الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام محمد الخضر حسين الجزائري حياته وآثاره
(1)
الهجرة في سبيل الله متنفَّس الأحرار، وملاذ الثوار، الذين حوصروا في آرائهم وعقائدهم، وحرموا من أداء أمانتهم العلمية، وواجباتهم الإسلامية، ومُسُّوا في كرامتهم وحرياتهم، فتراهم يتخذون الهجرة سفناً، شعارُهم قول الحق سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100].
وهكذا كان الجزائريون إبان الحقبة الاستعمارية الصليبية الحاقدة، يضربون في الأرض مهاجرين؛ حفاظاً على دينهم، ونشراً لتعاليمه، وإبلاغاً لقضيتهم، ومن بين هؤلاء الجزائريين المهاجرين: الشيخ سيدي مصطفى ابن عزوز البرجي، جد الشيخ الخضر لأمه، الذي فر إلى "نفطة" في منطقة الجريد التونسي، وأسس زاويته المشهورة سنة 1837 م، والتي تنتسب إلى الطريقة الخلوتية الرحمانية، والجدير بالذكر: أن أتباعه ومريديه الذين هاجروا معه حملوا عبء التأسيس، ومن بين هؤلاء: الشيخ الحسين بن علي والدُ الإمام الخضر، الذي تزوج بنتَ شيخه مصطفى بن عزّوز السيدةَ حليمة السعدية.
(1) لفضيلة العلامة الشيخ أحمد رشيق بكيني أستاذ بالزاوية الحملاوية والمعهد الإسلامي بالتلاغمة - الجزائر - عن مجلة "منبر الإمام مالك بن أنس"، العدد الرابع - ربيع الأول (1423 هـ / 2002 م).
وفي هذا الجو العائلي، المفعَم بالصلاح والعلم والتقوى، ولد الإمام الخضر بنفطة سنة 1873 م، وقضى طفولته الأولى في زاوية جده الرحمانية؛ حيث حفظ القرآن الكريم، وأخذ مبادئ العلوم اللغوية والشرعية على عدد من العلماء والمشايخ، من بينهم: خاله الشيخ محمد المكي بن عزوز.
والإمام الخضر شريف النَّسبين، يتصل نسبه بسيد الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو: الإمام محمد الخضر بن الحسين بن علي بن عمر بن الموفق ابن محمد بن أحمد بن علي بن عثمان بن يوسف بن عبد الرحمن بن سليمان ابن أحمد بن علي بن أبي القاسم بن علي بن أحمد بن حسن بن سعد بن يحيى بن محمد بن يونس بن لقمان بن علي بن مهدي بن صفوان بن يسار ابن موسى بن عيسى بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل ابن الحسين المثنى بن الحسن السبط بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي سنة 1886 م انتقلت عائلة الإمام الخضر من "نفطة" إلى تونس للإقامة الدائمة، وبعد سنة من استقرارها التحق الإمام الخضر بجامع الزيتونة، وهو في الرابعة عشرة من عمره.
وفي سنة 1898 م تحصل الإمام الخضر على شهادة التطويع بعد إحدى عشرة سنة قضاها في رياض الزيتونة متقلباً بين علمائها ومشايخها.
ولأن أسرته حملت لواء التعليم في منطقة الزاب الجزائري -ولا زالت- والجريد التونسي، فقد فضل أن ينخرط في سلك المدرسين بجامع الزيتونة، وأن يواصل تحصيله العلمي بالمطالعة الجادة.
وفي سنة 1904 م أسس مجلة "السعادة العظمى"، وهي أول مجلة عربية تظهر في تونس، التي توقفت عن الصدور بعد سنة من تأسيسها، وبتوقفها
سنة 1905 م تولى الإمام الخضر منصب القضاء ببنزرت، ولكنه استقال منه بعد شهور، وعاد إلى التدريس في جامع الزيتونة، وكأني به خُلِقَ للتعليم، أو خُلِقَ التعليم له.
وفي سنة 1906 م أسست (جمعية تلاميذ جامع الزيتونة)، وكان الإمام رحمه الله من المؤسسين الأوائل لهذه الجمعية، ولأن الإمام جزائري، فقد كان كثيراً ما يتردد لزيارة الأهل والأقارب، سواء في أثناء إقامته في "نفطة"، أو إقامته في "تونس"، أو غيرهما.
وفي سنة 1911 م هاجرت والدته مع إخوته إلى دمشق بسورية، وبعد سنة من إقامتهم التحق بهم الإمام الخضر، مقتفياً بذلك سُنَّة أجداده الذين هاجروا من الزاب الجزائري إلى الجريد التونسي؛ حفاظاً على دينهم، ونشراً لتعاليمه، وإبلاغاً لقضيتهم.
وفي سورية تولى الإمام الخضر التدريس بالمدرسة السلطانية، وإلقاء المحاضرات في الجامع الأموي، وغيره من الأماكن المشهورة، كما كان موئلاً للجالية الجزائرية.
وفي سنة 1916 م اتهم الإمام الخضر بتعاطفه مع الوطنيين السوريين الذين قاموا ضد نظام الحكم العثماني، فسجن لمدة ستة أشهر، وكاد أن يعدم لولا أن الله سلم، وإثر تبرئته التحق للعمل في وزارة الحربية التركية ككاتب عربي بالآستانة، ثم كلفه الباب العالي بمهام سياسية إلى ألمانيا.
وفي سنة 1920 م وجد الإمام الخضر نفسه في ملاحقة فرنسا الصليبية إثر احتلالها لسورية، فما كان منه إلا أن يهاجر إلى القاهرة.
وفي القاهرة كان الإمام الخضر يشتعل نشاطاً، ويلتهب حيوية، ومن
بين النشاطات والأعمال التي قام بها، والمناصب التي شغلها:
- تأسيس (جمعية تعاون جاليات شمال إفريقية).
- التدريس في الجامع الأزهر.
- تأسيس (جمعية الهداية الإسلامية).
- ترأس هيئة تحرير مجلة "الهداية الإسلامية".
- ترأس تحرير مجلة "نور الإسلام الأزهرية".
- تعيينه عضواً في (المجمع اللغوي) بالقاهرة، كما عُين من قبلُ عضواً عاملاً في (المجمع العلمي العربي) بدمشق.
- تأسيس (جبهة الدفاع عن إفريقية الشمالية).
- انتسابه إلى (هيئة كبار العلماء).
وأخيراً توّجت نشاطاته وأعماله باختياره لتولي منصب مشيخة الجامع الأزهر سنة 1952 م، فقبل به بعد إلحاح أصدقائه، ووفدِ الوزراء الذي زاره في منزله.
ولقد كان رحمه الله كما حدثني شيخنا العلامة سيدي أحمد إدريس عبده عن شيخنا العلامة إبراهيم أبو الخشب: خيرَ رجل تولى مشيخة الأزهر.
وفي سنة 1954 م قدّم استقالته؛ نظراً لكبر سنه، واعتلال صحته، وقد جاوز عمره الثمانين.
وفي يوم 2 فيفري 1958 م انتقل الإمام الخضر إلى جوار ربه عن سن يناهز الخامسة والثمانين سنة، وقد دفئ بالقاهرة في المقبرة التيمورية بوصية منه، فرحم الله إمامنا رحمة واسعة، وألحقه بالذين أنعم الله عليهم.
وقد ترك الإمام الخضر آثاراً كثيرة منها الكتب التالية:
- "أسرار التنزيل".
- "بلاغة القرآن".
- "محمد رسول الله وخاتم النبيين".
- "تراجم الرجال".
- "الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان".
- "دراسات في الشريعة الإسلامية".
- "رسائل الإصلاح".
- "محاضرات إسلامية"
- "الرّحلات".
- "القاديانية والبهائية"
- "الهداية الإسلامية".
- "دراسات في العربية وتاريخها".
- "دراسات في اللغة".
- "الخيال في الشعر العربي ودراسات أدبية".
- "نقض كتاب في الشعر الجاهلي".
- "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم".
- "نظرات في الإسلام وأصول الحكم".
- "القياس في اللغة العربية".
- "أحاديث في رحاب الأزهر".
- "هدى ونور".
ذلكم هو غيث الجزائر، ينزل على ربوع العالم الإسلامي، فينبت القرآن والعلم والجهاد، وتلكم هي منطقة الزاب الجزائري، تسطع أشعتها على الأمة الإسلامية، فتنقلب مضيئة وضاءة.