الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على هامش ذكرى الإمام الشيخ محمد الخضر حسين
محاورة شعرية بين العالم الشاعر المرحوم علي النيفر، وشيخه العلامة الشاعر الإمام المرحوم الشعغ محمد الخضر حسين (1)
للأستاذ الفاضل محمد المختار النيفر (2)
لمّا سافر الوالد -عليه رحمة الله- للحجّ في موسم (1368 هـ - 1948 م)، أقام أياماً بالقاهرة ذهاباً وإياباً، وسعى للاتصال بشيخه الخضر رحمه الله، وقد تيسر له ذلك، وحظي بكرم وفادته، ولدى رجوعه إلى تونس، حبّر هذه القصيدة البليغة؛ تنويهاً بشيخه العلامة الشيخ محمد الخضر حسين، ووجّهها له بواسطة أحد أقاربه، وهو: المرحوم الشيخ محمد الطاهر النيفر؛ ليسلمها له في موسم الحج الموالي، وقد لبى له هذه الرغبة، وبلّغ هذه القصيدة لصاحبها، وإليكها:
أَزْجِ القوافي شُرَّداً وأوابدا
…
لحمىً يعجُّ مكارماً ومَحامدا
وأَنِخْ كرائِمَها لديهِ فَساحُهُ
…
ترْعى القصيدَ ولا تردُّ القاصدا
غيلُ الأعاربِ ملتقى أبطالِهم
…
وربيعُ مُسْنِتِهِمْ وحَسْبُك رافدا
(1) نشرت في "المجلة الصادقية" -تصدرها: جمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية- العدد 16 أكتوبر 1999 م - تونس.
(2)
من كبار القضاة في تونس.
حيثُ الرضا "الخضر الحسين" تخالُ ما
…
يُبديه من غُررِ البيانِ قلائدا
حيثُ ابتنى في مصرَ للخضراءِ مِنْ
…
عِرفانِه علماً يغيظُ الحاسدا
أعلى مناراً "للهداية"(1) في مغانيـ
…
ـها فعادَ به المضلَّلُ راشِدا
وبه "لوا الإسلام"(2) يخفق عالياً
…
فأظلَّ مَحْروراً وأدفأَ صارِدا
قد أذكرانا منه صرح "سعادة
…
عظمى" (3) بتونس كان أعلى شائدا
و"الأزهر" المعمور حبّر "سفره"(4)
…
حقباً وأطلع في سَماهُ فَراقِدا
ولكمْ به قد بثَّ علماً نافعاً
…
نقعَ الغليلَ لمن أتاه وارِدا
يحكي الذي أَحيا به "زيتونة" العرْ
…
فان في علمٍ أضاء معاهدا
و"المجمع اللغوي"(5) في مصرَ غدا
…
فيه لما يُعلي العروبة ماهِدَا
وبحسبِهِ أنْ راح يرأسُ "جبهةً"(6)
…
لدفاعِ من ناوى المغاربَ صامدا
ما زال يرأسها بعزمةِ أيِّدٍ
…
في صحبة الأبرار يدأبُ ذائِدا
سبحان من أولاك علماً واسعاً
…
وتقىً وخلقاً مثل خِيمك ماجِدا
يا فخرَ تونس يا ميمّمَ من نأى
…
عنها بمصرَ مُهاجِراً أو وارِدا
(1) إشارة إلى جمعية (الهداية الإسلامية) التي كان يرأسها، وإلى مجلتها التي كان يصدرها بمصر.
(2)
إشارة إلى مجلة "لواء الإسلام" التي كان يصدرها بمصر -أيضاً-.
(3)
إشارة إلى مجلة "السعادة العظمى" التي كان أصدرها بتونس قبل هجرته لمصر.
(4)
إشارة إلى مجلة "الأزهر" التي كان يرأس تحريرها عند ذلك.
(5)
إشارة إلى عضويته بالمجمع اللغوي المذكور بمصر.
(6)
إشارة إلى (جبهة الدفاع عن أقطار شمال إفريقية المحتلة) التي كان يرأسها.
يا أنسَ مغتربٍ وموئلَ لاجئٍ
…
وكفى بما شهد البريّة شاهدا
أهدي لكم مني تحيةَ شائق
…
لكريم خلقكم الهنيّ مواردا
ما زلتُ أذكرها بمصرَ مجالساً
…
لكُم علينا قد نثًرْنَ فَرائدا (1)
أبقاك من رقاكَ أرفعَ رتبةٍ
…
وحباك من كل الأمورِ مَراشِدا
وبقيتَ من كل الخُطوبِ مسلَّماً
…
لجميعِ ما ترجو وتأملُ واجدا
علي النيفر
تونس 27 ذو القعدة 1368 هـ
لما بلغت القصيدة الشيخَ الإمام محمد الخضر حسين، أنس بها، وأجاب عنها بقصيدة على نفس الروي والقافية، وجّهها للوالد (الشيخ علي النيفر) عن طريق البريد، بتاريخ المحرم سنة (1369 هـ - 1949 م) قدّم لها بما يلي: "حضرة الأستاذ الماجد الشيخ علي النيفر -حفظه الله-.
بعد إهداء أطيب التحية، أتشرف بأن أجيب عن قصيدتكم الغرّاء بالقصيدة التالية":
رعى اللهُ حسنَ العهْدِ هزَّ قريحةً
…
فألْقَتْ علينا من حَلاها فَرائدا
وما الكَلِمُ الفُصْحى سِوى دُرَرِ إذا
…
تَلاقتْ على القِرْطاسِ صارت قَلائدا
وربَّ قصيدٍ هاجَ ذكرى تثيرُ مِنْ
…
تَباريحِ شوْقٍ ما يُذيبُ الجَلامدا
قصيدٌ بدا من أفْقِ أرضٍ نشأتُ في
…
مِهادِ رُباها لا عدِمْتُ القصائدا
(1) إشارة إلى ما حباه به من كرم الوفادة عند اجتماعه به إبان مروره بمصر في أثناء ذهابه ورجوعه من الحج.
أبا الحَسَنِ اسْتَسْمَنْتَ ذا ورَمٍ أما
…
ترى عزْمَه بين الجَوانح خامِدا (1)
ولا خيرَ فيمنْ عاد صارمُ عزْمِهِ
…
كَهاماً وَيرْضى أن يُسمّى المجاهِدا
وأطربتَ ظمآنَ استبانَ لِداتُهُ
…
مَواردَ عِرْفانٍ وضلَّ المَواردا
نظرتَ بعينِ الوِدّ سيرَتَه فما
…
دَرَيْتَ الذي تَدْريه لو جِئْتَ ناقِدا
حَمِدْنا سُراكم يومَ وافيتَ قادماً
…
على الطّائرِ الميمونِ للحجِّ قاصِدا
طَلعْتَ علينا واشتياقي لتونسٍ
…
يقلِّبُ جَمْراً بين جنبيَّ واقدا
فأهْديتَ طاقاتٍ من الأُنْسِ طالما
…
بَكَرْتُ لها بين الخَمائلِ ناشِدا
لقيتُ بلقياكَ الأريبَ الذي حكى
…
بسيرته الحسناءِ جَدّاً ووالدا (2)
ذكرتُهما عندَ اللقاءِ وإنما
…
ذكرتُ علوماً جمةً ومَحامِدا
ولم أنْسَ أنْ كان الموقَّرُ جدُّكُم
…
غداةَ امتحاني مُستشاراً وشاهِدا
فنوَّهَ بي عَطْفاً وتنويهُ مِثْلِهِ
…
يروّجُ ذِكْراً مثلَ ذِكْرِيَ كاسِدا (3)
بعَيْشِكَ حَدِّثْني عن المعهد الذي
…
قضيت به عهدَ الشبيةِ رائدا (4)
حَظيتُ بأشْياخٍ ملأتُ الفؤادَ مِنْ
…
تَجِلَّتهمْ لمّا خَبِرْتُ الأماجدا
بيانُ أديبٍ يقلِبُ الليلَ ضَحْوةً
…
وفِكْرَةُ نِحْريرٍ تَصيدُ الأوابِدا
(1) أبا الحسن: الشيخ علي النيفر من كبار أدباء تونس وعلمائها، وشبَّ في وسط آل النيفر العلمي.
(2)
يعني بالجدّ: الشيخ محمد الطيب النيفر شيخ الإسلام المالكي، وبالوالد: الشيخ محمد النيفر والده، وهو قرينه في الدراسة.
(3)
يشير إلى موقف الجدّ المذكور عند اجتيازه مناظرة التدريس.
(4)
يعني: جامع الزيتونة الذي نهل من معارفه، وكان كثير الحنين إليه.
فلم يُرِني أدْرى وأنبلَ مِنْهُمُ
…
رحيلٌ طوى بي أبْحُراً وفَدافِدا
ويأبى قريضي وهو ضَيْفُ حِماكَ أن
…
يَمُرَّ بمرْسى المَهْدوِيِّ مُحايِدا (1)
فَلي في نَقاها جيرةٌ كنتُ أقتَني
…
طَرائفَ من إيناسِهِمْ وتَلائِدا
فدعْهُ يُحيّيهم حِفاظاً لعهْدِهِمْ
…
ويأوي إلى مَغْناكَ في الطّرْسِ عائِدا
المخلص
محمّد الخضر حسين
(1) أشار الشيخ الخضر بالأبيات الثلاثة الأخيرة إلى رغبته في إطلاع صاحبه وصديقه الوفي العلامة الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله: على القصيدة. ويذكر الوالد رحمه الله أنه وفى له بطلبه، وأطلع شيخه على القصيدة المذكورة الذي أرجعها له بعد ذلك. وكان الشيخ الإمام في ذلك الوقت شيخ الجامع الأعظم، والوالد نائبه الأول.
ومرسى المهدوي: معروف في ضاحية المرسى بتونس.