الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الإمام محمد الخضر حسين (بحر لا ساحل له)(1)، وآثاره العلمية ما زالت تتراءى لي من خلال البحث والتنقيب في المصادر والمراجع والمؤلفات من الكتب الإسلامية والأدبية، وتراجم الأعلام، والدوريات من الصحف والمجلات في مختلف المكتبات الإسلامية، وفي الأقطار التي أقام بها الإمام.
وكم من مِرار وقع في ظنّي أني وصلت إلى نهاية المطاف الذي أسعى فيه، وأني أحطت بإنتاجه الفكري من المظانّ التي نشدتها في طلبتي من الكد الحثيث والعمل الدؤوب طيلة سنوات طوال، إلا وطالعتني مقالات وبحوث فيّاضة للإمام يعزُّ عليَّ أن أدعها مطوية هنا، ومبعثرة هناك، فأسارع إلى جمعها وإعدادها في كتاب أبعثه إلى النور في أول فرصة مواتية، وأضعه
(1) نال الإمام محمد الخضر حسين شهادة العالمية من الجامع الأزهر الشريف، وكان العالم الفاضل الشيخ عبد المجيد اللبّان رئيساً للجنة مع نخبة من زملائه المختارين، فأبدى الشيخ من الرسوخ والتمكن ما أدهش، حتى إن الشيخ اللبّان صاح -إعجاباً- قائلاً:"هذا بحر لا ساحل له، فكيف نقف معه في حجاج!؟ ".
ونصَّ في القرار على أن اللجنة "امتحنت محمد الخضر، فوجدته بحراً لا ساحل له
…
".
انظر كتابي: "أحاديث في رحاب الأزهر"(ص 169)، ومجلة "آخر ساعة" العدد 936 الصادر في المحرم 1372 هـ - 1 أكتوبر 1952 م.
بين يدي الناس خدمة للعلم والباحثين والدارسين، وخدمة للإمام العالِم المتفضّل المتعدّد المواهب.
وخلال زيارة لي إلى القاهرة بين 14 - 21 من شهر ذي الحجة لعام 1424 هـ - الموافق 5 - 12 من شهر شباط فبراير لعام 2004 م، اطّلعت على الملفّات الخاصة بالإمام محمد الخضر حسين، والمحفوظة في دار الوثائق القومية بالقاهرة (1) - وهي جديدة عليَّ لم أنظرها من قبل - ووجدت كنزاً دفينا وقعت عليه لا يقدر بثمن، ويحتاج إلى من ينفض عن لآلئه ومكنوناته الغبار، وإني ألفت نظر المهتمين بتراث الإمام إلى تلك الملفات التي تتضمن:
- مئات الأوراق من قصائد الشعر التي نظمها الإمام في شتى المواضيع، ولم تطبع في ديوانه "خواطر الحياة"، وتشكل وحدها ديواناً رائعاً ثرياً.
- صفحات مضيئة من مذكراته وخواطره طيلة حياته الشريفة، والتي أعدَّها كمذكرات له في مجلدات أسماها:"مراحل الحياة"، ولكنه صرف النظر عن نشرها، وقال: إنها حديث عن النفس (2)، ولا يريد أن يخوض هذا
(1) كتب الإمام محمد الخضر حسين في إحدى الوريقات بخط يده عبارة تشير إلى رغبته في إيدل هذه الأوراق لدى دار الكتب المصرية بالقاهرة.
(2)
يقول الدكتور زكريا البري في احتفال جرى بالقاهرة في ذكرى الإمام: "ذلك أن هذا الرجل، وقد ارتبطت به في حياتي طالباً درست عليه، ثم بعد ذلك عاملاً بجواره في مشيخة الأزهر، ثم بعد ذلك رغب إلي رغبة خاصة في أن أعاونه في كتابة مذكراته وذكرياته
…
ترددت عليه في منزله العامر في شارع "صفية زغلول"، وبدأ يمليني مذكراته وأنا أكتبها، وأحيانا كان يخط بيده مسودات والمذكرات، ثم أتناول تبييضها في منزلي
…
واستمر هذا طويلاً أثناء المشيخة
…
ثم ذهبت إليه في يوم معين، وقلت له: إذن سنواصل
…
ابتسم؛ لأن سمته سمت هدوء، =
المخاض. وسأذيعها -إن شاء الله تعالى- بعد أن انتقل الإمام إلى الرفيق الأعلى، وفيها الكثير من الذكريات النافعة، والحقائق التاريخية الهامة.
- مقالات في مختلف العلوم والفنون، ما زالت مخطوطة لم تطبع بعد. إضافة إلى مراسلات مع علماء وشيوخ ورجال سياسة وأدباء.
- الأوراق والوثائق المتعلقة بـ "جبهة الدفاع عن أفريقيا الشمالية" التي أسسها في القاهرة، وعمل من خلالها في الدفاع عن بلدان المغرب العربي، وخاصة الوطن الأول تونس الخضراء.
تمكنت من استنساخ البعض منها لأقدمه في هذا السفر، وأَملي وطيد أن أستخرجها كلها -إن شاء الله تعالى- فيما كُتِب لي من الحياة.
أقول: إن تعدد الميادين التي نشط فيها الإمام -ولاسيما تونس ودمشق وإستنبول وبرلين والقاهرة- كانت سبباً في تفرّق إنتاجه العلمي، وآثاره وأخباره، وفي تلك البلدان عشرات الصحف والمجلات التي كتب فيها. ومهما زعمت أني جمعت منها تراثه العظيم، فما فتئت تطل عليَّ صفحات ورسائل سطّرها بقلمه البليغ الصادق. وأرى من الواجب عليَّ أن أتتبع في المدن المذكورة ما أبدعه الإمام .. ومحاضرإته في كليات الجامع الأزهر خاصة (كلية أصول الدين، وكلية الشريعة، وقسم التخصص العالي في الكليات) لم أصل إليها، ومثالاً على ذلك كتابه أو رسالته "الملل والنحل"(1) طبعة خاصة بكلية أصول
= وقال: لقد مزقت هذه المذكرات .. قلت: وفيما كان ذلك؟ قال:
…
واستخرت الله، ووجدت أن نشرها يعتبر حديثاً عن النفس، وفيه تزكية لنفسي، وأنا لا أريد أن أزكي نفسي. انظر كتاب:"أحاديث في رحاب الأزهر" للإمام (ص 203).
(1)
ذكر العلامة الفاضل الدكتور محمد بن محمد أبو شهبة في كتابه القيم "السيرة =
الدين. وهذا يتطلب مني الإصرار على المتابعة، والإحاطة بها بحول الله تعالى.
وإني أقدم ما توفر من مادة علمية في حوزتي في هذا السفر: "الإرث الفكري للإمام محمد الخضر حسين" آملاً أن أقدم لاحقاً المزيد من الإرث الفكري للإمام بإذن الله تعالى وعونه.
ويتألف كل سفر من قسمين:
- القسم الأول: يضم مقالاته وبحوثه وشعره ورسائله.
- القسم الثاني: أجعل فيه تراجمه، وأخباره في الصحف والمجلات التي أتوصل إليها، وما قيل فيه من تحقيقات وكتابات من أقلام أهل الفكر، ومن كتبهم وبحوثهم الفائقة.
= النبوية في ضوء القرآن والسنّة، في ثبته بأهم مراجع الكتاب عنواناً "الملل والنحل" للإمام الشيخ محمد الخضر حسين. ط خاصة بكلية أصول الدين قديماً. وكرر هذا المرجع في الجزء الأول (ص 500)، والجزء الثاني (ص 674) -طبعة دار القلم بدمشق- الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1996 م.
ولم أجد هذا الكتاب حتى اليوم. ولعلي أجده -إن شاء الله-.
ويذكر الدكتور أبو شهبة في الجزء الأول من كتابه (ص 21): "أذكر أنه طلب إلي منذ بضعة عشر عاماً أن أكتب مقالاً لمجلة الأزهر بمناسبة الميلاد النبوي، فكتبت مقالا تحت عنوان: "عبقرية النبي السياسية"، وقد عُرض المقال على أستاذنا الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله رحمة واسعة-، وكان شيخ الأزهر آنذاك، فقرأ المقال وارتضاه، إلا أنه وقف عند العنوان، وصار يبتسم ابتسامته الوقورة المعبّرة، ففهمت ما أراد، واستشرته، فاشار عليّ أن أغيّر "عبقرية" بـ "موهبة"، فأذعنت بعد أن اقتنعت، وكتبت تحت هذا العنوان بضع مقالات موسمية في مجلة "الأزهر"، ومن يومها وأنا أبالغ في التحرّي حينما أكتب عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وستكون هذه الأسفار بحول الله تعالى مرجعاً للسادة أهل العلم والباحثين، وعوناً لهم في الدرس والتأليف، تسهّل الطريق أمامهم، وتخفف عنهم مشاق ومصاعب البحث عن المصادر إلى الإرث الفكري للإمام.
ومن المفيد الإشارة إلى أن القارئ يجد في تراجم الإمام محمد الخضر حسين التي كتبها السادة أهل القلم، وأوردناها في المطبوعات التي أصدرناها، تشابهاً وتكراراً لبعض المراحل من سيرته المباركة، وخاصة: "الولادة - النشأة - الرحلات - تنقله في الأقطار - مشيخة الأزهر
…
إلخ "، ويوضح هذا؛ أن في كل ترجمة عن الإمام آراء وتعليقات ووجهة نظر لكاتبها نحترمها أولاً، ونذكرها للحقيقة والتاريخ بوجه عام.
والحمد لله على ما هدى، والحمد لله على نعمة الإسلام.
علي الرّضا الحسيني