الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة الإمام محمد الخضر حسين إلى الأستاذ محمد الصادق بسيس
(1)
القاهرة في 15 رجب 1355 هـ
حضرة الأديب الماجد ابننا العزيز محمد الصادق بسيس رئيس جمعية الشبان المسلمين!
السلام عليكم ورحمة الله.
أما بعد:
فقد تلقيت أول أمس من الدكتور أحمد فكري خطابكم الكريم، وهديتكم النّفيسة التي هي أثر من آثار جمعيتكم المجاهدة، ثم جريدة "الزهرة" المنشور بها مقالكم في وصف محاضرتنا التي ألقيت بمحطة الإذاعة، وقد سررت بخطابكم؛ لما يحمله من روح الودِّ الصادق، والدّلالة على أن في تونس شباباً يجمعون إلى استنارة الفكر، ونباهة الذّهن، ثقافة إسلامية صافية، وقابلنا الهدية بجزيل الشكر، ولاسيما هدية نعدّها فاتحة صلة بين مجلة "الهداية الإسلامية" بالقاهرة، وجمعية الشبان المسلمين بتونس.
(1) نشرت في كتاب "الصادق بسيس: حياته، وآثاره" جمع وإعداد الأستاذ أبو زيان السعدي - ط تحت إشراف مركز الاتصال الثقافي بتونس. (انظر المقال المنشور في: القسم الثاني من هذا الكتاب تحت عنوان: "الأدب التونسي في القرن الخامس - مسامرة الشيخ محمد الخضر حسين". وهذه الرسالة رد على المقال.
أما المقال، فقد حررتموه بحسن ظنّ جعل الصغيرَ من سيرينا في نظركم كبيراً، وقد قرأه شبابُ الهداية، ووضعوه في لوحة ذات إطار، وعلّقوه في بهو شعبة شباب الهداية بالمركز العام للجمعية. وفي هذه الشعبة أعضاء من كليات الجامعة: الحقوق، والعلوم، والطب، وغيرها من المدارس العادية.
وستوالي الجمعية إرسال مجلتها، وما يصدر عنها من مطبوعات إصلاحية أو أدبية إلى جمعيتكم النافعة.
وتفضلوا بقبول أسنى تحيتي، وخالص شكري، وأسأل الله تعالى أن يؤيدكم، ويكثر من أمثالكم في الغيرة، ومواصلة الجهاد في حكمة وثبات.
محمّد الخضير حسين
من الأدب التونسي المجهول إرشاد ونصائح (1) شعر الشيخ محمد الخضر حسين
تقديم: ظافر
كان المرحوم الشيخ محمّد الخضر حسين قريباً من نفوس زملائه وتلاميذه؛ بما جُبل عليه من علم وأدب وحسن خلق، وإرادة قويّة، وتصميم لا يعرف التّسليم.
ولمَّا غادر البلاد التّونسية نهائياً بسبب العَنَت الذي لاقاه، لم يكاشف بما بيّت في نفسه إِلا صديق عمره الأستاذ الإمام الشّيخ محمد الطّاهر بن عاشور الذي آلمه الفراق، فكتب معرباً عن أسفه الشديد لمغادرة الشيخ الخضر بلاده مغادرة اليائس المهيض الجناح.
وما إن استقرّ الشيخ الخضر بدمشق، حتى توالت رسائل تلاميذه عليه تعبّر عن حسرتهم لغيابه، والأمل في الابه. ومن أبرز هؤلاء التّلاميذ: الشيخ محمد بن عبد الجواد (قاضي المهدية والقيروان)؛ فقد كان قريباً من الشيخ الخضر، ومن صنوه محمّد الطاهر بن عاشور؛ لذكائه وعلمه، وسرعة بديهته.
(1) مجلة "الهداية" - العدد السّادس من السنة السادسة والعشرين الصادر في ذي الحجة 1422/ محرم 1423 هـ - فيفري / مارس 2002 م - المجلس الإسلامي الأعلى للجمهورية التونسية.
وكان الشيخ الخضر يستنجب محمّد بن عبد الجواد، ويرى فيه الطالب المجتهد المخلص، فردّ على إحدى رسائله إليه بقصيد شعريّ عنوانه:"إرشاد ونصائح"، ضمّنه ما يختلج في ذهنه من خواطر صوّرها في هذا القصيد الذي لم يشمله ديوانه "خواطر الحياة".
لذا نقدِّمه إلى قراء "الهداية" فيما يلي:
إرشاد ونصائح
سلام يُستَهَلُّ به النِّظامُ
…
ومِنْ أدبِ المخاطبةِ السّلامُ
تحيّيكم به من قبل رَقْم
…
عَواطفُ في الضَّمير لها ارْتسامُ
(محمّدُ) زارَني طِرْسٌ بليغٌ
…
وطِرْسُ أخي الوَفاءِ لهُ ذِمامُ
دعاني أنْ أخوضَ عُبابَ وَعْظٍ
…
على نَسَقٍ يموجُ به انْسجامُ
ويبلُغُ مَنْ يسيرُ على أناس
…
بهِ ما يبلغُ الرّجلُ الهمامُ
فأحجَمَ بالقريحةِ أَنَّ باعاً
…
قصيراً لا يُساعفهُ اقْتحامُ
ولكنَّ القرائحَ كالمطايا
…
إذا جمحَتْ يُراوضُها الزّمامُ
فهزّتْ للعلى القلمَ اقتياداً
…
لفكرٍ فاستقادَ بما يُرامُ
وناجاني بأنَّ النفسَ يعدو
…
بها في زهرةِ الدُّنْيا هُيامُ
فيسحبُها على حمَإِ الدّنايا
…
إلى سوقٍ يروجُ بها الطَّغامُ
وينفضُ كَيسها في كسْبِ خيرٍ
…
تمتُّ بهِ إذا نَزَل الحِمامُ
فإن يَنسج عليها العقلُ دِرْعاً
…
حماها أن يشطَّ بها غَرامُ
فإن العقْلَ كالنِّبراسِ تَهدي
…
أَشعّتُه لما فيهِ السَّلامُ
وإنْ لمْ نَسقِهِ بمدادِ عِلْمٍ
…
ذَوَى ببهيجِ زَهْرتهِ أُوامُ
وإنَّ مَناهِلَ العِرْفانِ شتّى
…
وكلٌّ حوْلٌّ حافَتِه ازْدحامُ
ومنْ ألقى الرِّحالَ بعلْمِ شَرْعٍ
…
وطافَ بغيره فهو الإِمامُ
ومَا ثمرُ العلّومِ قريبَ مَجْنى
…
يَطوعُ كما يطوعُ لكَ الثِّمامُ
فلا يجْنيهِ إلّا ربُّ حزْمٍ
…
يَنام المَشْرَفيُّ ولا يَنامُ
تنافس في المعارف خاطبوها
…
وكلّ في السباق له مَقامُ
فهذا ماسكٌ طَرْفاً وهذا
…
تهاوى تحتَ أخْمَصِه السَّنامُ
وقد يتخطّفُ الرَّسْمينِ فِكْرٌ
…
ودونَ الفَرْقِ بينهما قَتامُ
فيجري في القَضاءِ على استواءٍ
…
ويختلطُ المُحَلَّلُ والحرامُ
وقد يبني الضلالُ خيامَ حقٍّ
…
ويسكنُها فتشتَبِهُ الخِيامُ
ولا ينحطُّ فكرُك حينَ يَطْفو
…
على معنى يغوصُ له الكَهامُ
فقد ينبو المهنّدُ عن مَحزِّ
…
وما أوهى صرامتَه انْثلامُ
فخُذْ بِعُرى المشورةِ فالمعاني
…
تبوحُ سنَىً إذا حَمِي الْتحامُ
لُباناتُ الرِّجالِ مثيلُ سُحْبٍ
…
يمرُّ بها على النَّفْسِ اهتمامُ
فهذي مُزنةٌ شملَتْ، وهذي
…
تخصُّ بوَدْقِها، وذِهِ جَهامُ
وهلْ يرتاحُ ذو قلبٍ لِغيْثٍ
…
تكنَفهُ وقد قحطَ الأنامُ
فما في مستطاعِ الفَرْدِ عَيْشٌ
…
ولم يدمجْه في القَوْمِ التئامُ
وهل تبقى الحياةُ خليطَ عُضْوٍ
…
يفكّكُهُ عنِ الجسدِ اصطلامُ
فمنْ يبذُلْ لهم مسعاه يوماً
…
تنادَوا أن ألمَّ به اهتضامُ
ومنْ يمسِكْ إذا ما استصرخوهُ
…
عِناناً يُسلموهُ إِذاً يُضامُ
وفيهم من يرافقُ في صفاءٍ
…
تفتقَ عن حقيقتهِ اللِّثامُ
ومَنْ هو ماسحٌ بصباغِ وُدٍّ
…
وللبغضاءِ في الصدرِ اضطرام
ومَنْ يرمي على عَلَنٍ بضِغْنٍ
…
يمثّله مقالٌ أو حُسامُ
فمنْ صافى يُصافَ ومن يهاجمْ
…
يدافع بالتي فيها قَوامُ
ومَنْ لبِسوا المداجاةَ اسْتقمنا
…
لهم عند التلاقي ما استقامُوا
وفي الإخوان من يجفو ولكن
…
يلوح لصدقِ خُلَّته وِسامُ
فشدَّ إليكَ حَبْلَ الوصْلِ حينًا
…
وإن شئت المَلامةَ فالمَلامُ
وشأو الحمدِ يدرك باعتلاءٍ
…
على غضَبٍ يهيجُ به انْتقامُ
فكمْ قَدمٍ هَوتْ بمغاصِ ذَنْبٍ
…
وسائقها لدى السعي احترامُ
وما مُلَحٌ بنادي الأنْسِ تُلقى
…
إلى أدبٍ عَلا إِلا جِمامُ
فلا يطوي جلالَتَك انْبساطٌ
…
يلَذُّ مع الرفيق به كلامُ
وفي الرؤساءِ ذو أدبٍ فسيحٍ
…
وفي أذواقِ بعضهمُ انْخِرامُ
فنستوفي الخلوصَ لمنْ تَزَكّى
…
ونحذرُ مَنْ يتيهُ به المَقامُ
وما شأن الحياةِ بمستقرٍّ
…
على حالٍ يحالفُه الدَّوامُ
كِلا الحالين مِنْ كَدَرٍ وبِشْرٍ
…
يُعانقُه على الأثَرِ انْصرامُ
ومنْ يَصعرْ إلى الدّيباجِ خدّاً
…
ونُضِّدَ في موائده طَعامُ
كمنْ يحسو لمخمصةٍ سَويقاً
…
وباتَ ولِصْقَ لمَّتهِ الرِّجامُ
يحول كلاهما في اللَّحْدِ قوتاً
…
وينزَحُ ماءَ وجنتهِ الرّغامُ
فلا تملأْ فؤادك بارتياحٍ
…
إذا حيّاكَ من فَمِها ابْتسامُ
تِلنْ أعطافُه للصبْرِ مهما
…
تلاقت من نوائبها سِهامُ
ومنْ ضغطَتْ عليهِ يدُ البلايا
…
بأرزاءٍ يطيش لها المَنامُ
توجَّهَ للذي نجّى (ابنَ متّى)
…
وقد واراه في الحوتِ الْتقامُ
ووضعُ يدٍ على العملِ انتهازاً
…
لوَفْرِ المالِ يفعلُه الكِرامُ
فتلكَ يدٌ تجولُ، وذاك قلبٌ
…
له بمعونةِ الله اعتصامُ
ولا يبتزُّ من نسُكِ الفتى أن
…
تحيطَ به الجنائبُ والسِّيامُ
وبسطُ الشكْرِ بين رُبى نعيمٍ
…
أعزّ جنىً تفوقُ به السهامُ
وسَمْتُ الشرْعِ أجمل ما تراهُ
…
بصائرُ لم يلامِسْها سَقامُ
فلا يجمد بصلبِكَ عن ركوعٍ
…
تهكّمُ مَنْ عبادتُه المُدامُ
أرى عمَرَ الحكيمَ كبيتِ شعرٍ
…
تراصَف من مقاصدِه رُكامُ
فذا لفظٌ لهُ معنى صُراحٌ
…
وفي مطويِّهِ دُرَرٌ وِسامُ
وهذا حِليُ ظاهرِه مُساغٌ
…
وملءُ ضميرِه هِمَمٌ عظامُ
ومنْ لم يفقهوا للوقتِ معنًى
…
تباهَوا في خَلاعتهم ونامُوا
ولاقوا من يجاذبهم لرُشْدٍ
…
بأذنٍ لا يفضُّ لها صِمامُ
إلى أن يستفيقَ بهم مشيبٌ
…
وشيب الصَّدع للغاوي لِجامُ
ومنْ وافى النهايةَ في قصيدٍ
…
دعاه لحسن مقطعِها خِتامُ
وسِلْكُ العُمْرِ منتظمٌ، ولكنْ
…
جهلتُ مَتى يكون له انفصامُ
فأحسبُه وأحسبُ كلَّ يومٍ
…
تبرَّج لي يُناطُ به التَّمامُ