الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلامة الشيخ محمد الخضر حسين الطولقي مشيخة الأزهر، وتأسيس أول مجلة بتونس
(1)
(1873 م - 1958 م)
مما لا شك فيه: أن بلاد المغرب العربي، والجزائر بالخصوص، قد أنجبت الكثير من فطاحل الأعلام والعظماء في شتى الميادين، إلا أن أكثرهم، ولظروف عديدة، قد نبغ، وامتد عطاؤه في المشرق العربي أكثر منه في المغرب، ومن هؤلاء: العلامة الشيخ محمد الخضر حسين الطولقي.
وللأسف الشديد: أن جلّ المشارقة يعلمون أنه من عائلة جزائرية الأصل كانت تسكن منطقة "برج ابن عزّوز"، دائرة طولقة، ولاية بسكرة، إلا أنهم ولأسباب لا يُقرون بذلك!
وفي هذه الدراسة سوف نسلِّط بعض الأضواء واللمحات، حول شخصيته، ومسيرته العلمية، والإصلاحية، والفكرية، والأدبية، والصحفية، كما وجبت الإشارةُ إلى العراقيل التي اعترضت سبيلي في أثناء إعدادي لهذه الترجمة، وخاصة منها: قلة المراجع، وشُحُّها التي تطرقت إلى هذا العَلَم بالدراسة والتحليل، باستثناء بعض الإشارات المقتضبة والمتقطعة في ثنايا مؤلفاته للتعريف به، وكذا كتاب "محمد الخضر حسين الطولقي حياته وآثاره"
(1) من كتاب "أعلام من بسكرة" للكاتب والباحث الجزائري الأستاذ فوزي المصمودي.
للأستاذ محمد مواعدة الذي نال به درجة الكفاءة في البحث سنة 1972 م بتونس، وقد اتخذته أساساً لهذه الدراسة.
* شيء من حياته:
ولد العلامة الشيخ محمد الخضر حسين بنفطة بتونس، في 21 جويلية 1873 م الموافق لـ 26 رجب 1293 هـ؛ كما أكد ذلك الأستاذ محمد مواعدة في كتابه، وقيل: سنة 1874 م؛ كما في كتابه "القياس في اللغة العربية" الذي طبع -أيضاً- بالجزائر. وقد كان أبوه الحسين بن علي بن عمر من مريدي وأتباع الشيخ مصطفى بن عزوز، وصاحب الطريقة الرحمانية، وجدّ الشيخ محمد الخضر حسين من أمه، أما جده من الأب الشيخُ عليُّ بن عمر، فهو من العلماء الكبار، ومؤسس الزاوية العثمانية الرحمانية بطولقة في 1780 م.
وفي 1837 م هاجر الشيخ مصطفى بن عزوز بمعية عائلته وأتباعه ومريديه إلى "نفطة" بتونس؛ نتيجة للأوضاع المزرية التي تسبَّبَ فيها الاستعمار الفرنسي، وصحب معه ابنَ أخته الشيخ حسين بن علي بن عمر والدَ مترجَمنا الشيخ محمد الخضر حسين، أما خاله، فهو الشيخ العلامة محمد المكي بن عزوز، مفتي "نفطة"، والمدرس بجامع الزيتونة، ومدرس الحديث بمدرسة دار الفنون بالآستانة بتركيا، وقد توفي ودفن بها سنة 1915 م.
وفي هذا الجو العلمي، وببلدة "نفطة" موطن العلماء، والمركز العلمي الشهير بتونس، يترعرع شيخنا محمد الخضر حسين، وينهل من مَعينها، ويسعفه الحظ أن يتتلمذ على يد عدد من علمائها وشيوخها؛ حيث حفظ القرآن على يد مؤدبه الخاص الشيخ عبد الحفيظ اللموشي، ودرس بعض العلوم على يد خاله العلامة محمد المكي بن عزوز.
يقول العلامة محمد الخضر حسين في ديوانه الشعري "خواطر الحياة": نشأت في بلدة من بلاد الجريد التونسي يقال لها: "نفطة"، وكان للأدب المنظوم والمنثور في هذه البلدة نفحاتٌ تهب في مجالس علمائها، كان حولي من أقاربي وغيرهم من يقول الشعر، فتذوقت طعم الأدب من أول نشأتي، وحاولت وأنا في سن الثانية عشرة نظم العشر. (من ديوانه الشعري "خواطر الحياة" (ص 6).
وعند بلوغه الثانية عشرة، انتقلت عائلته إلى العاصمة تونس سنة 1886 م، أين تمكن من مواصلة دروسه بجامع الزيتونة مع إخوته الأربعة، وقد كان -زيادةً على دروسه النظامية- يختلف إلى بعض الحلقات والمجالس، وأبرز الذين تاثر بهم هم الشيوخ: سالم بو حاجب، عمر بن الشيخ، محمد النجار، وقد أثنى عليهم في كثير من المناسبات والكتابات، وخاصة من خلال مجلة "الهداية الإسلامية".
وقد بقي شيخنا كذلك حتى تخرج في جامع الزيتونة، وتحصَّل على شهادة التطويع سنة 1898 م، وقد حاول بعدها السفر إلى المشرق العربي؛ لطلب العلم، والاحتكاك ببعض العلماء والمصلحين، لكنه لم يتمكن من ذلك لأسباب مجهولة، برغم أنه وصل إلى ليبيا، ثم عاد أدراجه.
* رحلاته إلى الجزائر:
تمكن شيخنا من زيارة موطنه الأصلي الجزائر مرتين طوال حياته، وقد دَوَّن رحلته الثانية بالتفصيل في مجلة "السعادة العظمى" عددي 19/ 20، وقد كانت الرحلة الأولى سنة 1903 م، أما الثانية، فكانت سنة 1904 م، اتصل من خلالها بعدد من العلماء والمصلحين الجزائريين؛ كالشيخ المصلح
محمد بن أبي شنب، والعلامة الشهير عبد القادر المجاوي، وقد أخذ عن شيخنا: أنه لم يتطرق في وصفه لهاتين الرحلتين للأوضاع المزرية التي يعيشها بنو قومه في ظل الاستعمار الفرنسي الغاشم، وربما تناولها في كتابات أخرى تظل مجهولة.
* إصداره مجلة "السعادة العظمى"(1904 م):
إضافة إلى الدروس التي كان الشيخ يلقيها بجامع الزيتونة والأماكن العامة، ظل يفكر في إيجاد وسيلة أخرى تكون أكثر شمولية، وفي متناول الجميع، فاهتدى إلى إصدار مجلة أطلق عليها اسم:"السعادة العظمى"، وذلك في أفريل 1954 م، وهي أول مجلة عربية صدرت بتونس، وقد كانت نصف شهرية، صدر منها 21 عدداً، ثم انقطعت عن الصدور، وقد كان الشيخ يُعِدُّ بنفسه مادتها الإعلامية، ولهذا عُدَّت تأليفاً من تآليفه، وقد واجهتها العديدُ من العقبات، حتى إن بعض المغرضين طلب من السلطات التونسية توقيفها، وقد رفض الوزير التونسي -آنذاك- محمد العزيز بو عتّور توقيفها، قائلاً:"إن ما تنشره المجلة لا يعارض الشرع ولا القانون"، فآزره ثلة من العلماء والمصلحين، ووقفوا بجانبه في هذه المحنة.
* رحلته إلى سورية (1912 - 1920 م):
لم ينقطع شوق الشيخ إلى زيارة المشرق العربي إلى أن تمكن من ذلك سنة 1912 م؛ حيث سافر إلى سورية ماراً بمصر؛ حيث التقى بالشيخ محمد رشيد رضا، ومنها إلى الحجاز، وألبانيا، والآستانة، ثم استقر به المقام بدمشق، وقد ابتهج به علماء دمشق، وفرحوا بقدومه؛ لأن شهرته وصلت إليهم من خلال مؤلفاته؛ كـ:"الحرية في الإسلام"، و"الدعوة إلى
الإصلاح"، و"حياة اللغة العربية"، كما اتصل بالعديد من العلماء؛ كالشيوخ: يوسف النبهاني، وسعيد الجزائري.
وفي أثناء مقامه بدمشق ساهم في بعث الحركة الإصلاحية، والثقافية، والإعلامية؛ من خلال دروسه بالمدرسة السلطانية، والجامع الأموي، ومقالاته ومجالساته.
كما عُرف عنه الميل إلى تأييد الخلافة العثمانية، ويرغم ذلك، فقد اتهمه الأتراك بالثورة عليهم، فسجن، ولما حوكم، ثبتت براءته، بعدها عيّن منشئاً عربياً بوزارة الحربية العثمانية.
وفي سنة 1919 م تأسس (المجمع العلمي العربي) بدمشق، فعين العلامة محمد الخضر حسين عضواً عاملاً به.
* رحلته إلى مصر:
بعد احتلال سورية من طرف الاستعمار الفرنسي سنة 1920 م إثرَ معركة ميسلون الشهيرة، قرر شيخنا الرحيل إلى مصر، وهي الفترة التي عَرف فيها الشيخ الاستقرار والشهرة العلمية وقيمة العطاء، وفي أثناء مكوثه بمصر سقطت الخلافة العثمانية سنة 1924 م على يد كمال أتاتورك، فثارت ضجة كبرى في العالم الإسلامي بين المؤيدين للإلغاء، والمعارضين له، وكان علي عبد الرازق أبرز المؤيدين؛ حيث أصدر كتابه الشهير:"الإسلام وأصول الحكم" سنة 1925 م نافياً من خلاله صلة الإسلام بالسياسة، وفصل الدين عن الدولة، فانبرى له شيخنا العلامة محمد الخضر حسين بالرد عليه من خلال كتابه "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم"، نال بعده حظوة عظيمة بين العلماء، وحتى لدى الملك المصري فؤاد، وفي سنة 1926 م ألف الدكتور طه حسين كتابه
"في الشعر الجاهلي"، فتصدى له الشيخ مُفَنِّداً مزاعمه من خلال مؤلفه:"نقض كتاب الشعر الجاهلي"؛ مما تسبب في نشوب خلافات فكرية بينه وبين الدكتور طه حسين استمرت حتى بعد هذه الضجّة.
* تأسيس (جمعية الهداية الإسلامية)(1928 م):
لم يقتصر نشاط الشيخ رحمه الله على الكتابة والدروس فقط، بل جمع حوله ثلة من العلماء؛ كالأستاذ مصطفى المراغي شيخ الأزهر، والأستاذ عبد الحليم النجار، والشيخ عبد الحليم مدكور، والشيخ عبد الوهاب النجار، فأسسوا (جمعية الهداية الإسلامية) سنة 1928 م، واختاروا العلامة الخضر حسين رئيساً لها، وكانت تهدف أساساً إلى:
- السعي إلى تمتين الصلات بين الشعوب الإسلامية، وتوثيق الروابط بينها، والقضاء على الخلافات.
- التعريف بحقائق الإسلام، ونشرها بأسلوب عصري، ومقاومة الإلحاد والتفسخ.
- إصلاح شأن اللغة العربية.
وقد أصدرت الجمعية مجلتها "الهداية الإسلامية" الغراء التي لعبت دوراً بارزاً في نشر الوعي والإسلام الصحيح، وقد استمرت في الصدور شهرياً منذ 1929 م إلى غاية اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبموازاة ذلك استمر الشيخ في التدرشى بالجامع الأزهر، كما أسندت إليه مجلة دينية علمية أخلاقية تاريخية حكيمة، وذلك سنة 1930 م.
* تقليده مشيخة الأزهر الشريف (1952 م):
في سبتمبر 1952 م، وقد ناهز الشيخ الثمانين من عمره، وبعد انتصار
الضباط الأحرار بمصر، وإلغاء الملكية، تقرر تعيين الشيخ محمد الخضر حسين شيخاً للأزهر الشريف، فأبدى الشيخ امتناعاً في البداية، وذلك لخطورة وأهمية المسؤولية، لكنه قبلَ بها بعد إلحاح السيد حسن الباقوري وزير الأوقاف المصري، قائلاً:"هذا أمر تجنيد، وفي هذا العهد المبارك تجند الكفاءات النزيهة لخدمة مصر"، فأجابه الشيخ بعد قبوله:"وأنا لا أهرب من الجندية، ويوفق الله"، ولا شك أنه تذكر حينها والدته التي كانت تداعبه وهو صبي، وهي تقول له بالعامية:"لخضر يا لخضر، تكبر وتولي شيخ الأزهر"، بعدها بسنتين أحس شيخنا بالتعب والكلل؛ مما منعه من أداء واجبه، فقدم استقالته سنة 954 أم ليتفرغ بعد ذلك للحياة الثقافية.
* من مؤلفاته وآثاره (المطبوعة):
1 -
"الحرية في الإسلام" تونس 1909 م.
2 -
"نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" القاهرة 1926 م.
3 -
"نقض كتاب الشعر الجاهلي" القاهرة 1927 م.
4 -
"الدعوة إلى الإصلاح" القاهرة 1928 م.
5 -
"علماء الإسلام في الأندلس" القاهرة 1928 م.
6 -
"القياس في اللغة العربية" القاهرة 1935 م، وقد طبع بالجزائر كذلك.
7 -
ديوان شعر بعنوان "خواطر الحياة" القاهرة 1953 م.
8 -
"دراسات في العربية وتاريخها" دمشق 1961 م.
9 -
"رسائل الإصلاح" دمشق 1971 م.
10 -
"الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان" دمشق 1971 م.
11 -
"بلاغة القرآن" دمشق 1971 م.
12 -
"تونس وجامع الزيتونة" دمشق 1971 م.
13 -
"الخيال في الشعر العربي" دمشق 1971 م.
14 -
"محمد رسول الله وخاتم النبيين" دمشق 1972 م.
إضافة إلى مئات المقالات والمحاضرات التي نشر أغلبها، وإذا سمحت الظروف، سنتناول بالدراسة -إن شاء الله- مؤلفاته، وكذا الشيخ محمد الخضر حسين الرجل العالم والسياسي والشاعر والمصلح.
* وفاته:
وقد التحق الشيخ محمد الخضر حسين بربه في 2 فيفري 1958 م، وحضر جنازته كبار رجالات الدولة المصرية، والعلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ودفن بمقبرة آل تيمور، بالقرب من صديقه الأستاذ أحمد تيمور، وعملاً بوصيته.
* المراجع:
1 -
محمد مواعدة - محمد الخضر حسين حياته وآثاره - الدار التونسية - تونس - 1974 م.
2 -
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي - من الفكر والقلب (فصول من النقد في العلوم والاجتماع والآداب) - دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع - عين مليلة - أم البواقي - الجزائر) 1990 م.
3 -
الدكتور عمار طالبي - ابن باديس - حياته وآثاره.
4 -
مجلة الدوحة القطرية- عدد ماي 1986 م.
5 -
فوزي مصمودي - جريدة الشعب - العدد 10749 - الاثنين 24 جويلية 1995 م.