الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهيج للسفاد فيلصق الذكر ذنبه بذنب الأنثى ويلتحمان ساعة زمانيّة ثم يفترقان، وتنثر الأنثى البزر على الصفة التى ذكرناها على خرق بيض تكون قد فرشت له.
فإذا نفد ما فيهما من السفاد والبزر ماتا. هذا إذا أريد من الدود البزر. وإذا أريد منه الحرير ترك ذلك النسج فى الشمس بعض يوم فيموت.
وقد جعله بعض الشعراء مثلا للحريص على جمع المال، فقال:
يفنى الحريص لجمع المال مدّته
…
وللحوادث والورّاث ما يدع
كدودة القزّ ما تبنيه يهلكها
…
وغيرها بالذى تبنيه ينتفع
وهو كثير العوارض. وأكثر ما يعرض له الفساد إذا اطعم ورق التّوت الحامض. ويهلك من صوت الرعد وضرب الطّست والهاون، ومن رائحة الخلّ والدّخان. وكثرة الحرّ تهلكه وتذيبه؛ وكذلك البرد الشديد فإنه يبطئ به. ويؤذيه مسّ الجنب والحائض، ويخشى عليه من الفأر والعصفور والنمل والوزغ.
وأمّا الذّباب وما قيل فيه
- فقد ضرب الله عز وجل به المثل فقال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)
. فهذا مثل ضربه الله تعالى لضعف الناس وعجزهم عن الإتيان بمخلوق. وجاء فى الحديث: «إذا سقط الذّباب فى طعام أحدكم أو شرابه فليغمسه فإنّ فى أحد جناحيه داء وفى الآخر شفاء» . ويقال: إنه يغمس جناح الداء ويرفع جناح الشفاء، فلهذا ندب إلى غمسه. والعرب تجعل النحل والفراش والدّبر من الذّباب.
قال الجاحظ: «والذباب ضروب سوى ما ذكروا «1» من الفراش والنحل والزّنابير» ؛ فمنها الشّعراء «2» . قال الراجز «3» :
ذباب شعراء ونبت مائل «4»
وللكلاب ذباب على حدة يتخلّق منها فلا يريد سواها. ومنها ذباب الكلأ والرّياض؛ وكلّ نوع منها يألف ما خلق منه» .
ومنها الذّباب الذى يقتل الإبل وهو أزرق. والذّباب الذى يسقط على الدّوابّ وهو أصفر. ويقال: إنّ الذّباب يكثر إذا هاجت ريح الجنوب وإنّه يخلق فى تلك الساعة؛ وإذا هبّت ريح الشمال خفّ وتلاشى. وهو من ذوات الخراطيم، وكذلك البعوض. ويقال: إنّ الذّباب لا يعمّر أكثر من أربعين يوما.
قال الجاحظ: «وليس بعد أرض الهند أكثر ذبابا من واسط «5» ، وربّما رأيت الحائط وكأنّ عليه مسحا شديد السواد من كثرة [ما عليه من «6» ] » الذباب.
ويقال: إن اللّبن إذا ضرب بالكندس «7» ونضح به بيت لم يدخله ذباب.
ومن عجيب أمر الذباب أنّه يلقى رجيعه على الشىء الأبيض أسود وعلى الأسود
أبيض. ويقال: إنه لا يظهر إلّا فى «1» مواضع العفونات والقاذورات، ومبتدأ خلقه منها، ثم يكون من السّفاد.
قال الجاحظ: ويقال: إنّ الذّباب لا يقرب قدرا فيه كمأة.
والذّباب بطئ فى سفاده، وربّما بقى الذّكر على ظهر الأنثى عامّة النّهار؛ فهو يتجاوز فى ذلك البعير والخنزير. وهو من الحيوان الشّمسى لأنه يخفى فى الشتاء ويظهر فى الصيف. وللذّباب يدان زائدتان فى مقدّم يديه يتّقى بهما الأذى عن عينيه فإنهما بغير أجفان.
والعرب تضرب به المثل فى الزّهو فتقول: «أزهى من ذباب» . قالوا: لأنّه يسقط على أنف الملك الجبّار وعلى موق عينيه ويطرده فلا ينطرد. ويضرب به المثل فى القذر واستطابة النّتن. فإذا عجز الذّباب عن شمّ شىء فلا شىء أنتن منه.
وقال ابن عبدل فى محمد بن حسّان بن سعد ورماه بالبخر:
وما يدنو إلى فيه ذباب
…
ولو طليت مشافره بقند «2»
يرين حلاوة ويخفن موتا
…
ذعافا إن هممن له بورد
ويقال لكلّ أبخر: أبو ذبّان؛ وكانت من كنى عبد الملك بن مروان.
وقد وصف الشعراء الذّباب؛ فمن ذلك قول عنترة:
جادت عليها كلّ عين ثرّة
…
فتركن كلّ حديقة «3» كالدّرهم
فترى الذّباب بها يغنّى وحده
…
هزجا كفعل الشارب المترنّم
غردا يحكّ ذراعه بذراعه
…
فعل المكبّ على الزّناد الأجذم