ثرى يهودى من ثراة فلسطين، فصل فيها الخطوب التى حاقت بالقدس لاسيما ما أنزلته جموع "اتسز" من الدمار ببساتينها وكرومها
وأحراج أعنابها، قد نشر هذه القصيدة جرينستون سنة 1906 فى دورية Ajsll (ص 1 - 34). وكان هذا العمل التخريبى حاملًا الأهالى على الثورة والوقوف فى وجه الهمج ومحاولة صدهم.
غير أن "أتسز" قام مرة أخرى بمحاولة استهدف من ورائها الاستيلاء على القدس فحكم السيف فى رقاب الأهالى ولم يستثن منهم أحدا حتى من لجئوا إلى الجامع الأقصى. أما الذين فروا إلى قبة الصخرة فكانوا الوحيدين الذين نجوا من المذبحة، لكن سرعان ما لقى "اتسز" نهايته على يد "تتش" أخى السلطان السلجوقى ملكشاه الذى كان حينذاك واليا على دمشق (470 هـ = 1078 م) ومن ثم دخلت القدس فى فلك الدولة السلجوقية الكبرى التى امتدت حدودها "من كاشغر إلى القدس" كما يقول اليافعى فى كتابه مرآة الجنان (جـ 3 ص 130)، ثم أقطع "تتش" بيت المقدس إلى "ارتق" مؤسس الأسرة الأرتقية التى قامت فى أرض الجزيرة من العراق. على أنه ليس من المعروف على وجه الدقة متى كان أخذ ارتق للمدينة، ولكننا نجدها فى يده سنة 479 هـ (1086 م)(انظر ابن الأثير الكامل جـ 10 ص 96) ثم أقطعها لاثنين من أولاده فى سنة 484 هـ (= 1096 م).
ولما كان شهر شعبان سنة 491 هـ (= يوليو 1098 م، ابن ميسر طبعة ماسيه، ص 54)، وقد أخذ الصليبيون فى الزحف على القدس، قام الأفضل -وكان نائب الخليفة الفاطمى فى دمشق- وحاصر البلدة ورماها "من أربعين آلة منجنيق لمدة أربعين يوما"(راجع ابن خلدون العبر جـ 5 ص 184) فاستسلم الأخوان، غير أن الأفضل أطلق سراحهما دون أن يمس أحدهما بأذى على أنه ليس أدل على عدم إدراك المسلمين لضخامة التهديد الصليبى وخطره من أن سلجوقيا آخر اسمه "رضوان بن تتش" خرج من دمشق وعرج على نابلس لانتزاع بيت المقدس من أيدى الفاطميين، لكنه لم يكن بالقِرْن الذى يستطيع مجابهة جيش الأفضل وعاد النائب إلى مصر بعد أن خلف حامية صغيرة بالقدس.