الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكريم أعضاء في جمعية الهداية الإسلامية
(1)
* من خطبة الأستاذ عبد المنعم خلاف:
والواقع أنّ هنا مَنْ هم أحقُّ بالتكريم منا: هؤلاء هم الذين تعهدونا برعايتهم حتى وصلنا إلى الغاية التي كرمتمونا من أجلها. هم الذين أرونا النقص الذي يملأ حياتنا، وبصّرونا بالثغر التي كنّا فيها، ثم سمّدونا نحوها، فكنّا بهم طلبة غير عاديين، لا عن ذكاء فارط، ولا عن علم ضافٍ
…
ولكن باهتمامنا بالمسالة الإسلامية، فإذا شئتم، فكرّموهم هم، فما يُكرم النبات لنموه وازدهاره، وإنما تُكرم الأيدي التي تعهدته وحاطته.
ومن أعظم الذين تعهدونا بتربيتهم: شخصيتان عظيمتان في الجماعات الإسلامية، هما: فضيلة السيد الجليل محمد الخضر حسين رئيس هذه الجمعية، وحضرة الكاتب الكبير السيد محب الدين الخطيب كاتم سرها.
أما أولهما، فمثَلٌ للإنسانية الفاضلة التي تدع من يتصل بها يشعر شعوراً عميقاً أنه أمام مثل يضربه الله بين يدي هذا العصر؛ ليفسر به قوله تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]، وهو خير مصداق
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثاني من المجلد الخامس الصادر في رجب 1351 هـ. أقامت جمعية "الهداية الإسلامية" حفل تكريم أعضاء جمعية الهداية الإسلامية الذين أكملوا دراستهم العليا. وهذه مفتطفات من بعض الخطيب.
لقول القائل: "كلما زاد علم الرجل، خفض جناحه، كالشجرة كلما زادت ثمارها، تواضعت أغصانها".
وحقيقة يا سادتي! إن السيد الخضر طراز نادر في هذا الزمن! فهو - على امتلائه بقدر من العلوم والمعارف قلّما يتيسر لغيره من معاصريه، وعلى نباهة شأنه بين أهل زمانه، حتى إنه ليعدّ حجة من حجج الإسلام -هو- على هذا كله - خافض الجناح، مصفى الخلق، متواضع، يسير في طريقه كما يقف في صلاته. وناسُ هذا الزمان أعلى رؤوسهم أفرغُها، وأرفُع أصواتهم أنكرُها، فهم كالطبول تملأ الدنيا ضجيجاً، ولكنك إذا غمزتها بإبرة، تكشفت لك عن تجويف وفراغ.
وناحية أخرى في السيد الخضر جديرة بالاقتداء: هي عمله الدائب للإسلام -على شيخوخته وعلو سنّه-، ولن ينسى الذين رأوه في الاجتماعات التمهيدية لتأسيس (جمعية الشبان المسلمين) في ذلك المكتب التاريخي بدار المكتبة السلفية، تلك الشيخوخةَ الجليلة المتحمسةَ المواظبةَ، التي كانت تأبى إلا أن تتولى الأعمال الكتابية في تلك الجلسات، دون أن تتركها للشباب.
فبمثل هذا فليقتدِ الذين يريدون أن يعود مجد الإسلام.
فإلى هذا الينبوع يرجع قسط عظيم مما فينا من ماء، ولولاه لخرجنا كما يخرج أغلب شباب هذا البلد، لا نرمي إلى غاية، ولا نسعى إلى مثل، فهما أحق بالتكريم لا نحن -بارك الله فيهما، وأثابهما كفاء ما لهما من فضل-.
* من خطبة الأستاذ الشيخ عبد القادر يوسف:
منذ خمس سنين أو يزيد، فكرتُ أنا وفريق من إخواني شباب الأزهر الناهض فيما وصلت إليه حال المسلمين من الضعف والانحلال، تلك الحال
التي سهَّلت لأعداء الإسلام الاجتماعَ والتآمر ضدَّه، وفكرنا مع ذلك في الدعايات الواسعة النطاق التي قامت بها جيوش أهل الباطل، هذه الدعايات التي نظمت وأحكمت: فمن جمعيات للتبشير تغزو قلوب الشباب تحت ستار العلم، وتلقي في روعه الشك، وتزحزحه عن دينه بزخرف القول وزوره، ومن مستشفيات يستغل المشرفون عليها ما بالمريض من ضعف، وما عنده من أمل في الشفاء؛ ليؤثروا على عقيدته. ومن جرائد تنفث سموماً فتاكة باسم المدنية والتجديد.
في هذا الجو الذي تجاوبت فيه أصداء المضلّلين، وتكاثفت فيه سحب الباطل، حتى كادت تحجب ضياء الحق؛ عقدنا النية على القيام بعمل يُناهض عملَ المبطلين. ولما اختمرت الفكرة في نفوسنا، عرضناها على رجل من كبار المصلحين، عرفنا فيه العزم الصادق، والإيمان الثابت، والتضحية بمثلها الأعلى في سبيل إعلاء كلمة الله. ذلكم الرجل العامل هو صاحب الفضيلة السيد محمد الخضر حسين. عرضنا فكرتنا على فضيلته، فتقبلها بقبول حسن، وأنبتها نباتاً حسناً. فكان قبوله لها أكبر مشجع لنا على السير في طريقنا، وما زال يتعهدنا بنصحه، ويرسم لنا الطرق المجدية حتى برزت الفكرة من حيز القول إلى حيز العمل، فظهرت هذه الجمعية الناهضة، وشعارها: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.