الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذى يظهر من مجموع هذه الأحاديث المرويّة التى أوردناها أن بغلات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سبعا، وهى:«الدّلدل» التى أهداها له المقوقس، و «فضّة» التى أهداها له فروة بن عمرو، وبغلة أهداها له كسرى، وبغلته الأيليّة التى أهداها له ابن العلماء صاحب أيلة، وبغلة بعثها له صاحب دومة الجندل، وبغلة أهداها له يحنّة ابن روبة، وبغلة أهداها له النّجاشىّ صاحب الحبشة. والله تعالى أعلم بالصواب.
ذكر شىء مما وصفت به البغال
قد ألّف الجاحظ كتابا فى البغال مفردا عن كتاب الحيوان، قال فيه ما نصه:
«نبدأ إن شاء الله بما وصف الأشراف من شأن البغلة فى حسن سيرتها، وتمام خلقتها، والأمور الدالّة على السرّ فى جوهرها، وعلى وجوه الارتفاق بها، وعلى تصرّفها فى منافعها، وعلى خفّة مؤونتها فى التنقّل فى أمكنتها وأزمنتها، ولم كلف الأشراف بارتباطها مع كثرة ما يزعمون من عيوبها، ولم آثروها على ما هو أدوم طهارة خلق منها، وكيف ظهر فضلها مع النقص الذى هو فيها، وكيف اغتفروا مكروه ما فيها لما وجدوا من خصال المحبوب فيها.
قال: ولقد كلف بارتباطها الأشراف حتى لقّب بعضهم من أجل اشتهاره بها ب «روّاض البغال» ؛ ولقّبوا آخر ب «عاشق البغل» . فبسط القول فى الترجمة ثم لم يأت من أخبار البغال بطائل، بل اقتصر على حكايات واستطرد منها إلى منها إلى غيرها، على عادته فى مصنّفاته. فكان مما حكاه من ذلك:
قال مسلمة بن عبد الملك: ما ركب الناس مثل بغلة طويلة العنان، قصيرة العذار، سفواء «1» العرف، حصّاء «2» الذّنب.
قال: وكتب روح بن عبد الملك إلى وكيل له: ابغنى بغلة حصّاء الذنب، عظيمة المحزم، طويلة العنق، سوطها عنانها، وهواها إمامها.
قال: وعاتب صفوان بن عبد الله بن الأهتم عبد الرحمن بن عبّاس بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطّلب فى ركوب البغال، وكان ركّابا للبغلة، فقال له: مالك ولهذا المركب الذى لا يدرك عليه الثار، ولا ينجّيك يوم الفرار؟! فقال: إنها نزلت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلّة «1» العير، وخير الأمور أوساطها. فقال صفوان:
إنا نعلّمكم، فإذا علمتم تعلّمنا منكم. وهو الذى يلقّب «روّاض البغال» ، لحذقه بركوبها، ولشغفه بها، وحسن قيامه عليها. وكان يقول: أريدها واسعة الجفرة «2» ، مندحّة «3» السّرّة، شديدة الغلوة «4» ، بعيدة الخطوة، ليّنة الظهر، ملويّة الرّسغ، سفواء جرداء عنقاء، طويلة الأنقاء «5» .
قال: وقال ابن كتامة: سمعت رجلا يقول: إذا اشتريت بغلة، فاشترها طويلة العنق، تجده «6» فى نجائها؛ مشرفة الهادى، تجده «7» فى طباعها؛ ضخمة الجوف، تجده «8» فى صبرها.
قال: ولما خرج قطرىّ بن الفجاءة أحبّ أن يجمع إلى رأيه رأى غيره؛ فدسّ إلى الأحنف بن قيس رجلا يجرى ذكره فى مجلسه ويحفظ عنه ما يقول؛ فلمّا قعد قال الأحنف: أما إنهم إن جنبوا بنات الصّهّال، وركبوا بنات النّهّاق «9» ، وأمسوا بأرض وأصبحوا بأرض، طال أمرهم.
قال الجاحظ: فلا ترى صاحب الحرب يستغنى عن البغال، كما لا ترى صاحب السّلم يستغنى عنها، وترى صاحب السفر كصاحب الحضر. انتهى كلام الجاحظ.
وحكى أنّ عبد الحميد الكاتب ساير مروان بن محمد الجعدىّ على بغلة؛ فقال له:
لقد طالت صحبة هذه الدابّة لك!؛ فقال: يا أمير المؤمنين، من بركة الدابّة طول صحبتها. فقال: صفها؛ فقال: همّها إمامها، وسوطها زمامها، وما ضربت قطّ إلّا ظلما.
وقال بعض الكتّاب من رسالة: «قد اخترت لسيّدى بغلة وثيقة الخلق، لطيفة الخرط، رشيقة القدّ، موصوفة «1» السير، ميمونة الطير، مشرفة العنق، كريمة النّجار، حميدة الآثار.
إن أدبرت قلت لا تليل لها
…
أو أقبلت قلت ما لها كفل
قد جمعت إلى حسن القميص، سلامة الفصوص «2» ؛ فسمّيت قيد الأوابد، وقرّة عين الساهد؛ تزرى فى انطلاقها، بالبروق فى ائتلاقها» .
قال البحترىّ يصف بغلا:
وأقبّ نهد للصّواهل «3» شطره
…
يوم الفخار وشطره للشّحّج
خرق يتيه «4» على أبيه ويدّعى
…
عصبيّة لبنى الضّبيب «5» وأعوج
مثل المذرّع «1» جاء بين عمومة
…
فى غافق «2» وخؤولة للخزرج
وقال أبو الفرج الوأواء من قصيدة يشكر بعض أصحابه وقد أهدى له بغلة:
قد جاءت البغلة السّفواء يجنبها
…
للبرق غيث بدا ينهلّ ماطره
عريقة ناسبت أخوالها «3» فلها
…
بالعتق «4» من أكرم الجنسين فاخره
ملء الحزام وملء العين مسفرة
…
يريك غائبها فى الحسن حاضره
أهدى لها الرّوض من أوصافه شية
…
خضراء ناضرة إن زال ناضره
ليست بأوّل حملان «5» شريت به
…
حمدى ولا هى يا ذا الجود آخره
كم قد تقدّمها من سابح بيدى
…
عنانه وعلى الجوزا حوافره
وقال أبو المكارم بن عبد السّلام:
كأنها النار فى الحلفاء إن ركضت
…
كأنها السيل إن وافتك من جبل
كأنها الأرض إن قامت لمعتلف
…
كأنها الريح إن مرّت على القلل
ما يعرف الفكر منها منتهى حضر
…
ما صوّر الوهم فيها وصمة الكسل
إذا اقتعدت مطاها وهى ماشية
…
ثهلان تبصره فى زىّ منتقل
هذا ما اتّفق إيراده من صفات البغال التى تقتضى المدح.