الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواحدة إلى الثانية من النهار أربعة آلاف وستمائة صوت. والصوت عندهم أن يفصل بينه وبين الصوت الثانى بسكتة. وهم فى تربيته يبدءون بإطعامه دقاق القمح (وهو القمح الصغير الذى لا يمسكه الغربال لصغره) مدّة شهر؛ وتكون ذلك الوقت مجتمعة فى قفص كبير يسمّونه «المرح» ؛ ثم يفرد بعد ذلك كلّ سمانى بمفرده فى قفص ويطعم الدّخن والشّادانق «1» . ويصيح فى مبتدأ أمره مقدار شهر ثم يسكت مدّة شهرين. وينقل إلى أقفاص أخر يعتنون بجودتها ويرفعونها على البراريد (والبراريد عصىّ تعلّق عليها الأقفاص) فيصيح بعد تلك السكتة أربعة أشهر. فإذا دخل فصل الخريف وهبط الماء سكت مدّة شهرين وتقرنص، ثم يصيح أحيانا ويسكت أحيانا. وهو لا يطول عمره أكثر من سنة ونصف.
وأوّل ما يصيح قبل أن يتفصّح بالوعوعة، وحكاية صوته:«وع وع» ؛ ثم يصيح بعد ذلك: «شقشلق» .
وقال الشيخ الرئيس أبو علىّ بن سينا فى كتاب الأدوية المفردة: إنه يخاف من أكل لحوم السّمانى من التمدّد والتّشنّج.
***
وأمّا الهدهد وما قيل فيه
- والهدهد طائر معروف. وقال الجاحظ فيه: والعرب كانوا يزعمون أن القنزعة التى على رأسه ثواب من الله عز وجل على ما كان من برّه لأمّه، لمّا ماتت جعل قبرها فى رأسه؛ فهذه القنزعة عوض عن تلك الوهدة. وهو طائر منتن البدن من جوهره وذاته. والأعراب يجعلون ذلك
النّتن شيئا خامره بسبب تلك الجيفة التى كانت على رأسه. ويستدلّون على ذلك بقول أميّة بن أبى الصّلت حيث يقول من أبيات:
غيم وظلماء وغيث سحابة
…
أزمان كفّن واستراد الهدهد
يبغى الفرار لأمّه ليجنّها
…
فبنى عليها فى قفاه يمهد
مهدا وطيئا فاستقلّ بحمله
…
فى الطير يحملها ولا يتأوّد
من أمّه فجزى بصالح حملها
…
ولدا وكلّف ظهره ما يعقد
فتراه يدلج ماشيا بجنازة
…
بقفاه ما اختلف الجديد المسند
وزعم صاحب الفراسة: أن سبب نتنه أنّه يطلب الزّبل؛ فإذا وجده نقل منه وابتنى بيتا منه؛ فإذا طال مكثه فى ذلك البيت، وفى مثله ولد، اختلط ريشه وبدنه بتلك الرائحة فورث ابنه النّتن، كما ورثه هو من أبيه، وكما ورثه أبوه من جدّه. قال شاعر:
وأنتن من هدهد ميّت
…
أصيب فكفّن فى جورب
ويقال عنه: إنه يرى الماء فى باطن الأرض كما يراه الإنسان فى باطن الزّجاج.
وزعموا: أنه كان دليل سليمان عليه السلام على الماء ولذلك تفقّده، على أحد أقوال المفسر بن لكتاب الله تعالى.
وقال الجاحظ فيه: إنه وفىّ حفوظ؛ وذلك أن الذكر إذا غابت عنه أنثاه لم يأكل ولم يشرب، ولا يزال يصيح حتى تعود إليه، فإن لم تعد لا يسفد بعدها أنثى أبدا، ولا يزال يصيح عليها ما عاش، ولم ينل بعدها من طعم بل ينال منه ما يمسك رمقه.