الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن حافر كالصّخر إلّا أنّه
…
أقوى وأصلب منه فى استحكامه
ما الخيزران إذا انثنت أعطافه
…
فى لين معطفه ولين عظامه
عنق يطول بها فضول عنانه
…
ومحزّم يغتال فضل حزامه
وكأنّه بالرّيح منتعل، وما
…
جرى الرياح كجريه ودوامه
أخذ المحاسن آمنا من عيبه «1»
…
وحوى الكمال مبرّأ من ذامه «2»
وقال آخر:
لا تنظرنّ إلى هزال حمارى
…
وانظر إلى مجراه فى الأخطار «3»
متوقّد جعل الذكاء إمامه
…
فكأنما هو شعلة من نار
عادت عليه الريح عند هبوبها
…
فكأنه ريح الدّبور يبارى
هذا ما ورد فى مدحها.
***
وأمّا ما جاء فيها على سبيل الذم
- فمن ذلك قولهم: «أضلّ من حمار أهله» . وقولهم: أخزى «4» الله الحمار مالا، لا يزكّى ولا يذكّى. ومنه قول جرير «5» بن عبد الله: لا تركب حمارا، فإنه إن كان حديدا «6» أتعب يديك، «7» ، وإن كان بليدا أتعب رجليك.
والمثل مضروب فى الحمير المهزولة بحمار طيّاب «1» ، كما يضرب المثل ببغلة أبى دلامة.
قال شاعر:
وحمار بكت عليه الحمير
…
دقّ حتى به الرياح تطير
كان فيما مضى يسير بضعف
…
وهو اليوم واقف لا يسير
كيف «2» يمشى وليس شىء يراه
…
وهو شيخ من الحمير كبير
لمح القتّ «3» مرّة فتغنّى
…
بحنين وفى الفؤاد زفير:
«ليس لى منك يا ظلوم نصيب
…
أنا عبد الهوى وأنت أمير»
وقال خالد «4» الكاتب:
وقائل إنّ حمارى غدا
…
يمشى إذا صوّب أو أصعدا
فقلت لكنّ حمارى إذا
…
أحثثته لا يلحق المقعدا
يستعذب الضرب فإن زدته
…
كاد من اللّذّة أن يرقدا
وقال أبو الحسين «5» الجزّار:
هذا حمارى فى الحمير حمار
…
فى كلّ خطو كبوة وعثار
قنطارتبن فى حشاه شعيرة
…
وشعيرة فى ظهره قنطار
ولمّا مات حمار هذا الشاعر داعبه شعراء عصره بمراث وهزليّات؛ فقال بعضهم:
مات حمار الأديب قلت قضى
…
وفات من أمره الذى فاتا
مات وقد خلف الأديب ومن
…
خلّف مثل الأديب ما ماتا
ونحو هذين البيتين قول الآخر:
قال حمار الحكيم توما «1»
…
لو أنصفونى لكنت أركب
لأننى جاهل بسيط
…
وصاحبى جاهل «2» مركّب
وكتب «3» أبو الحسن بن نصر الكاتب إلى صديق له اشترى حمارا، يداعبه.
قال من رسالة: «قد عرفت- أبقاك الله- حين وجدت من سكرة الأيّام إفاقه، وآنست من وجهها العبوس طلاقه؛ [كيف «4» ] أجبت داعى همّتك، وأطعت أمر مروءتك؛ فسررت بكمون هذه المنقبة التى أضمرها الإعدام، ونمّ على كريم سرّها الإمكان؛ واستدللت «5» منها على خبايا فضل، وتنبّهت منها على مزايا نبل؛ كانت مأسورة فى قبضة الإعسار، وكاسفة عن سدفة «6» الإقتار؛ وقلت: أىّ
قدم أحقّ بولوج الرّكب من قدميه، وحاذ «1» أولى ببطون القبّ «2» من حاذيه؛ وأىّ أنامل أبهى من أنامله إذا تصرّفت فى الأعنّة يسراها، وتحتّمت «3» بالمخاصر يمناها؛ وكيف يكون ذلك الخلق العظيم، والوجه الوسيم؛ وقد بهر جالسا، إذا طلع فارسا!.
ثم اتّهمت «4» آمالى بالغلوّ فيك، واستبعدت مناقضة الزمان بإنصاف معاليك؛ فقبضت ما انبسط من عنانها، وأخمدت ما اشتعل من نيرانها؛ حتى وقفت على صحيحة الشك. أرجو علوّ همّتك بحسن اختيارك، وأخشى منافسة الأيّام فى درك أوطارك؛ فإنها كالظّانّة فى ولدها، والمجاذبة بالسّوء فى واحدها؛ يدنى الأمل مسارّها، ويرجئ القلق حذارها؛ حتى أتتنا الأنباء تنعى رأيك الفائل «5» ، وتفلّ «6» عزمك الآفل؛ بوقوع اختيارك على فاضح «7» صاحبه، ومسلم راكبه؛ الجامد فى حلبة الجياد، والحاذق بالحران «8» والكياد «9» ؛ السّوم «10» دينه ودأبه، والبلادة طبيعته وشأنه؛ لا يصلحه التأديب، ولا تقرع له الظّنابيب؛ «11» إن لحظ عيرا نهق، أو لمح أتانا شبق، أو وجد روثا شمّ وانتشق؛ فكم هشم سنّا لصاحبه، وكم سعط أنف راكبه؛ وكم استردّه خائفا فلم يرده، وكم رامه خاطبا فلم يسعده؛ يعجل إن أحبّ الأناة والإبطاء،
ويرسخ إن حاول الحثّ «1» والنّجاء؛ مطبوع على الكيد والخلاف، موضوع للضّعة والاستخفاف؛ عزيز حتى تهينه السّياط، كسول ولو أبطره «2» النّشاط؛ ما عرف فى النّجابة أبا، ولا أفاد من الوعى أدبا؛ الطالب به محصور، والهارب عليه مأسور؛ والممتطى له راجل، والمستعلى بذروته نازل؛ له من الأخلاق أسوؤها، ومن الأسماء أشنؤها، ومن الأذهان أصدؤها، ومن القدود أحقرها؛ تجحده المراكب، وتجهله المواكب؛ وتعرفه ظهور السوابك «3» ، وتألفه سباطات «4» المبارك. والله الموفّق.