المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما قيل فى الحيات - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العاشر

- ‌[تتمة الفن الثالث في الحيوان الصامت]

- ‌[تتمة القسم الثالث من الفن الثالث في الدواب والأنعام]

- ‌[تتمة الباب الأول من هذا القسم في الخيل]

- ‌ذكر ما وصفت به العرب الخيل:

- ‌أما ترتيبها فى السنّ

- ‌وأما ما قيل فى تسميتها

- ‌وأما الوجه وما فيه مما لم يذكر فى خلق الإنسان

- ‌وأما العنق وما فيه

- ‌وأما الظهر وما اتصل به من الوركين

- ‌وأما الصدر وما اتصل به من البطن

- ‌ و‌‌أما ألوانهاوشياتها وغررها وحجولها وعصمها وما فيها من الدوائر

- ‌أما ألوانها

- ‌من ألوانها: «البهيم والمصمت» :

- ‌ومن ألوان الخيل: «الدّهم»

- ‌ومنها الخضر

- ‌ومنها الكميت

- ‌ومنها الوراد

- ‌ومنها الشّقر

- ‌ومنها الصّفر

- ‌ومنها الشّهب

- ‌ومنها الجون

- ‌ومنها الصّنابىّ

- ‌ومنها الأغبر

- ‌ومنها الأبرش

- ‌ومنها العرسىّ

- ‌ومنها الأنمر

- ‌ومنها الأبلق

- ‌ومنها الأغشى

- ‌ومنها الأبيض

- ‌ وأما الشّية

- ‌فالغرّة

- ‌وأما القرحة

- ‌وأما الرّثمة

- ‌واللّمظة

- ‌واليعسوب

- ‌ ومن الشّية التحجيل

- ‌ومنها العصم

- ‌ وأما ما فى الفرس من الدوائر

- ‌وأما ما قيل فى طبائعها، وعاداتها، والمحمود من صفاتها، ومحاسنها، والعلامات الدالّة على جودة الفرس ونجابته:

- ‌فصل

- ‌ومما يستحبّ من أوصافها فى الخلق

- ‌ وأما عيوبها التى تكون فى خلقتها، وفى جريها، والتى تطرأ عليها وتحدث فيها

- ‌فأما التى فى خلقتها

- ‌ وأما العيوب التى فى جريها

- ‌ وأما العيوب التى تطرأ عليها وتحدث فيها

- ‌ذكر أسماء خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر أسماء كرام الخيل المشهورة عند العرب

- ‌ذكر ما قيل فى أوصاف الخيل وتشبيهها نظما ونثرا

- ‌طرائف فى ذم الخيل بالهزال والعجز عن الحركة

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الثالث فى البغال والحمير

- ‌ذكر ما قيل فى البغال

- ‌ذكر بغلات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر شىء مما وصفت به البغال

- ‌فأمّا ما جاء فى ذمها

- ‌ذكر ما قيل فى الحمر الأهلية

- ‌ذكر ما يتمثل به مما فيه ذكر الحمار

- ‌ذكر شىء مما وصفت به الحمير على طريقى المدح والذم

- ‌[أما ما جاء فيها على سبيل المدح]

- ‌ وأمّا ما جاء فيها على سبيل الذم

- ‌الباب الثالث من القسم الثالث من الفنّ الثالث فى الإبل والبقر والغنم

- ‌ذكر ما قيل فى الإبل

- ‌ وأمّا أسماء ما يركب منها ويحمل عليه

- ‌ وأمّا ما اختصّت به النوق من الاسماء والصّفات

- ‌ ومن أوصافها فى السّير

- ‌وأمّا ألوان الإبل

- ‌ وأمّا ترتيب سيرها

- ‌وأما ما قيل فى المسير عليها والنزول للرّاحة والإراحة

- ‌ذكر أصناف الإبل وعاداتها وما قيل فى طبائعها

- ‌ذكر ما ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإبل

- ‌ذكر شىء مما وصفت به الإبل نظما ونثرا

- ‌ذكر ما قيل فى البقر الأهلية

- ‌ذكر ما قيل فى الجاموس

- ‌ذكر ما قيل فى الغنم الضّأن والمعز

- ‌ذكر ترتيب سنّ الغنم

- ‌القسم الرابع من الفن الثالث فى ذوات السموم

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى ذوات السموم القواتل

- ‌ذكر ما قيل فى الحيّات

- ‌ذكر أسماء الحيّات وأوصافها

- ‌ذكر ما فى لحوم الحيّات من المنافع والأدوية

- ‌ذكر شىء مما وصفت به الأفاعى

- ‌ذكر ما قيل فى العقارب

- ‌وقد وصف الشعراء العقرب وشبّهوها فى أشعارهم

- ‌الباب الثانى من القسم الرابع من الفن الثالث فيما هو ليس قاتلا بفعله من ذوات السموم

- ‌ فأمّا الخنافس وما قيل فيها

- ‌ومنها «الجعل»

- ‌ومن أصناف الخنافس صنف يقال له «حمار قبّان»

- ‌ ومنها «الصّراصر والجنادب»

- ‌ وأمّا الوزغ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الضبّ وما قيل فيه

- ‌وأما الحرباء وما قيل فيها

- ‌ وأمّا ابن عرس وما قيل فيه

- ‌ وأمّا القنافذ وما قيل فيها

- ‌وقد وصفه البلغاء والشعراء فى رسائلها وأشعارها

- ‌ وأمّا الفئران وما قيل فيها

- ‌فأمّا الجرذ والفأر

- ‌وأمّا الزّباب

- ‌وأمّا الخلد

- ‌ وأما اليربوع

- ‌ وأما فأرة المسك

- ‌ وأما فأرة الإبل

- ‌ وأمّا القراد وما قيل فيه

- ‌ وأمّا النّمل والذّرّ وما قيل فيهما

- ‌ وأمّا القمل والصّؤاب وما قيل فيهما

- ‌القسم الخامس من الفن الثالث فى أجناس الطير وأنواع السمك

- ‌الباب الأوّل من القسم الخامس من الفن الثالث فى سباع الطير

- ‌ذكر ما قيل فى العقاب

- ‌فأما العقاب

- ‌ وأمّا الزّمّج

- ‌ذكر ما قيل فى البازى

- ‌فأمّا البازى

- ‌ وأما الزّرّق

- ‌ وأمّا الباشق

- ‌ وأمّا العفصىّ

- ‌ وأمّا البيدق

- ‌ذكر ما قيل فى الصقر

- ‌فأمّا الصقر

- ‌ وأمّا الكونج

- ‌وأمّا اليؤيؤ

- ‌ذكر ما قيل فى الشاهين

- ‌فأما الشاهين

- ‌ وأمّا الأنيقىّ

- ‌وأمّا القطامىّ

- ‌فصل

- ‌هذا ما ظفرت به فى أثناء المطالعة من سباع الطير ممّا تكلّم عليه أرباب هذا الفن. وقد أهملوا أصنافا

- ‌والسّنقر

- ‌وممّا أهملوا الكلام فيه «الكوهيّة» و «الصيفيّة» و «الزغزغى»

- ‌الباب الثانى من القسم الخامس من الفن الثالث فى كلاب الطّير

- ‌ذكر ما قيل فى النّسر

- ‌ذكر ما قيل فى الرخم

- ‌ذكر ما قيل فى الحدأة

- ‌ذكر ما قيل فى الغراب

- ‌الباب الثالث من القسم الخامس من الفن الثالث فى بهائم الطير

- ‌فأمّا الدّرّاج وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الحبارى وما قيل فيه

- ‌وأما الطاوس وما قيل فيه

- ‌ وأما الدّيك والدّجاج وما قيل فيهما

- ‌ذكر ما جاء فى الدّيكة من الأحاديث وما عدّ من فضائلها وعاداتها ومنافعها

- ‌ ذكر شىء مما وصفت به الشعراء البيضة والدّجاجة والدّيك

- ‌ومما قيل فى الدّجاجة والدّيك

- ‌وأما الحجل وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الكركىّ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الإوزّ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا البطّ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الأنيس وما قيل فيه

- ‌ وأمّا القاوند وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الخطّاف وما قيل فيه

- ‌ وأمّا القيق والزّرزور وما قيل فيهما

- ‌ وأمّا الزّرزور

- ‌ وأمّا السمانى وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الهدهد وما قيل فيه

- ‌ وأمّا العقعق وما قيل فيه

- ‌ وأمّا العصافير وما قيل فيها

- ‌فأمّا العصفور البيوتىّ

- ‌ وأما عصفور الشّوك

- ‌ وأما عصفور النّيلوفر

- ‌ وأما القبّرة

- ‌ وأما حسّون

- ‌وأما البلبل

- ‌الباب الرابع من القسم الخامس من الفن الثالث فى بغاث الطير

- ‌ أمّا القمرىّ وما قيل فيه

- ‌ وأمّا الدّبسىّ وما قيل فيه

- ‌وأمّا الورشان وما قيل فيه

- ‌وأمّا الفواخت وما قيل فيها

- ‌وأمّا الشّفنين وما قيل فيه

- ‌وأمّا اليعتبط وما قيل فيه

- ‌وأمّا النّوّاح وما قيل فيه

- ‌ وأمّا القطا وما قيل فيه

- ‌ذكر شىء من الأوصاف والتشبيهات الشعريّة الجامعة لمجموع هذا النوع الذى ذكرناه

- ‌وأمّا اليمام وأصنافه وما وصف به وما قيل فيه

- ‌فأمّا الرّواعب

- ‌وأمّا المراعيش

- ‌وأمّا العدّاد

- ‌وأمّا المسياق

- ‌وأمّا الشدّاد

- ‌وأمّا القلّاب

- ‌وأمّا المنسوب

- ‌ذكر ما قيل فى طوق الحمامة

- ‌ذكر شىء مما وصف به هذا النوع نظما ونثرا

- ‌وقال أبو هلال العسكرىّ فى حمام أبلق:

- ‌وأما الببّغاء وما قيل فيها

- ‌الباب الخامس من القسم الخامس من الفن الثالث فى الطير الليلىّ

- ‌فأمّا الخفّاش وما قيل فيه

- ‌وأمّا الكروان وما قيل فيه

- ‌وأمّا البوم وما قيل فيه

- ‌وأما الصّدى وما قيل فيه

- ‌الباب السادس من القسم الخامس من الفن الثالث فى الهمج

- ‌فأمّا النحل وما قيل فيه

- ‌وأمّا الزّنبور وما قيل فيه

- ‌وأمّا العنكبوت وما قيل فيه

- ‌وأمّا الجراد وما قيل فيه

- ‌وأمّا دود القزّ وما قيل فيه

- ‌وأمّا الذّباب وما قيل فيه

- ‌وأمّا البعوض وما قيل فيه

- ‌وأمّا البراغيث وما قيل فيها

- ‌وأمّا الحرقوص وما قيل فيه

- ‌الباب السابع من القسم الخامس من الفن الثالث فى أنواع الأسماك

- ‌ذكر شىء من أنواع الأسماك

- ‌فأمّا الدّلفين

- ‌وأمّا الرّعّاد

- ‌وأمّا التّمساح

- ‌وأمّا السّقنقور

- ‌وأمّا السّلحفاة واللّجأة

- ‌وأمّا الفرس النّهرىّ

- ‌وأمّا الجند بيدستر

- ‌وأما الضفادع

- ‌وأمّا السّرطان وما قيل فيه

- ‌ذكر شىء من عجائب الحيوان المائىّ

- ‌الباب الثامن وهو الذيل على القسم الخامس من الفن الثالث

- ‌ذكر شىء مما قيل فى رماة البندق

- ‌ومما ورد فى وصف الجلاهق نظما

- ‌ذكر شىء مما قيل فى سبطانة

- ‌ذكر شىء مما قيل فى عيدان الدّبق

- ‌ذكر شى مما قيل فى الشّباك

- ‌ذكر ما قيل فى الشّصّ، وهو الصّنانير

الفصل: ‌ذكر ما قيل فى الحيات

‌القسم الرابع من الفن الثالث فى ذوات السموم

، وفيه بابان

‌الباب الأوّل من هذا القسم فى ذوات السموم القواتل

.

ويشتمل هذا الباب على ما قيل فى الحيّات والعقارب.

‌ذكر ما قيل فى الحيّات

الحيّات مختلفات الجهات جدّا. وهى من الأمم التى يكثر اختلاف أجناسها فى الصّور والشّيم، والصّغر والعظم، وفى التعرّض للناس وفى الهرب منهم. فمنها «1» ما لا يؤذى إلا أن تطأها. ومنها ما يؤذى إذا وطئت فى حماها. ومنها ما لا يؤذى فى تلك الحال إلا أن تكون على بيضها أو فراخها. ومنها ما لا يؤذى إلّا أن يكون الناس قد آذوها مرّة. فأمّا «الأسود» فإنه يحقد ويطالب ويكمن فى المتاع حتى يدرك؛ وله زمان يقتل فيه كلّ شىء نهشه. وأما «الأفعى» فليس ذلك عندها، ولكنها تظهر فى الصيف مع أوائل الليل إذا سكن وهج الرّمل أو ظاهر الأرض، فتأتى قارعة الطريق حتى تستدير كالرّحى وتشخص رأسها؛ فمن وطئ عليها أو مسّها نهشته. وهى من الحيّات التى ترصد؛ وهى تقتل فى كل زمان وعلى كل حال.

و «الشّجاع» يواثب ويقوم على ذنبه. والحيّات أصناف كثيرة سنذكر ما أمكن ذكره منها إن شاء الله.

ص: 133

والعرب تضرب المثل فى الظلم بالحيّة فيقولون: «أظلم من حيّة» ، لأنها لا تتخذ لنفسها بيتا، وكل بيت قصدت نحوه هرب أهله منه وأخلوه لها.

والحيّة مشقوقة اللسان، ولسانها أسود. وزعم بعض المفسرين لكتاب الله عز وجل أنّ الله تعالى عاقب الحيّة، حين أدخلت إبليس فى فمها حتى خاطب آدم وحواء وخدعهما، بعشرة أشياء: منها شقّ لسانها؛ فلذلك ترى الحيّة إذا ضربت لتقتل كيف تخرج لسانها لترى الضارب لها عقوبة الله تعالى، كأنها تسترحم. ويقال: إن من خصائص الحيّة أنّ عينها إذا قلعت عادت، وكذلك نابها إذا قلع أو قطع بالكاز «1» عاد بعد ثلاث ليال؛ وكذلك ذنبها إذا قطع عاد. وفى طباعها أنها تهرب من الرجل العريان، وتفرح بالنار وتطلبها وتعجب بها، وباللبن والبطيخ واللّفّاح «2» والخردل.

وهى لا تضبط نفسها عن الشّراب إذا شمّته؛ وإذا وجدته شربت منه حتى تسكر؛ فربما كان السّكر سبب حتفها؛ لأنها إذا سكرت خدرت. وتكره الحيّة ريح السّذاب «3» ولا تملك نفسها [معه «4» ] ، وربما اصطيدت به؛ وتكره ريح الشّيح. والحيّة تذبح حتى تفرى أوداجها فتبقى أياما لا تموت. ومتى ضربت بالقصب الفارسىّ ماتت، وإن ضربت بسوط قد مسّه عرق الخيل ماتت. ويقال: إنها لا تموت حتف أنفها إلا أن تقتل.

ص: 134

ومن أعجب ما شاهدته أنا من الأفاعى أنها قطّعت بحضورى بالبيمارستان «1» المنصورى بالقاهرة المعزّيّة فى شهور سنة ستّ وسبعمائة بسبب عمل الدّرياق الفاروق «2» ؛ وقطع من رأسها وذنبها ما جرت العادة بقطعه، وسلخت وشقّ بطنها ونظّفت وهى تختلج، ثم سلقت وجرّد لحمها عن العظم، فنظرت إليه فإذا هو يختلج؛ فعجبت لذلك؛ وذكرته لرئيس الأطبّاء علم الدّين «3» المعروف بابن أبى حليقة وهو حاضر فى المجلس، فقال: ليس هذا بأعجب مما تراه الان، وقال لى: استدع أقراص الأفاعى التى عملت من أكثر من سنة؛ فاستدعيتها، فأحضرها الخازن وهى فى العسل وقد دقّ لحم الأفاعى بعد سلقه وعجن بالسّميذ وجعل أقراصا ووضع فى العسل من أكثر من سنة؛ فقال لى: تأمّل الأقراص؛ فتأملتها فإذا هى تضطرب اضطرابا خفيفا «4» .

وقال الجاحظ: وزعم صاحب المنطق أنّ الحيّات تنسلخ عن جلودها فى كل عام فى أوّل فصل الربيع أو الخريف؛ وتبتدئ بالسّلخ من عيونها ويتمّ سلخها فى يوم وليلة، ويصير داخل الجلد هو الخارج. وإذا هرمت وعجزت عن السلخ

ص: 135

وارتخى جسمها أدخلت جسمها بين عودين أو فى صدع ضيق حتى تنسلخ، ثم تأتى إلى عين ماء فتنغمس فيها فيشتدّ لحمها ويعود إلى قوّته وشدّته.

قال الجاحظ: وليس فى الأرض مثل جسم الحيّة إلا والحيّة أقوى بدنا منه أضعافا. ومن قوّتها أنها إذا أدخلت صدرها فى حجر أو صدع لم يستطع أقوى الناس وقد قبض على ذنبها بكلتا يديه أن يخرجها، لشدّة اعتمادها وتعاون أجزائها؛ وربما انقطعت فى يد الجاذب لها. فإذا أراد أن يخرجها أرسلها بعض إرسال ثم يجذبها كالمختطف لها. قال: ومن أصناف الحيّات ما هو أزعر، وما هو أزبّ (ذو شعر) ، ومنها ذوات قرون. ومنها ما يسمى الأسود وهو ما إذا كان مع الأفاعى فى جونة «1» وجاع ابتلعها من قبل رءوسها، ومتى رام ذلك من غير جهة الرأس عضّته فقتلته. ومن أصنافها ما يسمى «الأصلة» ، وهو ثعبان عظيم جدّا، وله وجه كوجه الإنسان؛ ويقال: إنه يصير كذلك إذا مرّت عليه ألوف من السنين. وهو يقتل بالنظر وبالنفخ. ومنهم من يسمّى هذا النوع الصّلّ، ويقول: إنّ أصل خلقته على هذه الصفة. قال: وفى البادية حيّة يقال لها «الحفّاث» تأكل الفأر وأشباهه.

وهى عظيمة، ولها وعيد منكر ونفخ وإظهار للصولة، وليس وراء ذلك شىء؛ والجاهل ربما مات من الفزع منها.

قالوا: والثعبان «2» والأفعى فإنه يقتل بما يحدثه من الفزع؛ لأن الرجل إذا فزع تفتّحت مسامّه ومنافسه، فيتوغّل السمّ فى موضع الصّميم «3» وأعماق البدن. فإن

ص: 136

نهشت «1» النائم والمغمى عليه والمجنون والطفل الصغير لم تقتله «2» البتّة. وزعم صاحب المنطق أنّ بالحبشة حيّات لها أجنحة. وأخبرنى المولى شرف الدين أحمد بن اليزدىّ قال: كنت بمدينة الرّملة «3» فى شهور سنة اثنتين وسبعمائة صحبة الصاحب شرف الدين بن الخليل ومعه القاضى الحاكم وجماعة كثيرة من الناس وفيهم عدولى «4» وغيرهم؛ فنظرنا نحو السماء فإذا نحن بحيّتين عظيمتين طائرتين فى الهواء قاصدتين صوب البحر، كلّ منهما فى غلظ الثنيانة «5» ، وإن إحداهما مستقيمة فى طيرانها والأخرى تتعوّج من قبل رأسها ووسطها وذنبها، وكانتا من الأرض بحيث لا يبلغهما السهم، قال: فسطّرنا بذلك محضرا على عدّة نسخ.

وحكى بعض المؤرّخين: أنه وجد فى خزائن المستنصر بالله «6» العبيدى أحد خلفاء مصر بيضة محلّاة بالذّهب ظنّوا أنها بيضة نعامة؛ فجعل الناس يتعجّبون من تحليتها

ص: 137

بالذّهب؛ فذكروا ذلك للمستكفى، فقال: إنها بيضة حيّة كان بعض الملوك أهداها لجدّى القائم «1» بأمر الله.

ومن كتاب نشوار المحاضرة قال حدّثنا أبو إسحاق إبرهيم بن الورّاق قال حدّثنى عمى أبو الحسين «2» : أن الحصينىّ حدّثه عن أبى العبّاس بن الفرات قال حدّثنى أبى قال: قال لى جعفر «3» الخيّاط: أمرنى المأمون ونحن بالروم أن أقتصّ»

الطريق لئلا يكون به جواسيس للعدوّ؛ فأخذت معى جماعة من أصحابى فرسانا ورجّالة وسلكت الطريق، فعنّ لى شعب فقصدته لئلا يكون فيه كمين من الجواسيس، وتقدّمنى الرّجّالة فرأيتهم قد وقفوا؛ فأسرعت اليهم وسألتهم عن خبرهم، فقالوا:

انظر؛ فنظرت فإذا رجل من الرجّالة قد قعد لقضاء حاجته، ومشى أصحابه، فقصدته حيّة من وراء ظهره فابتلعته من رجليه إلى صدره وهو يستغيث ويصيح؛ فلم يكن لنا فيه حيلة وخفت أن آمر الرّجالة برمى الحيّة بالنّشّاب فيصيب الرجل فأكون أنا قتلته. فبسط الرجل يديه وانتهى بلع الحيّة إلى إبطيه، فرأيتها وقد انضمّت على

ص: 138

ما ابتلعته منه ضمّة سمعنا تكسير عظامه فى جوفها، فمات وسقطت يداه فابتلعته حينئذ بأسره. فقلت: الآن أقصدوها بالنّشّاب؛ فرشقناها جميعا فأثبتناها فى موضعها حتى قتلناها؛ فأمرت بشق بطنها لأعاين جسم الرّجل، فلم نجد فى بطنها من جلد ولا عظم ولا غيرهما إلا شيئا كالخيط الأسود، فإذا هى قد أحرقته فى لحظة واحدة.

ويقال: إن بجزائر الصين حيات تبتلع الإبل والبقر وشبهها.

قال الجاحظ: حدّثنى أبو جعفر المكفوف النحوىّ العنبرىّ وأخوه روح الكاتب ورجال من بنى العنبر: أنّ عندهم فى رمال بلعنبر حيّة تصيد العصافير وصغار الطير بأعجب حيلة؛ وزعموا أنها إذا انتصف النهار واشتدّ الحرّ فى رمال بلعنبر وامتنعت الأرض على الحافى والمنتعل، غمست هذه الحيّة ذنبها فى الأرض ثم انتصبت كأنها عود مركوز أو عود نابت «1» ، فيجىء الطائر الصغير والجرادة، فإذا رأى عودا قائما وكره الوقوع على الرّمل لشدّة حرّه وقع على رأس الحيّة على أنها عود، فإذا وقع على رأسها قبضت عليه. فإن كان جرادة أو جعلا أو بعض ما لا يشبعها ابتلعته وبقيت على انتصابها؛ وإن كان طائرا يشبعها أكلته وانصرفت؛ وإن ذلك دأبها ما منع الرمل جانبه فى الصيف والقيظ.

قال: وزعم لى رجال من الصّقالبة خصيان وفحول أنّ الحيّة فى بلادهم تأتى البقرة المحفّلة «2» فتنطوى على فخذيها وركبتيها إلى عراقيبها ثم تشخص صدرها نحو أخلاف ضرعها حتى تلتقم الخلف، فلا تستطيع البقرة مع قوّتها أن تترمرم «3» ؛ فلا تزال الحيّة

ص: 139