الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أورشليم كمدينة مسيحية (كما كانت فى العهد البيزنطى) لكن ذلك لم يكن فى صالح المسلمين فى شئ كما أن عملهم برهن على أن مثل هذا الشرط لم يوجد مطلقًا (*)
على أنه يمكن إضافة وجهة نظر رابعة إلى هذه الروايات الثلاث القديمة أوردها بعضهم وهى تضيف شروطًا عدة أخرى تضمنها العهد العمرى حيث أخذ المسيحيون على أنفسهم فيما أخذوه ألا يتكلموا العربية، ولعل أكثر من هذا سخرية ما ذكره ابن عساكر (جـ 1 ص 333) من أن الاتفاقية عقدت مع عشرين من اليهود على رأسهم يوسف (وهو خطأ من الناسخ بدلا من يوشع ابن نون)، وهذه رواية ملفقة إذ تحمل نفس الاسم، باعتباره الفاتح اليهودى للأرض المقدسة وهو الذى يقوم بتسليمها إلى أيدى المسلمين.
بداية صبغ القدس بالصبغة الإسلامية
يشير الطبرى فى تاريخه (جـ 1 ص 408 وما بعدها) وكثير من المصادر الإسلامية والمسيحية المتأخرة إلى زيارة قام بها الخليفة عمر بن الخطاب للقدس، وإن كان كل ما لدينا لايعدو أن يكون مجموعة من الأخبار الموضوعة التى يمكن دحضها بسهولة، إذ تقول إحدى الروايات إن الخليفة اصطحب معه اليهود الذين دلّوه على الموضع الحقيقى للهيكل الذى كان المسيحيون قد طمسوه عن قصد بما هالوه عليه من الأحجار، فلما أزيل ما عليه اقترح كعب الأحبار على عمر أن يصلى خلف الصخرة المقدسة حتى يكون بوضعه هذا مستقبلا القبلتين معا، فرفض الخليفة ما أشار به عليه كعب الأحبار حتى لا يستعمل المسلمون شيئًا سوى الاتجاه إلى الكعبة وحدها؛ وليس من شك فى أن هذا الخبر واحد من الأخبار الكثيرة التى وضعت لدحض "بدعة" المغالاة فى قداسة القدس (انظر ما سيرد ذكره فيما بعد). أما المصادر المسيحية فتقول إن الخليفة
(*) رغم بقاء القدس فى أيدى المسلمين إلَّا أن المقدسات المسيحية لم تمس ولم تنقص شيئًا. وكذلك المقدسات اليهودية كما تشير كل المصادر الأجنبية، راجع على سبيل المثال رحلة الأمير النمساوى ردلف رد جـ 3 (نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب).
د. عبد الرحمن الشيخ
زار الكنائس ولكنه رفض الصلاة فى أى واحدة منها حتى لا يقدم مسلم من بعده فيدّعى حقه فى الصلاة بها، ولقد كان هذا الخبر يعبّر عن رغبة كريمة وُجِدت فى ظروف خاصة، ولما كانت ظروف الاستسلام قد أعطت النصارى عهد أمان فى أداء صلواتهم فى كنائسهم فإنه من المحتمل أن منطقة الهيكل كانت تستعمل كمكان يؤدى فيه المسلمون صلواتهم من البداية ويبدو مما هو وارد فى المصادر القديمة أن المسلمين الأوائل الذين استقروا ببيت المقدس كانوا من المدينة المنورة أمثال أوس ابن أخى حسان بن ثابت شاعر الرسول [صلى الله عليه وسلم]، وكان أوس من تلاميذ كعب الأحبار، وكان ورعا تقيا، (انظر ابن سعد 7/ 2، 142) وكان له قبر فى أيام مجير الدين يزوره الناس (راجع الأنس الجليل ص 233)، كما يورد ابن سعد لنا أيضًا ثبتًا تضمّن أسماء الكثير من أهل المدينة ممن استقروا بالقدس (ابن سعد 3/ 3، 57، 7/ 2، 129. . .) ومن بين هؤلاء الصحابى عبادة بن الصامت أول من ولِّى القضاء بالبلد وكما يقرر الذهبى فى دول الإسلام جـ 1 ص 14). ولما كان الأنصار معدودين أصلا من بلاد اليمن فقد كان من الطبيعى أن يكون من أهل اليمن، وهذا ما نستفيده من ابن سعد (7/ 2، 140) ثم استقر هؤلاء اليمنيون هناك.
وربما كان الحديث الذى يشير إلى أن "عمران بيت المقدس هو خراب يثرب" لم يكن سوى كلمة "طيبة" تشير إلى هذا الخروج من عاصمة الحجاز إلى القدس، ولتكملة هذا الحديث: راجع مسند أحمد بن حنبل جـ 5 ص 232، 245، والملاحم لأبى داود، ص 3 والبيان والتبيين للجاحظ (طبعة السندوبى) جـ 2 ص 28، والبداية والنهاية لابن كثير جـ 2 ص 79، ووفاء الوفا للسمهودى جـ 1 ص 120، والسراج المنير جـ 1 ص 740 حيث ترد الإشارة إلى مصادر أخرى غير التى ذكرناها.
ويقرر المقدسى والكثيرون غيره أن الخليفة عثمان بن عفان الذى ولِّى الخلافة بعد ثمانى سنوات فقط من فتح المسلمين لبيت المقدس -قد أوقف