الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما فيما يتعلق بالآداب الواجب اتباعها عند تلاوة القرآن فإننا نقرأ فى السورة رقم 7 (الأعراف) آية 204 ما يفيد أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] إذا تلى القرآن، تحتَّم على الناس الاستماع والانصات {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ، وفى سورة (الانشقاق) آية 20 وما بعدها {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} وفى سياقات أخرى إشارات إلى بعض المسلمين وهم يرتلون بعض القرآن الكريم، وكان هذا فى آية أو آيتين مدنيتين، مثلما ورد فى سورة (المزمل) آية 20 {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا. .}
4 -
وفى عدد من السياقات التى يبدو أن آياتها نزلت فى المرحلة المدنية الباكرة قبل الآية 20 من سورة (المزمل) الآنف ذكرها، كان يُقال للقرآن الكريم الكتاب، كما جاء فى سورة يوسف آية 1 وسورة السجدة آية رقم 2 وغيرها من الآيات.
أما استخدام القرآن نفسه للفظ قرآن للدلالة على كتاب المسلمين المنزل من عند اللَّه بالمفهوم المعروف اليوم فإن ذلك يكون فى الآيات التى اقترن فيها ذكر القرآن الكريم بذكر التوراة والانجيل باعتبار الثلاثة كتبًا سماوية، كما فى سورة (التوبة) وسورة (آل عمران). وفى كل الأحوال علينا أن نلاحظ أن الوحى لم يكتمل نزوله حتى ساعة نزول هذه الآيات، بل إن القرآن لم يجمع إلا بعد وفاة محمد [صلى الله عليه وسلم].
(ب) مرادفات القرآن الكريم:
لا يمكن أن نفهم فهما كاملا معنى مصطلح (قرآن) دون أن نضع فى اعتبارنا الاستخدامات القرآنية لمصطلحات أخرى مرادفة للقرآن أو لصيقة به مثل "الآية""والآيات"
و"الكتاب" و"السورة" و"السور" بل أيضًا "الذكر" و"المثانى" و"الحكمة" وغير ذلك. فلكل مصطلح منها حدوده ومعناه الأساسى فى القرآن الكريم، وإن كان استخدام هذه المصطلحات فى السياقات العادية يقترب أحيانا من الاستخدام القرآنى لها.
فالمعنى الأساسى لمصطلح (آية) مثله مثل المصطلح العبرى أوث oth والسريانى آثا atha يعنى علاقة بمعنى الرمز لحقيقة غير ظاهرة أو الدليل أو البرهان، أما عن اشتقاقها فغير مؤكد، وربما كان من الطبيعى أن تكون من الجذر (أوه) الشبيه بالكلمة العبرية "آواه" awah لكن هذا الجذر غير موجود فى اللغة العربية، وقد وردت (آية) و (آيات) فى القرآن الكريم حوالى 400 مرة للدلالة على الظاهرات الطبيعية التى تؤكد سلطان اللَّه وعظمته وللدلالة على فقرة من القرآن (آيات القرآن الكريم) وفى بعض السياقات تشير إلى المعجزات والبراهين التى تؤيد الحق، وفى المرحلة المكية المتأخرة. وربما أيضًا فى بواكير المرحلة المدنية اتخذت الآية والآيات معنى الرسالة المنزلة (الرسالة الموحى بها)(*).
أما كلمة كتاب فهى تعنى -حرفيا- ما تعنيه الكلمة الانجليزية Book. وقد وردت فى القرآن بصيغة المفرد 255 مرة وبصيغة الجمع ست مرّات، وهذه الكلمة -من بين أصعب الكلمات من حيث تفسيرها ومعرفة دلالتها. فهى أحيانا تعنى خطابا وقد وردت فى القرآن الكريم بهذا المعنى مرة واحدة
(*) أشار الكاتب بما يوحى أن كلمة آية غير عربية وأنها عبرية أو سريانية أو محوّرة عن كلمة عبرية أو سريانية والواقع أن المعاجم العربية أوردت الكمة فى مادة [أيا] وذكر عنها ابن منظور فى لسان العرب الآية العلامة وزنها فَعَلة فى قول الخليل وذهب غيره إلى أن أصلها آية فعلة فقلبت الياء ألفًا لانفتاح ما قبلها وهذا قلب شاذ كما قلبوها فى حارى وطائى، إلا أن ذلك قليل غير مقيس عليه، والجمع آيات وآى، وآياء جمع نادر قال:
لم يبْق هذا الدّهر من آيائه
…
غير أثافيه وأرْمدَائه
وأصل "آية" أُوَيْه بفتح الواو، وموضع العين واو، والنسبة إليه أوَوى، وقيل أصلها فاعلة فذهبت منها اللام أو العين تخفيفا، ولو جاءت تامة لكانت آية. وقوله عز وجل {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} قال الزجاج: معناه نريهم الآيات الدالة على التوحيد، وفى الآفاق أى فى آثار من مضى قبلهم من خلق اللَّه عز وجل فى كل البلاد وفى أنفسهم من أنهم كانوا نطفا ثم علقا. .. وَتَأَيَا الشئ تغمد آيته أى شخصة الخ.
المترجم
فى سياق ذكر الرسالة التى أرسلها النبى سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ، كما جاء فى الآية الثامنة والعشرين وما بعدها من سورة النمل وأطلعت الكلمة نفسها على وثيقة العتق، كما فى سورة (النور) آية 33 وهى تشير أحيانًا إلى سجل أعمال الإنسان كما فى سورة (الإسراء) آية 71 {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} وسورة (الكهف) آية 49 {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} ، وسورة (الزمر) آية 69 {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} . . إلخ وتأتى أحيانا بمعنى علم اللَّه كما فى سورة الأنعام آية 59 {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وسورة يونس آية 61 {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وسورة هود آية رقم 6 {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} . . الخ ويميل المفسرون لتفسير كلمة "كتاب" فى هذه الآيات إلى أنها تعنى كل الكتب السماوية، وهو ما يميل إليه الكتاب الغربيون الذين تناولوا القرآن الكريم، أما الباحث جفرى A. Jeffery فى بحثه عن القرآن ككتاب مقدس فيرى أن هذه الإشارات لكتب الشرق الأدنى القديمة، وكتب المراسم والسجلات، بينما يرجح الباحث فيدنجرن فى كتابه "محمد رسول اللَّه ومعراجه للسماء" أن المقصود بالكتاب فى هذه الآيات، كتاب سماوى واحد. وليس هناك دليل حاسم فى القرآن الكريم لأى من هاتين النظريتين كما لا توجد مشكلات عويصة لأى من هذه
الآيات التى يمكن اعتبارها تفسيرا مجازيا يشير إلى علم اللَّه (سبحانه) وقضاءه، على أنه يمكن وجود تفسير مشابه لهذه الآيات التى تفيد فى العادة أنها تشير إلى القرآن باعتباره ذا أصل سماوى كما فى قوله {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} وقوله أيضًا فى سورة الزخرف {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} والآية رقم 7 فى سورة آل عمران {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} والآية رقم 39 فى سورة الرعد {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} إلا أن معنى الكتاب فى هذه الآيات الأخيرة غامض ولا يشير للقرآن الكريم بشكل حاسم إذ يمكن تفسيره بمعان أخرى.
أما لفظ "سورة" فقد ورد فى القرآن الكريم تسع مرات فى صيغة المفرد ومرة واحدة بصيغة الجمع (سور)، ويبدو أن الكلمة مشتقة من اللفظ السريانى صورتا Surta أو سورتا ويقصد بها قراءة الكتاب المقدس أو الكتاب المقدس، والاستخدامات القرآنية "للكلمة" قرآن وآية وكتاب وسورة تجعل منها جانبا يتضمن فى مجملها الأمور التالية:
1 -
إن كلا من كلمة القرآن والآية والسورة تستعمل أحيانا للدلالة على كل القرآن الكريم.
2 -
إن كلمتى "القرآن والكتاب"، الآية 64 من سورة التوبة. قد تفيدان كتابًا مقدسًا، وقد تكون السورة هى الأخرى {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} بهذا المعنى أيضًا.
3 -
كثيرا ما ترد كلمتا القرآن والكتاب لوحى من اللَّه.
{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} والآية 124 {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} والآية 127 {وَإِذَا مَا
أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. .}.
4 -
وعلى أية حال فمن المعتاد ما يكون هناك حد واضح بين استخدام الكلمتين: كتاب وقرآن، فكلمة كتاب عندما تشير إلى الوحى فإنها تعنى "كتاب اللَّه" سورة يونس والصافات.
وثمة كلمات اصطلاحية أخرى استخدمها القرآن الكريم للدلالة على الوحى الذى أوحاه اللَّه سبحانه لنبيه محمد [صلى الله عليه وسلم]، وسنوردها فيما يلى:
1 -
ثلاثة أسماء مشتقة من الفعل (ذكر) هى تذكرة، وذكرى، وذِكْر، نورد -على التوالى. الآيات التى وردت بها هذه الكلمات {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} المزمل آية 19 والإنسان، آية 29، {. .قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} الأنعام آية 90 {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} هود آية 120، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} وسورة ص آية 87.
2 -
المثانى، وقد حير هذا المصطلح المفسرين وأدى إلى ظهور نظريات عدة بين الباحثين الغربيين فى شرح القرآن وترجمته. وحتى لو كانت الكلمة من مشناه العبرية mshnah أو من كلمة مثنيتا السريانية أو الآرامية الأصل فلابدأن يكون لكلمة مثانى صلة بالفعل العربى ثنَّى بمعنى ضاعف أو كرر وفى سورة النساء، آية 3 {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} وفى سورة سبأ، آية 46 {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى. .} ، والآية الأولى من سورة فاطر {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ. .} لذا فمن الجائز أن أفضل كلمة انجليزية مقابلة لها هى Repetions. لكن الكلمة تشير إلى الوحى المنزل على محمد [صلى الله عليه وسلم] ففى سورة الحجر آية 87 {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} وفى سورة الزمر آية 23 {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ