الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هبة الأيام فيما يتعلق بأبي تمام
(1)
شعر أبي تمام مملوء بالمعاني البديعة، وهو معرض استعارات مليحة، وكنايات لطيفة، وفنون من محاسن البيان، أبدع الشاعر صنعها، وأحكمَ وضعها، فما أشبه ديوان شعره بسماء تألقت كواكبها، أو روضة أينعت أزهارها.
يطالعه الغريب، فيسلو أوطانه، ويعلل به الكئيب، فينسى أشجانه، ولو كان الشعر حلية، لما كان شعر أبي تمام إلا قلائد في نحور الحسان.
ولعلك تعجز أن تجد شاعراً يسبق في كل حلبة، ويصيب في كل رَمْية، فلا عجب أن تصادف في شعر أبي تمام ما ينبو عنه ذوقك السليم، أو ما لا تصل إلى معناه إلا بعد تأمّل طويل.
ولارتفاع شعر أبي تمام إلى ذروة البراعة، وانحرافه في بعض الأحيان عن سنن الفصاحة، عُني به طائفة من الأدباء، فتناولوه بالشرح أو النقد، وما هم إلا كغيرهم كان الكتاب يصيبون ويخطئون، ويكفي الكاتبَ فضلاً أن تكون
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الأول من المجلد السابع الصادر في رجب 1353 هـ.
وتحت يدي صورة عن النص المخطوط بيد الإمام زودني بها الأستاذ الباحث محمد عبد الله آل الشيخ من الرياض.
إصابته أكثر من خطئه، ويكفيه إخلاصاً أن لا يعيب القول، وهو يعلم أنه سليم، أو يصفه بالصحة، وهو يعلم أنه سقيم.
أقول هذا وبين يدي كتاب يشتمل على ما لأبي تمام من أخبار، ويحتوي على لُمَع من شعره المختار، وإيراد ما يتعلق بذلك من الآثار.
ألف هذا الكتاب الأديبُ الفاضل المرحوم يوسف البديعي قاضي الموصل المتوفى سنة 1013 هـ، وسمّاه:"هبة الأيام فيما يتعلق بأبي تمام"، فتحدث فيه عن حياة أبي تمام، وما يتصل بها من نحو تراجم الرجال الذين تعرض هذا الشاعر لمديحهم، وسلك في حديثه هذه أحسن الطرق وأغزرها فائدة، يشرح ما يقصده الشاعر من المعاني، ويوضح ما يشير إليه من الحوادث.
وقد عُني بالنظر في هذا الكتاب حضرة الأديب الكامل الأستاذ محمود أفندي مصطفى أستاذ الآداب بكلية اللغة العربية من الجامعة الأزهرية، وعلّق عليه حواشيَ تعرَّض فيها للتعريف بالرجال الذين ورد ذكرهم في هذا الكتاب عرضاً، وأضاف إلى هذا: شرح كثير مما ورد في الكتاب من شعر أبي تمام. وطريقتُه في هذه الحواشي: أن يبين المعاني الأصلية للكلمات، وما خرجت إليه من مجاز أو كناية، ويصور المعنى الذي يفهم من النظم بأجود عبارة، ثم يتناوله بالنقد. فيطروه إن رآه أحسن الرماية، ويناقشه إن رآه ارتكب ما لا يلائم الذوق، أو ما لا تحتمله قوانين الفصاحة. ولم يَفُته أن ينقل من آراء المتقدمين الذين كتبوا في شعر أبي تمام؛ أمثال: الأسدي، ويتعقب هذه الآراء بالاستصواب تارة، والاستهجان أخرى.
وقد خرج كتاب "هبة الأيام" مع هذه الحواشي في طبع جميل على ورق جيد، فكان الكتاب وحواشيه فتحاً لطريق يصل منه عشاق شعر أبي تمام
إلى ما تهوى أنفسهم، وبسطاً لأشعة تجعل كثيراً من معانيه الجامحة تحت أنظارهم.
فعلى البديعي السلامُ والرحمة، وللأستاذ محمود أفندي مصطفى الشكرُ على ما بذله من همة، وأسداه إلى اللغة العربية من نعمة.
محمّد الخضر حسين