الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أزرق لا تكذبه عيناه
…
فلو يرى القانص ما يراه
[فدّاه بالأمّ وقد فدّاه «1» ]
وقال أبو اسحاق الصّابى يصفه من رسالة:
«وكم من قبّر «2» أطلقنا عليه يؤيؤا «3» لنا فعرج إلى السماء عروجا، ولجّج فى أثره تلجيجا؛ فكان «4» ذلك يعتصم منه بالخلّاق، وهذا يستطعمه من الرّزّاق؛ حتى غابا عن النّظّار، واحتجبا عن الأبصار؛ وصارا كالغيب «5» المرجّم، والظنّ المتوهّم؛ ثم خطفه ووقع «6» به وهما كهيئة الطائر الواحد؛ فأعجبنا أمرهما، وأطربنا منظرهما» .
ذكر ما قيل فى الشاهين
والشاهين ثلاثة أصناف، وهى شاهين، وأنيقى، وقطامىّ.
فأما الشاهين
- واسمه بالفارسية شوذانه، فعرّبته العرب على ألفاظ شتّى منها: شوذانق وشوذق وشوذنيق وشيذنوق «7» . ويقال: إنه من جنس الصقر إلا أنه أبرد منه وأيبس؛ ولذلك تكون حركته من العلو إلى السّفل شديدة. وليس يحلّق
فى طلب الصّيد على خطّ مستقيم إنما يحوم لثقل «1» جناحه، حتى إذا سامت الفريسة انقضّ عليها هاويا من علو فضربها وفارقها صاعدا؛ فإن سقطت على الأرض أخذها، وإن لم تسقط أعاد ضربها [لتسقط «2» ] ؛ وذلك دليل على جبنه وفتور نفسه وبرد مزاج قلبه. ومع ذلك كلّه فهو أسرع الجوارح وأخفّها وأشدّها ضراوة على الصيد.
إلّا أنهم عابوه بالإباق وبما يعتريه من الحرص؛ حتى إنه ربما ضرب بنفسه الأرض فمات. ويزعمون أنّ عظامه أصلب من عظام سائر الجوارح؛ ولذلك هو يضرب بصدره ويعلق بكفّه.
وقال بعض من تكلّم فى هذا النوع: الشاهين كاسمه. يريد [شاهين «3» ] الميزان؛ [لأنه «4» ] لا يحتمل أدنى حال من الشّبع ولا أيسر حال من الجوع.
والمحمود من صفاته: أن يكون عظيم الهامة، واسع العينين حادّهما، تامّ المنسر، طويل العنق، رحب الصدر، ممتلئ الزّور، عريض الوسط، جليل «5» الفخذين، قصير الساقين، قريب القفدة «6» من الظهر، قليل الرّيش ليّنه، تامّ الخوافى، دقيق الذّنب، إذا صلّب عليه «7» جناحيه لم يفضل عنهما شىء منه. فإذا كان كذلك فهو يقتل الكركىّ [ولا يفوته «8» ] . وزعم بعضهم «9» أنّ السّود من الشواهين هى المحمودة؛ وأن السواد أصل لونها، وإنما أحالته التّربة. ويكون فى الشواهين الملمّع. والله أعلم.
وأوّل من صاد بالشّواهين قسطنطين [ملك عمّوريّة «1» ] . حكى أنه خرج يوما يتصيّد، حتى إذا أتى إلى مرج فسيح نظر إلى شاهين ينكفئ على طير الماء؛ فأعجبه ما رأى من سرعته وضراوته وإلحاحه على صيده، فأخذه وضرّاه؛ ثم ريضت له الشّواهين بعد ذلك وعلّمت أن تحوم على رأسه إذا ركب فتظلّه من الشمس؛ فكانت تنحدر مرّة وترتفع أخرى، فإذا نزل وقعت حوله.
وقد وصف الشعراء الشواهين وشبّهوها؛ فمن ذلك قول النّاشى:
هل لك يا قنّاص فى شاهين
…
شوذانق مؤدّب أمين
جاء به السائس من رزين «2»
…
ضرّاه بالتّخشين والتّليين
حتى لأغناه عن التلقين
…
يكاد للتثقيف والتّمرين
يعرف معنى الوحى بالجفون
…
يظلّ من جناحه المزين
فى قرطق «3» من خزّه الثمين
…
يشبه من طرازه المصون
برد أنوشروان أو شيرين «4»
…
أحوى مجارى الدّمع والشؤون
ذى منسر مؤلّل مسنون
…
واف كشطر الحاجب المقرون
منعطف مثل انعطاف النون
…
يبدى اسمه معناه للعيون
وقال أبو الفتح كشاجم وبدأ بالكركىّ:
يا ربّ أسراب من الكراكى
…
مطمعة السكون فى الحراك
بعيدة المنال والإدراك
…
كدر وبيض اللّون كالأفناك «5»