الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المال. كما يجب أن نضيف إلى هذا كله الأموال التى صرفها على التحصينات كتجديده قلعتى الإسكندرية وحلب وغيرهما من قلاع البلاد الأخرى. ولما لم يكن السلاطين المماليك قد استنوا نظاما ثابتا لجمع الضرائب فقد وجد قايتباى نفسه مضطرا لاغتصاب الأموال من الرعية بما عرف ب
المصادر
ات، فكان إذا أعوزه المال وكانت الخزينة خاوية "صادر" أموالًا من كبار الأهالى ووجوه التجار وأهل الذمة، كما أنه لم يحجم عن فرض ضرائب جديدة على شتى صنوف التجارة وأراضى الأوقاف، وقد أدت هذه الإجراءات إلى استفحال الركود الاقتصادى الذى أصبح ظاهرة واضحة تركت آثارها فى التطور الصناعى والتجارى فى مصر والشام على السواء. وعلى الرغم من زيادة معدل التجارة العالمية وجهود السلطان العظيمة فى رحلاته التفتيشية فى جميع ولاياته إلا أن الدولة المملوكية التى كانت تظهر غنية وقوية كانت تسير إلى الخراب حتى أن الدولة المملوكية قبل موته بيوم واحد كانت قد بلغت حًدا كبيرًا من الفقر والضعف ولم تعد قادرة على مواجهة الدولة العثمانية.
المصادر:
(1)
ابن إياس: بدائع الزهور (طبعة كاله) 3/ 2 - 324.
(2)
ابن الجيعان: القول المتظرف فى سفر مولانا الملك الأشرف (تحقيق لانرون) 1878 م.
د. حسن حبشى [سوبرنهيم وأ. اشتور Sobernheim و E. Ashtor]
قبرس
(*)
أكبر جزيرة فى شرق البحر المتوسط (تبلغ مساحتها 9251 كم مربع). وبها سلسلتان جبليتان -أحدهما كرينيا كرباس فى الشمال وارتفاعها 1952 مترا وترودوس فى الجنوب الغربى وارتفاعها 1952 مترا- تحصران بينهما سهل مساوريا الذى يضم معظم المساحة المزروعة بالجزيرة.
(*) تنطق فى الأصل "قبرس" Cyprus ولكن "قبرص" هو الشائع فى العربية. [التحرير]
ورغم قلة الأمطار وضيق المساحة المروية، لكن الزراعة ما زالت تمثل عصب اقتصادها الذى يعتمد كذلك على استخراج بعض المعادن وأهمها النحاس، وإن كان الاحتياطى المعروف منها موشك على النضوب. كما تستخرج من أرضها كذلك بعض المعادن اللافلزية بكميات وفيرة تصلح للتصدير، ومن أمثلتها الاسبستوس. كما لازال تكرير الملح من مصادر دخلها، وهو يستخرج من البحيرات المالحة الواقعة فى الأراضى الواطئة (المنخفضة) بالقرب من ليماسول ولارناكا.
وكان لموقع الجزيرة على طريق المواصلات البحرية فى شرق البحر المتوسط، وقربها من اليابسة أثره فى أنها لم تنعم بالاستقلال سوى فترات عابرة.
قبرص وبيزنطة والإسلام (632 - 1192 م)
عندما ظهر الإسلام وأخذ فى التوسع كانت قبرص ولاية بيزنطية عاصمتها قنسطنطيا (سلاميس القديمة). وكان أهلها يدينون بالعقيدة المسيحية الأرثوذكسية منذ أن عقد مجمع أفيسوس سنة 431 م، ولهم كنيسة يرأسها حبر برتبة كبير أساقفة يلى فى السلم الكنسى البطاركة الأربعة الكبار. وقد صهرت الكنيسة شعب الجزيرة وجعلت منه وحدة اجتماعية ودينية وثقافية، كما أن الروابط القديمة القوية بين رجال الدين الأرثوذكس والأهالى خلقت نوعًا من الشعور بالتضامن الاجتماعى ظل سمة قائمة على مدار العصور المتتالية التى خضعت فيها الجزيرة للسيادة الأجنبية.
ولقد أخذ العرب فى محاولة فتح قبرص بعد زمن هرقل (610 - 641 م) ويقول أحد الكتاب اليونان أن حملة فى عهد الخليفة أبى بكر جاءت الجزيرة سنة 632 م ولكن هذا الرأى غير مؤكد، لكن حدث فى عام 647 م (أو ربما أو 649 م) أنْ أعد معاوية بن أبى سفيان، والى الشام، أسطولا من 17 ألف صارية، وعهد به إلى عبد اللَّه بن قيس لفتح الجزيرة، وكانت هذه الحملة
أول حملة بحرية ضخمة قام بها العرب فى البحر المتوسط. واجتاح العرب الجزيرة بعد سقوط العاصمة كونستنتيا، وفرضوا على أهلها دفع جزية سنوية مقدارها ما بين 7000 - 7200 قطعة ذهبية يؤدونها لوالى الشام، وهو مبلغ يعادل مقدار الجزية التى كانت الجزيرة تؤديها للبيزنطيين، مما يشير -فيما يبدو- إلى خضوع الجزيرة إلى لون من الحكم المشترك بين إمبراطور الروم وخليفة المسلمين. وقد توفيت فى تلك الآونة أم حرام، زوجة عبادة بن الصامت، الصحابى الجليل، ودفنت بالقرب من لارنكا، وبنى على قبرها أعظم مساجد الجزيرة احتراما عند مسلمى قبرص، وهو مسجد هاله سلطان تكة.
وعقدت اتفاقية للسلام بين قنسطنطين الرابع والخليفة عبد الملك بن مروان سنة 685 م ثم تجددت عام 688 م مع جستنيان الثانى، ونصت الاتفاقية على تقسيم دخول أرمينيا وإيبريا وقبرص بين الجانبين، ولقد صمم جستنيان الثانى على نقل سكان قبرص الأرثوذكس إلى ساحل بحر مرمرة الجنوبى وإنزالهم قرب "سيزيكس" القديمة حيث أسس مدينة جسينيانوفا (الجديدة) لرئيس أساقفة قبرص وجماعته (ولا يزال اسم هذه المدينة محفور فى أعلى كنيسة قبرص)، أما هؤلاء المنفيون القبارصة فقد ظلوا فى منفاهم هذا حتى 698 م حين أعيد سكان الجزيرة بسكانها القدماء وبأولئك الذين كانوا قد فروا إلى بلاد الشام الإسلامية، ولقد ظلت الجزيرة قرنين ونصف قرن من الزمان مناصفة بين امبراطور الروم وخليفة المسلمين وأصبح من الطبيعى اتخاذ الجزيرة قاعدة للعمليات البحرية العربية ضد آسيا الصغرى.
وفى سنة 747 م دمرت قوة بيزنطية أسطولا جاء من الإسكندرية وتتابعت الغزوات والهجمات واحدة تلو الأخرى بقيادة حميد الوالى العباسى بالشام، ومع ذلك فقد ظلت الجزيرة جزءا من الامبرطورية البيزنطية رغم استمرار دفع قبرص الجزية للامبراطور فازيل الأول (667 م)، وحدث فى سنة
911 م أن احتلت قوة عربية جزيرة كريت أربعة أشهر فقط، على أن قبرص نعمت بسلام بعد سنة 963 م وتمكنت من تقوية اقتصادها وتمثل ذلك فى تشييد بعض المدن الجديدة، ثم قامت ثورة بها ضد ألكسيوس كومين سنة 1092 م.
وفى عام 33 هـ/ 635 - 654 م، أعد معاوية حملة ثانية جعل قيادتها بيد أبى الأنوار، فأغارت على لابيتوس، كما دخلت المدينة قوة مؤلفة من اثنى عشر ألف مقاتل ظلوا مقيمين بها حتى أعادهم الخليفة يزيد سنة 680 م، أما الجزية التى كانت تدفعها لخليفة دمشق فقد ظلت تدفع حتى زمن الخليفة العباسى المنصور 754 م.
وفى القرن الحادى عشر، تحولت الجزيرة إلى قاعدة عسكرية يشن منها الروم، بالتحالف أحيانًا مع الصليبيين، لاسيما ريموند كونت صنجيل، غاراتهم البرية والبحرية، ولكن فى النصف الأول من القرن الثانى عشر نعمت الجزيرة بفترة من السلام تمثلت فى انتظام حركة الحجاج المارين بها وارتبطت بعلاقات حسنة مع الدول الإسلامية فى المنطقة، حتى أن أمير بيروت والكثير من أهل المدينة لجأوا إليها بعد أن استولى بلدوين ملك القدس الصليبى عليها فى 1110 م. كما كان أول استقرار للمارونيين بها قرب ذلك التاريخ، ثم أن بيزنطة منحت البندقية امتيازات تجارية فى كريت وقبرص، فكان ذلك أول تدخل لاتينى بها.
ولكن فى السنوات التالية اجتاح الصليبيون قبرص بقيادة رينو دو شاتيون، الذى خرب الجزيرة وأجبر أهلها على دفع الفدية لإطلاق سراح الرهائن الذين احتجزهم من كبار رجال الدين فيها ومن الأهالى على السواء، ولما كانت سنة 533 هـ/ 1158 م أغار أسطول مصرى على قبرص، ثم أغار عليها القراصنة بمساعدة من ريموند أمير انطاكية وكونت طرابلس.
وكانت نهاية السيادة البيزنطية على الجزيرة فى عهد إيزاك دوكاس كومنينوس (1185 - 1191 م) الذى نصب نفسه إمبراطورا لقبرص.
وجاءت نهاية إيزاك على يد ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا. فقد أجبرت الرياح العاتية السفينة التى كانت تقل شقيقته جوانا وعروسه برنجاريا، ابنة ملك نفاره، إلى الأراضى المقدسة على اللجوء إلى ميناء ليماسول القبرصى. وحاول إيزاك أن يحتفظ بالسيدتين رهينتين، فما كان من ريتشارد إلا أنه غزا الجزيرة، وفى ركبه مجموعة من الفرسان الصليبيين فى سوريا، ومنهم جى دو لوزينيان، الذى كان يطالب بعرش مملكة القدس. فلما فشل ريتشارد فى الوصول إلى اتفاق سلمى شن الحرب على إسحاق وهزمه فى مايو 1191 م، فقدم القبارصة نصف ممتلكاتهم إلى ريتشارد الذى أقر الأمور فى نصابها. وحلت حامية فرنجية محل اليونانية وعين اثنان أحدهما صار شريفا للجزيرة والآخر قاضيا لها، وهكذا أصبحت الجزيرة مركز عمليات للفرنجة فى الأراضى المقدسة خلال القرن التالى بعد أن أزال صلاح الدين هيبة اللاتين فى حطين عام 1187 م.
2 -
حكم الفرنجة (192 - 1571 م)
باع ملك الانجليز فى يوليو 1191 م الجزيرة إلى فرسان المعبد الذين شبت فى عهدهم ثورة تكلفوا الكثير فى إخمادها ثم عاد الملك فباعها من جديد إلى جى دى لوزينيان زوج وريثة تاج بيت المقدس، ثم خلفه أخوه إيمرى حاكما على قبرص (1194 - 1205 م) الذى استمر فى توزيع الإقطاعيات الواسعة لكثير من كبار الأمراء اللاتين، ثم لقب بالملك سنة 1197 م، وساهمت قبرص فى الحروب الصليبية حتى نهايتها واتخذها لويس التاسع قاعدة لحملته على مصر، كما كان ملوك هذه الأسرة قد هادنوا القوة الإسلامية فى الشام حتى الحملة الصليبية الخامسة من قبل.
وفى القرن التالى حاول ملوك قبرص بمؤازرة من البابا إحياء الحملات الصليبية من جديد، وكونوا حلفا مع جمهورية البندقية وفرسان المعبد، ونجحوا فى الاستيلاء على مدينة الإسكندرية فى عام 1365 م لبعض
الوقت، ولكن المصالح التجارية لعبت دورها فى إبعاد البندقية وجنوة عن محاولة التحرش بالمماليك حكام مصر والشام آنذاك.
وكان من المقدر لهاتين الجمهوريتين الإيطاليتين التجاريتين أن يهيمنا على دفة السياسة القبرصية خلال القرن الأخير من عمر المملكة. وجاءت الضربة التالية من الدولة المملوكية المصرية فى عهد السلطان برسباى الذى أوقع الهزيمة بملك قبرص جانوس فى 7 يوليو 1426 م، وأسره، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن افتدى بأن دفع للسلطان 200 ألف فلورين، كما وافق على أن يدفع جزية سنوية للسلطان قدرها ثمانية آلاف فلورين.
وقد تنازعت جنوة والبندقية السيادة على الجزيرة (1489 - 1571 م) ونجح الجنويون فى بادئ الأمر فى تثبيت سلطانهم فيها، ولكن الفرصة لاحت للبنادقة حينما انتزع جيمس الثانى عرش قبرص من أخته غير الشقيقة شارلوت بمساعدة قوات المماليك.
وأطل شبح التهديد العثمانى فى أواخر أيام حكم البنادقة، وتزايد هذا الخطر لاسيما منذ عقد إتفاق السلام البندقى العثمانى سنة 1540 م، كما أن أمير البحر العثمانى بيالى باشا تابع ممارسة التوسع العثمانى مستهدفا الاستيلاء على الجزر الواقعة فى البحر المتوسط التى فى يد اللاتين، وأعلن السلطان سليم الثانى (1566 - 1574 م) الحرب على قبرص سنة 1568، وأفتى شيخ الإسلام حينذاك بشرعية محاربتها، وصدر الأمر بخروج بيالى باشا على رأس قوة عثمانية للقتال برًا وبحرًا، وظهر الأسطول العثمانى أمام لارناكا فى الثالث من يوليو 1570 م، واكتفى القائد البندقى نيكولو داندولو بالدفاع عن قلاع المدن فقط، ولكن توالت انتصارات العثمانيين، وتوالى معها سقوط المدن الكبرى، كما حاصر العثمانيون قلعة مدينة فأما جوستا، وانتهى الأمر باستسلام مارك انطونيو براجادين يوم الأول من أغسطس 1571 م بشرط
سلامة انسحاب قواته، لكن لالا مصطفى باشا لم يلتزم بنصوص الاتفاقية تمام الالتزام حيث أمر بقتل القائد البندقى والكثير من رجاله.
واعترف البنادقة بالسيادة العثمانية على الجزيرة بموجب معاهدة 1573 م، وتحولت قبرص إلى إيالة عثمانية تتألف من ثمانى سنجقيات، وكان أول حاكم تركى لها مظفر باشا، وعين للإيالة قاض ودفتردار، وأدخل الأتراك الكثير من الإصلاحات الإدارية والمالية والدينية فى بادئ حكمهم فقد خففوا عبء الضرائب وألغوا النظام الإقطاعى القديم وحرروا الفلاحين من العبودية وسمحوا لهم بتملك الأرض، وألغوا الهيئة الكهنوتية الكاثوليكية التابعة لروما، وأعادوا للكنيسة الأرثوذكسية اعتبارها، واعتبرت الحكومة العثمانية كبير أساقفتها ممثل للطائفة اليونانية فى الجزيرة. وفى الوقت ذاته بدأ الكثير من الأتراك المسلمين فى النزوح إلى الجزيرة والاستقرار فى أرضها.
ولكن التدهور والفساد الذى أصاب الدولة العثمانية فى العصور التالية، أثر بصورة مباشرة على الجزيرة التى تحولت إلى إقطاعية خاصة للصدر الأعظم (وذلك سنة 1703 م)، وعانى الأهالى من المسيحيين والمسلمين من سوء الإدارة والضرائب الباهظة، وكان لثورة اليونان (1820 - 1829 م) واستقلالها أثر مباشر على الجزيرة حيث بدأ سكانها المنحدرين من أصل يونانى ينزعون إلى الاستقلال والاتحاد مع اليونان. كما أن الضرائب الباهظة التى أثقلت كاهل المواطنين وعرقلت أى تحسين جوهرى للاقتصاد دفعت السكان من المسيحيين والمسلمين على حد سواء للثورة فى عام 1883 م.
وقد شهدت العقود الخمس التالية تحسنًا كبيرًا فى الإدارة فى ظل حركة الإصلاح العثمانية التى عرفت باسم "التنظيمات"، فأصبحت قبرص سنجقية تابعة لولاية جزر البحر الإيجى، يحكمها متصرف ويساعده ديوان أو مجلس مؤلف من أعضاء من المسيحيين والمسلمين، وأتت حركة الإصلاح بثمار ملحوظة فى السنوات الأخيرة للحكم العثمانى حينما أسست محاكم قضائية.
وقد تنازل السلطان العثمانى عن إدارة قبرص لانجلترا مقابل وعد منها بالوقوف معه ضد أطماع روسيا التوسعية، وعلى أن تدفع له الحكومة البريطانية فائض حصيلة الضرائب هناك، مع احتفاظه بحقوق السيادة على الجزيرة وتعيينه لمفتيها وقضاتها.
ولكن فى أثناء الحرب العالمية الأولى ضمت انجلترا قبرص إلى إمبراطوريتها، وبعد الحرب أسست نوعا من النظام النيابى، حيث أنشأت مجلسًا مؤلفًا من 18 عضوا منهم 9 من اليونانيين و 3 من المسلمين و 6 من الموظفين البريطانيين، وقد تضامنت أصوات الممثلين الإنجليز والقبارصة الأتراك فى رفض أى مقترح بالوحدة مع اليونان.
وأدى هذا إلى توتر العلاقات بين القبارصة اليونانيين والإدارة الإنجليزية التى اعتبرت عقبة فى طريق الاستقلال، وتزعم القبارصة اليونانيين أسقف شاب يدعى ميخائيل موسكوس الذى انتخب فى عام 1950 م رئيسًا للكنيسة القبرصية باسم الأسقف مكاريوس (1919 - 1977 م).
وبعد أربع سنوات كون ضابط من أصل يونانى يدعى جورج جريفاس منظمة مناهضة للاحتلال البريطانى عرفت باسم أيوكا، كما شنت حرب عصابات على انجلترا.
ولجأ البريطانيون إلى استخدام ضباط وجنود شرطة منحدرين من أصل تركى للتصدى لتلك المنظمة، وسقط منهم الكثير من الضحايا، واستثار ذلك ثائرة الأتراك الذين أنشأوا منظمة أخرى لحرب العصابات مناوئة للدعوة للوحدة مع اليونان، واعية لتقسيم الجزيرة بين الأتراك واليونانيين، وكانت تلك بداية الفتنة الطائفية بين الأتراك واليونانيين هناك، وجر ذلك بالطبع إلى دائرة التدخل اليونان وتركيا.
ورأى الإنجليز أن من الأوفر منح قبرص الاستقلال والاكتفاء بوجود قاعدة عسكرية لهم فى الجزيرة، وفى ذات الوقت رأى حلف الأطلنطى فى
النزاع بين اليونان وتركيا -هما من أعضائه- خطرًا على سلامة الحلف، وقد مهد ذلك لاستقلال قبرص فى 16 أغسطس 1960.
وقد قدر عدد السكان فى سنة 1968 م بـ 556715 نسمة منهم 442521 من اليونانيين و 104350 من الأتراك و 3628 من الأرمن و 2708 من المارونيين و 2351 من البريطانيين و 2769 من اللاتين و 18261 من جنسيات أخرى، ووضع نظام معقد للإدارة يراعى التركيبة الطائفية، فكان رئيس الجمهورية يختار من اليونانيين وله نائب يختار من الأتراك، أما مجلس الوزراء فكان يضم سبعة من اليونانيين وثلاثة من الأتراك، وكانت قرارات المجلس تخضع لفيتو (حق النقض) من جانب رئيس الجمهورية/ أو نائبه، أى أنه كان بوسع أى منهما أن يلغى ما لا يروق له من قرارات.
وأدى هذا النظام للكثير من الصعوبات العملية عند تطبيقه، ولكن حكومة مكاريوس استطاعت الحفاظ على وحدة البلاد رغم الكثير من الصعاب الداخلية والخارجية حتى أطاح بها انقلاب عسكرى عام 1974 م دبره بعض الضباط الموالين لحكومة اليونان الدكتاتورية العسكرية آنذاك بقيادة نيكوس سامبسون، وهو إرهابى من أعضاء منظمة يونيتا.
وانتهزت تركيا الفرصة، فتدخلت بقوتها العسكرية، وفرضت تقسيما فعليا للجزيرة بين الأتراك والقبارصة اليونانيين وتبع ذلك عمليات ترحيل ونزوح ضخمة بين السكان فى كلا القطاعين، وقد فشل الانقلاب وعاد الأسقف مكاريوس ليتولى رئاسة الجمهورية، ولكنه فشل فى إعادة توحيد الجزيرة، وقد رحل عن عالمنا بعد ذلك بثلاث سنوات، فى 3 أغسطس 1977 م، فخلفه كبريانو فى رئاسة الجزيرة واختير خرسوستوموس رئيسا لكنيسه قبرص الأرثوذوكسية، واستؤنفت المحادثات فى يناير 1978 م تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة بين كبريانو ودنكتاش دون نجاح، وما زالت الجزيرة مقسمة حتى الآن.