الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرة بن شريك
هو قرة بن شريك بن مَرْثَد بن حازم العبسى الغطفانى والى مصر من قبل الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك فيما بين عامى 90 - 96 هـ/ 709 - 714 م.
هذا وينتمى قرة إلى مجموعة قبائل عرب الشمال التى استقرت فى شمال سورية والجزيرة والتى كانت على خط الجبهة الأمامى لجبال طوروس المواجهة للبيزنطيين.
وقد قدم قرة نفسه من منطقة قنسرين جنوب حلب، وهكذا كان أحد أفراد الكوادر العربية السورية الخبيرة والقديرة والتى كان خلفاء بنى أمية يفضلون إسناد المهام المدنية والعسكرية العليا إليها، ومن المحتمل أن تكون والدة الوليد ولادة بنت العباس قد أثرت فى حياة قرة العملية حيث إنها كانت تنتمى أيضا إلى قبيلة عبس.
إن الغموض الكبير ليحيط بالفترة المبكرة من حياة قرة، وقد استنتج (لامنس اعتمادا على ما جاء فى تاريخ ميخائيل السريانى) أنه من المحتمل أن يكون قرة قد عُين واليا على قنسرين أو أرمينيا، ومن الواضح أنه لا يمكن أن يعين فى منصب رفيع كوالٍ لمصر دون أن تكون لديه خبرة إدارية سابقة، وقد عين قرة على الصلاة والخراج أى كأمير وعامل بدلا من أخى الخليفة نفسه وهو عبد اللَّه بن عبد الملك الذى تعرضت البلاد خلال عهده لشدائد اقتصادية نتيجة انخفاض النيل، وقدم قرة إلى الفسطاط عاصمة مصر فى 3 أو 13 ربيع الأول سنة 90 هـ/ الموافق 10 أو 20 يناير سنة 709 م، أو بعد ذلك بقليل وبدأ فى ممارسة مهام منصبه.
ومن المؤسف أن أحسن الحوليات العربية العامة [كالطبرى وابن الأثير] لم يذكر فيها سوى القليل عن فترة ولاية قرة، فالطبرى أشار فقط إلى تاريخ تعيينه واستمراره فى ولايته ثم تاريخ وفاته وتبعه فى ذلك ابن الأثير.
هذا وتعتبر المصادر المصرية المحلية بطبيعة الحال أفضل المصادر التى زودتنا بمعلومات تاريخية عن ولاية قرة وإن كانت غير كافية، ومن هذه المصادر كتاب الولاة للكندى والخطط للمقريزى، النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى.
وأدى العثور على بعض أوراق البردى المعاصرة. -التى اكتشفت فى قرية كوم أشقاو منذ عام 1901 م- إلى كشف النقاب عن الأحوال الإدارية والمالية فى مصر خلال ولاية قرة بن شريك كما صححت صورة قرة الذى طالما اعتُبر كأحد ولاة الأمويين الطغاة، وهى الصورة التى رسخت فى الأذهان خلال العصر العباسى وما تلاه كنتيجة لأفعال الحجاج التى أدانتها المصادر الإسلامية والمسيحية القبطية [مثل ساويرس بن المقفع]، ومما نسب إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز قوله "الوليد فى الشام، والحجاج فى العراق، وعثمان المُزنى فى المدينة، وخالد القسرى فى مكة وقرة فى مصر، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلما وجورا فأرح الناس".
ومما ذكر عن ولاية قرة فشل المؤامرة التى حيكت ضده بالاسكندرية وكان الغرض منها الفتك بحياته من قبل مجموعة من الخوارج -كانت عدتهم نحوا من مائة- بقيادة المهاجر ابن أبى المثنى التجيبى.
وكذلك أعيد بناء جامع عمرو بن العاص فى ولاية قرة بن شريك حيث أمره الخليفة [أى الوليد بن عبد الملك] فى مستهل سنة 92 هـ/ 710 م أن يهدم ما كان قد بناه عبد اللَّه بن عبد الملك (1).
وأن يعيد بناء الجامع بكامله وقد جعل يحيى بن حنظلة العامرى مشرفا على البناء، كما تمت توسعة الجامع من الجانب الشمالى الشرقى ومن جهة القبلة [أى الجانب الجنوبى الشرقى].
(1) والصواب عبد العزيز بن مروان كما ذكر الكندى فى كتابه الولاة. (المترجم)
وكانت صلاة الجمعة تقام خلال فترة العمل فى إعادة بناء الجامع فى قيسارية العسل حتى اكتمل بناؤه رمضان 93 هـ/ يونية - يولية 712 م.
وقد زودتنا أوراق البردى بمعلومات قيمة عن انشغال قرة خلال فترة ولايته بالتنظيم المالى لمصر وكذا الإصلاحات الاقتصادية والزراعية للإقليم.
ولقد خلفت المجاعة الشديدة التى ألمت بمصر خلال ولاية سلفه عبد اللَّه ابن عبد الملك بن مروان (فى 86 - 87 هـ/ 705 - 706 م) الكثير من المصاعب، ولذلك اهتم قرة بزيادة الإنتاج الزراعى وإحياء أرض الموات ومن ذلك ما تذكره الحوليات الأصلية من أنه أصلح بركة الحبش أى أحياها وغرسها قصبا ولذلك عرفت بإصطبل قرة.
ومن الأمور المثيرة للجدل فرض الجزية (ضريبة الرأس) على الأقباط الذين تحولوا إلى الإسلام، وتوضح أوراق البردى أن قرة كان حريصا على جمع الجزية كاملة من هؤلاء الموالى وكذلك تحصيل المتأخر منها وذلك ليحافظ على الحقوق المالية للخليفة.
ولقد عانت مصر، مثل العراق وغيرها من الأقطار، من ظاهرة هروب الفلاحين إلى المدن فرارًا من دفع الضرائب المفروضة عليهم وهى ظاهرة كانت معروفة فى مصر البيزنطية، وخلال ولاية قرة بن شريك تم مطاردة هؤلاء الفارّين وإعادتهم إلى قراهم كلما سنحت الفرصة.
وكان قرة حريصا كذلك على معاقبة الموظفين الطغاة كما فرض سيطرته التامة على مختلف الأقاليم [أى الكور]. المصرية عن طريق نظام البريد الدقيق.
وتشير أوراق البردى، التى كتبت باللغتين اليونانية والعربية، إلى فرض ضرائب خاصة (تعرف بالليتورجيا أى الالتزامات الاجتماعية التى عرفت فى العالم القديم) لبناء سفن لمواجهة البيزنطيين فى شرق البحر المتوسط.