الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما البلبل
- وهو «العندليب» ، وتسميه أهل المدينة «النغر» .
وهو طائر أغبر الرأس لطيف القدّ، مأواه الشجر.
قال الجاحظ: البلبل موصوف بحسن الصوت والحنجرة. ومن شأنه «1» إذا كان غير حاذق أن يطارحه إنسان بشكل صوته، فيتدرّب ويتعلّم ويحسن صوته.
وقد وصف أبو هلال العسكرىّ البلابل فقال:
مررت بدكن القمص سود العمائم
…
تغنّى على أطراف غيد نواعم
زهين بأصداغ تروق كأنّها
…
نجوم على أعضاد أسود فاحم
ترى ذهبا منهنّ تحت مآخر
…
لها ولجينا نطنه بالقوادم
وقال آخر:
كيف ألحى وقد خلعت على الله
…
وعذارى وقد هتكت قناعى
وتعشّقت بلبلا أنا منه
…
فى انزعاج إلى الصّبا والتياع «2»
أنا من ريشه المدبّج فى زه
…
ر ومن شجو صوته فى سماع
ومن رسالة ذكرها العماد الأصفهانىّ الكاتب فى الخريدة، وهى لبعض فضلاء أصبهان، ذكر فيها وصف الرّياض ومفاخرة الرّياحين، وفضّل فيها الورد، وانتهى بعد ذكر الورد إلى وصف البلابل، فقال:
«فلما ارتفع صدر النّهار، وانقطع جدال الأزهار؛ سمع من خلل «1» الحديقة زقزقة «2» عندليب، قد اتخذ وكرا على حاشية قليب «3» ؛ كان يستتر به عن الجمع، ويجعله دريئة لاستراق السّمع. وحين أتقن ما وعاه، وأودعه سمعه وأرعاه «4» ؛ انتحى غصنا رطيبا، فأوفى عليه خطيبا؛ ثم قال: يا فتنة الخليقه، لقد جئت بالشّنعاء الفليقه «5» ؛ وربّ بسم استحال احتداما، ولن تعدم الحسناء ذاما. إلام ترفل فى دلال زهوك، وتغفل عن رذائل سهوك! وحتّام تتيه على الأكفاء والأقران، كأنّك أنت صاحب القرآن! ألست من عجبك بنفسك، واسترابتك بأبناء جنسك؛ لا تزال مشتملا شوك الغصون، معتصما منها بأشباه المعاقل والحصون!. لكنك متى انقضى مهبّ الشّمال، وعدل عن اليمين إلى الشّمال؛ خيف عليك نفح الإحراق، وتعّريت من حلل الأوراق؛ وأصبحت للأرض فراشا، وتلعّب بك الهواء فعدت فراشا. ثم ما قدر جورتك حتى تجور! وهل ينتج حضوره «6» إلا الفجور!. هذا إذا كنتم على الأصل الثابت، وعرفتم فى أكرم المغارس والمنابت؛ فكيف وأنتم بين رملّى وجبلىّ، ونهبورىّ «7» أو تيهورىّ. وهب أنك ورهطك تفرّدتم بممايلة القدود، وتوحّدتم «8» بمشابهة الخدود؛ وصرتم درر البحور، وعلّقتم على الجباه والنّحور؛ وتحوّلتم جمانا ومرجانا، وحلّيتم مناطق وتيجانا؛ أقدرتم على
مباراة الشّحارير»
، ومجاراة القمارى النّحارير! أم ملكتم تهييج البلابل «2» ، قبل أصوات البلابل! أم وجدتم سبيلا إلى ولوج القلوب والأسماع، واتّخاذ «3» الطّرب والسّماع؟! هيهات هيهات، بعد عنكم ما فات! بل نحن ذوات الأطواق، وبنات الغصون والأوراق؛ إنما يكمل صيتكم بنغمات أصواتنا، ويزهو غناؤكم بصحة غنائنا؛ ويحسن تمايل دو حكم بترنّمنا ونوحنا، ويروق غديركم بهديرنا، ويشوق تهديلكم «4» بهديلنا.
لم تزالوا حملة أثقالنا، رمهود أطفالنا؛ وجياد شجعاننا، ومنابر خطبائنا. فروعكم محطّ أرحلنا، ورءوسكم مساقط أرجلنا. إذا أوفى مطربنا على عوده، وعبث بملوى عوده؛ وشدّ المثالث والمثانى، شدّ الثّقلين الأوّل والثانى؛ فقد أحيا باللحن الأيكىّ، وبذّ يحيى «5» المكّىّ؛ وأعاد إبراهيم «6» ، كحاطب الليل البهيم؛ وخرق له «7» أثواب
مخارق «1» طربا وحسدا، ولم يسلم منه سليم «2» غيظا وكمدا؛ وأخذ قلب ابن جامع «3» بمجامعه، وطوّقه من الإقرار غلّا بمجامعه؛ حتى كأنّه بصحّة ضربه وإتقان أوتاره، يطلب عندهم قديم أحقاده وأوتاره.
فهى تصبى «4» الأبصار لونا قريبا
…
وتسرّ الأسماع ضربا بعيدا
خضب الكفّ من دم القلب وابت
…
زّ سويداءه فطوّق جيدا
أعجمىّ اللّسان مستعرب اللح
…
ن يعيد الخلّى صبّا عميدا
كلّ وقت تراه من فرط شجو
…
مظهرا فى الغناء لحنا جديدا
تارة يجعل النّشيد بسيطا
…
ويعيد البسيط طورا نشيدا
معبد لو رآه أصبح عبدا
…
ولبيد «5» أمسى لديه بليدا
ضلّ عن إلفه وأقلقه الوج
…
د فأمسى بكاؤه تغريدا
لو عارض الخليل «1» فى عروضه لبكّته، أو ناظر ابن السّكّيت «2» فى إصلاحه لسكّته؛ أو جادل الفارسىّ «3» لفرسه وجذله، أو نازل الكوفىّ «4» لأكفأه عن رتبته وأنزله» .