المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسماء الصفات وأسماء الأعيان المشيرة إلى وصف - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - جـ ١٣

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(26)«الإرثُ الفِكريُّ للإِمَامِ مُحَمَّدٍ الخَضِرِ حُسَين»

- ‌المقدمة

- ‌السياسة القضائية

- ‌أسماء الصفات وأسماء الأعيان المشيرة إلى وصف

- ‌الحالة السياسية في تونس محاولة إدماج التونسيين في الجنسية الفرنسية

- ‌رسالة الإمام محمد الخضر حسين إلى الأستاذ محمد الصادق بسيس

- ‌رثاء الوزير الأكبر محمد العزيز بوعتّور

- ‌تهنئة لمقام المشيخة الإسلامية

- ‌من شعر الإمام محمد الخضر حسين

- ‌تقريض كتاب "مرآة البراهين في مضار النشوق والتدخين

- ‌تقريض رسالة "إجمال القول في مضار الكحول

- ‌الحمد لله - هذه حياتي

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيدي

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالسيد محمد الخضر حسين

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالشيخ الخضر حسين

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيديالشيخ الخضر حسين

- ‌ كيف يقضي يومه بالقاهرة:

- ‌ اللغات التي يحسنها:

- ‌من وثائق محمد الصالح المهيدي

- ‌تلامذة جامع الزيتونة

- ‌ربع ساعة أمام المذياعالأدب التونسي في القرن الخامس مسامرة الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌العلامة التونسي الشهير الشيخ الخضر بن الحسين يسمى شيخاً على الأزهر الشريف

- ‌من وحي القلملمسة وفاء

- ‌شخصيات إسلاميةالإمام محمد الخضر حسين

- ‌الإمام محمد الخضر حسين في كتاب "إمداد الفتاح بأسانيد ومرويات الشيخ عبد الفتاح

- ‌مقتطفات من الكتب من تتعلق بالإمام محمد الخضر حسين وتراثه

- ‌هبة الأيام فيما يتعلق بأبي تمام

- ‌صوت الحق

- ‌تزويد أحد الشبان التونسيين بموعظة

- ‌مِرْقاة العُلا

- ‌إجازة الإمام محمد الخضر حسين للعلامة الشيخ حامد التقي الدمشقي

- ‌الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌علم من أعلام الزيتونةالشيخ محمد الخضر حُسين من خلال آثاره العلمية

- ‌على هامش ذكرى الإمام الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌في ذكرى الشيخ الإمام محمد الخضر حسين (1873 هـ -1958 م)

- ‌قال أمير شعراء تونس الشاذلي خزنة دار في تهْنِئَة الشيخ الخضر بن الحسين بمشيخَة الجامع الأزهر، ودخول العام الهجري الجديد

- ‌محمد الخضر بن الحسين التونسي

- ‌رثاء المنعم العلامة الشيخ محمد الخضر حسين نظم الشيخ المنعم على النيفر

- ‌تونس ملهمة الشعراء محمد الخضر حسين

- ‌رسائل محمّد الخضر حسين

- ‌مدارك الشريعة الإسلامية وسياستها

- ‌حفلة الترحيب بالرئيس الجليل

- ‌حفلة تكريم رئيس الجمعية

- ‌تكريم أعضاء في جمعية الهداية الإسلامية

- ‌تقدير علمي

- ‌مذكرات شيخ الأزهر

- ‌من أعلام الاجتهاد الإسلامي الحديث

- ‌مقدمة عَلَّامة الشام محمد بهجة البيطار

- ‌محمد الخضر حسين لغوياً وناقداً أدبياً

- ‌الإمام محمد الخضر حسين

- ‌الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الأخوَّة بين الإمامين محمد الخضر حسين ، ومحمد الطاهر بن عاشور

- ‌تدهور الفكر العربي

- ‌حكم عليه بالإعدام في تونس…فأصبح شيخاً للأزهر

- ‌الاجتهاد والفكر المستنير بالبلاد التونسية في القرن العشرين نماذج من المجتهدين التونسيين في القرن العشرين

- ‌رجل عظيم ويزيده عظماً وقدراً أنه يعرف قدر العظيم

- ‌القياس في اللغة العربية للأستاذ محمد الخضر حسين عضو مجمع اللغة العربية الملكي

- ‌الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌شهادة عن الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الشيخ الخضر حسين منافح عن الإسلام والعروبة

- ‌العَلَّامة محمد الخضر الحسين

- ‌إفريقيا الشمالية حديث لرئيس جبهة الدفاع عنها

- ‌التعريف والنقد دراسات قي العربية وتاريخها تأليف محمد الخضر حسين

- ‌العلامة الشيخ محمد الخضر حسين الطولقي مشيخة الأزهر، وتأسيس أول مجلة بتونس

- ‌مقابلة فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الإمام محمد الخضر حسين الجزائري حياته وآثاره

- ‌محمد الخضر بن الحسين

- ‌سلالة الشيخ علي بن عمر

- ‌العلامة محمد الخضر حسين التونسي

- ‌محمد الخضر بن حسين التونسي

- ‌القاديانية

- ‌أعلام مصر والعالم. . . لوديع فلسطين

- ‌تونسي ثائر في ثورة عبد الناصر

الفصل: ‌أسماء الصفات وأسماء الأعيان المشيرة إلى وصف

‌أسماء الصفات وأسماء الأعيان المشيرة إلى وصف

(1)

في كلام العرب أسماء أعيان لا تُشير إلى وصف؛ نحو: أسد، وسيف، وذهب، وعنب، ونمر، وليل، وصخر، وماء.

وفي كلام العرب أسماء مشتقة دلّت طريقة استعمال العرب على أنها مطردة في كل ما تحقق فيه الوصف الذي دلّت عليه، نحو: كاتب، وبليغ، وحسن، ومفضال.

وفي كلام العرب أسماء أعيان أخذت من صفات وجدت معانيها في تلك الأعيان، وصارت هذه الأسماء تستعمل لهذه الأعيان خاصّة؛ نحو: النظام للخيط ينظم به اللؤلؤ ونحوه، والسماء لمطلع الكواكب، أو سقف البيت، والحسام للسيف القاطع.

وهذان النوعان، أعني: أسماء الصفات، وأسماء الأعيان المشيرة إلى صفة، هما اللذان قد يتشابهان على الناظر، فكان القصد من هذا المقال: بحثها، وبيان وجوه الفرق بينهما في استعمال العرب، وفي عبارات المعاجم.

* الفرق بينهما في استعمال العرب:

يستعمل العرب اسم الصفة للدلالة على تلك الصفة من حيث قيامها

(1) وجدت هذا البحث في أوراق الإمام المحفوظة في دار الوثائق القومية بالقاهرة، مرقوناً على الآلة الناسخة.

ص: 43

بموصوف، فيحتاج التركيب إلى اسم يدل على الموصوف، ثم يأتي اسم الصفة تابعاً له، نحو: شَرود، وجَموح، إذ يقال: جَمَلٌ شَرودٌ، وفَرَسٌ جَموحٌ.

ويستعملون اسم العين المشير إلى صفة مستقلاً، فيقولون: سلَّ الحسام، وبعث إليه برسالة، وقبل منه الهدية.

ومدار وصفية المشتق أو اسميته: على غلبة استعماله متصلاً بموصوف، أو مستقلاً عنه، فورود المشتق غير تابع لموصوف في بعض الشواهد لا يدل على اسميته؛ لاحتمال أن يكون الكلام من باب ما حذف منه الموصوف لدليل، كما أن وروده في بعض الشواهد تالياً لاسم العين لا يدل على وصفيته؛ لاحتمال أن يقصد من الجمع بين الاسمين معنى يقتضيه الحال؛ مثل: التوكيد، فقول الحريش بن هلال القريعي:

ولكنّي يجولُ المُهْرُ تَحْتي

إلى الغاراتِ بالعَضْبِ الحُسامِ

لا يقوم وحده شاهداً على أن الحُسام صفة، ولا ينفي أن يكون من أسماء الأعيان المشيرة إلى وصف.

وقول الشاعر العربي:

دونَكَها مترعةً دِهاقا

كأساً ذُعافاً مُزِجَتْ زُعاقا

لا يقوم وحده شاهداً على أن الزُّعاق اسم للماء المرّ الغليظ، وينفي أن يكون اسم صفة للماء.

وينبني على هذا الفرق: أن الكلام الذي يذكر فيه اسم الصفة يقدر فيه موصوف، فيكون من قبيل الإيجاز، والكلام الذي يذكر فيه اسم العين المشير إلى صفة؛ حيث لا يقدر معه موصوف، يكون من قبيل المساواة.

ص: 44

ويفرّق العرب بين الاسمين في صيغ الجموع؛ فإن لأسماء الأعيان صيغاً من الجموع الخاصة بها؛ كما أن الصفات قد تختص بصيغ لا تشاركها فيها أسماء الأعيان، ونجد العرب تجري الأسماء المشيرة إلى وجه التسمية مجرى أسماء الأعيان المَحْضة، ومثال هذا: أن ما كان على وزن (فَعيل) يجمع على (فُعْل)، بشرط أن يكون اسماً لا وصفاً، ومما دخل في الأسماء، وساقه النحاة في أمثلتها: كلمة: "قضيب" للغصن المقطوع، وهو من القَضْب، فقالوا في جمعه: قُضْبٌ.

ومن هذا الباب: أنّ (فَعيلاً وفَعالاً)، يجمع على (أَفْعِلَة)، بشرط أن يكون اسماً، ومما توفر فيه شرط الاسمية، وجمعوه على (أَفْعِلَة): رغيف، وطعام، والرغيف مأخوذ من الرَّغْف الذي هو جمع العجين أو الطين كتلة، والطعام مأخوذ من طَعِم طَعْماً؛ أي: أكلَ، أو ذاق.

وقد يجد النحاة ألفاظاً تتبادر منها الوصفية، وهي جارية في بعض الجموع مجرى الأسماء، فيعتذرون لها بأنها من الصفات التي غلبت عليها الاسمية؛ نحو: عَبْد، جمعه العرب على (أَفْعُل)، و (أَفْعُل) من الصيغ المختصة بالأسماء، فقال: النحاة - جمع على (أَفْعُل)؛ لغلبة الاسمية فيه على الوصفية.

ومن وجوه الفرق بين الصفة واسم العين المشير إلى وجه التسمية: أن أسماء الصفات إذا تواردت على نوع من الأعيان، لا يحدث من تواردها عليه أسماء مترادفة، فلا يعدّ الناطق والضاحك المتواردين على الإنسان من قبيل المترادف؛ بخلاف الأسماء المشيرة إلى وصف؛ فإنها إذا تواردت على نوع من الأعيان، كانت أسماء مترادفة، ولو كانت الاسمية عارضة بغلبتها على الوصفية؛ كالحُسام والعَضْب للسيف.

ص: 45

ويفترق النوعان بأن اسم الصفة يصح إطلاقه على كل ما تحقَّق فيه الوصف إطلاقاً حقيقياً لغوياً، واسم العين اختلف أهل العلم في وجه استعماله، فأجاز بعضهم أخذ الأسماء التي تشير إلى معنى، وإطلاقها على ما يتحقق فيه ذلك المعنى، ولو لم يستعملها فيه العرب، ونسب هذا القول إلى نحاة البصرة، وحكى ابن جنّي في "الخصائص": أنه قول أكثر علماء العربية؛ كالمازني، وأبي علي الفارسي، وينسب إلى ابن درستويه.

وذهب آخرون إلى أن الاسم مختص بالمعنى الذي استعمله فيه العرب، ولا يتعداه إلى كل ما تحقق فيه وجه التّسمية، ومن هؤلاء: العلامة ابن سيده؛ فإنه قال:

"ليس لنا أن نطلق الاشتقاق على جميع الأشياء؛ لئلا يقع اللَّبْس في اللغة الموضوعة للبيان، ألا ترى انهم سمّوا الزجاجة: قارورة؛ لاستقرار الشيء فيها، فليس لنا أن نسمّي الجُبَّ أو البَحْرَ: قارورة؛ لاستقرار الماء فيهما".

وتناول هذا البحث علماء أصول الفقه، واختلفوا فيه كما اختلف علماء العربية، وممن منع من تعدية الأسماء إلى ما تحقق فيه وجه التسمية: القاضي أبو بكر الباقلاني، والإمام الغزالي، وممن ذهب إلى عدم اختصاصها بما أطلقها عليه العرب: أبو إسحاق الإسفراييني.

قال الإسفراييني في كتاب "الترتيب": تكلّمت يوماً مع أبي الحسن القطّان في هذه المسألة، ونصرت القول بجواز أخذ الأسماء قياساً، فقال أبو الحسن: من يقول بهذا يلزمه ما يلزم ابن درستويه، فقال: يجوز أخذ الأسامي قياساً إذا كان ما يقاس عليه مما أخذ واشتق اسمه من معنى فيه؛

ص: 46

مثل: القارورة، تسمى قارورة؛ لاستقرار الماء فيها، فكل ما في معناها يسمّى قارورة. قيل لابن درستويه: وماذا تقول في الجبّ يستقر الماء فيه، هل يجوز أن يسمّى: قارورة؟ قال: نعم، قيل: فما تقول في البحر والحوض؟ فالتزم ذلك، فاستبشعوا ذلك منه، وشنّعوا عليه.

قال أبو إسحاق الإسفراييني: "قلت لأبي الحسن -أيش إذا أخطأ واحد في القياس، بل كان من سبيله أن يحترز فيه بنوع من الاحتراز؛ بأن يقال: ما يستقر فيه الماء، ويخف عن اليد ونحوه).

ومنشأ الخلاف: أن اشتقاق الاسم من الوصف مبنيٌّ على رعاية: أن العين التي استعمل فيها قد اشتملت على معنى ذلك الوصف، وإذا كان وضع الاسم مبنياً على رعاية اشتمال العين على معنى الوصف، فمن المحتمل أن يقول قائل بصحة استعمال الاسم في كل عين تحقق فيها هذا الوصف، ولكن قصر العرب الاسم على نوع خاص من الأعيان لا يتجاوزونه في الاستعمال، يشعر بأن العرب قصدوا بأن يكون هذا الاسم خاصاً بالنوع الذي جرت عادتهم بإطلاقه عليه. فيكون هذا النوع هو الحقيقة، واستعماله في غيره -ولو تحقق فيه وجه التسمية- استعمالاً للفظ في غير ما وضع له. فالعرب -مثلاً- سمّوا الناقة تكون في أوائل الإبل عند الورود:"السُّلوف"، والظاهر أن هذا الاسم مأخوذ من سَلَف سَلَفاً وسُلوفاً؛ أي: تقلَّم، فلو أراد أحدٌ أن يستعمل السلوف في العربة الأولى من عربات متتابعة، لم يمنع من هذا الاستعمال مانع، وإنما يختلفون في طريق الاستعمال: أهو الحقيقة؛ لأن وجه التسمية الذي هو السَّلَف بمعنى التقدم متحقق في العربة الأولى، أم هو المجاز القائم على عدم وجه التسمية وجه شبه؟ وهذا هو الراجح فيما نرى.

ص: 47

ومما يرجع إلى الفرق بين اسم الصفة واسم العين في الاستعمال: أنك لا تستعمل اسم الصفة إِلا أن تفهم معنى الصفة، فلا تقول: افترسَهُ أسَدٌ وِرْدٌ إِلا أن تعرف معنى الوِرْد الذي جعلته صفة للأسد، أنها اسم العين، فإنك تستعمله في العين، وإن لم تدْرِ الوصف الذي يشير إليه الاسم، فتقول: فرَّ من القَسْوَرَة؛ أي: الأسد، مأخذ هذا الاسم، وما يشير إليه من القَسْر، وهو القَهْر.

وربما أراد العرب من الأسماء المُراعى فيها وجه التسمية: الأعيان، غير ملاحظين ما تشير إليه تلك الأسماء من صفات، فالمَشْرَفيُّ -مثلاً- هو في الأصل: صفة للسيف، على معنى: أنه صنع في مشارف الشام، وكثر استعمال المشرفي وصفاً للسيف، حتى صار ذكره يغني عن ذكر السيف؛ كما قال امرؤ القيس:

أيقتلُني والمَشْرَفِى مُضاجعي

ومَسْنْونةٌ زرْقٌ كأنيابِ أغْوالِ

وصاروا بعدُ يستعملونه في السيف غيرَ ملاحظين كونه مصنوعاً في المشارف، فيقول قائلهم: تقلدت المشرفيَّ، يريد: السيف، ولم يكن مصنوعاً في مشارف الشام، ولا أظنّ المتنبي عند ما قال يمدح سيف الدولة:

ولا كُتْب إِلا المشرَفيَّة عنده

ولا رسُلٌ إِلا الخميس العَرَمْرمُ

قد أراد بالمشرفيّة: السيوف التي صنعت في مشارف الشام، بل مقام المدح يستدعي أن يكون سيف الدولة يهيئ للعدو سيوفاً ماضية، ولا يلاحظ في هذا المقام أن تكون من صنع المشارف، بل لا يلزم أن تكون صادرة من هذا المصنع، كما يقولون: المُهَنَّدُ، ولا يلاحظون أن يكون مصنوعاً في الهند، ويسمّون الرمح: رُدْيْنياً، وإن / يكن من صنع رُدَيْنة؛ أعني: المرأة التي كانت هي وزوجها يصنعان الرِّماح.

ص: 48

وقد يشير علماء اللغة إلى أن العرب يتجاوزون بالاسم المواضع المشتملة على وجه التسمية إلى المواضع الخالية منه، كما قال صاحب "الصحاح": سُمِّي الفرس حصاناً؛ لأنه حصّن ماءه؛ أي: ضَنَّ به، فلم ينزُ إِلا على كريمة، ثم كَثُر حتى سمّوا كلَّ ذَكَرٍ من الخيل: حِصاناً.

ومن هذا النحو كلمة: القافلة، أصل وضعها للرفقة القافلة؛ أي: الراجعة من السَّفر، ثم توسع فيها على طريق المجاز، فاستعملوها في الرفقة راجعة من السفر، أو مبتدئة له (1).

ويشابه هذا -وإن لم يكن من بحث أسماء الأعيان- كلمة: (البناء) بمعنى: الدخول بالزوجة، فأصله أن الرجل كان إذا تزوج، بنى للعروس خباء جديداً، ثم قيل لكل داخل بأهله: بانٍ، وإن لم يحصل منه بناء بيت.

ومن قبيل هذا المثال كلمة: (الصفق، أو الصفقة) للعقد. فأصله: أن المتبايعين كانا إذا وجب البيع، ضرب أحدهما على يد صاحبه، فقالوا: صفَقَ له، أو على يده بالبيع، ثم استعملت الصفقة في العقد غير ملاحظ فيها ضرب اليد، وعلى اليد.

* الفرق بين اسم الصفة واسم العين في عبارات المعجمات:

قد يشير أصحاب المعجمات في شرح معاني الألفاظ أو توضيحها بالأمثلة إلى أن اللفظ من قبيل الصفات، أو من قبيل أسماء الأعيان المشيرة إلى وصف، ومن أبين ما يدلُّون به على الصفة: انهم يذكرون اسم العين، ويتلونه بذكر الصفة؛ كما قالوا: رجلٌ داهية: جيد الرأي، وسحابةٌ مذكية:

(1) قد يقال في هذا المثال: إن وجه التسمية ثابت في الرفقة الراجعة على وجه التحقيق، وفي الرفقة المبتدئة للسفر على وجه التقدير الذي يجيء من قصد التفاؤل.

ص: 49

مطرت مرة بعد أخرى، وناقةٌ أُجُد: قوية موثقة الخَلْق، وموتٌ زؤام: كريه، وأرضٌ ناسكة: خضراء حديثة المطر.

ومما يدلّون به على أن اللفظ من قبيل الصفات: أن يذكروه، ويشرحوه بوصف دون أن يذكروا معه اسم العين، كما قالوا: الجواد: السخيُّ، والشّامخ: الرافع أنفه كِبْراً، والشجاع: الشديد القلب عند البأس، والكيِّس: الظريف، والزمّيت: الوقور.

فهذه العبارات من علماء اللغة ظاهرة في أن هذه المشتقات أسماء صفات، وشانها أن تذكر مع موصوفاتها، إِلا أن تقتضي الحال حذف الموصوف.

ومما يدلُّون به على أن المشتق اسم عين لا صفة: أن يصرحوا بأنه اسم لا صفة؛ كما قال صاحب "القاموس": واليَعْمَلَة: الناقة النجيبة المُعْتَمِلَة المطبوعة، والجَمَلُ يَعْمَلٌ، ولا يوصف بهما، إنما هما اسمان، وكما قال صاحب "المصباح": ناقة حلوبٌ؛ أي: ذات لبن يحلب، فإن جعلتها اسماً، أتيت بالهاء، فقلت: هذه حلوبةُ فلان. وهذا صريحٌ في أن لفظ: حلوب يستعمل صفة، أنها حلوبة، فإنه يستعمل استعمال أسماء الأعيان.

ويقرب من هذا: أن يذكروا للاسم وجهاً من التصرف ليس من شأنه أن يجري في أسماء الأعيان، ويقولون لك: إن العرب توهّموا أنه صفة، كما قال صاحب "المصباح": والفصيل لولد الناقة؛ لأنه يُفْصَلُ عن أمه، والجمع فِصْلان، وقد يجمع على فِصال، كأنهم توهموا فيه الصفة؛ مثل: كريم وكِرام.

وقد ينبّهون على اسمية المشتق بقولهم: سمِّي كذا بكذا لكذا، قال صاحب "المصباح": ويسمّى الحاجب: حدّاداً؛ لأنه يمنع من الدخول، وقال:

ص: 50

والجارية: السفينة، سمِّيت بذلك؛ لجريها في البحر، وكما قال صاحب "الصحاح": سميت النّاقة أو البقرة: بَدَنَةً؛ لأنهم كانوا يُسمِّنونها، وذكر صاحب "اللسان": أن سَبَأَ بمعنى: اشترى، لا يقال إِلا في الخمر خاصة، ثم قال: والاسم: السِّباءُ، ومنه سمِّيت الخمر: سَبيئة، قال حسان:

كأَنَّ سَبيئةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ

يكونُ مِزاجُها عَسَلٌ وماءُ

ومما هو ظاهر في الاسمية قولهم: كذا اسم كذا، كما قال صاحب "المصباح": واللَّقاح: اسم ما يُلقح به النَّخْلُ، وقال الأزهري: اللُّقَطَةُ: اسم الشيء الذي نَجده ملقى فنأخذه.

وقال ابن الأثير في "النهاية": والدّلوك - اسم لما يُتدَلَّكُ به.

ومما يدلُّّون به على الاسمية: اقتصارهم في شرح المشتق على ذكر اسم العين؛ كما قالوا: الوقود: الحطب، والأَسْحَم: زِقُّ الخمر، والصّارخ: الديك، والصراخ: الطاوس، والصهباء: الخمر، والأَدْهَم: القيد، والمدام: الخمر، والأنيسة: النار، واللَّبوس: الدرع، والأجْدل: الصقر.

وقد يتبادر إلى الذّهن: أن ذكر المعجمات لاسم العين مع المعنى الذي يشير إليه الاسم يدلّ على اسميته؛ كما قالوا: الواضحة: الأسنان تبدو عند الضحك، والحسام: السيف القاطع، والقابوس: الرجل الجميل الوجه حسن اللون، والسَّيّقُّ: السحاب لا ماء فيه، والهابِذَةُ: الناقة السريعة، والنزح: الماء الكدر، والمشجونة: المرأة الكثيرة العمل، النشيطة، وإنما كانت الاسمية متبادرة من مثل هذه العبارة. لأن ذكر اسم العين من نحو: الأسنان والسيف والرجل والسحاب في شرح تلك الأسماء ظاهر في أن الموصوف داخل في مفهوم هذا الاسم، فلا حاجة إلى ذكره قبله.

ص: 51

لاحظنا هذا الوجه في شرح الألفاظ، ولكنا وجدنا كلمات كثيرة تذكر بعض المعجمات في شرحها اسم العين، ويوردها بعضهم على أنها صفات صريحة، فصاحب "القاموس" -مثلاً- يقول: الإجْفيل: الظليم ينفر من كل شيء، ويقول صاحب "أساس البلاغة": وظليم إجفيل: يجفل عن كل شيء، ويقول صاحب "القاموس": اللَّديم: الثوب الخَلَق، ويقول صاحب "أساس البلاغة": وثوب وخُفٌّ لديم، ويقول صاحب "القاموس": والمُمانِح: ناقة يذهب لبنها بعد أن تذهب ألبان الإبل، ويقول صاحب "الأساس": وناقة ممناح ومنوح: تمنح لبنها بعد أن تذهب ألبان الإبل. ويقول صاحب "القاموس": والجماد: الأرض، والسَّنَة لم يصبها مطر، ويقول صاحب "الأساس": وسنة جَماد، وأرض جَماد: لا حيا (لا مطر) فيها، ويقول صاحب "القاموس": والمرقومة: الأرض بها نبات قليل، ويقول صاحب "الأساس": وأرض مرقومة: فيها نبذ من النبات، ويقول صاحب "القاموس": والملساء: الخمر السلسة في الحلق، ويقول صاحب "الأساس": قهوة ملساء: سلسة الجَرْع.

وإذا كان شرح اللفظ باسم العين مع الوصف لا يعدُّ دليلاً قوياً على اسميته، فأبعد منه دلالة على الاسمية: أن يشرحوا اللفظ بوصف، ويذكروا اسم العين بعد "من" البيانية مقدماً على الوصف، كما قالوا: والمَلُوس من الإبل: المِعْناقُ، السابق في كل مسير، أو مؤخراً عن الوصف؛ كما قالوا: السَّلوف: السريع من الخيل.

وقد رأينا بعض المعجمات تأتي في شرح الأسماء على هذا الطريق، ونرى غيرها يسوقون هذه الأسماء مَساق الوصفية الصريحة، كما قال صاحب "القاموس": والعوجاء: الضامرة من الإبل، ويقول صاحب "الأساس": والناقة

ص: 52

العوجاء: العجفاء التي أضناها السفر، وقال صاحب "القاموس": والفالج: الفائز من السهام، ويقول صاحب "الأساس": وخرج له سهم فالج؛ أي: فائز، وقال صاحب "القاموس": والهامد: البالي المسود المتغير من النبات، ويقول صاحب "الأساس": ونبات وشجرٌ هامدٌ: يابس.

* اختلاف الأسماء في الدلالة على وجه التسمية:

من أسماء الأعيان ما يكون وجه اشتقاقه واضحاً؛ كما سمّوا الحيوان الذي يطير في الهواء: (طيراً)، والبرهان؛ لفرقه بين الحق والباطل:(فرقاناً) والخَلْق الذي لا نراه لاجتنانه؛ أي: استتاره: (جنّاً)، ومنه ما يكون وجه اشتقاقه خفياً لا يعرف إِلا بعد بحث، أو يذكره بعضهم، ولا يزيد على أن يكون وجهاً محتملاً؛ كما قال بعضهم: سمّي الثَّوْرُ ثَوْراً؛ لأنه يثير الأرض، وسمِّي الثَّوْب ثوباً؛ لأنه ثاب لباساً بعد أن كان غَزْلاً.

قال أبو بكر الزبيدي: سئل أبو عمرو بن العلاء عن اشتقاق الخيل، فلم يعرف، فَمرَّ أعرابي، فسأله أبو عمرو عن ذلك، فقال الأعرابي: استفاد الاسم من فعل السَّيْر، فسأل بعض الحاضرين أبا عمرو عما أراد الأعرابي، فقال: ذهب إلى الخُيَلاءِ التي في الخَيْلِ، والعُجْبِ، ألا تراها تمشي العَرْضَنة (1) خُيَلاء وَتَكَبُّراً؟!

وقد يكون مأخذ اسم العين غير واضح وضوحاً يقطع الشبهة، فيختلف فيه علماء اللغة كما اختلفوا في وجه تسمية الخمر عُقاراً، فقال بعضهم: لمعاقرتها؛ أي: ملازمتها الدَّنَّ، وقال آخرون: لعقرها شاربها عن المشي، وكما اختلفوا في وجه تسمية الخِوان: مائدة، فقال بعضهم: سمّي مائدة من

(1) مَشى العَرْضَنَة: مشى معترضاً.

ص: 53

مادَ يميد: إذا تحرَّكَ، وقال آخرون: المائدة مأخوذة من مادَ يميد؛ أي: مارَ، أو أعطى؛ لأن مالكها مادها للناس، فهي فاعلة بمعنى مفعولة.

* اختلاف اللغويين في وصفية اللفظ واسميته:

من الأسماء المشيرة إلى وصف: ما لا يختلف اللغويون في اسميته؛ نحو: (القَلَم)، وهو مأخوذ من القَلْم؛ أي: القَطْع؛ لأنه يُبرى مرة بعد أخرى، (والخَمْر)، وهي مأخوذة من مخامرة العقل؛ أي: مخالفته، (والسَّفينة)، وهي مأخوذة من السَّفْن، وهو القَشْر؛ لأنها تقشر الماء كما تمخره.

ومنها: ما تختلف عباراتهم في اسميته؛ كلفظ: (الوَرْدُ) فسَّره صاحب "القاموس" باسم العَيْن، فقال: الوَرْدُ: الأسد، وهذا ظاهر في أنه اسم من أسماء الأسد، وأتى به صاحب "الأساس" وصفاً، فقال: وفرَسٌ وأسَدٌ وَرْدٌ (1). ونحو كلمة: (الذُّعاف) شرحها صاحب "القاموس" باسم العين، فقال: الذّعاف: السُّمُّ أو سمُّ ساعة، وجاء به صاحب "الأساس" وصفاً، فقال: يقال لسُمِّ الساعة سم ذُعافٌ ونحو كلمة: (العَضْب) شرحها صاحب "القاموس" بالسيف، وأتى به صاحب "الأساس" وصفاً، فقال: وسيفٌ عَضْبٌ.

ومن هذا الباب ألفاظ يسوقها بعض علماء اللغة في أمثلة الأسماء المترادفة، ويوردها آخرون موارد الصفات، كما عدَّ ابن خالويه في أسماء السيف: المأثور، والصَّقيل، والجراز، وأتى صاحب "القاموس" بالمأثور وصفاً، فقال: وسيفٌ مأثورٌ: في مَتْنِه أثَرٌ، وأتى صاحب "المصباح" بالصّقيل وصفاً، فقال: وسيفٌ صقيلٌ: فعيل بمعنى فاعل، وأتى صاحب "الأساس" بالجُراز وصفاً، فقال: وسيفٌ جُرازٌ.

(1) من الورودة، وهي حمرة تضرب إلى صفرة.

ص: 54

وكما أورد صاحب "القاموس" في كتابه: "الأسل في تصفيق العَسَل" كلمة: (الصموت) في أسماء العسل، وشرحها في قاموس باسم العين مع الوصف فقال: والصَّموت: الشَّهْدَة التي ليس فيها ثُقْبَةٌ فارِغةٌ، وأتى بها صاحب "الأساس" وصفاً، فقال: وشَهْمَة صَموتٌ: ليست فيها ثُقبة فارغة.

وربما كان سبب هذا الاختلاف: أن المشتق قد يرد في بعض الشواهد تلو اسم عين، فيذهب به بعض أهل العلم مذهب الوصفية، ويرد في بعض الشواهد مستقلاً، فيفهم آخر أن الاسمية غلبت فيه على الوصفية، فيقتصر في شرحه على اسم العين، أو يعدّه من قبيل الأسماء المترادفة. وقد نبَّهنا في صدر البحث على أن مدارَ الاسمية على غلبة الاستعمال.

وفي هذا المقام يرجع الناظر متى أراد الترجيح إلى كلام الفصحاء من العرب؛ ليستبين من موارد الكلمة اسميتها، أو وصفيتها، أو يرجع في الترجيح إلى ما عرف به هذا اللغوي، أو ذلك اللغوي من الرسوخ في علم اللغة، وجودة التعبير، ووضع الأقوال الشارحة للأسماء موضعها.

ولا يفوتنا أن ننبِّه على أن كثيراً من الأسماء المشيرة إلى وصف، وإن جرت مجرى أسماء الأعيان، قد يعود بها الفصحاء إلى معنى الوصفية المحضة، ونرى أصحاب المعجمات قد يذكرون في شرح الكلمة المعنيين الوصفي والاسمي، كما قال صاحب "القاموس": الهِزَبْرُ: الأسَدُ، والغَليظُ الضَّخْم، والشَّديد الصُّلْب، فيصبح الهزير اسم عين بمعنى الأسد كما في قوله:

أفاطِمُ لو شَهدْتِ بيطنِ خَبْتٍ

وقد لاقى الهِزَبْرُ أَخاكِ بِشْرا

وأن يستعمل بمكان الوصف؛ أي: الشديد الصُّلب كما قال المتنبي:

أَسَدٌ دَمُ الأَسَدِ الهِزَبْرِ خِضابُه

مَوْتٌ فَريصُ الموتِ منه تَرْعَدُ

ص: 55

فمن المحتمل القريب أن نرجّح بخلاف عبارات بعض اللغويين في اسمية الكلمة ووصفيتها إلى أن لها وجهين من الاستعمال، يذكر أحدهم وجه الاسمية، ويذكر آخر وجه الوصفية، وكلاهما عربي فصيح.

ص: 56