الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع من القسم الخامس من الفن الثالث فى أنواع الأسماك
قال ابن أبى الأشعث: السمك يستنشق الماء بأصداغه فيقوم له مقام الهواء للإنسان. والسمك كلّه شره كثير الأكل، وحاسّة السمع والشمّ فيه أقوى منها فى الإنسان. واستدلّ على ذلك بأدلّة يطول شرحها. وحاسّة البصر فيه ليست كالسمع والشمّ وإنما أضعف. ولسانه غليظ قصير شبيه باللسان وليس لسانا.
وله أضراس ليست للمضغ عليها وإنما لقتل ما يفترسه من حيوان الماء، ويفرغ فيه سمّا يكون سببا لقتله. وصغار السمك تحترز من كباره بأن تطلب الماء القليل.
الذى لا يحمل الكبار.
واختلف الناس فى سفاد السمك، فالأكثر على أنه يسفد مثل الحيّة. وقال الجاحظ: وفى السمك القواطع والأوابد كالطير. ومن أصناف السمك ما هو فى شكل الحيّات. قال: وهى إما أن تكون كانت برّيّة أو جبليّة فاكتسحتها السيول وألقتها فى الماء الدائم فتوالدت فيه؛ وإما أن تكون أمهاتها وآباؤها من دوابّ الماء.
وقال الشيخ الرئيس أبو علىّ بن سينا فى الأدوية المفردة: أفضل السمك فى جثّته ما كان ليس بكبير جدّا ولا صلب اللحم ولا يابسه، لا دسومة فيه كأنه يتفتّت، والذى لا مخاطيّة ولا سهوكة فيه وطعمه لذيذ، فإن اللذيذ مناسب، وما هو دسم دسومة غير مفرطة ولا غليظة ولا شحميّة ولا حرّيفة، والذى لا يسرع إليه النّتن إذا فصل عن الماء. ويختار من السمك الصّلب اللحم ما هو أصغر، ومن الرّخص
اللحم ما هو أكبر إلى حدّ ما. وصلب اللحم مملوحا خير منه طريّا. وأمّا فى الأجناس فالشبابيط أفضلها، ثم البنّىّ، والبياح «1» البحرىّ لا بأس به. وأما فى مأواه «2» فالذى يأوى الأماكن الصخريّة ثم الرمليّة والمياه العذبة الجارية التى لا قذر فيها ولا حمأة وليست بطيحيّة «3» ولا نزّيّة ولا من البحيرات الصغار التى لا تسقيها الأنهار ولا فيها عيون. قال: والسمك البحرىّ محمود لطيف؛ وأفضل أصنافه الذى لا يكون إلا فى البحر واللّجة. والذى يأوى ماء مكشوفا ترفرف الرّياح عليه أجود من الذى بخلافه. والذى يأوى ماء كثير الاضطراب والتموّج أجود من الذى يأوى الماء الراكد. والسمك البحرىّ لطيف اللحم لا سيما إذا كان مأواه فى الشطوط صخرا أو رملا؛ والذى يصير من البحر الى أنهار عذبة يعارض جرية الماء بالطبع لطيف كثير الرّياضة.
وأمّا غذاؤه، فالذى يغتذى بالحشيش وأصول النبات خير من الذى يغتذى الأقذار التى تطرح من البلاد إلى المستنقعات. وأفضل ما يؤكل السمك اسفيدباجا «4» ثم المشوىّ على الطّابق. وأما المقلىّ. فيصلح لأصحاب المعد القويّة ومعه الأبازير «5» .
والمشوىّ أغذى وأبطأ نزولا، والمطبوخ بالضدّ. وأفضل طبيخه أن يطبخ الماء حتى يغلى ثم يلقى فيه.
وأمّا المالح، فخيره ما كان طريّا قريب العهد بالتمليح. وأحمده الممقور «1» بالخلّ والتّوابل.
وأمّا طبعه، فجميع السمك بارد رطب، لكن بعضه أسخن بالقياس إلى مزاج السمك مثل الكوسج «2» والمارماهيج «3» .
وأمّا أفعاله وخواصّه، فالطّرىّ منه يولّد البلغم المائىّ مرخ للأعصاب، غير موافق إلا للمعدة الحارّة جدّا. قال: وجلد السمك المعروف «بسيفيانوس» «4» فى ناحية بيت المقدس إن ذرّ رماد جلده فى عيون «5» المواشى أذهب بياضها. والمالح من أصناف السمك يخرج السّلّاء «6» من المناشب «7» . قال: ورأس «سماريس» «8» محرقا يقلع اللحم
الزائد فى القروح ويمنع سعتها ويقلع الثآليل «1» واليوث «2» . وماء السمك المالح ينفع من القروح العفنة ويغسلها. قال: واذا احتقن بسلاقة المالح مرارا نفع من وجع الورك. والسمك الصغار الذى تسمّيه أهل الشام «3» ومصر «الصّير» إذا تمضمض صاحب القلاع «4» الخبيث بالمرّىّ «5» الذى يتّخذ منه نفعه. و «الرّعّاد» الحىّ إذا قرّب من رأس المصدوع أخدره [عن الحسّ «6» بالصداع] . قال: وجلد «سيفيانوس» تحكّ به الأجفان الجربة فينفع، وجلده المحرق أيضا يدخل فى أدوية العين؛ ويذهب «7» الاكتحال به مع الملح الظّفرة «8» ، وأكله مقليّا «9» يورث غشاوة العين بل جميع السمك؛ ورءوس
السّمكات المملوحة المجفّفة تنفع اللهاة «1» الوارمة، وعلاج جيّد من شقاق المقعدة «2» .
وغراء السمك يلقى فى الأحساء فينفع نفث الدّم. قال: وحوصلة سيفيانوس تليّن البطن مع صعوبة انهضامها. قال: ورأس المالح [من «3» ] سماريس محرقا يجعل على عضّة الكلب الكلب ولسعة العقرب فينفع ذلك، وكذلك كلّ سمكة. ومرقة كلّ سمك تنفع من السموم المشروبة والنّهوش. قال:[والسمك «4» ينفع من عسر النّفس والرّبو واليرقان ويسهّل البلغم وينفع من خناق الرّحم] .
وقد وصف الشعراء السمك فى أشعارها؛ فمن ذلك قول ابن الرّومى يخاطب رئيسا «5» ويستدعى منه سمكا:
عسرت علينا دعوة «6» السّمك
…
أنّى وجودك ضامن الدّرك
اعلم وقيت الجهل أنك فى
…
قصر تلته مطارح الشّبك
وبنات «7» دجلة فى فنائكم
…
مأسورة فى كلّ معترك
بيض كأمثال السبائك بل
…
مشحونة بالشحم كالعكك «1»
حسنت مناظرها وساعدها
…
طعم كحلّ معاقد التّكك
فليصطد الصيّاد حاجتنا
…
يصطد مودّتنا بلا شرك
وقال أبو الفتح كشاجم:
ومحجوبة بالماء عن كل ناظر
…
ولكنها فى حجبها تتخطّف
أخذنا عليهنّ السبيل بأعين
…
رواصد إلّا انّها ليس تطرف
فجئنا «2» بها بيض المتون كأنّها
…
خناجر فى أيماننا تتعطّف
وقال أبو عبادة البحترىّ وذكر بركة:
لا يبلغ السمك المقصور «3» غايتها
…
لبعد ما بين قاصيها ودانيها
يعمن فيها بأوساط مجنّحة
…
كالطير تنفض فى جوّ خوافيها
وقال أبو طالب المأمونىّ فى المقلىّ منه:
ماويّة فضيّة لحمها
…
ألذّ ما يأكله الآكل
يضمّها من جلدها جوشن «4»
…
مذيّل «5» فهو لها شامل
لوّنت من فضّتها عسجدا
…
بالقلى لما ضافنى نازل