الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا لم يره أنه إنسان؛ وربما زاد على الببّغاء. وله حكايات وأخبار فى الذكاء والفطنة يطول شرحها، وهو طائر مشهور بذلك.
***
وأمّا الزّرزور
- فيقال: إنّه ضرب من الغراب يسمّى «الغداف» ؛ ويقال:
إنّه «الزّاغ» . وهو يقبل التعليم، ولا يرى إلّا فى أيام الربيع. ولونه أرقط لكن السواد أغلب. وقد يوجد فى لونه الأبيض، وهو قليل جدّا.
وقال بعض شعراء الأندلس:
يا ربّ أعجم صامت لقّنته
…
طرف الحديث فصار أفصح ناطق
جون الإهاب أعير قوّة صفرة
…
كاللّيل طرّزه وميض البارق
حكم من التّدبير أعجزت الورى
…
ورأى بها المخلوق لطف الخالق
وقال آخر:
أمنبر ذاك أم قضيب
…
يقرعه مصقع خطيب
يختال فى بردتى شباب
…
لم يتوضّح بها مشيب
أخرس لكنّه فصيح
…
أبله لكنّه لبيب
وقال الوزير أبو القاسم بن الجدّ «1» الأندلسىّ من رسالة «2» كتبها إلى الوزير أبى الحسن ابن سراج جوابا عن رقعة وصلت منه إليه، يشفع لرجل يعرف بالزّريزير؛ ابتدأها بأن قال:
حسنت لك أبا الحسن ضرائب الأيام، وتشوّفت نحوك غرائب الكلام، واهتزّت لمكاتبتك «1» أعطاف الأقلام، وجادت على محلك «2» ألطاف الغمام، وأشادت «3» بفضلك ونبلك أصناف الأنام. فإن «4» كان روض العهد أعزّك الله لم يصبه من تعهّدنا «5» طلّ ولا وابل، ولا سجعت «6» على أيكه ورق ولا بلابل؛ فإن «7» أزهاره على شرب الصّفاء نابته، وأشجاره فى ترب الوفاء راسخة ثابته. وقد آن الآن لعقم «8» شجره أن تطلع من الثمر ألوانا، ولعجم طيره أن تسجع من النّغم ألحانا؛ بما سقط لدىّ ووقع علىّ من طائر شهىّ الصفير، مبنىّ الاسم على التصغير؛ فإنه رجّع باسمك حينا، وابتدع فى نوبة شكرك تلحينا، وحرّك من شوقى إليك سكونا، ودمّث «9» فى قلبى لودّك وكونا «10» . ثم أسمعنى أثناء ترنّمه كلاما وصف به نفسه، لو تغنّت به الورقاء، لأذنت «11» له العنقاء؛ أو ناح بمثله الحمام، لبكى لشجوه الغمام؛ أو سمعه قيس ابن عاصم فى ناديه، وبين أعاديه، لحلّ الزّمع «12» حباه، واستردّ الطّرب صباه:
كلاما «13» لو ان البقل يزهى بمثله
…
زها البقل واخضرّ الغضا بمصيف
فتلقّيت فضل صاحبه بالتّسليم، واعترفت بسبقه اعتراف الخبير العليم.
وبعد، فإنى أعود إلى ذكر [ذلك «1» ] الحيوان الغريد، والشيطان المريد؛ فأقول:
لئن سمّى بالزّريزير، لقد صغّر للتكبير «2» ؛ كما قيل: حريقيص وسقطه «3» يحرق الحرج، ودويهية وهى تلتهم الأرواح والمهج. ومعلوم أنّ هذا الطائر الصافر يفوق جميع الطيور فى فهم التلقين، وحسن اليقين. فإذا علّم الكلام لهج بالتسبيح، ولم ينطق لسانه بالقبيح، وتراه يقوم كالنصيح، ويدعو للخير بلسان فصيح. فمن أحبّ الاتّعاظ، لقى منه قسّ «4» إياد بعكاظ؛ أو مال إلى سماع البسيط والنشيد، وجد عنده نخب الموصلىّ للرشيد. فطورا يبكيك بأشجى من مراثى أربد»
، وحينا يسلّيك بأحلى من أغانى معبد «6» . فسبحان من جعله هاديا خطيبا، وشاديا مطربا مطيبا. ولما طار ببلاد الغرب ووقع، ورقى فى أكنافها وصقع؛ وعاين ما اتّفق «7» فيها فى هذا العام من عدم الزيتون، فى تلك البطون والمتون؛ أزمع عنها فرارا، ولم يجد بها قرارا؛ لأن هذا الثمر «8» بهذا الأفق هو قوام معاشه، وملاك انتعاشه؛ إليه يقطع، وعليه يقع؛ كما يقع على العسل الذّباب، وتقطع إلى العراد «9» الضّباب؛ فاستخفّه هائج التذكار، نحو تلك