الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجل عظيم ويزيده عظماً وقدراً أنه يعرف قدر العظيم
(1)
ما كنت أحسب - وأنا أنعي إليه (2) شيخَنا وإمامنا الراحل (3)، وقد أسلم الروح إلى بارئها - إلا أنه يجاملني بكلمة عزاء تمر كما يمر غيرها من الكَلِم، ولكن ما كان أعظمَ دهشتي حينما فزع واسترجع، ثم أخذ يلقي عليَّ درساً في تقدير العظماء الراحلين، درساً خليقاً بأن يسجل ويروى في تاريخ الخالدين.
كانت بين الشيخين خصومة في بعض مسائل العلم (4)، ولكنها كانت خصومة نبيلة كريمة، من قبيل (الخصومة بين الأكابر)، تلك التي سجلنا نماذج من طرازها الأول في المجلد الخامس والعشرين.
وكان من أدب فقيدنا الراحل -تغمده الله برحمته-: أن يسجل مسائل
(1) مجلة "الأزهر"- الجزء الأول من المجلد التاسع والعشرين، يصور لنا العالم الأزهري الفاضل طه الساكت مشهداً من أخلاق الإمامين: محمد الخضر حسين، ومحمود شلتوت -رحم الله الجميع-.
(2)
أي؛ الإمام محمود شلتوت.
(3)
أي: الإمام محمد الخضر حسين.
(4)
رد الإمام محمد الخضر حسين على مقالة الإمام محمود شلتوت (الهجرة وشخصية
الرسول).
الخلاف بينه وبين خصمه في مقال أو رسالة، ثم يأتي عليها بالحجة الساطعة، والبيان الناصع، في أمانة من النقل، وعفة من القول، هما المثال الأعلى لمن يبتغي الإنصاف والحق من أعدل طريق وأمثلِه.
ويقرأ خصمه الرد عليهم في مقالاته وكتبه، وكلهم أو جُلُّهم من عِلْية القوم، وأكابر الكتّاب، فيعجبون للأدب الرشيد، والقول السديد، والحجة البالغة، والعلم المصفى، والحكم البصير النافذ، الذي يتقدمه الإخلاص والإيمان، ويصحبه العدل والإحسان، فيخشع له كل عالم وأديب، ويهابه كل دفع أو تعقيب.
لكن النبلاء من خصمه، يفيدون من ذلك النبع الفياض، والأدب العالي الرفيع، ثم ينوِّهون به في حياته، ويدعون إلى التخلق به بعد وفاته، وكذلك فعل "الرجل العظيم".
كانا عضوين بالمجمع اللغوي، إلا أن "إمامنا"(1) كان أسبق؛ إذ كان ركنًا من أركان المجمع منذ أنشئ، وكانا عضوين في جماعة كبار العلماء، إلا أن "عظيمنا"(2) كان أسبق منذ بضع سنين.
فلما تقدم إمامنا إلى عضوية الجماعة، ظن من لا يعرفون"الرجل" (3): أن الفرصة قد هيئت للوقوف في طريق خصمه، لكنها كانت مفاجأة كريمة حاسمة أن زكّاه الخصم النبيل وهو يقول:"إنَّ من لا يزكي السيد الخضر في عضوية الجماعة، فإنما يلغي عقله، أو يسقط نفسه"، أو قال كلمة نحوها.
(1) الإمام محمد الخضر حسين.
(2)
الإمام محمود شلتوت.
(3)
الإمام محمود شلتوت.
فلما قضى الله قضاءه، واستأثر شيخنا برحمته، هزّني الرجل بكلماته هزّاً، وهو يدعو إلى التأسي به، حتى كأن المسرة كانت ترتجف من هوله ما أصابه، أو من عظمة ما يقول.
أما بعد:
فإن أهمك أن تعرف "الرجل"، فحسبك أنه يشغل مركزاً اجتماعياً خطيراً، ما خلا منصباً أزهرياً كبيراً، فإن لم تعرفه بعد ذلك، فحسبك درس عظيم، من رجل عظيم، في إمام كريم، عاش في الله، وجاهد في الله، ثم مات في الله، ورحل -بإذن الله- إلى الرفيق الأعلى {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ} [النساء: 69].
العالم الأزهري
طه محمد الساكت