الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم عليه بالإعدام في تونس
…
فأصبح شيخاً للأزهر
(1)
تولى الإمام محمد الخضر حسين مشيخة الأزهر في الفترة من (1952 وحتى 1954 م)، وهو أول شيخ للأزهر من أصل تونسي؛ فقد درس في جامع الزيتونة، وحصل الشهادة العالية، وعمل قاضياً لـ "بنزرت" لفترة
…
إلا أن مناهضته للاحتلال، وتنديده بالوجود الأجنبي في الدول العربية، جعلاه يفر إلى تركيا
…
ثم الشام، كان مسك الختام الاستقرار في مصر، وحصوله على الجنسية المصرية، والدراسة في الأزهر ليحصل على "الشهادة العالمية"
…
كتب الشيخ الخضر حسين الشعر، وألف الكتب، وأصبح عضواً في (مجمع اللغة العربية).
ثم شيخاً للأزهر مع بداية ثورة يوليو 1952 م؛ ليكون أول شيخ له من أصل تونسي.
ولد الشيخ محمد الخضر حسين عام (1293 هـ، 1877 م) في قرية "نفطة" في تونس من أسرة كريمة ترجع أصولها إلى الجزائر
…
وينتمون إلى أسرة الأدارسة التي أسست الدولة المعروفة باسمها. نشأ وتربى في تلك القرية، وحفظ القرآن صغيراً، وحين اشتد عوده، انتقل إلى مدينة "تونس"
(1) مجلة "نصف الدنيا"، العدد 667 الصادر في 24 نوفمبر 2002 م -بقلم جيهان لطفي- القاهرة.
حيث التحق بجامع الزيتونة سنة 1899 م، والذي يشبه جامع الأزهر في عظمته وشموخه كقبلة لعلوم الدين، ونال فيه شهادة العالمية عام 1317 هجرية، وعندما تخرج، تولى قضاء "بنزرت" ومنطقتها، وكان يخطب في جامعها، وشارك في تأسيس (الجمعية الزيتونية)، ثم عين مدرساً بمعهد الزيتونة.
كان يهوى الشعر
…
فكان شاعراً مجيداً، نظم قصائد رائعة، وندد فيها بالاستعمار الفرنسي لتونس، وقد اشتهر بعدائه للسياسة الفرنسية، التي كان يهاجمها في مجلة "السعادة العظمى"، وكان يبث روح المقاومة في تلاميذه، ويريد بذلك أن يغرس فيهم الروح الوطنية، والحرية الإنسانية التي يدعو إليها الإسلام، فحقد عليه الاستعمار، ودُبرت له مكيدةٌ سياسية قُدِّم من أجلها للمحاكمة، وحُكم عليه غيابياً بالإعدام
…
فهاجر إلى بلاد الشام، ومعه عائلته، وفيها تولى تدريس العلوم العربية والدينية في المدرسة (السلطانية)، وقد أوفده أنور باشا وزير الحربية التركية إلى ألمانيا في مهمة سياسية، فقضى فيها 9 أشهر حتى عاد بعدها للشام، وفي تركيا أسند إليه تحرير القسم العربي بوزارة الحربية، وكانت له أنشطة فكرية وأدبية واسعة هناك، وعندما احتل الحلفاء الآستانة، عاد إلى ألمانيا مرة أخرى، وبعد ذلك رحل إلى مصر عام 1922 م ليشتغل بالكتابة والتحرير، وإلقاء الدروس حتى عام 1931 م.
وكان الشيخ محمد الخضر حسين قد التحق بالجامع الأزهر، وحصل على شهادة العالمية، ثم حصل على الجنسية المصرية.
وألف رسالته القيمة "الخيال في الشعر العربي"، وأسس (جمعية تعاون جاليات إفريقية الشمالية)، وكان دائب الحركة، يحاضر، ويسطر المقالات، ويكتب البحوث، وعندما ظهر كتاب "أصول الحكم" للشيخ (علي عبد الرازق)،
تصدى له الشيخ الخضر، ونقده نقداً شديداً، وفند آراءه، ثم تصدى لكتاب (طه حسين) في "الشعر الجاهلي" عام 1345 هجرية، وقسا عليه، وأرجع آراءه إلى أساتذته المستشرقين، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة "الأزهر" عام 1349 هجرية، وعين أستاذاً لكلية أصول الدين، فأفاد طلابه، وجمع مجموعة "رسائل الإصلاح"، واشترك في كثير من لجان المجمع اللغوي، ونال عضوية جماعة العلماء برسالته "القياس في اللغة العربية"، وقد اشتغل بالتدريس في الجامع الأزهر.
وفي عام 1952 م تولى مشيخة الأزهر
…
وبدأت حكاية توليه المشيخة في سبتمبر عام 1952 م بزيارة السيد فتحي رضوان، والشيخ أحمد حسن الباقوري، وعبد العزيز علي من مجلس قيادة الثورة في أثناء انعقاده، وذهبوا إلى الشيخ محمد الخضر حسين عضو جماعة كبار العلماء، ورئيس تحرير مجلة "الأزهر"، وعرضوا عليه باسم مجلس الوزراء، واللواء محمد نجيب مشيخةَ الأزهر، وعلق وقتها للصحف فور توليه المنصب: أنها مفاجأة سارة، وأرجو المعونة من الله، وأن يحقق أملنا في الأزهر، وعندما سئل عن رأيه في كبار علماء الأزهر الذين يشغلون مناصب هامة، فقال: ليس في رأي معين في واحد من حضراتهم، وكلهم موضع إجلالي واحترامي وتقديري، وكان عمرُ الشيخ الخضر حسين حين تولى مشيخة الأزهر 78 عاماً.
* آراؤه في مسائل مختلفة:
كان يرى أن طلاب البعوث هم المرايا التي تصورنا عند أممهم وشعوبهم -بما فينا من مزايا وخصائص ومناقب- أصدقَ تصوير، وإذا كان ذلك، فلا بد من العناية بوضع نظام خاص بإعدادهم لتقديم رسالتهم على خير وسلام،
ويجب أن تكون العلاقة بين طالب الأزهر وأستاذه علاقة روحية، قوامها الحب والمودة، والإخاء والخير.
"أميل بطبعي إلى الخير والسلام، ولم بن في حياتي متحزباً ولا متعصباً، بل كنت دائماً أكره التعصب والتحزب، وأؤثر أن آخذ الأمور باللين والهوادة، وشيخ الأزهر يمثل الأزهر، ويقوم على تحقيق معاني الخير والتواد والتحاب بين الناس، والأزهريون -بحكم وضعهم ووصفهم- هم الذين يبصرون الناس بحقائق دنياهم، لذا كان طبيعياً أن يكونوا متحابين في الله".
وعندما أثير أن هناك اتجاهاً لتوحيد الزي في مصر، والاستعاضة عن الطربوش بالبيريه، أو القبعة، عدا رجال هيئة العلماء، والعلماء المشتغلين بالتدريس، علق بقوله: "إنني علمت أن هناك اقتراحاً أن يكون الزي الموحد هو الزي الأوربي، لأنه أصبح عالمياً، ولأنه من الناحية العلمية أكثر ملاءمة لهيئات العمال والفلاحين، وهذا الزي يتألف من قميص وبنطلون بأثمان مناسبة، وأوضح: بأن القبعة والبيريه ليست زياً عالمياً، وأن فئات كثيرة من الملايين في آفاق لا حد لها من قارات الأرض لم تتخذ هذا الزي، وليس من الحتم على أية أمة أن تجاري الشكليات -حتى لو كانت عالمية- قبل أن تقنع بأنه أصلح لها، والأصلح لجو كل أمة هو ما دلتها عليه تجارب ألوف السنين، ومصر -على وجه الخصوص- عضو ممتاز في العالم الإسلامي الذي يزيد تعداده على 500 مليون لن يرضى بأن يُفني شخصيته في غيره، ويندمج في الزي الأجنبي المزعوم عنه أنه عالمي.
لاسيما وأن في سنن الإسلام الجوهرية، التي لا يمكن أن يتساهل فيها المسلمون إلا بانحرافهم عن دينهم: أن يكونوا متميزين عن غيرهم، وأئمةُ
المسلمين يعدون من الخروج على الإسلام الانحراف عن زيه إلى زي غير المسلمين فيما اختصوا به من علامات".
وقد اتفق معه الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت، وقال: "إن قول الإمام الأكبر
…
قول فصل".
وفي التعامل مع غير المسلمين كان يرى: أن الإسلام ينظر إلى رسالات الله كلها على أنها دين واحد تتفق في أصولها وروحها وغاياتها، وإن اختلفت في صورها ومظاهرها وتطورها.
تحدث عن الشيوعية والرأسمالية بقوله: إن من مظاهر الكمال في دين الإسلام وأحكامه: أنه لم يعارض الفطرةَ الإنسانية في أي من طبائعها، ومنها: مبدأ الملكية الشخصية، فاعترف به، وأكده، ولكنه جنح فيه إلى الاعتدال، وشرط أن يكون ذلك بالأسباب المشروعة التي أحلها الله، ثم رتب عليه تكاليف شرعية هي نصيب الجماعة من أموال أصحاب الأموال، وحث أهل الغنى على الأخذ بيد أهل الفاقة، ومبدأ آخر هو: تفاوت الناس في مواهبهم ومداركهم، وقدرتهم على الكسب، والحث على قيمة العمل، ومن أعظم ما اتخذه الإسلام لحماية الفقراء من استغلال الرأسمالية وأصحاب الأموال: تحريمه للربا وقطع دابر المراباة في المجتمع الإسلامي.
أما الشيوعية، والتي تزعم أنها نزعت الثروة من يد أفراد، ووضعتها في يد مجموعة قليلة العدد، صادارةِ واحدة
…
يعيشون الآن في ترف وغطرسة، والجماعة كلها تعاني من مَلَل ورَتابة، مسلوبي الإرادة.
وكتب قصيدة مطولة عند توقيع المعاهدة (الليبية - الإيطالية)
…
رافضاً الاستعمار الذي يفرض شروطه على الدول.
ويحكي عنه السيد كمال الشوري سكرتير عام (جمعية الهداية الإسلامية) بلاظوغلي عام 49، وكان الشيخ الخضر حسين رئيساً لها، ومدير مكتبه
…
إنه -رحمة الله عليه- من أعلام الفكر الديني الأفذاذ، الذين أضاؤوا سجل الخالدين، وأضافوا إلى صفحاته المشرقة أمجاداً مزدانة بالعلم والفضل والكفاح، وكان مثالاً حياً للخلق الحسن؛ حيث لم يكن ينطق بسباب أو شتائم، حتى في أشد حالات الغضب، فقليلاً ما كان يغضب، إلا لما يغضب الله ورسوله، وكان عف اللسان، لا يخوض في سيرة إنسان، وإذا سمع أحداً يغتاب غيره
…
غضب، وابتعد عنه، وترك له المكان
…
كان إذا تكلم، خفض من صوته، وإذا مشى، سار الهوينى، حتى لا تكاد تسمع له وقع أقدام، وإذا خاطبه إنسان -مهما كان صغيراً-، أنصت إلى كلامه، ولا يتكلم أبداً حتى يفرغ المتحدث من كلامه، كان كريماً، فلا يُبقي من راتبه- ثم معاشه بعد ذلك- شيئاً، بل يوزع الفائض عن حاجته على الفقراء، وكان يقول: لا أحب أن يفاجئني الموت ومعي شيء من متاع الدنيا. وعندما توفيت زوجته الأولى، ولم يكن قد أنجب منها، تزوج بغيرها في خلال أيام من وفاتها، وقال: لا أريد أن أترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان وقت زواجه بالثانية قد جاوز الـ 70، ولم يعش مع زوجته الثانية طويلاً؛ فقد توفي ولم ينجب منها.
ويضيف السيد كمال الشورى في حديثه عن شخصية الإمام الخضر حسين اعتزازه بالكرامة:
وكان رحمه الله يجمع بين خصلتين حميدتين: التواضع المحبوب، والاعتزاز بالكرامة، أما تواضعه، فكان حديث أهل العلم والفضل.