الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما قيل فى الصقر
والصقر ثلاثة أصناف، وهى صقر، وكونج، ويؤيؤ.
فأمّا الصقر
- فهو النوع الثالث من الجوارح. والعرب تسمّى كل طائر يصيد صقرا، ما خلا النّسر والعقاب، وتسمّيه «الأكدر» و «الأجدل» . وهو من الجوارح بمنزلة البغال من الدّوابّ، لأنه أصبر على الشدّة وأشدّ إقداما على جلّة الطير كالكراكىّ والحبارج «1» . قالوا: ومزاجه أبرد من سائر ما تقدّم ذكره من الجوارح وأرطب.
وهو يضرّى على الغزال والأرنب ولا يضرّى على الطير لأنها تفوته. وفعله فى صيده الانقضاض «2» والصّدم. وهو غير صافّ «3» بجناحه ولا خافق به. ومتى خفق بجناحه كانت حركته بطيئة بخلاف البازى. ويقال: إنه أهدأ نفسا من البازى، وأسرع أنسا بالناس «4» ، وأكثر رضا وقناعة. وهو يغتذى بلحوم ذوات الأربع. وهو يعاف المياه ولا يقربها، وذلك لبرد مزاجه. وفى طبعه أنه لا يركب الأشجار ولا الشوامخ من الجبال، ولا يأوى إلّا المقابر والكهوف وصدوع الجبال. وهو ينقى بالتّمعّك «5» فى الرّمل والتراب.
ومن صفاته المحمودة الدّالّة على نجابته وفراهته: أن يكون أحمر اللّون، عظيم الهامة، واسع العينين، تامّ المنسر، طويل العنق والجناحين، رحب الصدر، ممتلئ
الزّور، عريض الوسط، جليل الفخذين، قصير الساقين والذّنب، قريب القفدة «1» من الفقار، سبط الكفّ، غليظ الأصابع فيروزجها، أسود اللسان. والله الموفّق.
وأوّل من صاد بالصقر وضرّاه الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة. وسبب ذلك أنه وقف فى بعض الأيّام على صيّاد قد نصب شبكة للعصافير؛ فانقضّ أكدر على عصفور قد علق فى الشبكة فجعل يأكله وقد علق الأكدر واندقّ جناحاه، والحارث ينظر إليه ويعجب من فعله؛ فأمر به فحمل فرمى به فى كسر بيت ووكّل به من يطعمه؛ وأنس الصقر بالموكّل به، حتى صار إذا جاءه باللحم ودعاه أجاب؛ ثم صار يطعمه على يده وصار يحمله. فبينما هو يوما حامله إذ رأى حمامة، فطار عن يده إليها فأخذها وأكلها. فأمر الحارث عند ذلك باتّخاذها وتدريبها والتصيّد بها.
فبينا هو يسير يوما إذ لاحت أرنب فطار الصقر إليها وأخذها؛ فلما رآه يصيد الطير والأرانب ازداد به إعجابا واغتباطا. واتخذته العرب بعده.
ووصفه الشعراء؛ فمن ذلك ما قاله كشاجم يصفه:
غدونا وطرف النجم وسنان غائر
…
وقد نزل الإصباح والليل سائر «2»
بأجدل من حمر الصقور مؤدّب
…
وأكرم ما قرّبت منها «3» الأحامر «4»
جرىء على قتل الظّباء وإنّنى
…
ليعجبنى أن يكسر الوحش طائر
قصير الذّنابى والقدامى كأنّها
…
قوادم نسر أو سيوف بواتر
ورقّش منه جؤجؤ فكأنّه
…
أعارته إعجام الحروف الدّفاتر
فما زلت بالإضمار حتى صنعته
…
وليس يحوز السبق إلّا الضّوامر
وتحمله منّا أكفّ كريمة
…
كما زهيت «1» بالخاطبين المنابر
وعنّ لنا من جانب السّفح ربرب
…
على سنن تستنّ منه الجاذر
فجلّى «2» وحلّت عقدة السير فانتحى «3»
…
لأوّلها إذ أمكنته الأواخر
يحثّ جناحيه على حرّ وجهها «4»
…
كما فصّلت فوق الخدود المعاجر «5»
وما تمّ رجع الطّرف حتى رأيتها
…
مصرّعة تهوى إليها الخناجر
وقال عبد الله بن المعتزّ:
وأجدل يفهم نطق الناطق
…
ململم «6» الهامة فخم العاتق
أقنى المخاليب طلوب مارق
…
كأنها نونات كفّ ماشق
ذى جؤجؤ لابس وشى رائق
…
كمبتدا اللّامات فى المهارق «7»
أو كامتداد الكحل فى الحمالق
…
ونجّمت باللّحظ عين الرامق
عشرا من الإوزّ فى غلافق «8»
…
فمرّ كالرّيح بعزم صادق