الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس من القسم الخامس من الفن الثالث فى الهمج
وقد قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فيه: إنه ليس من الطير، ولكنّه مما يطير كالحشرات مما يمشى. والذى أطلق عليه اسم الهمج هو مما يشتمل عليه هذا الباب، وهو النّحل، والزّنبور، والعنكبوت، والجراد، ودود القزّ، والذّباب، والبعوض، والبراغيث، والحرقوص.
فأمّا النحل وما قيل فيه
- قال الله عز وجل: (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
. وعن أبى سعيد الخدرىّ رضى الله عنه: أنّ رجلا أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخى يشتكى بطنه يا رسول الله؛ فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: «اسقه عسلا» . ثم أتاه فقال: قد فعلت؛ فقال:
«اسقه عسلا» . ثم أتاه فقال: قد فعلت؛ فقال: «اسقه عسلا» . ثم أتاه فى الرابعة؛ فقال: «صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا» ؛ فسقاه فبرئ الرجل.
وقال أرسطو: النحل تسعة أصناف: ستّة منها يأوى بعضها إلى بعض، وذكر أسماءها باليونانيّة. وغذاء «1» النحل من الفضول «2» الحلوة والرّطوبات. والنحل
لا تقعد على أزهار مختلفة بل على زهر واحد؛ وإن قعدت على زهر آخر فإنما تقعد عليه بعد أن تنصرف إلى الخليّة. وبيوتها من أعجب المبانى؛ لأنها مبنيّة على الشكل الذى لا ينتهك ولا ينخرق، كأنه حرّر بآلة وقياس هندسىّ. وإذا هلك شىء من النحل فى باطن الخلايا أخرجته الأحياء إلى خارجها. وهو يعمل فى فصل الربيع والخريف. والرّبيعى أجود من الخريفىّ. والصغير منه أعمل من الكبير.
وهو يشرب من الماء النقىّ العذب الصّافى، ويطلبه حيث كان. وهو يسلخ جلده كالحيّات. وتوافقه الأصوات المطربة. ويجتمع للتصفيق بالأيدى والرّقص.
والسوس يضرّه. ودواؤه أن يطرح فى كل خليّة كفّ من الملح، وأن تفتح فى كلّ شهر مرّة وتدخّن بأخثاء البقر.
وقد وصف الشعراء الشّهد والعسل فى أشعارها؛ فمن ذلك قول إبراهيم بن خفاجة الأندلسىّ يصف شهدة بعث بها إليه بعض أصدقائه:
لله ريقة نحل
…
رعى الرّبى والشّعابا
وجاب أرضا فأرضا
…
يغشى مصابا مصابا «1»
حتّى ارتوى من شفاء
…
يمجّ منه رضابا
إن شئت كان طعاما
…
أو شئت كان شرابا
وكتب مع هذه الأبيات رسالة، جاء منها:«وكفى النّحلة فضيلة ذات، وجلالة صفات؛ أنّها أوحى إليها، وأثنى فى الكتاب عليها؛ تعلم مساقط الأنداء، وراء البيداء؛ فتقع هناك على نوّارة عبقه، وبهارة «2» أنقه؛ ثم تصدر عنها [بما تطبعه