الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمّا العدّاد
- فهو طير ضخم، قليل الطيران [كثير الفراخ «1» ] .
وأمّا المسياق
- وهو أضخم من العدّاد وأنبل، ثقيل الجسم لا يستطيع الطيران إلّا قليلا.
وأمّا الشدّاد
- فهو لا يلزم الطيران فى الجوّ، وله قوّة فى جناحه [حتى يقال إنّه ربما يكسر الجوزبه، ولا يأتى من الغاية لبله فيه «2» ] . وأصحاب الرّغبات فى تربية هذا الصّنف يلقونه على البصريّات فيخرج من بينهما حمام يسمّى «المضرّب» يجتمع فيه هداية البصرىّ وشدّة الشّدّاد. والشدّاد يطير صعدا حتى يرى كالنّجم.
وفى ذنبه إحدى وثلاثون ريشة.
وأمّا القلّاب
- فتسميّه العراقيون «الملّاح» ؛ وسمّى بذلك لتقلّبه فى طيرانه.
والشّقّاق «3» - وطيرانه تحويم.
وأمّا المنسوب
«4» - ويسمّيه العراقيّون «الهوادى» ، والمصريون «5» يسمونه «البصارى» [يعنون «6» البصرية] ، وهو بالنسبة إلى ما تقدّم ذكره كالعتاق من
الخيل، وما عداه فيها كالبراذين. وفيها «العلوىّ» وهو ألطف جرما وأسرع طيرانا؛ وهو يطلب وكره ولو أرسل من مسافة ألف فرسخ، ويحمل البطائق ويأتى بها من المسافة البعيدة فى المدّة القريبة. قالوا: وفيه ما يقطع ثلاثة آلاف فرسخ فى يوم واحد. وسباع الطير تطلبه أشدّ طلب. وخوفه من الشاهين أشدّ من خوفه من غيره. وهو أطير منه ومن سباع الطير كلّها؛ لكنه يذعر فيجهل باب المخلص.
والمحمود منه ما وصفه الجاحظ عن أفليمون صاحب الفراسة أنه قال:
جميع الفراسة لا تخرج عن «1» أربعة أوجه: أوّلها التقطيع، والثانى المجسّة، والثالث الشمائل، والرابع الحركة.
فأمّا التقطيع- فانتصاب العنق والخلقة، واستدارة الرأس من غير عظم ولا صغر، وعظم القرطمتين «2» ونقاؤهما، واتّساع المنخرين، وانهرات الشّدقين، وسعة الجوف، ثم حسن خلقة العينين مع توقّدهما، وقصر المنقار فى غير دقّة، ثمّ اتّساع الصدر، وامتلاء الجؤجؤ، وطول العنق، وإشراف المنكبين، وانكماش الجناحين، وطول القوادم فى غير إفراط، ولحوق بعض الخوافى ببعض، وصلابة القصب فى غير انتفاخ ولا يبس، واجتماع الخلق فى غير الجعودة والكزازة «3» ، وعظم الفخذين «4» ، وقصر السّاقين والوظيفين، وافتراق الأصابع، وقصر الذّنب وخفّته من غير تفنين «5» وتفريق، ثم توقّد الحدقتين وصفاء اللّون. فهذه علامة الفراسة فى التقطيع.
وأمّا علامة المجسّة- فوثاقة الخلق، وشدّة اللّحم، ومتانة العصب، وصلابة القصب، ولين الرّيش فى غير رقّة، وصلابة المنقار فى غير دقّة.
وأمّا علامة الشمائل- فقلّة الاختيال، وصفاء البصر، وثبات النظر، وشدّة الحذر، وحسن التّلفّت، وقلّة الرّعدة عند الفزع، وخفّة النهوض إذا طار، وترك المبادرة إذا لقط.
وأمّا علامة الحركة- فالطيران فى علوّ، ومدّ العنق فى سموّ، وقلّة الاضطراب فى جوّ السماء، وضمّ الجناحين فى الهواء، وتتابع الرّكض فى غير اختلاط، وحسن القصد فى غير دوران، وشدّة المدّ فى الطيران. فإذا أصبته جامعا لهذه الصفات فهو الطائر الكامل.
وقد وصف الجاحظ الحمام فى كتاب الحيوان وبسط فيه القول ووسّع المجال.
ونحن الآن نورد ملخّص ما قاله فيه، قال:
ومن مناقب الحمام حبّه للناس وأنس الناس به، وهو من الطير الميامين. وهو إذا علم الذكر منه أنّه قد أودع رحم الأنثى ما يكون منه الولد، تقدّما فى إعداد العشّ، ونقل القصب وشقق «1» الخوص، وأشباه ذلك من العيدان الخوّارة «2» الدّقاق، حتى يعملا أفحوصة وينسجاها نسجا متداخلا فى الموضع الذى اتّخذاه واصطنعاه عشّا بقدر جثمان الحمامة؛ ثم أشخصا لتلك الأفحوصة حروفا غير مرتفعة لتحفظ البيض وتمنعه من التّدحرج، ولتلزم كتفى الجؤجؤ، ولتكون رفدا لصاحب الحضن، وسندا للبيض؛ ثم يتعاوران ذلك المكان ويتعاقبان تلك الأفحوصة يسخّنانها
ويدفئانها ويطيّبانها «1» وينفيان عنها طباعها الأول ويحدثان لها طبيعة أخرى مشتقّة من طبائعهما ومستخرجة من رائحة أبدانهما وقواهما، لكى تقع البيضة إذا وقعت فى موضع يكون أشبه المواضع طباعا بأرحام الحمام مع الحضانة [والوثارة «2» ] ، كى لا تنكسر البيضة بيبس الموضع، ولئلا تنكر طباعها طباع المكان، وليكون على مقدار من البرد والسّخونة والرّخاوة والصّلابة. ثم إن ضربها المخاض وطرّقت ببيضها، بدرت إلى الموضع الذى قد أعدّته وتحاملت إليه، إلّا أن يقرعها رعد قاصف أو ريح عاصف فإنها ربما رمت بها دون الأفحوصة. والرّعد ربّما أفسد البيض. فإذا وضعت البيض فى ذلك المكان الذى أعدّاه لا يزالان يتعاقبان الحضن ويتعاورانه حتى تنتهى أيّامه ويتمّ ميقاته؛ فعند ذلك ينصدع البيض عن الفرخ، فيخرج عارى الجلد صغير الجناح مستدّ الحلقوم؛ فيعلمان أنّه لا يتّسع حلقه وحوصلته للغذاء، فلا يكون لهما همّ إلّا أن ينفخا فى حلق الفرخ الرّيح لتتّسع الحوصلة بعد التحامها. ثم يعلمان أنه وإن اتّسعت الحوصلة لا يحمل فى أوّل اغتذائه أن يزقّ بالطّعم، فيزقّ باللّعاب المختلط بقواهما وقوى الطّعم. ثم يعلمان أنّ الحوصلة تضعف عن استمراء الغذاء وهضم الطّعم فيأكلان من شروج «3» أصول الحيطان- وهو شىء من الملح المحض والتراب الخالص، وهذا هو السّبخ- فيزقّانه به. حتى إذا علما أنه قد اندبغ «4» واشتدّ زقّاه بالحبّ الذى قد غبّ فى حواصلهما؛ ثم يزقّانه بعد ذلك بالحبّ والماء. حتى إذا علما أنه قد أطاق
اللّقط معناه بعض المنع ليحتاج إلى اللّقط فيتعوّده. فإذا علما أنّ إرادته قد تمّت وأنه قد قوى على اللّقط وبلغ بنفسه منتهى حاجته، ضرباه إذا سألهما الكفاية، ونفياه متى رجع إليهما، وتنتزع تلك الرحمة العجيبة منهما وينسيان ذلك التعطّف.
ثم يبتدئان العمل ثانيا على ذلك النظام وتلك المقدّمات. فسبحان الهادى الملهم.
قال: ثم يبتدئ الذّكر بالدّعاء والطّراد؛ وتبتدئ الأنثى بالتّأتّى والاستدعاء، ثم تزيف «1» وتشكل «2» ، وتمكّن وتمنع، وتجيب وتصدف بوجهها؛ ثم يتعاشقان ويتطاوعان ويكون بينهما قبل وارتشاف وإدخال فمها فى فمه؛ وذلك هو التّطاعم والمطاعمة. قال الشاعر:
لم أعطها «3» بيدى إذ بتّ أرشفها
…
إلّا تطاول غصن الجيد بالجيد
كما تطاعم فى خضراء ناعمة
…
مطوّقان أصاخا بعد تغريد
قال أبو عثمان: ومما أشبه فيه الحمام الناس أن ساعات الحضن على البيض أكثرها على الأنثى، وإنما يحضن الذكر حضنا يسيرا. والأنثى كالمرأة فى كفالة الصبىّ، حتى إذا ذهب الحضن وصار البيض؟؟؟ صراخا كالأطفال فى البيت يحتاجون إلى الطعام والشّراب صار أكثر ساعات الزّقّ على الذكر.
وقال: قال مثنّى بن زهير- وهو إمام الناس فى البصرة بالحمام-: لم أر شيئا قطّ فى رجل ولا امرأة إلّا وقد رأيت مثله فى الذكر والأنثى من الحمام.
رأيت حمامة لا تريد إلّا ذكرها، كالمرأة لا تريد إلّا زوجها أو سيّدها. ورأيت حمامة لا تمنع شيئا من الذّكورة؛ ورأيت امرأة لا تمنع يد لامس. ورأيت
حمامة لا تزيف إلّا بعد طراد شديد وشدّة طلب، ورأيتها تزيف لأوّل ذكر يريدها، ورأيت من النساء كذلك. ورأيت حمامة لها زوج وهى تمكّن ذكرا آخر لا تعدوه، ورأيت مثل ذلك فى النساء. ورأيتها تزيف لغير ذكرها وذكرها يراها، ورأيتها لا تفعل ذلك إلّا وذكرها يطير أو يحضن. ورأيت الحمامة تقمط الحمامة، ورأيت الحمام الذكر يقمط الذكر. ورأيت أنثى كانت لا تقمط إلّا الإناث، ورأيت أخرى تقمط الإناث فقط ولا تدع أنثى تقمطها، ورأيت ذكرا يقمطها ويدعها حتى تقمطه. ورأيت ذكرا يقمط الذكور وتقمطه؛ ورأيت ذكرا يقمط الذكور ولا يدعها تقمطه؛ ورأيت أنثى تزيف للذكور ولا تدع شيئا منها يقمطها؛ ورأيت هذه الأصناف كلّها فى السّحّاقات واللّاطة. قال: وامتنعت علىّ خصلة فو الله لقد رأيتها؛ لأنى رأيت من النساء من تزنى أبدا وتساحق أبدا ولا تتزوّج؛ ومن الرجال من يلوط أبدا ويزنى أبدا ولا يتزوّج، ورأيت حماما ذكرا يقمط ما لقى ولا يزاوج، ورأيت حمامة تمكّن كلّ حمام أرادها من ذكر أو أنثى وتقمط الذكورة والإناث ولا تزاوج، ورأيتها تزاوج ولا تبيض، وتبيض فيفسد بيضها، كالمرأة. قال: ورأيت ذكرا له أنثيان وقد باضتا منه، وهو يحضن مع هذه ومع تلك ويزقّ مع هذه ومع تلك، ورأيت أنثى تبيض بيضة، ورأيت أنثى تبيض فى أكثر حالاتها ثلاث بيضات. قال: ورأيت حمامة تزاوج هذا الحمام ثم تتحوّل منه إلى آخر، ورأيت ذكرا فعل مثل ذلك فى الإناث، ورأيت الذكر كثير النّسل قويّا على القمط.
قال الجاحظ: والحمام يبيض عشرة أشهر من السنة؛ فإذا صانوه وحفظوه وأقاموا له الكفاية وأحسنوا تعهّده باض فى جميع السنة. والفواخت والأطرغلّات «1»
والحمام البرّىّ تبيض مرّتين فى السنة. قال: ويتمّ خلق الحمام فى أقلّ من عشرة أيام.
والحمامة فى أكثر أمرها يكون «1» أحد فرخيها ذكرا والآخر أنثى؛ وهى تبيض أوّلا البيضة التى فيها الذكر ثم تقيم يوما وليلة وتبيض الأخرى. وتحضن ما بين السبعة عشر يوما إلى العشرين. والأنثى أبرّ بالبيض، والذكر أبرّ بالفراخ. ولقد أطنب أبو عثمان الجاحظ وأوغل وبسط القول فى ذكر الحمام وأوصافه ومناقبه والمغالاة فى ثمنه والحرص على اقتنائه، حتى إنه قال: وللحمام من الفضيلة والفخر أنّ الحمام الواحد يباع بخمسمائة دينار؛ ولم يبلغ ذلك باز ولا شاهين ولا عقاب. قال: وأنت إذا أردت أن تتعرّف مبلغ ثمن الحمام الذى جاء من الغاية ثم دخلت بغداد والبصرة، وجدت ذلك بلا معاناة. وهذا يدلّ على أنّ قوله فيه كان مشهورا عندهم فى وقته.
ثم قال: والحمام إذا جاء من الغاية بيع الذّكر من فراخه بعشرين دينارا وأكثر، وبيعت الأنثى بعشرة دنانير وأكثر [وبيعت البيضة «2» بخمسة دنانير] ؛ فيقوم الزوج منها من الغلّة مقام ضيعة، حتى ينهض بمؤونة العيال وبقضاء الدّين، وتبنى من غلّاته «3» وأثمان رقابه الدّور والجنان وتبتاع الحوانيت. ثم وصف حجر الحمام ومقاصيرها المبنيّة فى ذلك الزمان وما يعانيه أهلها من حديثها «4» والاحتفال بها فى المسابقة وغيرها.
وأطال فى ذلك. وقال: وللحمام من حسن الاهتداء، وجودة الاستدلال، وثبات الحفظ والذّكر، وقوّة النزاع إلى أربابه، والإلف لوطنه، أن يكون طائرا من بهائم الطير يجىء من مسافة كذا إلى مسافة كذا. قال: ولن ترى جماعة طير أكثر طيرانا
إذا كثرن من الحمام؛ فإنّهنّ كلما التففن «1» وضاق موضعهنّ كان أشدّ لطيرانهنّ.
قال النابغة:
واحكم كحكم فتاة «2» الحىّ إذ نظرت
…
إلى حمام شراع «3» وارد الثّمد
يحفّه «4» جانبا نيق «5» وتتبعه
…
مثل الزّجاجة لم تكحل من الرّمد
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا
…
إلى حمامتنا ونصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما حسبت
…
تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فأكملت مائة فيها حمامتها
…
وأسرعت حسبة فى ذلك العدد
قال الأصمعىّ: لما أراد أن يمدح الحاسب وسرعة إصابته شدّد الأمر وضيّقه عليه ليكون أحمد له إذا أصاب؛ فجعله حزر طيرا والطير أخفّ من غيره؛ ثم جعله