الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: والرّخم من الطير التى تتبع الجيوش والحجّاج لما يسقط من كسرى «1» الدّوابّ. وإذا فقدت الميتة عمدت إلى العظم فحملته وارتفعت به فى الهواء ثم تلقيه فيقع على الصخور فينكسر فتأكل ما فيه. والله أعلم بالصواب.
ذكر ما قيل فى الحدأة
قالوا: والحدأة تبيض بيضتين، وربما باضت ثلاثا وخرج منها ثلاثة أفرخ.
وهى تحضن عشرين يوما. ومن ألوانها الأسود والأربد. ويقال: إنها لا تصيد وإنما تخطف. وهى تقف فى الطيران، وليس ذلك لغيرها من الكواسر، وزعم ابن وحشيّة: أنّ العقاب والحدأة يتبدّلان، فتصير الحدأة عقابا والعقاب حدأة. وهذا أراه من الخرافات. ويقال: إنّ الحدأة من جوارح سليمان عليه السلام وإنها امتنعت من أن تؤلّف أو تملك لغيره، لأنها من الملك الذى لا ينبغى لأحد من بعده.
وهى لا تختطف إلا من يمين من تختطف منه دون شماله. وليس فيها لحم، وإنما عظام وعصب وجلد وريش. ولم أقف على شعر فيها فأضعه.
ذكر ما قيل فى الغراب
قالوا: والغراب أصناف، وهى «الغداف» و «الزّاغ الأكحل» و «الزاغ الأورق» . والغراب يحكى جميع ما يسمعه، وهو فى ذلك أعجب من الببّغاء.
ويقال: إنّ متولّى ثغر الإسكندريّة أهدى إلى السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس غرابا أبيض؛ وهو غريب نادر الوقوع. ويقال فى صوت الغراب:
نغق ينغق نغيقا، ونعب ينعب نعيبا. فإذا مرّت عليه السنون الكثيرة وغلظ صوته
قيل فيه: شحج يشحج شحيجا. وفى طبعه الاستتار عند السّفاد وهو يسفد مواجهة «1» ، ولا يعود إلى الأنثى إذا سفدها أبدا، وذلك لقلّة وفائه.
قال الجاحظ: واذا خرج الفرخ حضنته الأنثى دون الذكر، ويأتيها الذّكر بالطّعم. قال: والغراب من لئام الطير وليس من كرامها، ومن بغاثها وليس من أحرارها، ومن ذوات المخالب المعقّفة والأظفار الجارحة، ومن ذوات المناقير وليس من ذوات المناسر؛ وهو مع ذلك قوىّ البدن، لا يتعاطى الصيد، وربما راوغ العصفور. ولا يصيد الجرادة إلا أن يلقاها فى سدّ «2» من جراد. وهو إن أصاب جيفة نال منها وإلا مات هزالا. ويتقمّم كما تتقمّم بهائم الطير وضعافها. وليس ببهيمة لمكان أكله الجيف؛ وليس بسبع لعجزه عن الصيد.
قال: وهو إمّا أن يكون حالك السواد شديد الاحتراق، ويكون مثله من الناس الزّنج لأنهم شرار الناس وأردأ الخلق تركيبا ومزاجا، فلا تكون له معرفة ولا جمال؛ وإما أن يكون أبقع فيكون اختلاف تركيبه وتضادّ أعضائه دليلا على فساد أمره.
والبقع ألأم من السّود وأضعف.
قال: ومن الغربان غراب الليل، وهو الذى ترك أخلاق الغربان وتشبّه بأخلاق البوم. وقد رأيت أنا ببلنياس «3» - وهى على ساحل البحر الرومىّ- غربانا كثيرة جدّا، فإذا كان وقت الفجر صاحت كلّها صياحا عظيما مزعجا؛ فهم يعرفون طلوع الفجر بصياحها.
قال: ومنها غراب البين؛ وهو نوعان: أحدهما غربان صغار معروفة بالضّعف واللؤم. والآحر إنما لزمه هذا الاسم لأنّ الغراب إذا بان أهل الدار للنّجعة وقع فى مواضع بيوتهم يتلمّس ويتقمّم، فتشاءموا به وتطيّروا منه، إذ كان لا يلمّ بمنازلهم إلا إذا بانوا منها؛ فسمّوه غراب البين. ثم كرهوا إطلاق ذلك الاسم مخافة الزّجر والطّيرة، وعلموا أنه نافذ البصر صافى العين، فسمّوه الأعور؛ من أسماء الأضداد.
قال: والغدفان جنس من الغربان؛ وهى لئام جدّا. ومن أجل تشاؤمهم بالغراب اشتقّوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب. والعرب يتعايرون بأكل لحوم الغربان. وفى ذلك يقول وعلة الجرمىّ «1» :
فما بالعار ما عيّرتمونا
…
شواء النّاهضات مع الخبيص «2»
فما لحم الغراب لنا بزاد
…
ولا سرطان «3» أنهار البريص «4»
والغربان من الأجناس التى تقتل فى الحلّ والحرم، وسمّيت بالفسق.
قال الجاحظ: وبالبصرة من شأن الغربان ضروب من العجب، لو كان ذلك بمصر أو ببعض الشامات كان عندهم من أجود الطّلّسمات؛ وذلك أنّ الغربان تقطع إلينا فى الخريف فترى النخيل وبعضها مصروم وعلى كل نخلة عدد كثير من الغربان؛
وليس فيها شىء يقرب نخلة واحدة من النخيل التى لم تصرم ولو لم يبق عليها إلا عذق واحد. قال: فلو أنّ الله تعالى أذن للغراب أن يسقط على النخلة وعليها التمر لذهب جميعه. فإذا صرموا ما على النخلة تسابق الغربان إلى ما سقط من التمر فى جوف القلب «1» وأصول الكرب «2» تستخرجه وتأكله.
ومما يتمثّل به فى الغراب: يقولون: «أحذر من غراب» . و «أصحّ من غراب» . و «أصفى نظرا من غراب» . و «أسود من غراب» .
ومما وصفت به الغربان- فمن ذلك قول عنترة:
حرق «3» الجناح كأن لحيى رأسه
…
جلمان بالأخبار هشّ مولع
وقال الطّرمّاح بن حكيم:
وجرى ببينهم غداة تحمّلوا
…
من ذى الأثارب شاحج يتعبّد «4»
شنج «5» النّسا أدفى «6» الجناح كأنه
…
فى الدار إثر الظاعنين مقيّد
وقال أبو يوسف بن هارون الزّيادىّ الأندلسىّ:
أبا حاتم ما أنت حاتم طيّئ
…
وما أنت إلا حاتم الحدثان
خطبت ففرّقت الجميع بلكنة
…
فما الظنّ لو تعطى بيان لسان
كأنّهم من سرعة البين أودعوا
…
جناحيك واستحثثت «1» للطيران
وقال أحمد بن فرج الجبّائى:
أمّا الغراب فمؤذن بتغرّب
…
وشكا «2» فصدّق بالنّوى أو كذّب
داجى القناع كأن فى إظلامه
…
إظلام يوم تفرّق وتغرّب