المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشيخ الخضر حسين منافح عن الإسلام والعروبة - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - جـ ١٣

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(26)«الإرثُ الفِكريُّ للإِمَامِ مُحَمَّدٍ الخَضِرِ حُسَين»

- ‌المقدمة

- ‌السياسة القضائية

- ‌أسماء الصفات وأسماء الأعيان المشيرة إلى وصف

- ‌الحالة السياسية في تونس محاولة إدماج التونسيين في الجنسية الفرنسية

- ‌رسالة الإمام محمد الخضر حسين إلى الأستاذ محمد الصادق بسيس

- ‌رثاء الوزير الأكبر محمد العزيز بوعتّور

- ‌تهنئة لمقام المشيخة الإسلامية

- ‌من شعر الإمام محمد الخضر حسين

- ‌تقريض كتاب "مرآة البراهين في مضار النشوق والتدخين

- ‌تقريض رسالة "إجمال القول في مضار الكحول

- ‌الحمد لله - هذه حياتي

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيدي

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالسيد محمد الخضر حسين

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالشيخ الخضر حسين

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالشيخ الخضر حسين

- ‌ كيف يقضي يومه بالقاهرة:

- ‌ اللغات التي يحسنها:

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيدي

- ‌تلامذة جامع الزيتونة

- ‌ربع ساعة أمام المذياعالأدب التونسي في القرن الخامس مسامرة الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌العلامة التونسي الشهير الشيخ الخضر بن الحسين يسمى شيخاً على الأزهر الشريف

- ‌من وحي القلملمسة وفاء

- ‌شخصيات إسلاميةالإمام محمد الخضر حسين

- ‌الإمام محمد الخضر حسين في كتاب "إمداد الفتاح بأسانيد ومرويات الشيخ عبد الفتاح

- ‌مقتطفات من الكتب من تتعلق بالإمام محمد الخضر حسين وتراثه

- ‌هبة الأيام فيما يتعلق بأبي تمام

- ‌صوت الحق

- ‌تزويد أحد الشبان التونسيين بموعظة

- ‌مِرْقاة العُلا

- ‌إجازة الإمام محمد الخضر حسين للعلامة الشيخ حامد التقي الدمشقي

- ‌الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌علم من أعلام الزيتونةالشيخ محمد الخضر حُسين من خلال آثاره العلمية

- ‌على هامش ذكرى الإمام الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌في ذكرى الشيخ الإمام محمد الخضر حسين (1873 هـ -1958 م)

- ‌قال أمير شعراء تونس الشاذلي خزنة دار في تهْنِئَة الشيخ الخضر بن الحسين بمشيخَة الجامع الأزهر، ودخول العام الهجري الجديد

- ‌محمد الخضر بن الحسين التونسي

- ‌رثاء المنعم العلامة الشيخ محمد الخضر حسين نظم الشيخ المنعم على النيفر

- ‌تونس ملهمة الشعراء محمد الخضر حسين

- ‌رسائل محمّد الخضر حسين

- ‌مدارك الشريعة الإسلامية وسياستها

- ‌حفلة الترحيب بالرئيس الجليل

- ‌حفلة تكريم رئيس الجمعية

- ‌تكريم أعضاء في جمعية الهداية الإسلامية

- ‌تقدير علمي

- ‌مذكرات شيخ الأزهر

- ‌من أعلام الاجتهاد الإسلامي الحديث

- ‌مقدمة عَلَّامة الشام محمد بهجة البيطار

- ‌محمد الخضر حسين لغوياً وناقداً أدبياً

- ‌الإمام محمد الخضر حسين

- ‌الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الأخوَّة بين الإمامين محمد الخضر حسين ، ومحمد الطاهر بن عاشور

- ‌تدهور الفكر العربي

- ‌حكم عليه بالإعدام في تونس…فأصبح شيخاً للأزهر

- ‌الاجتهاد والفكر المستنير بالبلاد التونسية في القرن العشرين نماذج من المجتهدين التونسيين في القرن العشرين

- ‌رجل عظيم ويزيده عظماً وقدراً أنه يعرف قدر العظيم

- ‌القياس في اللغة العربية للأستاذ محمد الخضر حسين عضو مجمع اللغة العربية الملكي

- ‌الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌شهادة عن الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الشيخ الخضر حسين منافح عن الإسلام والعروبة

- ‌العَلَّامة محمد الخضر الحسين

- ‌إفريقيا الشمالية حديث لرئيس جبهة الدفاع عنها

- ‌التعريف والنقد دراسات قي العربية وتاريخها تأليف محمد الخضر حسين

- ‌العلامة الشيخ محمد الخضر حسين الطولقي مشيخة الأزهر، وتأسيس أول مجلة بتونس

- ‌مقابلة فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الإمام محمد الخضر حسين الجزائري حياته وآثاره

- ‌محمد الخضر بن الحسين

- ‌سلالة الشيخ علي بن عمر

- ‌العلامة محمد الخضر حسين التونسي

- ‌محمد الخضر بن حسين التونسي

- ‌القاديانية

- ‌أعلام مصر والعالم. . . لوديع فلسطين

- ‌تونسي ثائر في ثورة عبد الناصر

الفصل: ‌الشيخ الخضر حسين منافح عن الإسلام والعروبة

‌الشيخ الخضر حسين منافح عن الإسلام والعروبة

(1)

فتحت مصر أبوابها في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري لزعماء النهضة والإصلاح، واستقبلت قادةَ التحرير في العالم الإسلامي، فحلُّوا بها خيرَ محلّ، ولَقُوا من الحفاوة والكرم ما جعلهم ينعَمون بالاستقرار فيها، وصارت القاهرة كعبةَ العلماء، ومهوى الأفئدة، اتخذها بعضهم موطناً دائماً له، واستقر بعضهم فيها حيناً من الدهر، ثم عاد إلى بلاده.

واستقبلت مصر في هذه الفترة محمد رشيد رضا صاحب مجلة "المنار"، ومحب الدين الخطيب صاحب المكتبة السلفية المجاهد المعروف، والعلامة محمد صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، ووكيله الشيخ محمد زاهد الكوثري، والشيخ محمد الخضر حسين، وغيرهم.

ولم تكتف مصر بحسن استقبال هؤلاء الأعلام النابهين، بل منحت بعضَهم جنسيتها، وبوأته أعلى المناصب الدينية، مثلما فعلت مع الشيخ محمد الخضر الحسين؛ حيث اختارته ضمن الرعيل الأول المؤسس لـ (مجمع اللغة العربية)، وعينته أستاذاً في كلية أصول الدين، وكافأته بتنصيبه شيخاً للجامع الأزهر.

(1) http://www.nahdha.net/library/khidhrweb.htm

ص: 433

* المولد والنشأة:

ولد محمد الخضر حسين بمدينة "نفطة" التونسية في (26 رجب 1293 هـ / 16 أغسطس 1876 م)، ونشأ في أسرة كريمة تعتز بعراقة النسب، وكرمِ الأصل، وتفخر بمن أنجبت من العلماء والأدباء، وفي هذا الجو المعبق بأريج العلم نشأ "الخضر حسين"، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وشدا شيئاً من الأدب والعلوم الشرعية، ثم انتقل مع أسرته إلى تونس العاصمة سنة (1305 هـ، 1887 م)، وهو في الثانية عشرة من عمره، والتحق بجامع الزيتونة، وأكبّ على التحصيل والتلقي، وكانت الدراسة فيه صورة مصغرة من التعليم في الجامع الأزهر في ذلك الوقت، تُقرأ فيه علوم الدين؛ من تفسير وحديث وفقه وعقيدة، وعلوم اللغة؛ من نحو وصرف وبيان، وكان من أبرز شيوخه الذين لصل بهم، وتتلمذ لهم: عمر بن الشيخ، ومحمد النجار، وكانا يدرسان تفسير القرآن الكريم، والشيخ سالم بوحاجب، وكان يدرس "صحيح البخاري"، وقد تأثر به الخضر الحسين، وبطريقته في التدريس.

* بعد التخرج:

تخرج محمد الخضر الحسين في الزيتونة، غزيرَ العلم، واسع الأفق، فصيح العبارة، محباً للإصلاح، فأنشأ مجلة "السعادة العظمى" سنة (1321 هـ، 1904 م)؛ لتنشر محاسن الإسلام، وترشد الناس إلى مبادئه وشرائعه، وتوقظ الغافلين من أبناء أمته، وتفضح أساليب الاستعمار، وقد لفت الأنظار إليه بحماسه المتقد، ونظراته الصائبة، فعهد إليه بقضاء "بنزرت"، والخطابة بجامعها الكبير سنة (1324 هـ، 1905 م)، ولكنه لم يمكث في منصبه طويلاً،

ص: 434

وعاد إلى التدريس بجامع الزيتونة، وتولى تنظيم خزائن كتبه، ثم اختير للتدريس بالمدرسة الصادقية، وكانت المدرسة الثانوية الوحيدة في تونس، وقام بنشاط واسع في إلقاء المحاضرات التي تستنهض الهمم، وتنير العقول، وتثير الوجدان، وأحدثت هذه المحاضرات صَدًى واسعاً في تونس.

ولما قامت الحرب الطرابلسية بين الدولة العثمانية وإيطاليا، وقف الخضر حسين قلمه ولسانه إلى جانب دولة الخلافة، ودعا الناس إلى عونها ومساندتها، وحين حاولت الحكومة ضَمَّه إلى العمل في محكمة فرنسية، رفضَ الاشتراك فيها، وبدأ الاستعمار الفرنسي يضيق عليه، ويتهمه ببث روح العداء له، فاضطر الشيخ محمد الخضر الحسين إلى مغادرة البلاد سنة (1329 هـ، 1910 م)، واتجه إلى إستانبول.

* بين إستانبول ودمشق:

بدأ الخضر حسين رحلته بزيارة مصر وهو في طريقه إلى دمشق، ثم سافر على إستانبول، ولم يمكث طويلاً، فعاد إلى بلاده ظاناً أن الأمور قد هدأت بها، لكنه أصيب بخيبة أمل، وقرر الهجرة مرة ثانية، واختار دمشق وطنًا له، وعُين بها مدرساً للغة العربية في المدرسة السلطانية سنة (1331 هـ ، 1912 م)، ثم سافر إلى إستانبول، واتصل بأنور باشا وزير الحربية، فاختاره محرراً عربياً بالوزارة، ثم بعثه إلى برلين في مهمة رسمية، فقضى بها تسعة أشهر، وعاد إلى العاصمة العثمانية، فاستقر بها فترة قصيرة لم ترقه الحياة فيها، فعاد إلى دمشق، وفي أثناء إقامته تعرض لنقمة الطاغية "أحمد جمال باشا" حاكم الشام، فاعتقل سنة (1334 هـ، 1916 م)، وبعد الإفراج عنه عاد إلى إستانبول، وما كاد يستقر بها حتى أوفده أنور باشا مرة أخرى إلى ألمانيا

ص: 435

سنة (1334 هـ ، 1916 م)، والتقى هناك بزعماء الحركات الإسلامية؛ من أمثال: عبد العزيز جاويش، وعبد الحميد سعيد، وأحمد فؤاد، ثم عاد إلى إستانبول، ومنها إلى دمشق؛ حيث عاد للتدريس بالمدرسة السلطانية، ودرّس لطلبته "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام النحوي المعروف، حتى إذا تعرضت الشام للاحتلال الفرنسي، اضطر الخضر الحسين إلى مغادرة دمشق، والتوجه صوب القاهرة.

* الاستقرار في القاهرة:

نزل محمد الخضر القاهرة سنة (1339 هـ ، 1920 م)، واشتغل بالبحث وكتابة المقالات، ثم عمل محرراً بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، واتصل بأعلام النهضة الإسلامية في مصر، وتوثقت علاقته بهم، ثم تجنّس المصرية، وتقدم لامتحان شهادة العالمية بالأزهر، وعُقدت له لجنة الامتحان برئاسة العلامة عبد المجيد اللبان، مع نخبة من علماء الأزهر الأفذاذ، وأبدى الطالب الشيخ من رسوخ القدم ما أدهش الممتحنين، وكانت اللجنة كلما تعمقت في الأسئلة، وجدت من الطالب عمقاً في الإجابة، وغزارة في العلم، وقوة في الحجة، فمنحته اللجنة شهادةَ العالمية، وبلغ من إعجاب رئيس اللجنة بالطالب العالم أن قال:"هذا بحر لا ساحل له، فكيف نقف معه في حِجاج؟! ".

* معاركه الفكرية:

شاءت الأقدار أن تُمتحن الحياة الفكرية بفتنة ضارية أثارها كتابا: "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق، و "في الشعر الجاهلي" لطه حسين، وكان الشيخ محمد الخضر حسين واحداً ممن خاضوا هذه المعركة بالحجة القوية، والاستدلال الواضح، والعلم الغزير.

ص: 436

أما الكتاب الأول، فقد ظهر في سنة (1344 هـ ،1926 م)، وأثار ضجة كبيرة، وانبرت الأقلام بين هجوم عليه، ودفاع عنه، وقد صدم الكتاب الرأي العام المسلم حين زعم أن الإسلام ليس دين حكم، وأنكر وجوب قيام الخلافة الإسلامية، ونفى وجود دليل عليها من الكتاب والسنّة، وكانت الصدمة الثانية: أن يكون مؤلف هذا الكتاب عالماً من علماء الأزهر.

وقد نهض الشيخ محمد الخضر حسين لتفنيد دعاوى الكتاب، فأصدر كتابه:"نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" سنة (1344 هـ، 1926) تتبع فيه أبواب كتاب علي عبد الرازق، فكان يبدأ بتلخيص الباب، ثم يورد الفقرة التي تعبر عن الفكرة موضوعِ النقد، فيفندها، ونقد استخدام المؤلف للمصادر، وكشف أنه يقتطع الجمل من سياقها، فتؤدي المعنى الذي يقصده هو، لا المعنى الذي يريد المؤلف.

وقد كشف الخضر الحسين في هذا الكتاب عن علم غزير، وإحاطة متمكنة بأصول الفقه، وقواعدِ الحجاج، وبصيرة نافذة بالتشريع الإسلامي، ومعرفة واسعة بالتاريخ الإسلامي ورجاله وحوادثه.

وأما الكتاب الآخر، فقد ظهر سنة (1345 هـ ، 1927 م)، وأحدث ضجة هائلة؛ حيث جاهر مؤلفة الدكتور طه حسين بالاحتقار والشك في كل قديم دُوِّن في صحف الأدب، وزعم أن كل ما يُعد جاهلياً، إنما هو مختلَق ومنحول، ولم يكتف بهذه الفرية، فجاهر بالهجوم على المقدسات الدينية؛ حيث قال: "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، ولكن هذا لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي

"، وقد انبرت أقلام غيورة لتفنيد ما جاء في كتاب "الشعر الجاهلي" من أمثال: الرافعي،

ص: 437

والغمراوي، ومحمد فريد وجدي، ومحمد الخضر حسين، الذي ألف كتاباً شافياً في الرد على طه حسين، وكتابه بعنوان:"نقض كتاب في الشعر الجاهلي"، فَنَّدَ ما جاء فيه، وأقام الأدلة على أصالة الشعر الجاهلي، وكشفَ عن مجافاة طه حسين للحق، واعتماده على ما كتبه المستشرق الإنجليزي (مرجليوث)، دون أن يذكر ذلك.

* في ميادين الإصلاح:

اتجه الشيخ إلى تأسيس الجمعيات الإسلامية، فاشترك مع جماعة من الغيورين على الإسلام سنة (1346 هـ، 1928 م) في إنشاء (جمعية الشبان المسلمين)، ووضع لائحتها الأولى مع صديقه محب الدين الخطيب، وقامت الجمعية بنشر مبادئ الإسلام، والدفاع عن قيمه الخالصة، ومحاربة الإلحاد العلمي، ولا تزال هذه الجمعية -بفروعها المختلفة- تؤدي بعضاً من رسالتها القديمة.

وأنشأ -أيضاً- (جمعية الهداية الإسلامية)، وكان نشاطها علمياً أكثر منه اجتماعيًا، وضمت عدداً من شيوخ الأزهر وشبابه، وطائفة من المثقفين، وكوّن بها مكتبة كبيرة كانت مكتبته الخاصة نواة لها، وأصدر مجلة باسمها كانت تحمل الروائع من التفسير والتشريع، واللغة والتاريخ.

وإلى جانب هذا النشاط الوافر تولى رئاسة تحرير مجلة "نور الإسلام" -الأزهر الآن- التي أصدرها الأزهر في (المحرم 1349 هـ ، 1931 م)، ودامت رئاسته لها ثلاثة أعوام، كما تولى رئاسة تحرير مجلة "لواء الإسلام" سنة (1366 هـ، 1946 م)، وتحمَّل إلى هذه الأعباء: التدريس بكلية أصول الدين، فالتف حوله الطلاب، وأفادوا من علمه الغزير، وثقافته الواسعة.

ص: 438

وعندما أنشئ (مجمع اللغة العربية) بالقاهرة (1350 هـ ، 1932 م)، كان من الرعيل الأول الذين اختيروا لعضويته، كما اختير عضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق، وأثرى مجلة "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة ببحوثه القيمة عن صحة الاستشهاد بالحديث النبوي، والمجاز والنقل، وأثرهما في حياة اللغة العربية، وطرق وضع المصطلحات الطبية وتوحيدِها في البلاد العربية.

* مشيخة الأزهر:

نال الشيخ عضوية جماعة كبار العلماء برسالته القيمة "القياس في اللغة العربية" سنة (1375 هـ، 1955 م)، ثم لم يلبث أن وقع عليه الاختيار شيخاً للجامع الأزهر في (26 ذي الحجة 1371 هـ، 16 سبتمبر 1952 م)، وكان الاختيار مفاجئًا له، فلم يكن يتوقعه أو ينتظره بعدما أكبر في السن، وضعفت صحته، لكن مشيئة الله تكرم أحد المناضلين في ميادين الإصلاح؛ حيث اعتلى أكبرَ منصب ديني في العالم الإسلامي.

وكان في ذهن الشيخ حين ولي المنصب الكبير وسائلُ لبعث النهضة في مؤسسة الأزهر، وبرامج للإصلاح، لكنه لم يتمكن من ذلك، ولم تساعده صحته على مغالبة العقبات، ئم لم يلبث أن قدم استقالته احتجاجاً على اندماج القضاء الشرعي في القضاء الأهلي، وكان من رأيه أن العكس هو الصحيح، فيجب اندماج القضاء الأهلي في القضاء الشرعي؛ لأن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون المصدر الأساسي للتشريع، وكانت استقالته في (2 جمادى الأول 1372 هـ، 7 يناير 1954 م).

ويذكر له في أثناء توليه مشيخة الأزهر قولته: "إن الأزهر أمانة في عنقي، أسلمها حين أسلمها موفورة كاملة، وإذا لم يتأتَّ أن يحصل للأزهر مزيدٌ من

ص: 439

الازدهار على يدي، فلا أقلَّ من أن لا يحصل له نقص". وكان كثيراً ما يردد:"يكفيني كوب لبن وكسرة خبز، وعلى الدنيا بعدها العفاء".

* مؤلفاته:

كان الشيخ عالماً، فقيهاً، لغوياً، أديباً، كاتباً من الرعيل الأول، أسهم في الحركة الفكرية بنصيب وافر، وترك للمكتبة العربية زاداً ثرياً من مؤلفاته، منها:

- "رسائل الإصلاح"، وهي في ثلاثة أجزاء، أبرز فيها منهجه في الدعوة الإسلامية، ووسائل النهوض بالعالم الإسلامي.

- "الخيال في الشعر العربي".

- "آداب الحرب في الإسلام".

- "تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي".

- ديوان شعر "خواطر الحياة".

بالإضافة إلى بحوث ومقالات نشرت في مجلة الأزهر "نور الإسلام"، و"لواء الإسلام"، و"الهداية الإسلامية".

* وفاته:

وبعد استقالته من المشيخة تفرغ للبحث والمحاضرة حتى لبى نداء ربه في مساء الأحد (13 من رجب 1377 هـ ، 28 فبراير 1958 م)، ودفن بجوار صديقه أحمد تيمور باشا بوصية منه، ونعاه العلامة محمد علي النجار بقوله: "إن الشيخ اجتمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره، إلا في النّدْرى؛ فقد كان عالماً ضليعاً بأحوال المجتمع ومراميه، لا يشذ عنه مقاصد الناس ومعاقد شؤونهم، حفيظًا على العروبة والدين، يردُّ على ما يوجَّه إليهما،

ص: 440

وما يصدر من الأفكار منابذاً لهما، قوي الحجة، حسن الجدال، عفَّ اللسان والقلم

".

* من مصادر الدراسة:

- أنور الجندي: الفكر والثقافة المعاصرة في شمال إفريقية -الدار القومية للطباعة والنشر- القاهرة- (1385 هـ، 1965 م).

- علي عبد العظيم: مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن -مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية- القاهرة - (1399 هـ ، 1979 م).

- محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين - دار القلم - دمشق - (1415 هـ، 1995 م).

- محمد مهدي علام: المجمعيون في خمسين عاماً - مطبوعات مجمع اللغة العربية - القاهرة - (1406 هـ، 1986 م).

- محمد علي النجار: كلمة في تأبين الشيخ محمد خضر حسين - محاضر جلسات مجمع اللغة العربية - الجزء الحادي والعشرون.

ص: 441