المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌طرائف فى ذم الخيل بالهزال والعجز عن الحركة - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العاشر

- ‌[تتمة الفن الثالث في الحيوان الصامت]

- ‌[تتمة القسم الثالث من الفن الثالث في الدواب والأنعام]

- ‌[تتمة الباب الأول من هذا القسم في الخيل]

- ‌ذكر ما وصفت به العرب الخيل:

- ‌أما ترتيبها فى السنّ

- ‌وأما ما قيل فى تسميتها

- ‌وأما الوجه وما فيه مما لم يذكر فى خلق الإنسان

- ‌وأما العنق وما فيه

- ‌وأما الظهر وما اتصل به من الوركين

- ‌وأما الصدر وما اتصل به من البطن

- ‌ و‌‌أما ألوانهاوشياتها وغررها وحجولها وعصمها وما فيها من الدوائر

- ‌أما ألوانها

- ‌من ألوانها: «البهيم والمصمت» :

- ‌ومن ألوان الخيل: «الدّهم»

- ‌ومنها الخضر

- ‌ومنها الكميت

- ‌ومنها الوراد

- ‌ومنها الشّقر

- ‌ومنها الصّفر

- ‌ومنها الشّهب

- ‌ومنها الجون

- ‌ومنها الصّنابىّ

- ‌ومنها الأغبر

- ‌ومنها الأبرش

- ‌ومنها العرسىّ

- ‌ومنها الأنمر

- ‌ومنها الأبلق

- ‌ومنها الأغشى

- ‌ومنها الأبيض

- ‌ وأما الشّية

- ‌فالغرّة

- ‌وأما القرحة

- ‌وأما الرّثمة

- ‌واللّمظة

- ‌واليعسوب

- ‌ ومن الشّية التحجيل

- ‌ومنها العصم

- ‌ وأما ما فى الفرس من الدوائر

- ‌وأما ما قيل فى طبائعها، وعاداتها، والمحمود من صفاتها، ومحاسنها، والعلامات الدالّة على جودة الفرس ونجابته:

- ‌فصل

- ‌ومما يستحبّ من أوصافها فى الخلق

- ‌ وأما عيوبها التى تكون فى خلقتها، وفى جريها، والتى تطرأ عليها وتحدث فيها

- ‌فأما التى فى خلقتها

- ‌ وأما العيوب التى فى جريها

- ‌ وأما العيوب التى تطرأ عليها وتحدث فيها

- ‌ذكر أسماء خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أسماء كرام الخيل المشهورة عند العرب

- ‌ذكر ما قيل فى أوصاف الخيل وتشبيهها نظما ونثرا

- ‌طرائف فى ذم الخيل بالهزال والعجز عن الحركة

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الثالث فى البغال والحمير

- ‌ذكر ما قيل فى البغال

- ‌ذكر بغلات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شىء مما وصفت به البغال

- ‌فأمّا ما جاء فى ذمها

- ‌ذكر ما قيل فى الحمر الأهلية

- ‌ذكر ما يتمثل به مما فيه ذكر الحمار

- ‌ذكر شىء مما وصفت به الحمير على طريقى المدح والذم

- ‌[أما ما جاء فيها على سبيل المدح]

- ‌ وأمّا ما جاء فيها على سبيل الذم

- ‌الباب الثالث من القسم الثالث من الفنّ الثالث فى الإبل والبقر والغنم

- ‌ذكر ما قيل فى الإبل

- ‌ وأمّا أسماء ما يركب منها ويحمل عليه

- ‌ وأمّا ما اختصّت به النوق من الاسماء والصّفات

- ‌ ومن أوصافها فى السّير

- ‌وأمّا ألوان الإبل

- ‌ وأمّا ترتيب سيرها

- ‌وأما ما قيل فى المسير عليها والنزول للرّاحة والإراحة

- ‌ذكر أصناف الإبل وعاداتها وما قيل فى طبائعها

- ‌ذكر ما ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإبل

- ‌ذكر شىء مما وصفت به الإبل نظما ونثرا

- ‌ذكر ما قيل فى البقر الأهلية

- ‌ذكر ما قيل فى الجاموس

- ‌ذكر ما قيل فى الغنم الضّأن والمعز

- ‌ذكر ترتيب سنّ الغنم

- ‌القسم الرابع من الفن الثالث فى ذوات السموم

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى ذوات السموم القواتل

- ‌ذكر ما قيل فى الحيّات

- ‌ذكر أسماء الحيّات وأوصافها

- ‌ذكر ما فى لحوم الحيّات من المنافع والأدوية

- ‌ذكر شىء مما وصفت به الأفاعى

- ‌ذكر ما قيل فى العقارب

- ‌وقد وصف الشعراء العقرب وشبّهوها فى أشعارهم

- ‌الباب الثانى من القسم الرابع من الفن الثالث فيما هو ليس قاتلا بفعله من ذوات السموم

- ‌ فأمّا الخنافس وما قيل فيها

- ‌ومنها «الجعل»

- ‌ومن أصناف الخنافس صنف يقال له «حمار قبّان»

- ‌ ومنها «الصّراصر والجنادب»

- ‌ وأمّا الوزغ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الضبّ وما قيل فيه

- ‌وأما الحرباء وما قيل فيها

- ‌ وأمّا ابن عرس وما قيل فيه

- ‌ وأمّا القنافذ وما قيل فيها

- ‌وقد وصفه البلغاء والشعراء فى رسائلها وأشعارها

- ‌ وأمّا الفئران وما قيل فيها

- ‌فأمّا الجرذ والفأر

- ‌وأمّا الزّباب

- ‌وأمّا الخلد

- ‌ وأما اليربوع

- ‌ وأما فأرة المسك

- ‌ وأما فأرة الإبل

- ‌ وأمّا القراد وما قيل فيه

- ‌ وأمّا النّمل والذّرّ وما قيل فيهما

- ‌ وأمّا القمل والصّؤاب وما قيل فيهما

- ‌القسم الخامس من الفن الثالث فى أجناس الطير وأنواع السمك

- ‌الباب الأوّل من القسم الخامس من الفن الثالث فى سباع الطير

- ‌ذكر ما قيل فى العقاب

- ‌فأما العقاب

- ‌ وأمّا الزّمّج

- ‌ذكر ما قيل فى البازى

- ‌فأمّا البازى

- ‌ وأما الزّرّق

- ‌ وأمّا الباشق

- ‌ وأمّا العفصىّ

- ‌ وأمّا البيدق

- ‌ذكر ما قيل فى الصقر

- ‌فأمّا الصقر

- ‌ وأمّا الكونج

- ‌وأمّا اليؤيؤ

- ‌ذكر ما قيل فى الشاهين

- ‌فأما الشاهين

- ‌ وأمّا الأنيقىّ

- ‌وأمّا القطامىّ

- ‌فصل

- ‌هذا ما ظفرت به فى أثناء المطالعة من سباع الطير ممّا تكلّم عليه أرباب هذا الفن. وقد أهملوا أصنافا

- ‌والسّنقر

- ‌وممّا أهملوا الكلام فيه «الكوهيّة» و «الصيفيّة» و «الزغزغى»

- ‌الباب الثانى من القسم الخامس من الفن الثالث فى كلاب الطّير

- ‌ذكر ما قيل فى النّسر

- ‌ذكر ما قيل فى الرخم

- ‌ذكر ما قيل فى الحدأة

- ‌ذكر ما قيل فى الغراب

- ‌الباب الثالث من القسم الخامس من الفن الثالث فى بهائم الطير

- ‌فأمّا الدّرّاج وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الحبارى وما قيل فيه

- ‌وأما الطاوس وما قيل فيه

- ‌ وأما الدّيك والدّجاج وما قيل فيهما

- ‌ذكر ما جاء فى الدّيكة من الأحاديث وما عدّ من فضائلها وعاداتها ومنافعها

- ‌ ذكر شىء مما وصفت به الشعراء البيضة والدّجاجة والدّيك

- ‌ومما قيل فى الدّجاجة والدّيك

- ‌وأما الحجل وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الكركىّ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الإوزّ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا البطّ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الأنيس وما قيل فيه

- ‌ وأمّا القاوند وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الخطّاف وما قيل فيه

- ‌ وأمّا القيق والزّرزور وما قيل فيهما

- ‌ وأمّا الزّرزور

- ‌ وأمّا السمانى وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الهدهد وما قيل فيه

- ‌ وأمّا العقعق وما قيل فيه

- ‌ وأمّا العصافير وما قيل فيها

- ‌فأمّا العصفور البيوتىّ

- ‌ وأما عصفور الشّوك

- ‌ وأما عصفور النّيلوفر

- ‌ وأما القبّرة

- ‌ وأما حسّون

- ‌وأما البلبل

- ‌الباب الرابع من القسم الخامس من الفن الثالث فى بغاث الطير

- ‌ أمّا القمرىّ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الدّبسىّ وما قيل فيه

- ‌وأمّا الورشان وما قيل فيه

- ‌وأمّا الفواخت وما قيل فيها

- ‌وأمّا الشّفنين وما قيل فيه

- ‌وأمّا اليعتبط وما قيل فيه

- ‌وأمّا النّوّاح وما قيل فيه

- ‌ وأمّا القطا وما قيل فيه

- ‌ذكر شىء من الأوصاف والتشبيهات الشعريّة الجامعة لمجموع هذا النوع الذى ذكرناه

- ‌وأمّا اليمام وأصنافه وما وصف به وما قيل فيه

- ‌فأمّا الرّواعب

- ‌وأمّا المراعيش

- ‌وأمّا العدّاد

- ‌وأمّا المسياق

- ‌وأمّا الشدّاد

- ‌وأمّا القلّاب

- ‌وأمّا المنسوب

- ‌ذكر ما قيل فى طوق الحمامة

- ‌ذكر شىء مما وصف به هذا النوع نظما ونثرا

- ‌وقال أبو هلال العسكرىّ فى حمام أبلق:

- ‌وأما الببّغاء وما قيل فيها

- ‌الباب الخامس من القسم الخامس من الفن الثالث فى الطير الليلىّ

- ‌فأمّا الخفّاش وما قيل فيه

- ‌وأمّا الكروان وما قيل فيه

- ‌وأمّا البوم وما قيل فيه

- ‌وأما الصّدى وما قيل فيه

- ‌الباب السادس من القسم الخامس من الفن الثالث فى الهمج

- ‌فأمّا النحل وما قيل فيه

- ‌وأمّا الزّنبور وما قيل فيه

- ‌وأمّا العنكبوت وما قيل فيه

- ‌وأمّا الجراد وما قيل فيه

- ‌وأمّا دود القزّ وما قيل فيه

- ‌وأمّا الذّباب وما قيل فيه

- ‌وأمّا البعوض وما قيل فيه

- ‌وأمّا البراغيث وما قيل فيها

- ‌وأمّا الحرقوص وما قيل فيه

- ‌الباب السابع من القسم الخامس من الفن الثالث فى أنواع الأسماك

- ‌ذكر شىء من أنواع الأسماك

- ‌فأمّا الدّلفين

- ‌وأمّا الرّعّاد

- ‌وأمّا التّمساح

- ‌وأمّا السّقنقور

- ‌وأمّا السّلحفاة واللّجأة

- ‌وأمّا الفرس النّهرىّ

- ‌وأمّا الجند بيدستر

- ‌وأما الضفادع

- ‌وأمّا السّرطان وما قيل فيه

- ‌ذكر شىء من عجائب الحيوان المائىّ

- ‌الباب الثامن وهو الذيل على القسم الخامس من الفن الثالث

- ‌ذكر شىء مما قيل فى رماة البندق

- ‌ومما ورد فى وصف الجلاهق نظما

- ‌ذكر شىء مما قيل فى سبطانة

- ‌ذكر شىء مما قيل فى عيدان الدّبق

- ‌ذكر شى مما قيل فى الشّباك

- ‌ذكر ما قيل فى الشّصّ، وهو الصّنانير

الفصل: ‌طرائف فى ذم الخيل بالهزال والعجز عن الحركة

وقال محمد بن الحسين «1» الفارسىّ النحوىّ أحد شعراء اليتيمة فى فرس أدهم أغرّ:

ومطهّم ما كنت أحسب قبله

أنّ السروج على «2» البوارق توضع

وكأنما الجوزاء حين تصوّبت

لبب عليه والثريّا برقع

‌طرائف فى ذم الخيل بالهزال والعجز عن الحركة

كتب بعضهم إلى صديق له:

ما فعلت حجرك «3» تلك التى

أفضل من فارسها الرّاجل

عهدى بها تبكى وتشكو الضّنى

لما احتشاه البدن الناحل

وهى تغنّينى غنا صبّة

غايتها وجدان ما تاكل:

يا ربّ لا أقوى على كلّ ذا

موت وإلّا فرج عاجل

وقال آخر:

يا نصر حجرك أبلى الجوع جدّتها

وأصبحت شبحا تشكو تجافيكا

ص: 65

إذا رأت تبنة قالت مجاهرة

يا تبن لى حسرة ما تنقضى فيكا

ترجوه طورا وتبكى منه آيسة

حتى إذا عرضت باتت تغنّيكا:

هذى- فديتك- حالى قد علمت بها

فلم يكون الجفا أفديك أفديكا

وقال آخر:

أعطيتنى شهباء مهلوبة «1»

تذكر نمروذ «2» بن كنعان

سفينة الحشر إلى عدوها

أسبق من أشقر «3» مروان

كأننى منها على زورق

بلا مجاديف وسكّان «4»

فانظر إلى حجرى ترى شهرة

أخبارها جامع «5» سفيان

وقال آخر:

حملتنى فوق مقرف زمن

ليس لذى رحلة بنفّاع

جلد على أعظم محلّلة

فليس يمشى إلّا بدفّاع

كأننى إذ علوت صهوته

ركبت منه سرير فقّاع «6»

ص: 66

وكتب زهير بن «1» محمد الكاتب:

وفرس على المسا

وى كلّها محتويه

راكبها فى خجلة

كأنه فى مخزيه

مستقبحا ركوبها

مثل ركوب المعصية

فما مساويها لمن

عدّدها مستويه

يا قبحها مقبلة

وقبحها مولّيه

وقال برهان الدين ابن الفقيه نصر:

لصاحب الديوان برذونة «2»

بعيدة العهد من القرط «3»

إذا رأت خيلا على مربط

تقول سبحانك يا معطى

تمشى إلى خلف إذا ما مشت

كأنها تكتب بالقبطى

*** هذا ما اتّفق إيراده مما قيل فى أوصاف الخيل من النظم. فلنذكر ما وصفت به فى الرسائل المنثورة، والفقر المسجوعة، والألفاظ المزدوجة؛ مع ما يتصل بذلك من الأبيات فى ضمنها.

ص: 67

فمن ذلك ما حكى أن المهدىّ سأل مطر بن درّاج عن أىّ الخيل أفضل؛ فقال: الذى إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استدبرته قلت زاخر «1» ، وإذا استعرضته قلت زافر «2» . قال: فأىّ هذه أفضل؟ قال: الذى طرفه إمامه، وسوطه عنانه.

ومن هذا أخذ المتنبى وعلىّ بن جبلة والعسكرىّ. فقال المتنبى:

إن أدبرت «3» قلت لا تليل لها

وقد تقدّم.

وقال علىّ بن جبلة:

تحسبه أقعد فى استقباله

حتى إذا استدبرته قلت أكبّ

وقال أبو هلال العسكرىّ:

طرف إذا استقبلته قلت حبا

حتى إذا استدبرته قلت كبا

ووصف أعرابىّ فرسا أجرى فى حلبة فقال لما أرسلت الخيل: جاءوا بشيطان، فى أشطان «4» ؛ فأرسلوه فلمع لمع البرق، واستهلّ استهلال الودق «5» ؛ فكان أقرب الخيل إليه، تقع عينه من بعد عليه.

ص: 68

ووصف محمد بن الحسين بن الحرون فرسا فقال: هو حسن القميص، جيّد الفصوص «1» ؛ وثيق القصب، نقىّ العصب؛ يبصر بأذنيه، ويتبوّع «2» بيديه، ويداخل رجليه.

ووصف أخر فرسا فقال: الريح أسيرة يديه، والظّليم «3» فريسة رجليه؛ إن حرّ «4» استعر فى التهابه، وإن جدّ مرق من إهابه.

وكتب عبد الله بن طاهر إلى المأمون مع فرس أهداه اليه: قد بعثت إلى أمير المؤمنين فرسا يلحق الأرنب فى الصّعداء، «5» ويجاوز الظباء فى الاستواء، ويسبق فى الحدور جرى الماء؛ إن عطف حار، وإن أرسل طار؛ وإن حبس صفن «6» ، وإن استوقف فطن؛ فهو كما قال تأبّط شرّا:

ويسبق وفد الريح من حيث ينتحى

بمنخرق من شدّه المتتابع

ووصف آخر فرسا فقال: كأنه إذا علا دعاء، وإذا هبط قضاء. كأنه محلول من قول الشاعر فى صفة فرس:

مثل دعاء مستجاب إن علا

أو كقضاء نازل إذا هبط

ووصف أيّوب بن القرّيّة فرسا فقال: أسيل الخدّ، حسن القدّ؛ يسبق الطّرف، ويستغرق الوصف.

ص: 69

وقال محمد بن عبد الملك لصديق له: ابغ لى فرسا برذونا، وثيق اليدين، قائم الأذنين، ذكر العينين، يأنف من تحريك الرجلين.

ومن الكلام الجيّد فى وصف الخيل ما أنشأه الشيخ ضياء الدين بن القرطبىّ من رسالته التى كتبها إلى الصاحب الوزير شرف الدين الفائزىّ، وقد تقدّم ذكرها فى باب الكتّاب فى الرسائل، فلا فائدة فى إعادتها؛ وإنما أوردنا ذكر الخيل هناك لأن الرسالة تشتمل على أوصاف الخيل والعساكر والسلاح وغير ذلك، فأردنا بإيرادها بجملتها ثم أن يكون الكلام فيها سياقه يتلو بعضه بعضا. وهذه الرسالة فى السّفر السابع «1» من هذه النسخة.

*** ومن إنشاء المولى الفاضل العالم الأديب البليغ شهاب الدين أبى الثّناء محمود ابن سليمان الحلبى الكاتب رسالة «2» فى الخيل عملها تجربة ورياضة لخاطره، ولم يكتب بها «3» ؛ سمعتها من لفظه، ونقلتها من خطّه؛ وهى:

أدام الله إحسان الجناب الفلانى، ولا زالت الآمال فى أمواله محكّمه، والأمانى كالمحامد فى أبوابه مخيّمه، والمعالى كالعوالى إليه دون غيره مسلّمه، والمكارم تغريه فى الندى حتى يبذل ما حبّب إليه من الخيل المسوّمه. المملوك يقبّل اليد التى ما زالت بسطتها فى الكرم عليّه، وقبضتها بتصريف أعنّة الزمن مليّه؛ ومواهبها تتنوّع فى الندى، ومذاهبها فى الكرم تهب الأولياء ما تهابه العدا. وينهى وصول

ص: 70

ما أنعم به من الخيل التى وجد الخير فى نواصيها، وادّخرت صهواتها حصونا «1» يعتصم فى الوغى بصياصيها:

فمن أشهب غطّاه النهار بحلّته، وأوطأه الليل على أهلّته؛ كأنّ أذنه جلفة «2» قلم، أو شقّة جلم؛ يدرك بها الوهم، ويحقّق فى الليل البهيم مواقع السهم؛ يتموّج أديمه ريّا؛ ويتأرّج ريّا، ويقول من استقبله فى حلى لجامه: هذا الفجر قد طلع بالثريّا؛ إن التفّت المضايق انساب انسياب الأيم، وإن انفرجت المسالك مرّ مرور الغيم؛ كم أبصر فارسه يوما أبيض بطلعته، وكم عاين [طرف «3» السّنان] مقاتل العدا فى ظلام النّقع بنور أشعّته؛ لا يستنّ داحس «4» فى مضماره، ولا تطمع الغبراء فى شقّ غباره، ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره؛ تسابق يداه مرامى طرفه، ويدرك شوارد البروق ثانيا من عطفه.

ومن أدهم حالى الشّكيم، حالك الأديم، له مقلة غانية وسالفة ريم؛ قد ألبسه الليل برده، وأطلع بين عينيه سعده؛ يظنّ من نظر إلى سواد طرّته، وبياض حجوله وغرّته؛ أنه توهّم النهار نهرا فخاضه، وألقى بين عينيه نقطة من رشاش تلك المخاضه؛ ليّن الأعطاف، سريع الانعطاف؛ يقبل كالليل، ويكرّ كجلمود صخر حطّه السّيل؛ يكاد يسبق ظلّه، وإذا جارى السهم إلى غرض بلغه قبله.

ومن أشقر غشّاه البرق بلهبه، ووشّاه الأصيل بذهبه؛ يتوجّس مالديه برقيقتين، وينفض وفرتيه عن عقيقتين، وينزل عذار لجامه من سالفتيه على

ص: 71

شقيقتين؛ له من الرّاح لونها، ومن الرياح لينها؛ إن جرى فبرق خفق، وإن أسرع «1» فهلال على شفق؛ لو أدرك أوائل حرب ابنى وائل لم يكن للنّعامة «2» نباهه، ولا للوجيه وجاهه، ولكان «3» ترك إعارة سكاب «4» لؤما وتحريم بيعها سفاهه؛ يركض ما وجد أرضا، ولو اعترض [به «5» ] راكبه بحرا وثبه عرضا.

ومن كميت نهد، كأنّ راكبه فى مهد؛ عندمىّ الإهاب، شمالىّ الذّهاب؛ «يزلّ الغلام «6» الخفّ عن صهواته» ، وكأنّ نغم الغريض ومعبد فى لهواته؛ قصير المطا «7» ، فسيح الخطا؛ إن ركب لصيد قيّد الأوابد، وأعجل عن الوثوب الوحش اللّوابد؛ وإن جنب إلى حرب لم يزورّ من وقع القنا بلبانه، ولم يشك لو علّم الكلام بلسانه، ولم يردون بلوغ الغاية- وهى ظفر راكبه- ثانيا من عنانه؛ وإن سار فى سهل اختال براكبه كالثّمل، وإن أصعد فى جبل طار فى عقابه كالعقاب وانحطّ فى مجاريه كالوعل؛ متى ما ترقّ العين فيه تسهّل، ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره: ما أنت هناك فتمهّل.

ص: 72

ومن حبشىّ أصفر يروق العين، ويشوق القلب بمشابهته العين «1» ؛ كأنّ الشمس ألقت عليه من أشعّتها جلالا، وكأنه نفر من الدّجى فاعتنق منه عرفا واعتلق أحجالا؛ ذى كفل يزين سرجه، وذيل يسدّ إذا استدبرته منه فرجه؛ قد أطلعته الرياضة على مراد فارسه، وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصيع قلائده وتوشيع ملابسه؛ له من البرق خفّة وطئه وخطفه؛ ومن النسيم لين طروقه «2» ولطفه، ومن الريح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه؛ يطير بالغمز، ويدرك بالرّياضة مواقع الرّمز، ويغدو كألف الوصل فى استغنائه مثلها عن الهمز.

ومن أخضر له من الروض تفويفه، ومن الوشى تقسيمه وتأليفه؛ قد كساه الليل والنهار حلّتى وقار وسنا، واجتمع فيه من البياض والسواد ضدّان لمّا استجمعا حسنا؛ ومنحه البازى حلّة وشيه، وأعطته «3» نفوح الرياح ونسماتها قوّة ركضه وخفّة مشيه؛ يعطيك أفانين الجرى قبل سؤاله، ولمّا لم يسابقه شىء من الخيل أغراه حبّ الظّفر بمسابقة خياله؛ كأنه تفاريق شيب فى سواد عذار، أو طلائع فجر خالط بياضه الدّجى، فما سجى، ومازج ظلامه النهار، فما أنار؛ يختال لمشاركة اسم الجرى بينه وبين الماء فى شدّة السّير كالسيل، ويدلّ بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللّوامع وبين البرقيّة من الخيل، ويكذّب المانويّة «4» لتولّد اليمن فيه بين إضاءة النهار وظلمة الليل.

ومن أبلق ظهره حرم، وجريه ضرم؛ إن قصد غاية فوجود الفضاء بينه وبينها عدم، وإن صرّف فى حرب فعمله ما يشاء البنان والعنان وفعله ما تريد الكفّ

ص: 73

والقدم؛ قد طابق الحسن البديع بين ضدّى لونه، ودلّت على اجتماع النّقيضين علّة كونه؛ وأشبه زمن الرّبيع باعتدال الليل فيه والنهار، وأخذ وصف حلّتى الدّجى فى حالتى الإبدار والسّرار؛ «1» لا تكلّ مناكبه، ولا يضلّ فى حجرات «2» الجيوش راكبه، ولا يحتاج ليلة المشرق بمجاورة نهاره إلى أن تسترشد فيه كواكبه؛ ولا يجاريه الخيال فضلا عن الخيل، ولا يملّ السّرى إلّا إذا ملّ مشبهاه: النهار والليل، ولا تتمسّك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر فإن جهدت فبالذّيل؛ فهو الأبلق الفرد، والجواد الذى لمجاريه العكس وله الطّرد؛ قد أغنته شهرة نوعه فى جنسه عن الأوصاف، وعدل بالرياح عن مباراته سلوكها «3» له فى الاعتراف جادّة الإنصاف.

فترقّى المملوك إلى رتب العزّ من ظهورها، وأعدّها لخطبة الجنان إذ الجهاد على «4» مثلها من أنفس مهورها؛ وكلف بركوبها فكلّما أكمله عاد، وكلّما أمّله شره إليه فلو أنه زيد «5» الخيل لما زاد؛ ورأى من آدابها ما دل على أنها من أكرم الأصائل، وعلم أنها ليومى سلمه وحربه حنيّة «6» الصائد وجّنة الصائل؛ وقابل إحسان مهديها بثنائه ودعائه، وأعدّها [فى الجهاد «7» ] لمقارعة أعداء الله تعالى عليها وأعدائه؛ والله تعالى

ص: 74

يشكر برّه الذى أفرده فى الندى بمذاهبه، وجعل الصّافنات الجياد من بعض مواهبه.

والله أعلم بالصواب.

*** ومن إنشاء المولى الفاضل تاج الدين عبد الباقى «1» بن عبد المجيد اليمانى رسالة فى مثل ذلك أنشأها فى سنة ستّ أو خمس وسبعمائة. وسمعتها من لفظه، ونقلتها من إملائه؛ وهى:

يقبّل اليد العالية الفلانيّة، لا زالت ترسل إلى الأولياء سحائب كرمها، وتقلّد الأودّاء قلائد نعمها، ولا برح المرهفان طرازى حاشيتها وخدمها، حتى ينوب القلم عن صليل مرهفها والصّمصام عن صرير قلمها، لتتساوى فى الإنفاذ مواقع كلمها ومراسم كلمها؛ ولا فتئ ظاهرها قبلة القبل وغاية الآمال، وباطنها مورد الكرم ومصدر الأموال.

وينهى أنه لما كانت العزائم الفلانيّة طامحة إلى أسنى المعالى، مطلعة من مناقبها أهلّة تخجل بدور الليالى؛ متيّمة باكتساب المفاخر، عميدة بتشييد المآثر؛ مائلة الى ما يزيّن المقانب «2» ، ويطرّز الكتائب؛ مصغية إلى ما يرد جنابها من جنايتها لا غير «3» ،

ص: 75

وكيف لا تكون كذلك وحبّ الخيل من الخير؛ ناظرة إلى ما يصل من كرائمها، مهتدية بنجوم غررها مشغوفة بتحجيل قوائمها؛ عاشقة لاتساع صدورها، ورقّة نحورها.

خدم المملوك الرّكاب العالى بإنفاذ خيل اتّحدت فى الصفات، وتباينت فى الشّيات؛ وصدرت كروضة تفتّحت أزهارها، وزها نوّارها، وأشرقت أنوارها؛ بل كعرائس تختال فى برودها، أو كجواهر تنافست فى عقودها؛ ملكتها يمين المملوك فكانت كعدد أصابعها، وأحرزتها همّته فنزعت فى الحزم إلى منازعها؛ لها من الظباء أعناقها، ومن النعام أسواقها «1» ؛ ومن البأس قوة جنانها، ومن الظفر مثنى عنانها؛ ومن الإقبال غرر نواصيها، ومن إدراك الغرض جلّ أمانيها؛ ذوات ضبح «2» ، وموريات «3» قدح؛ تكبو الريح فى غاياتها، ويقرّ البرق بمعجزاتها؛ مداخلة الخلق رحبة اللّبان «4» ، مستغنية عن الهمز بتحريك العنان؛ تقارب ما بين قطاها «5» ومطاها «6» ، وتباعد ما بين قذالها «7» وصلاها؛ «8» سما عنقها وأطرق جبينها «9» ، وتنزّهت عن المعايب فلا صكك «10» يشينها؛ يا حبّذا أشهبها وقد تجلّلت بالشّهب ذاته، وادّرعت أشهب الصبح شياته؛ زبرجدىّ الحافر لؤلؤىّ الأديم، له أيطلا ظبى وساقا ظليم «11» ؛ كغمامة بارقها قدح سنابكه، أو كسيل طمّ مفعمه واسع مسالكه؛ استغنى بجوهر شياته عن كل مذهب،

ص: 76

فما لمذهب فى الانتساب عنه مدهب؛ إن امتطى الفارس قطاته طار بنسر حافره، وإن أشار إلى غرض أدركه بمجرّد الوهم لا بالنظر إلى ناظره؛ أميال البيداء كميل بين عينيه، وترادف رمالها كذرور بين جفنيه؛ استولى على السّبق «1» وأحرز خصله، وكيف لا وقد حاز اثنتى عشرة خصله.

يتلوها أشقرها وقد نجّد «2» عقيقا، أو التحف شقيقا «3» ؛ أو كوجنة قد احمرّت من الخجل، أو كوردة ناظرت بخفرها نرجس المقل؛ تناسبت أجزاؤه فى الملاحه، وتساوت مراتبه فى الصّباحه؛ وجاهة الوجيه ناطقة من المحيّا، ومسيل غرّته كتصويب الثريّا؛ حجّل بالجوزاء وأسرج بالهلال، وألجم بالمجرّة فما لابن ذكاء «4» فى الإشراق عليه مجال؛ إن أطلق والريح فى سنن ميدان، رأيت الريح ككميت خلّفته الجياد يوم الرّهان؛ تنهب الفلاة حوافره، وتحرز قصب السبق بوادره. يتبعه كميت كقطعة جمر، أو ككأس خمر؛ اسودّ ذنبه وعرفه، واختال كالنّشوان فكأنما أسكره وصفه؛ حكت أذناه قادمتى حمامه، أو المحرّف من أقلام قدامه؛ قصرت عن سعيه الخيول فسابق الظّلال، ونشأ مع النّعام فلا يألف غير الرّئال؛ كأنّ الصّبا ألقت إليه عنانها قسرا، فتخبّ بسرجه مرّة وتناقل أخرى. مقرونا بأصفر كالدّينار، قد أفرغت عليه حلّة نور لا نار؛ طال منه الذيل واتّسع اللّبان، فكأنما هو نار على يفاع شبّت للضّيفان؛ جلّلته الشمس بأنوارها، وأهدت إليه الرّياض اصفرار أزهارها؛ تشهدك عند رؤيته يوم العرض، فروج قوائمه سماء على أرض؛ إن هملج لاذت الريح بالشّجر، وإن عدا قصر عن إدراكه رؤية

ص: 77

البصر؛ نجاشىّ النّجار «1» ، وحليف الوجار «2» ؛ كأنما خلق من الحزم شطره، ومن العزّ ظهره؛ ومن الإقبال غرّته، ومن كنوز المفاخر سرّته؛ يقرّ أعوج «3» بنى هلال بفضله، ويقفو حرون «4» مسلم أثر ظلّه. مختوما بأدهم كصخرة سيل، أو كقطعة ليل؛ خاض فى أحشاء الصّباح فلطم جبينه، وسابق الفلك فقيّد بالجوزاء رجليه ويساره وأطلق يمينه؛ عريض الكفل والمنخرين، دقيق القوائم والساقين؛ كأنما أشرب لونه سواد القلب والبصر، وكأنما النصر قيس «5» وهو ليلى يحضره حيث حضر؛ لو كتب اسمه على راية لم تزل تقدم فتوحا، أو لمعت بوارق سنابكه رأيت زنجيّا جريحا؛ طابقت أخباره لمخبره، وسبقت رجلاه فى العدو مواقع نظره؛ لا يعلق غراب «6» بغباره، ولا تستنّ «7» النّعامة فى مضماره.

ولنختم هذا الباب بذكر فائدة، وهى دواء للخلد «8» : يؤخذ خمسون طائرا من الدّراريج تسحق بحجر ولا تمسّ باليد، وتجعل فى قدر صغيرة جديدة، ويصبّ عليها من الماء والزيت ما يغمره، ويغلى عليه حتّى ينعقد، ويضاف إليه يسير من القطران الأسود، ويوضع على النار؛ فإذا فتر فتلفّ مشاقة على عود ويدهن به أمّ الخلد قبل قطعه بالنار، ثم يدهن بعد ثلاثة أيام بالشّيرج والصّيلقون وماء الورد؛ فإنه مجرّب.

ص: 78