الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسها. أما سورة الأنفال، وسورة التوبة وسورة محمد، وهى جميعًا مدنية، فهى الحالات الوحيدة التى أدرجت فيها آيات سابقة فى سور لاحقة. ويبلغ عدد السور المكية 86 سورة، قيل إن 33 منها تضمن آيات مدنية. والتحديد التقليدى لتاريخ النزول هنا يستند إلى ثلاثة افتراضات:(1) أن السور الحالية هى الوحدات الأصلية للتنزيل، و (2) أنه من الممكن تحديد ترتيبها الزمنى، و (3) أن "الأثر"(ويتضمن الحديث، والسيرة، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والتفسير بالمأثور) يعتبر أساسًا متينًا لتحديد تاريخ نزول السور.
(ج) التواريخ الغربية الحديثة
بدأ العلماء الغربيون منذ منتصف القرن التاسع عشر فى تطبيق المناهج النقدية على القرآن بدرجات متفاوتة واقتراح نظم تآريخ منوعة. أما النظام الذى حظى بأكبر قسط من القبول فهو ما يمكن أن يسمى بمنهج الفترات الأربع الذى وضعه جوستاف فايل Gustau Weil فى كتابه Historisch - Kritische Einleitung in der Koran 1844، 1878 والذى أعاد فيه تقييم تاريخ نزول القرآن واقترح ترتيبًا زمنيًا. جديدًا للسور يستند إلى ثلاثة معايير (1) الاشارات إلى الأحداث التاريخية المعروفة من المصادر الأخرى، و (2) تغير طابع التنزيل وفقًا لتغير أحوال الدعوة، و (3) الشكل أو المظهر الخارجى للتنزيل (الطبعة الأولى، صفحة 54 وما بعدها)
وكان أهم ما أسهم به تقسيمه "للسور المكية" إلى ثلاث فئات، بحيث أصبحت فترة نزول القرآن تنقسم فى نظره إلى أربع مراحل، وتقع الخطوط الفاصلة لديه فى الفترات التالية: فى وقت الهجرة إلى الحبشة تقريبًا (نحو عام 615) وعودة محمد من الطائف (نحو عام 620) والهجرة نفسها (سبتمبر 622). ومن ثم بدأ تطبيق نظام التأريخ القائم على الفترات الأربع، والمعايير الثلاثة التى وضعها، مع بعض التغييرات فى ترتيب السور، وكان أول من طبقه نولديكى (1860) ثم شفالى فى عام 1909، ثم بلاشير Blachere فى مقدمته للقرآن الكريم (1947 و 1959) وترجمته له (1949 - 1950 و 1966)
وإيضاحًا لأوجه التشابه والاختلاف بين الصور الثلاث لهذا المنهج القائم على الفترات الأربع، ولتسهيل مقارنة هذا المنهج بالنظام، التقليدى للتأريخ، نورد فيما يلى الصور الأوربية الثلاث، دون إشارة إلى الآيات القليلة التى قيل إنها لفترة زمنية سابقة، إلا حيث قام بلاشير بتقسيم سورتين فى الطبعة الأولى لترجمته.
وسور الفترة المكية الأولى أو المبكرة تميل إلى القصر، وتمتاز آياتها بالقصر والجرس الايقاعى. وعادة ما تبدأ بسلسلة من أساليب التقسيم، وتوصف لغتها بأنها حافلة "بالصور الشعرية والقوة". وقد افترض فايل أن هذه الخصيصة الأسلوبية تتوارى بالتدريج، ومن ثم فإنه ينسب إلى الفترة الأولى السور التى رأى أنها تتسم بأرفع وأسمى الأساليب الشعرية، إلى جانب السور الأخرى التى تشترك فى الموضوعات نفسها والأسلوب نفسه بصفة عامة. والترتيب الزمنى لسور الفترة الأولى فى الصور الثلاث المشار إليها هو:
فايل: العلق، المدثر، المزمل، قريش، المسد، النجم، التكوير، القلم، الأعلى، الليل، الفجر، الضحى، الشرح، العصر، العاديات، الكوثر، التكاثر، الماعون، الكافرون، الفيل، الفلق، الناس، الإخلاص، عبس، القدر، الشمس، البروج، البلد، التين، القارعة، القيامة، الهمزة، المرسلات، الطارق، المعارج، النبأ، النازعات، الانفطار، الانشقاق، الواقعة، الغاشية، الطور، الحاقة، المطففين، الزلزلة.
نولديكى: العلق، المدثر، المسد، قريش، الكوثر، الهمزة، الماعون، التكاثر، الفيل، الليل، البلد، الشرح، الضحى، القدر، الطارق، الشمس، عبس، القلم، الأعلى، التين، العصر، البروج، المزمل، القارعة، الزلزلة، الانفطار، التكوير، النجم، الانشقاق، العاديات، النازعات، المرسلات، النبأ، الغاشية، الفجر، القيامة، المطففين، الحاقة، الذاريات، الطور، الواقعة، المعارج، الرحمن، الاخلاص، الكافرون، الفلق، الناس، الفاتحة.
بلاشير: العلق (1 - 5)، المدثر (1 - 7)، قريش، الضحى، الشرح، العصر، الشمس، الماعون، الطارق، التين، الزلزلة، القارعة، العاديات، الليل، الانفطار، الأعلى، عبس، التكوير، الانشقاق، النازعات، الغاشية، الطور، الواقعة، الحاقة، المرسلات، النبأ، القيامة، الرحمن، القدر، النجم، التكاثر، العلق (6 - 19)، المعارج، المزمل، الإنسان، المطففين، المدثر (7 - 55)، المسد، الكوثر، الهمزة، البلد، الفيل، الفجر، الإخلاص، الكافرون، الفاتحة، الفلق، الناس.
أما السور التى ئزلت فى الفترة المكية الثانية أو الوسطى فهى أطول وأسلوبها "أقرب إلى النثر" وإن كانت تتسم أيضًا ببعض الصفات "الشعرية"، بمعنى أن أسلوبها يمثل مرحلة انتقالية. بين المرحلة الأولى والمرحلة الثالثة. وهى تؤكد آيات اللَّه فى الطبيعة، وصفات الخالق مثل الرحمة، وكثيرًا ما يشار فى هذه الآيات إلى البارئ باسم الرحمن. وتتضمن هذه الآيات وصفًا للجنة، والنار، وتروى أيضًا قصص العقاب" وهذه السور هى:
فايل: الفاتحة، الذاريات، يس، ق، القمر، الدخان، مريم، طه، الأنبياء، المؤمنون، الفرقان، الشعراء، الملك، الصافات، ص، الزخرف، نوح، الرحمن، الحجر، الإنسان.
نولديكى وبلاشير: (الذاريات)، القمر، القلم، الصافات، نوح، الإنسان، الدخان، ق، طه، الشعراء، الحجر، مريم، ص، يس، الزخرف، الجن، الملك، المؤمنون، الأنبياء، الفرقان، الإسراء، النمل، الكهف.
وتتميز سور الفترة المكية التالثة أو الأخيرة بالمزيد من الطول وزيادة الاقتراب عن الطابع النثرى، يقول فايل إن "الخصيصة الشعرية" قد توارت تمامًا. وأسلوب التنزيل فى هذه الفترة كثيرًا ما يتخذ شكل المواعظ أو الخطب، وتعيد الآيات رواية قصص الأنبياء وقصص العقاب بالمزيد من التفصيلات.
ويؤكد نولديكى التغييرات التى طرأت على الألفاظ، رغم التشابه الشكلى بين السور المكية الأخيرة والسور المدنية. وسور الفترة الثالثة هى:
فايل: الأعراف، الجن، فاطر، النمل، القصص، الإسراء، يونس، هود، يوسف، الأنعام، لقمان، سبأ، الزمر، غافر، السجدة، الشورى، الجاثية، الأحقاف، الكهف، النمل، إبراهيم، فصلت، الروم، العنكبوت، الرعد، التغابن.
نولديكى وبلاشير: السجدة، فصلت الجاثية، الإسراء، النمل، الروم، هود، إبراهيم، يوسف، غافر، القصص، الزمر، العنكبوت، لقمان، الشورى، يونس، سبأ، فاطر، الأعراف، الأحقاف، الأنعام، الرعد.
أما العوامل التى تحدد السور المدنية وترتيبها الزمنى فتتضمن موضوعات السور، التى تبين مدى نمو السلطة السياسية للرسول الكريم، والتطور العام للأحداث فى المدينة بعد الهجرة. وقد قيل إن بعض الموضوعات الجديدة والمصطلحات الأساسية تساعد على تمييز هذه السور من بعض السور التى أنزلت فى الفترة المكية الأخيرة.
والسور المدنية هى:
فايل: البقرة، البينة، الجمعة، الطلاق، الحج، النساء، الأنفال، محمد، الحديد، آل عمران، الحشر، النور، المنافقون، الأحزاب، الفتح، النصر، الصف، الممتحنة، المجادلة، الحجرات، التحريم، التوبة، المائدة.
نولديكى وبلاشير: البقرة، البينة، التغابن، الجمعة، الأنفال، محمد، آل عمران، الصف، الحديد، النساء، الطلاق، الحشر، الأحزاب، المنافقون، النور، المجادلة، الحج، الفتح، التحريم، الممتحنة، النصر، الحجرات، التوبة، المائدة.
ونرى فى هذا كله اعتمادًا مفرطًا على نظام التأريخ الإسلامى التقليدى، وعلى المسائل المتعلقة بالشكل والأسلوب. فعلى سبيل المثال نجد أن
فايل يضع السور الأربع والثلاثين الأولى فى المرحلة المكية الأولى فى نفس الترتيب الذى وضعه علماء المسلمين، باستثنناءات قليلة جدًا (انظر القائمة المصرية أعلاه) ثم قال فايل إن هذه الفترة تنتهى بإحدى عشرة سورة تتسم "بالأسلوب الشعرى" وإن كان علماء المسلمين يقولون إنها نزلت بعد ذلك بفترة طويلة. والواقع أن كلا من فايل ونولديكى وبلاشير قد قبلوا الافتراضات الثلاثة التى يقوم عليها نظام التأريخ الإسلامى التقليدى المشار إليها آنفًا. ولا يعدو منهج الفترات الأربع أن يكون صورة أوربية معدلة للنظام التقليدى. أما فيما يتعلق بالأسلوب، فلا شك أن هناك تغييرات أسلوبية على مر السنين فى كتاب اللَّه ولكن ذلك ليس سببًا لافتراض أن جميع السور التى تشترك فى الأسلوب نفسه تنتمى إلى الفترة الزمنية نفسها. ولقد عجز منهج الفترات الأربع عن إثبات صحة الإطار التاريخى أو تطور الأفكار والمصطلحات الأساسية التى يفترض وجودها، ولقد تقبل الغرب هنا المنهج على نطاق واسع وبثقة أكبر مما تستدعيه نتائجه.
وعلينا أن نؤكد أيضًا أن الآخرين كثيرًا ما يطبقون هذا المنهج تطبيقًا يفتقر إلى المرونة التى كان واضعاه يرميان إليها، وهما فايل ونولديكى، بحيث انتهوا إلى تحديد الترتيب الزمنى الصارم للعديد من الآيات، أو العدد المحدد لمرات ورود مصطلح أساسى فى كل فترة من الفترات. وقد أكد شتالى، بوجه خاص، أن النظام الذى اقترحه نولديكى تقريبى وحسب.
وقد اقترح الأوربيون ثلاثة مناهج لتحديد تواريخ نزول الوحى بالآيات والسور، وذلك فى غضون سنوات عشر فى مطلع القرن العشرين تقريبًا، فكان منهج هـ. جريم H. Grimme يتضمن المزيد من التأكيد على المراحل التى مرت بها موضوعات التنزيل، ولو أن منهجه كان فى الواقع يستند على أساس منهج نولديكى مع تعديلات طفيفة فيه. إذ قام فى كتابه محمد (1892 - 1895) بتحليل مجموعات الأفكار التى يأتى بها القرآن مجتمعة،
وهو تحليل مفيد، ولكن نظرته تفترض ترتيبًا شاملًا للأفكار (التوحيد والبعث واليوم الآخر وما إلى ذلك بسبيل) لم يحظ بالقبول على نطاق واسع بل لقد هاجمه العلماء وأثبتوا خطأه. أما السير ويليام ميور Sir william Muire فقد اقترح فى كتابه القرآن: تنزيله وتعاليمه (1896) ترتيب السور فى ست مراحل، خمس منها مكية وواحدة مدنية. أما التجديد المهم الذى أتى به فهو رأيه أن الفترة الأولى لنزول القرآن تضمنت نزول الوحى بثمانى عشرة سورة، وتبدأ من قبل أن تبدأ بعثة الرسول، وهى السور التالية: العصر، والعاديات، والزلزلة، والشمس، وقريش، والفاتحة، والقارعة، والتين، والتكاثر، والهمزة، والانفطار، والليل، والفيل، والفجر، والبلد، والضحى، والشرح، والكوثر. وأوضح ميور أن هذه السور لا تتخذ شكل الرسالة المرسلة من اللَّه سبحانه وتعالى، أما الفترة الثانية فتضم أربع سور (هى العلق، والفلق، والمدثر، والمسد) وهى تتناول بداية بعثة محمد [صلى الله عليه وسلم] وذلك فى نحو عام 610 تقريبًا. أما الخطوط الفاصلة الأخرى فهى بداية جهر محمد [صلى الله عليه وسلم] بالدعوة (فى عام 613 تقريبًا) والهجرة إلى الحبشة (نحو عام 615) وعام الحزن (619 تقريبًا) والهجرة. ولاشك أن ميور مصيب فى القول بأن ثمة سورًا سبقت نزول سورة "العلق" و"المدثر" ولكن "الفاتحة" وغيرها مما يضعه فى الفترة الأولى لم ينزل بها الوحى إلا فى وقت لاحق، وذلك يكاد يكون أمرًا مؤكدًا. وبصفة عامة فإن الانتقادات التى وجهت إلى نظرية الفترات الأربع تصدق على منهج السير ويليام ميور أيضًا. وفى عام 1902 أصدر هـ. هيرشفيلد H. Hirschfeld كتابًا بعنوان "أبحاث جديدة" يقترح فيه ترتيب سور القرآن زمنيًا استنادًا إلى طبيعة الآيات والمهام المنوطة بها، كلًا على حدة. ويقول هيرشفيلد إن "الدعوة الأولى" فى سورة العلق (الآيات من 1 - 5) تتلوها ست فترات يمكن تصنيف التنزيل فيها إلى آيات ذات نبرات "تاكيدية" (مثل سورة الأعلى، والآيات 1 - 33 من سورة القلم، وسورة الليل، والآيات 40 - 52 من سورة
الحاقة، أو نبرات "إشهارية"(مثل سور التكوير، والانفطار، والانشقاق وغيرها) أو "سردية" كالآيات 34 - 52 من سورة القلم، أو مثل سورة الذاريات، والآيات (1 - 220 من سورة الشعراء وسورة القمر وغيرها) أو "وصفية"(مثل الآيات 26 - 27 من سورة النازعات، وسورة نوح، والرحمن وغيرها) أو "تشريعية" مثل سورة الأنعام والآيات من 9 - 11 من سورة الضحى والآيات 63 - 72 من سورة الفرقان) ثم تتلو ذلك السور المدنية التى يضعها معًا ولكنه يناقش كلا منها على حدة، بعد تقسيمها إلى السور التى سبقت غزوة بدر، وما يسمى بالقول أو الخطاب السياسى، والآيات المنزلة الخاصة بالحياة الشخصية للرسول، والاستعدادات للحج إلى مكة.
وتشوب هذا المنهج عيوب واضحة، ولكن جهود هيرشفيلد تدين بقيمتها إلى تحليله المبدئى للأنماط الأدبية فى القرآن الكريم، وإدراكه أننا يجب أن ننظر إلى القرآن عند محاولة تحديد تاريخ نزوله باعتباره آيات أو مجموعات من الآيات لا باعتباره سورًا كاملة ينفصل بعضها عن بعض.
وكانت هذه النظرة هى التى اهتدى بها ريتشارد بيل Richard Be فى محاولته الاستقصائية المستفيضة لتحديد "وحدات التنزيل" الأصلية وتحديد تواريخ نزولها. وقد سجل تلك المحاولة فى كتابه الذى يحمل عنوان: ترجمة القرآن، مع إعادة تنظيم السور على أسس نقدية (1937 - 1939) وكان قد اقتنع قبل ذلك بما يزيد على عشر سنوات بأن نظام نولديكى يتسم بالقصور. وقد أدى التحليل الذى قام به بيل للقرآن آية آية إلى التوصل إلى نتيجة مهمة وهو أن السور أشد تعقيدًا وتركيبًا مما افترضته النظم الإسلامية والأوربية الأولى لتحديد تواريخ نزولها. ولم يقدم بيل نظامًا صارمًا لتحديد التواريخ بل انتهى "بصورة مؤقتة" إلى أن فترة نزول القرآن يمكن تقسيمها إلى ثلاث فترات رئيسية، الأولى هى فترة نزول آيات التدليل على وجود اللَّه والحث على