المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محمد الخضر حسين لغويا وناقدا أدبيا - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - جـ ١٣

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(26)«الإرثُ الفِكريُّ للإِمَامِ مُحَمَّدٍ الخَضِرِ حُسَين»

- ‌المقدمة

- ‌السياسة القضائية

- ‌أسماء الصفات وأسماء الأعيان المشيرة إلى وصف

- ‌الحالة السياسية في تونس محاولة إدماج التونسيين في الجنسية الفرنسية

- ‌رسالة الإمام محمد الخضر حسين إلى الأستاذ محمد الصادق بسيس

- ‌رثاء الوزير الأكبر محمد العزيز بوعتّور

- ‌تهنئة لمقام المشيخة الإسلامية

- ‌من شعر الإمام محمد الخضر حسين

- ‌تقريض كتاب "مرآة البراهين في مضار النشوق والتدخين

- ‌تقريض رسالة "إجمال القول في مضار الكحول

- ‌الحمد لله - هذه حياتي

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيدي

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالسيد محمد الخضر حسين

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالشيخ الخضر حسين

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالشيخ الخضر حسين

- ‌ كيف يقضي يومه بالقاهرة:

- ‌ اللغات التي يحسنها:

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيدي

- ‌تلامذة جامع الزيتونة

- ‌ربع ساعة أمام المذياعالأدب التونسي في القرن الخامس مسامرة الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌العلامة التونسي الشهير الشيخ الخضر بن الحسين يسمى شيخاً على الأزهر الشريف

- ‌من وحي القلملمسة وفاء

- ‌شخصيات إسلاميةالإمام محمد الخضر حسين

- ‌الإمام محمد الخضر حسين في كتاب "إمداد الفتاح بأسانيد ومرويات الشيخ عبد الفتاح

- ‌مقتطفات من الكتب من تتعلق بالإمام محمد الخضر حسين وتراثه

- ‌هبة الأيام فيما يتعلق بأبي تمام

- ‌صوت الحق

- ‌تزويد أحد الشبان التونسيين بموعظة

- ‌مِرْقاة العُلا

- ‌إجازة الإمام محمد الخضر حسين للعلامة الشيخ حامد التقي الدمشقي

- ‌الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌علم من أعلام الزيتونةالشيخ محمد الخضر حُسين من خلال آثاره العلمية

- ‌على هامش ذكرى الإمام الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌في ذكرى الشيخ الإمام محمد الخضر حسين (1873 هـ -1958 م)

- ‌قال أمير شعراء تونس الشاذلي خزنة دار في تهْنِئَة الشيخ الخضر بن الحسين بمشيخَة الجامع الأزهر، ودخول العام الهجري الجديد

- ‌محمد الخضر بن الحسين التونسي

- ‌رثاء المنعم العلامة الشيخ محمد الخضر حسين نظم الشيخ المنعم على النيفر

- ‌تونس ملهمة الشعراء محمد الخضر حسين

- ‌رسائل محمّد الخضر حسين

- ‌مدارك الشريعة الإسلامية وسياستها

- ‌حفلة الترحيب بالرئيس الجليل

- ‌حفلة تكريم رئيس الجمعية

- ‌تكريم أعضاء في جمعية الهداية الإسلامية

- ‌تقدير علمي

- ‌مذكرات شيخ الأزهر

- ‌من أعلام الاجتهاد الإسلامي الحديث

- ‌مقدمة عَلَّامة الشام محمد بهجة البيطار

- ‌محمد الخضر حسين لغوياً وناقداً أدبياً

- ‌الإمام محمد الخضر حسين

- ‌الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الأخوَّة بين الإمامين محمد الخضر حسين ، ومحمد الطاهر بن عاشور

- ‌تدهور الفكر العربي

- ‌حكم عليه بالإعدام في تونس…فأصبح شيخاً للأزهر

- ‌الاجتهاد والفكر المستنير بالبلاد التونسية في القرن العشرين نماذج من المجتهدين التونسيين في القرن العشرين

- ‌رجل عظيم ويزيده عظماً وقدراً أنه يعرف قدر العظيم

- ‌القياس في اللغة العربية للأستاذ محمد الخضر حسين عضو مجمع اللغة العربية الملكي

- ‌الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌شهادة عن الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الشيخ الخضر حسين منافح عن الإسلام والعروبة

- ‌العَلَّامة محمد الخضر الحسين

- ‌إفريقيا الشمالية حديث لرئيس جبهة الدفاع عنها

- ‌التعريف والنقد دراسات قي العربية وتاريخها تأليف محمد الخضر حسين

- ‌العلامة الشيخ محمد الخضر حسين الطولقي مشيخة الأزهر، وتأسيس أول مجلة بتونس

- ‌مقابلة فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الإمام محمد الخضر حسين الجزائري حياته وآثاره

- ‌محمد الخضر بن الحسين

- ‌سلالة الشيخ علي بن عمر

- ‌العلامة محمد الخضر حسين التونسي

- ‌محمد الخضر بن حسين التونسي

- ‌القاديانية

- ‌أعلام مصر والعالم. . . لوديع فلسطين

- ‌تونسي ثائر في ثورة عبد الناصر

الفصل: ‌محمد الخضر حسين لغويا وناقدا أدبيا

‌محمد الخضر حسين لغوياً وناقداً أدبياً

(1)

سأتناول في هذه الدراسة طُروحاتِ محمد الخضر حسين بخصوص اللغة والنقد الأدبي، وذلك بتحليل للكتابات التي عالج فيها المواضيع المرتبطة بالمادتين المذكورتين، ويتقويمهما، وياستخلاص أفكارها الرئيسية، ونتاجها، وهذه الكتابات هي:

أ - "حياة اللغة العربية".

ب - "القياس في اللغة العربية".

ج - "الخيال في الشعر العربي".

د - "نقض كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين".

1 -

محور اللغة:

أ - كتاب "حياة اللغة العربية":

هي -في الأصل- محاضرة ألقاها محمد الخضر حسين بنادي (جمعية قدماء الصادقية) في مساء السبت (11 شوال 1327 هـ الموافق لـ 23 أكتوبر 1909 م)، وطبعت في نفس السنة في كتاب يحتوي على ستين صفحة، ثم

(1) دراسة قيمة للباحث والكاتب التونسي الأستاذ محمد الشاذلي الساكر - نشرت في الملحق الثقافي في جريدة "الحرية" 29 نوفمبر 2007 م - تونس.

ص: 360

أدمجت في كتاب "دراسات في العربية وتاريخها"، تركزت مضامين هذا البحث حول:

- دراسة اللغة العربية من حيث ألفاظُها، والأطوارُ التي مرت بها، واتساع نطاقها، وإشعاعها الحضاري، وعنده: أن الألفاظ أو الكلمات ودلالاتها ووظائفها هي لا تعني شيئاً في حد ذاتها إلا حين يتفق على إسنادها هذا المعنى أو ذاك، وأن اللغة هي اصطلاح قبل كل شيء، أو ضبط الغرض القائم في النفس، وتمييزه عما سواه، وأن اللغة هي ظاهرة اجتماعية أولاً، وظاهرة نفسية ثانياً، وهي الأداة المثلى لتكوين المجتمعات؛ لأنها وحدها القادرةُ على تأسيس كل أنماط الاتصال بين أفراد المجتمع الواحد، ليس هذا فحسب، بل هي الضامنةُ لترابط أفراده، وتوحدهم روحياً، فمتى أهملت الأمة لغتها، وزهدت فيها وفي تعلمها، انفصمت عرا جامعتها لا محالة، وخصوصاً الأمة العربية.

واللغة العربية مثلها مثل جميع اللغات، عرفت عدة أطوار في حياتها، لكنها لم تبلغ أشدها إلا مع القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، لكن، ومع انحدار الحضارة العربية، عرفت هذه اللغة نفس المصير؛ إذ ضعفت، وانتشر التحريف في تراكيبها وصيغها، وسيطر التزويق والبهرجة اللفظية على أساليبها، وكثر المنظرون فيها حد التطرف؛ يقول عبد القاهر الجرجاني:"إن الألفاظ خدم للمعاني، وإن المعاني مالكة سياسة الألفاظ".

والخضر حسين يعتقد أن هذا الكلام لا يصح على اللغة العربية؛ لتجانس معنى اللفظ مع الصوت، وتطابق الكلمة مع مضمونها، واعتدال تركيب الكلمات، وخاصة الثلاثية منها، وحكمة ترتيبها بحسب معانيها القائمة في

ص: 361

النفس، ويذهب إلى: أن اللغة العربية تطورت مع الحضارات التي عرفها العرب، وعبر المراحل التاريخية التي مر بها الإسلام والمسلمون، ولذلك فهي قادرة على الارتقاء، وعلى مزيد التطور، وعلل ذلك بقوله:

1 -

تعدد وجوه دلالات الألفاظ واشتقاقها.

2 -

تعدد الأساليب اللغوية، واقتباسها من اللغات الأخرى، وأخذها للمصطلحات الأجنبية التي تزيد في إغنائها، وتُكسبها قوة وتجدداً:"تتلقى العربية ما يرد عليها من الألسنة الأخرى، وتقبله بقبول حسن، بعد تنقيحه وسكبه في قالب عربي، فلا مانع من أن نقتبس أسماءها الموضوعة لها في اصطلاح مخترعيها عند استحسانها وتهذيبها، ثم نحشرها في زمرة ما هو عربي فصيح".

3 -

ثراء العربية بالألفاظ، وبأدوات الربط، وترادف عدد كبير من هذه الألفاظ نفسها، والتمييز بين المذكر والمؤنث.

وفي اعتقاده: أن أخطر الأمراض التي تتعرض إليها لغة الضاد هو: "لغة العامة" التي يعتبرها لغة عربية محرّفة

يجدر السعي إلى معالجتها وإصلاحها، وينصح بالكف عن استعمال هذه اللهجات، والامتناع عن تدوينها.

ب - كتاب "القياس في اللغة العربية":

في الأصل هو بحث نشره تباعاً بمجلة "المنار" في سنة 1922 م، ثم أصدره في كتاب يحتوي على 120 صفحة، وذلك في سنة (1353 هـ / 1934 م). وهو نفس البحث الذي قدمه -بعد ذلك- إلى هيئة كبار العلماء، فقبلته بالإجماع، وأسندت له عضويتها سنة 1950 م.

ص: 362

وقد أعاد طبع هذا البحث علي الرّضا الحسيني ناشرُ آثار محمد الخضر حسين في كتاب تحت عنوان: "دراسات في العربية وتاريخها"، وقد ضم هذا الكتاب عدة بحوث أخرى ودراسات كتبها المؤلف في مناسبات مختلفة حول اللغة العربية.

وقد أوضح الخضر حسين في بحثه المتحدث عنه مرونةَ اللغة العربية، وقدرتها الفائقة على مسايرة الحضارة والعلم.

كما أكد على العلاقة الجوهرية بين اللغة والفكر، و"أن هذه لن تكون إلا بذلك، والحكمس صحيح"، وبيّن تأثير كل منهما على الآخر، وتفاعله معه، وسيطرة هذه على ذلك، والعكس، بإيجاز بيّن أن اللغة هي فكر، والفكر هو لغة.

كما أكد على استحالة تأسيس لغة عالمية واحدة (الاسبرنتو)؛ لاختلاف الأمم والشعوب من حيث العقليات، وظروف المعيشة، والظروف البيئية، واختلاف الإحساس والتفكير، والرؤية إلى العالم.

كما اقترح "تأليف مجمع لغوي" يحدد أسباب هذا التخلف الحاصل في اللغة العربية، وعجزها عن مواكبة الحضارة المعاصرة والعلم، وتخلفها الواضح عن بقية اللغات، ثم يضع وسائل علمية وناجعة للنهوض باللغة العربية؛ لكي ترتفع إلى مستوى اللغات الراقية.

كما بيّن حاجة العربية إلى القياس؛ حتى تتمكن من إيصال كل المعاني والعواطف والصور، وقسم القياس إلى:

- قياس أصلي، ويكون فيه المقاس عليه لغةً من لغات العرب على اختلافها؛ كما جاء في القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي الشريف.

ص: 363

- قياس تمثيلي، ويراد به: إلحاق نوع من الكلام بنوع آخر في حكم، وذلك إذا انعقد بينهما شبه من جهة المعنى، أو من جهة اللفظ، ويسمى:"قياس الشبه"، أو اشتراكاً في الصلة التي يقع في ظنهم أن الحكم قائم عليها، ويسمى:"قياس العلة".

وحلل الخضر حسين أشكال القياس مستشهداً بنصوص نثرية وشعرية لتدعيم طرحه، مبيناً الفروق بينها، وبين طروحات النحاة واللغويين الذين سبقوه في الزمان.

كما أبرز القواسم المشتركة بين نوعي القياس المذكورين، وخاصة في الاتصال بين الألفاظ وترتيبها، والفصل بين بعضها البعض، سواء باستعمال الأدوات؛ مثل: حروف الجر، أو بالرجوع إلى عوامل الإعراب وحالاته التي جاءت في كتب النحو العربي، وعنده:"أن اللغة هي نظام أو لا تكون".

2 -

"محور النقد الأدبي":

إن العمل الذي قام به محمد الخضر حسين هي عملية إحياء وتجديد للنقد الأدبي، وهو دعوة لفتح باب الاجتهاد في نظرية الخيال التي قال بها فلاسفة الإسلام: الفارابي، وابن سينا، وابن رشد، وقلة من المهتمين بالشأن البلاغي، وعلى رأسهم: عبد القاهر الجرجاني، عاملاً على إيضاح هذه النظرية، والإضافة إليها، وتطويرها؛ بهدف إحيائها، وذلك بربطه الإبداع الشعري بالخيال، والنظر إلى فن الشعر على أنه عملية تخييلية عمادُها الخيال.

وقد بسط طرحه في كتابه "الخيال في الشعر العربي" الذي نشره في سنة 1922 م، وهو الأول من نوعه في النقد العربي التنظيري الحديث، باتفاق كل النقاد العرب.

ص: 364

وقد رجع في عمله هذا إلى التراث العقلي بخصوص الخيال والتخييل والمخيلة، دون أي اتكاء على أي تراث آخر (الصوفي مثلاً)، ودون الرجوع إلى أي شكل من أشكال المعرفة التي لها قول في الخيال مغاير لمقولات الفلاسفة العرب، ولبعض البلاغيين.

والخضر لم يتردد في تطعيم أفكاره بمعطيات غربية رآها تتلاءم مع الفلسفة الإسلامية والبلاغة العربية، وهذه المعطيات تتعلق بالخصوص بالعلوم الإنسانية، وفي مقدمتها علمُ النفس.

ويذهب إلى: أن تعريف النقاد القدامى للشعر قد اقتصر على اللفظ، ونسي الروح التي تجعل الكلام شعراً، وتميزه عن النثر، وهو التخييل.

ثم حَوْصل آراءَ فَلاسفة الإسلام حول مفهومهم لهذه الملكة النفسية التي هي الخيال، وناقشها، ثم عرّف المخيلة بأنها:"قوة تتصرف في المعاني؛ لتنتزع منها صورًا بديعة"، وتعتمد في ذلك على تداعي المعاني، ثم يذهب إلى: أن جمال التخيل هو أعظم أركان الشعر، وأن الخيال هو المبدأ الأساسي الذي يجب أن نعرف به ماهية الشعر.

يقول: "ذهب بعضهم في حد الشعر إلى أنه كلام موزون مقفّى، وهذا مثل من يشرح لك الإنسان بأنه حيوان بادي البشرة، منتصب القامة، فكل منهما قد قصر تعريفه على ما يدرَكُ بالحاسة الظاهرة، ولم يتجاوزه إلى المعنى الذي تقوم به الحقيقة، ويكون مبدأ لكمالها، وهو التخييل في الشعر، والنطق في الإنسان، فالروح التي يعدّ بها الكلام المنظوم من قَبيل الشعر إنما هي: التشابيه والاستعارات، وغيرها من التصرفات التي يدخل لها الشاعر من باب التخييل".

ص: 365

والخيال عنده: خاصية نوعية ضرورية للشعر، وبدونها لا يكون الشعر شعراً، وأن نقد الشعر وتنظيره لابد أن يراعى فيهما ملكة الخيال؛ لأن هذه الملكة هي القادرة وحدها على إبداع شعر عظيم بواسطة التصرف في تشكيل المعاني، أو كما يقول:"قدرة على سبك المعاني وصوغها في شكل بديع".

وهو يعتبر أن الخيال هو نشاط نفساني بَحْت، له تأثيره الحاسم على الشاعر المبدع في لغته، وفي مضامينه، وفي أسلوبه، وهي القدرة على التعبير عن نفس المعنى بطرق مختلفة، بالتصرف في كل عناصر البلاغة؛ من استعارة، وتشبيه، وتصوير، تجعل المتقبل يتمثل هذا الشعر، ويستسيغه، ويتمثله، ويتجاوب معه؛ لطرافته، وجِدَّته، وحيويته، واصفاً إياه بالبديع.

والخيال وحده، أو عملية التخييل هي وحدها التي تعطي كساء اللغة الشعرية، وترتفع بها عن لغة الحديث والخطاب العادي؛ لأن اللغة الشعرية هي لغة تجتذب النفوس، وتسحرها؛ لأن النفوس في جوهرها ترتاح للجديد، وللمبتكر، وللغريب، وللطريف، ولكل شيء "تشاهده في زي غير الذي تعهده به"، والتخييل هو وحده الذي يعرض على النفس المعاني في لباس جديد، ويجليها في مظهر غير مألوف.

ويذهب هذا الناقد إلى أن العملية الإبداعية في الشعر تنهض بواسطة التخييل التي تربط بين ملكتي الإدراك والذاكرة، وبفعل هذه الملكات الثلاث تشكل المعنى البديع الذي يكون له التأثير الحاسم لدى المتقبل له، محفزاً عنده ملكة الانفعال.

والخضر يفرق بين مصطلحات ثلاثة هي: التخيل، والتخييل، والمخيلة.

والمخيلة هي "القوة النفسية"، أو الملكة التي تمكن الشاعر من استعادة

ص: 366

الصور التي اختزنتها ذاكرته، فيستحضرها، ويعيد تشكيلها من جديد بصيغة مبتكرة؛ لكي يصدم بها مخيلة المتلقي، ويُثريها انفعالياً إلى درجة التجاوب الكلي معها.

أما مصطلح الخيال عنده، فلا علاقة له بالمصطلح الفلسفي، فقد حول معناه، فأصبح يشمل كل جوانب العملية الإبداعية الشعرية، والمتكونة من: التخيل، والمخيلة، والذاكرة، والانفعال.

ويذهب إلى: أن مخيلة الشاعر تستخلص من صور الذاكرة ما يلائم الغرض، وتطرح ما زاد على ذلك، فتفصل الخاطرات عن أزمنتها، أو ما يتصل بها مما لا يتعلق به القصد من التخييل، ثم تتصرف في تلك العناصر بمثل: التكبير أو التصغير، وتأليف بعضها إلى بعض، حتى تظهر في شكل جديد.

وهذا الشكل الجديد الذي أنتجته مخيلة الشاعر قسمه إلى ظاهرتين يقول: إنهما متعارضتان من حيث الظاهر.

الظاهرة الأولى: وهي عملية التجسيد التي يقوم بها الإدراك الحسي.

الظاهرة الأخرى: وهي عملية التجريد التي يقوم بها العقل.

وإن الإبداع الشعري هو نتيجة للتفاعل بين الإدراك الحسي المتجه نحو الموضوع والعقل الذي هو الذات، والخيال الرابط بين هذه العناصر، أو بين الحس والعقل والخيال، وهو الأهم.

إن الإدراك الحسي في هذا الطرح هو مجرد مستقبِل لما يحدث خارجه في عالم الناس، وفي عالم الطبيعة، وإن الموضوع المادي هو مجرد معطًى لم تعمل الذات على تشكيله، واقتصر دورها على إدراكه، ثم تخزينه في الذاكرة.

ص: 367

ولذلك تبقى (المخيلة) بالنسبة للخضر هي العنصر الأساسي لكل إبداع شعري؛ لتوسطها لطرفي المعرفة، وهما: الإدراك الحسي، والعقل.

وهو يعتبر الإحساس أدنى مرتبة من المخيلة؛ لأنه منبع الانفعالات والغرائز. وفي المقابل: يعتبر العقل أرقى مرتبة من المخيلة؛ لأنه عماد المنطق والمعرفة اليقينية.

وهذا يعني عنده: أن المخيلة كما اقتربت من الحس، واقترنت به، كانت الأشعار عرضة للخطأ، همُّها إرضاءُ النزعات الدونية للإنسان، وهذا ما "تتشوق إليه نفسه الأمارة بالسوء".

ولأن الحس يقرب المتخيلة من الغريزة، ويربطها بها، فإن ذلك ينتج عنه معرفة زائفة، أو خيالاً زائفاً ينتج عنه الانحطاط الروحي والأخلاقي والذهني للإنسان.

وحَوْصَل الخضر حسين الشروطَ الواجب توفُّرها لكي يستطيع العقل الإمساك بالمعاني، والتفريق بينها، في عناصر ثلاثة، هي:

- اقتران معنيين في الذهن؛ حيث يكون الإحساس بهما في وقت واحد؛ لارتباطهما بمكان، أو زمان، أو حادثة معينة.

- تبايُن الصور وتضادُّها؛ مما يجعلها تحيل إلى بعضها، ومثالها: الشجاعة والجبن، الصدق والكذب، الجمال والقبح، العدل والظلم، وهكذا.

- التشابه والتماثل بين المعاني في أمور خاصة؛ أي: اشتراك المعاني في مواصفات ما.

وأشار هذا الناقد إلى أن تداعي المعاني يختلف من شاعر إلى آخر؛ نظراً

ص: 368

لاختلاف الطبائع والعواطف، والمحيط وظروف الحياة ودرجة التمدن.

والخلاصة هي أن الحس يرجع بالمخيلة إلى عالم الغرائز، والعقل يرتفع بها إلى عالم الحقيقة، وأن الخيال لا يمكن أن يكون حراً طليقاً دون أي قيد، بل من الضروري تدخُّلُ العقل؛ لكبح جماحه، وهديه؛ لكي لا تصبح القصائد مجردَ هلاوس.

وهو يعتبر: أن الخيال ليس مجرد ملكة نفسية، بل هو -أيضاً- ملكة بلاغية، قادرة على المزاوجة المتكاملة بين البناء والمضمون، بين الشكل والمعنى، وهذه المزاوجة يلعب فيها العقل الدور الأساسي، وقد عبر عن ذلك بقوله:"إن التخييلي من الكلام هو: الذي يرده العقل، ويقضي بعدم انطباقه على الواقع، إما على البديهة، أو بعد نظر".

وهو يَعْتَبر أن الخيال الشعري هو بدرجة أُولى: أداء لغوي متميز وممتاز لمعان سابقة عليه، وهو إعادة تشكيل لمعان مجترة بواسطة لغة جديدة، وأن البناء اللغوي هو الذي يحدد درجة الخلق الشعري.

وهو بذلك يُرجع القيمةَ الفنية للشعر العظيم إلى المظهر الشكلي اللغوي، وليس فقط إلى المعنى ذاته، ومحتواه المجرد. وقدرةُ الشاعر المبدع تكمُن في تمكن خياله في إعادة تشكيل مفردات في مجازات وعلاقات وتراكيب جديدة، يعبّر بها عن نفس المعاني، لكن بأكثر خصوصية، وأكثر دقة، وأكثر عمق، وبأكثر فنية، وبأكثر حذق بلاغي.

واعتقاده أن اللغة وفنون البلاغة قادرة على تحمل أي عبء يرهقها به الشاعر، على شرط أن يتدخل الخيال المحكوم بالعقل.

وعنده: أن هذا الشكل من الخيال اللغوي البلاغي مهمته هي:

ص: 369

- تكثير القليل.

- تكبير الصغير.

- تصغير الكبير.

- جعل الموجود بمنزلة المعدوم.

- تصوير الأمر بصورة أخرى.

ولهذا العنصر الأخير أربعة أحوال:

أولها: تخيل المحسوس في صورة المحسوس.

وثانيها: تخيل المعقول في صورة المحسوس.

وثالثها: تخيل المعقول في معنى المعقول.

ورابعها: تخيل المحسوس في صورة المعقول.

ومثل هذه الصيانات لا تتم -عنده- إلا بواسطة لغة مرجعيتُها البلاغة بكل روافدها وتفرعاتها، وأن مرجعية هذه البلاغة لابد وأن تكون العقل، وقد أرجع الناقد جودة الخيال إلى:

- الحياة في إطار حضاري؛ "لما في ذلك من كثرة الصور، وتعدد المناظر، فتغزر مادته، وتكون مخيلته -الشاعر- أكثر عملاً في إنشاء المعاني".

- توفر الحرية "ومَنْ ذا ينكر أن الخيال الذي يسخره صاحبه في كل غرض، ويُطلق له العِنان في كل حلبة، يكون أبعدَ مرمى، وأحكم صنعة من خيال الشاعر الذي حصرته السياسة في دائرة، ورسمت له خطبة لا يفوتها؟! ".

أما المفاضلة بين الشعراء، فإنها لا تصل -عنده- إلا إذا تناول الشاعران معنى واحداً لواقعة واحدة، أو مختلفة، أو قصدا غرضاً واحداً، واختلفا في

ص: 370

الصورة المعبرة عنه، أما المفاضلة بين إنتاج شاعرين، فهذا لا يصح إلا بالنسبة للناقد الذي تناول معظم شعرهما، على أن يعرف بالرجحان وبالموضوعية.

وعنده: ما يميز الشاعر الجيد عن غيره، هو: من كان "شعره أقل خطوراً على الذاكرة، أو أوسع نطاقاً في التخييل، أو ألذ وقعاً على الذوق".

- غرابة المعاني المتخيلة مع الجمع الجيد لكل أجزاء القصيد.

- التوسع في الخيال مع ابتعاد عن البساطة، وعن التعقيد المفرط.

- الالتزام بالذوق السليم.

والخضر حسيَن يعتبر أن المعاني المطروقة عن الشعراء هي نفسها تقريباً، ولذلك فإن السرقات الشعرية مقبولة مادام الشكل أو البناء مبتكراً، فكلما كان هذا الأخير جيداً، كان القصيد بليغاً، وفي بعض الأحيان تكون السرقة أبلغَ وأكثر براعة من الأصل، وهنا يرجع الفضل لللاحق، لا للسابق؛ أي: للفرع، لا للأصل.

ولاحظ: أن "فن التخيل كسائر الملكات والصنائع يترقى شيئاً فشيئًا

وهذا ما حصل في الشعر العربي، فالخيال في الجاهلية شحيح يسير على نفس المنوال، وإن أمثله الخيال الراقي نادرة في أشعار الجاهليين"، وأرجعَ ذلك إلى أن العرب في الجاهلية كانوا لا يشاهدون إلا مناظر فطرية؛ كالكواكب والحيوانات والصحراء.

ثم وبعد نزول القرآن، وما أضافه من معان جديدة وصور طريفة، ترقى الخيال الشعري وتطور، ثم ترقى في العهد العباسي نتيجة لاختلاط الأمة العربية بأمم أخرى، واحتكاكها بحضارات مغايرة لحضارتهم، فازداد

ص: 371

الذوق العربي تهذيباً، والمعاني غزارة وتنوعاً.

واعتقاده هو أن مسيرة الشعر العربي هي مسيرة موصولة الحلقات، بدايتها الشعر الجاهلي، ونهايتها الشعر المعاصر؛ أي: أن هذا الشعر حافظ على روحه، وعلى أركانه، وأنه لم يتعرض إلى طفرات أو فواصل فارقة ذهبت به، هي مجرد قفزات حققها بعض الأفذاذ من الشعراء.

وعنده: أن التراث الشعري العربي هو تراث ثري بإبداعاته وبأساليبه، وبمضامينه وبلغته، وأنه من المستحيل تجاوزه من قبل أشعار الأمم الأخرى، أو تدميره واجتثاثه.

والأهم في الأزمنة المعاصرة، هو: إعادة قراءته ونقده بموضوعية، واستخلاص جوهره؛ لأن ذلك يساعد على النهوض به.

* نقض كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين:

أثار كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" ضجة كبيرة في الوسطين الديني والأدبي، فتصدى للرد عليه جمهور من علماء الدين، ومن الأدباء، من ضمنهم: محمد الخضر حسين، الذي وضع كتاباً في الغرض عنونه بـ:"نقض كتاب في الشعر الجاهلي"، ويشتمل هذا الكتاب على ثلاثة أبواب، وستة عشر فصلاً، وهو نفس التقسيم الذي اتبعه طه حسين.

يقول الخضر حسين بأن كتاب "في الشعر الجاهلي" ليس فيه ما يثير سخط الناس سوى ما كان طعناً في الإسلام صراحة أو غمزاً، وما عدا هذا، إنما هو الخطأ، أو الشذوذ الذي اعتاد أهل العلم سماعه في طمأنينة، وتقويمه برفق وأناة، والآراء التي يقول طه حسين: إنه سيعلمها إلى الناس على الرغم من سخطهم، إنما هي آراء سبقه إليها آخرون، منهم: عمر بن الخطاب الذي

ص: 372

قال: "تشاغل العرب عن الشعر وروايته في صدر الإسلام بالجهاد، ولما جاءت الفتوح، واطمأنت العرب، راجعوا رواية الشعر، فلم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عنهم منه الكثير".

وقد تبع ابن الخطاب في قوله ابنُ سلام الذي كان ينقد ما كان يرويه ابن إسحاق وغيره من أصحاب السير في الشعر يضيفونه إلى عاد وثمود، ويؤكد أن هذا الشعر منحول مختلق.

كما تبعه جرجي زيدان، ومصطفى صادق الرافعي، ومرغليوث، الذي ادعى أن الشعر الجاهلي مزور ومصنوع، وذلك منذ سنة 1916 م.

ويعقب الخضر حسين: "صحيح أن في الشعر الجاهلي تزويراً، وهو ما لا يختلف فيه النقاد القدامى والجدد، أما أن يكون التزوير قد استحوذ على الشعر الجاهلي بأسره، أو أتى على الكثرة المطلقة؛ بحيث يكون الصحيح قليلاً جداً لا يمثل شيئاً، ولا يدل على شيء، فدعوى لا تتكئ على رواية، ولا يقوم بجانبها برهان".

ويضيف: "صحيح أن صفوة الشعر كان يُتلقى بالرواية حفظاً، ولكن من المحتمل جداً أن يصل شيء منه عن طريق الكتابة. وقد حكى ابن جنّي في "الخصائص ": "أن النعمان بن المنذر أمر، فنسخت له أشعار العرب في كراريس، ثم دفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار بن أبي عبيد، قيل له: إن تحت القصر كنزاً، فاحتفره، فاخرج تلك الأشعار"، كما أن ابن سلام أورد في "طبقات الشعراء" ما يوافق هذه القصة، قال: "وقد كان عند النعمان بن المنذر ديوان فيه أشعار الفحول، وما مُدح به هو وأهل بيته، فصار

ص: 373

ذلك إلى بني مروان".

وُيروى عن ذي الرمة: أنه قال لعيسى بن عمر: "أكتب شعري، فالكتاب أحبُّ إلي من الحفظ".

والخضر حسين لم ينزه رواة العرب من الغلط والغلو، والإضافة والحذف والانتحال، يقول في ذلك:

"ولا ندري مَن هذا الذي يعتقد أن خَلَفاً، أو حَمَّاداً، أو أبا عمرو، والأصمعيَّ أذكى من المعاصرين أفئدة، ولم يقع في الناس سوى أنهم يرجعون إليهم وإلى أمثالهم في أمر كانوا يقومون عليه، ولا طمع في الوصول إليه من غير طريقهم، وهو هذا الشعر العربي".

ويذهب هذا الناقد إلى أن الأخطاء المنافية للمنهج العلمي السليم التي وقع فيها طه حسين هو تشكيكه في اللغة الجاهلية، وقد تبين من كلامه أنه يجهل هذه اللغة، وقصارى ما فعل أن قال ما سمع النقاد من قبله يقولونه، وهو أن البحث الحديث أثبت خلافاً قوياً بين لغة حمير ولغة عدنان، متأثرين يقول أبي عمرو ابن العلاء:

"ما لسانُ حِمير بلساننا، ولا لغتهم لغتنا".

وكانت النزاهة العلمية وأصول البحث العلمي تحملان على طه حسين التفصيل في خاصيات كلٍّ من لغة حمير، ولغة عدنان، وضرب الأمثلة الشعرية والنثرية؛ للتدليل على وجاهة رأيه.

والخضر حسين لا يقصد أن الشرق هو في غنى عن الغرب، أو أن الشرق هو أعظم من الغرب، بل عنده أن الشرق اليوم هو في تراجع حضاري خطير،

ص: 374

وأن الغرب يتحمل الآن وحده مسؤولية الرقي والتقدم في العالم.

كما أنه لا ينكر ما "لديكارت" من فضائل على العلم والفلسفة ومناهج البحث، بل يذكر الغلو في إصدار الأحكام، والحط من شأن الحضارة العربية، والتغافل عن القول بأن الغزالي وابن خلدون وأضرابهما كانوا من المؤسسين للمناهج وللعلوم التي ارتكز عليها ديكارت وأضرابه.

وعنده: أنه لا شك في أن في الغرب ثقافة وعلماً، وأساليب بحث وتأليف، لكن من الضروري مناقشتها، وأن لا نمنحها من التقدير أكثر مما تستحق، وأن لا نحجم عن نقدها، والبحث عن منشئها، وما يترتب عليها من نتائج، ثم الحكم على إيجابياتها وسلبياتها معاً كأي عمل بشري قابل للخطأ وللصواب.

وهذا يقال إنما بالنسبة لما أبدعه العرب من علوم وآداب، ومناهج بحث وتأليف.

لكن من غير العلمي الرفع من شأن علم أو أدب أو منهجِ بحث على حساب آخر دون التمحيص والتدقيق، والإدلاء بالحجة والبرهان القاطع.

ويضيف: "صحيح أن المحدثين أوسعوا دائرة العلوم، وحققوا أشياء كانت غامضة، واستكشفوا أموراً كانت مجهولة، وهذا يدل على أن عقولهم أكبر من عقول القدماء، وإنما سنّة ترقي العلوم والفنون، وأن يبني المتأخر على أساس، أو الحجرِ الذي يصنعه المتقدم، ولو أخذنا نبغاء هؤلاء المحدثين، وحشرناهم في بعض العصور القديمة، لم يأتوا أحسن مما أتى نبُغاء ذلك العصر".

ص: 375

ويقول: "إن القدماء من المسلمين درسوا علوماً شتى، فخاضوا غمارها، وسابقوا الغير في الوقوف على أسرارها، وأبصروا فيها حقاً وباطلاً، ولم يقتصروا في علمهم بالحق حقاً على دليل موافقته للدين، ولا في معرفتهم للباطل باطلاً على دليل مخالفته له، بل كانوا يتوسمون في ذلك منهج المنطق الصادق، ويقرعون الحجة النظرية بمثلها".

وعنده: ليس من العلم في شيء تأليف كتاب بهدف الازدراء بانجازات الغير، أو بهدف ازدراء العلماء والأدباء، وهنا يضع الكاتب نفسه في مثل ما يشهر به؛ إذ أنه سيتهم بدوره بالتعصب والتحيز، وبعدم التثبت.

وهنا يضيق بمناهج النقد الديكارتية وغيرها ذرعاً، يتجاوز قواعدها، ويتجاهل قوانينها، ولا يحترم الصدق في البحث مغلباً هواه، ويصبح شغله الشاغل إيجاد مبررات لما تخيله، ويسوق أفكاره في صورة قطعية زاهية.

وعنده: ليست المزية في تصوير المنهج، وإنما المزية في العمل عليه بجد واستقامة، صانه من الخطل الاعتقاد في أن كل جديد هو جديد حقاً، وإن كل قديم يشير إلى التخلف والباطل.

والخضر حسين يعتقد: أن توظيف مناهج البحث الحديثة في النقد الأدبي غير كاف، خصوصاً إذا استعملت بهدف التحقير والتهجم، أو بهدف زعم الناقد بأنه أحاط بما لم يحط به أحد من قبله.

وعنده: البحث في الرأي أو الرواية دأب كل عالم نقّاد، وما البحث إلا أثر الشك في صحة الرأي، أو صدق الرواية، والشك قد يكون ذريعة للعلم، وقد ينحدر بصاحبه في جهالة، والأول محمود العاقبة، والثاني لا خير فيه.

ص: 376

وإذا ظهرت العاطفة على القلم، فلا تسمع إلا غلواً في القول، وجحوداً لكثير من الحقائق.

وملخص ما عابه الخضر حسين على طه حسين هو:

- توظيف النقد الأدبي لأغراض لا علاقة لها بالأدب.

- إغفاله ذكر مصادره، وكأن ما قاله هو من بنات أفكاره، ومن استخلاصه الشخصي، وفي الواقع: أنه اقتصر على ترديد ما قال به النقاد قبله، ومرغليوث دون إضافة حقيقية.

- التعميم والتسرع في الإدلاء بالأحكام دون تثبت ولا رواية، ولا تدليل موضوعي بالشعر أو بالتثر على أقواله.

- اعتقاده في إمكانية تعميم منهج ديكارت على النقد الأدبي، مع أن العلوم الإنسانية تفتقر إلى منهج صارم، وأنه لا علاقة بين مناهج العلوم الصحيحة والأدب (1).

(1) أ - لعبت مجلة "السعادة العظمى" التي أسسها محمد الخضر حسين دوراً رائداً وأساسياً في تحديد مفهوم الشعر العصري

وفي المناداة بتكريسه؛ ليكون رافداً للنهضة الأدبية التونسية.

وقد نشرت هذه المجلة مقالاً مسترسلاً (في فضاء 6 أعداد) لعبد العزيز المسعودي بالإمكان مفصلته إلى المعاني التالية:

- نقد شديد لمضامين الشعر التقليدي، وقد عاب عنها التعقيد والمديح.

- وأن الشعر معنى عظيم يدرك بالوجدان، وكل تضييق عليه (بناء ومضموناً وأسلوباً) هو قتل له.

ص: 377

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= - أن الخطر كل الخطر هو النظر إلى فن الشعر كلفظ وعروض وقافية؛ لأن الشعر في جوهره هو حالة من حالات النفس.

- الشعر هو شقيق الرسم، ولذلك على الشاعر أن يرسم بالكلمات ما يشاء حتى "يخال من يقرأ أشعاره أنه ينظر إلى لوح من الألواح المصورة بقلم الرسام وفرشاته".

- ولمزيد من تحرر الشعر من قيوده ضرورة كتابة الشعر الحُرّ، أو القصيد النثري.

ب - لقد ذكرنا مصادر هذا البحث داخل المتن، وهي الكتابات التالية:

- "حياة اللغة العربية".

- " القياس في اللغة العربية".

- "الخيال في الشعر العربي".

- "نقض كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين"، وقد أوفيناها حقها.

ص: 378