المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول فى أخبار ذى القرنين الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الكهف - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٤

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع عشر

- ‌تتمة الفن الخامس في التاريخ

- ‌تتمة القسم الثالث

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الخامس فيما كان بعد موسى بن عمران عليهما السلام

- ‌ذكر خبر حزقيل عليه السلام

- ‌ذكر خبر إلياس عليه السلام

- ‌ذكر دعاء إلياس على قومه، وما حلّ بهم من القحط وخبر اليسع حين اتّبع إلياس

- ‌ذكر رفع البلاء عن قوم إلياس بدعوته واستمرارهم على الكفر ورفع إلياس وهلاك آجاب الملك وامرأته، ونبوّة اليسع

- ‌ذكر نبوّة اليسع عليه السلام

- ‌ذكر ابتداء أمر أشمويل وكيف كانت نبوّته

- ‌ذكر خبر الملك طالوت وإتيان التابوت وخبر جالوت

- ‌ذكر قصة التابوت وصفته وما قيل فيه

- ‌ذكر إتيان التابوت إلى بنى إسرائيل وسبب عوده

- ‌ذكر مسير طالوت بالجنود وخبر النهر الذى ابتلوا به

- ‌ذكر خبر داود حين قتل جالوت الملك

- ‌ذكر خلافة داود عليه السلام ونبوّته ومبعثه إلى بنى اسرائيل وما خصه الله عز وجل به

- ‌ذكر خبر داود عليه السلام حين ابتلى بالخطيئة

- ‌ذكر ميلاد سليمان بن داود عليهما السلام

- ‌ذكر خبر أبشالوم بن داود

- ‌ذكر خبر الزرع الذى رعته الغنم وما حكم فيه سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر الذين اعتدوا فى السبت

- ‌ذكر استخلاف داود ابنه سليمان عليهما السلام وخبر الصحيفة وابتداء أمر الخاتم

- ‌ذكر وفاة داود عليه السلام

- ‌ذكر حشر الطير لسليمان بن داود عليهما السلام وكلامها له

- ‌ذكر خبر العنقاء فى القضاء والقدر

- ‌ذكر خبر خاتم سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر حشر الجن لسليمان بن داود عليهما السلام

- ‌ذكر خبر مطابخه عليه السلام

- ‌ذكر خبر الرزق الذى سأل سليمان الله تعالى أن يجريه على يديه

- ‌ذكر خبر بناء بيت المقدس وابتداء أمره

- ‌ذكر خبر وادى النمل وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر البعوض وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر الخيل وما قيل فيها

- ‌ذكر خبر بساط سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر صخر الجنى

- ‌ذكر صفة كرسىّ سليمان عليه السلام وما انتهى إليه أمره

- ‌ذكر خبر بلقيس وابتداء أمرها

- ‌ذكر خبر ميلاد بلقيس وكيف كان وسبب ملكها

- ‌ذكر خبر سليمان وبلقيس وسبب زواجه بها

- ‌ذكر صفة القصر الذى بنته بلقيس وصفة عرشها

- ‌ذكر خبر وادى القردة

- ‌ذكر خبر الرجل الذى قبض بأرض الهند

- ‌ذكر خبر الفتنة وذهاب خاتم سليمان عليه السلام ورجوعه اليه

- ‌ذكر عزم سليمان عليه السلام أن يطوف على نسائه

- ‌ذكر وفاة بلقيس زوجة سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر وفاة سليمان بن داود عليهما السلام

- ‌الباب الثالث من القسم الثالث من الفن الخامس فى أخبار شعيا وإرميا عليهما السلام وخبر بختنصّر وخراب بيت المقدس وعمارته وما يتصل بذلك من خبر عزير وفتنة اليهود

- ‌ذكر قصة شعيا عليه السلام

- ‌ذكر قصة إرميا عليه السلام

- ‌ذكر خبر بختنصر وابتداء أمره وكيف ملك

- ‌ذكر خبر بختنصّر مع دانيال

- ‌ذكر خبر عمارة بيت المقدس بعد أن خرّبه بختنصّر وخبر الذى مرّ على قرية

- ‌الباب الرابع من القسم الثالث من الفن الخامس فى قصة ذى النّون يونس بن متّى عليه السلام وخبر بلوقيا

- ‌ذكر قصة ذى النّون يونس بن متّى عليه السلام

- ‌ذكر خبر بلوقيا وما شاهد من العجائب

- ‌الباب الخامس من القسم الثالث من الفن الخامس فى أخبار زكريّا وابنه يحيى وعمران ومريم وعيسى بن مريم عليهم السلام

- ‌ذكر نسب زكريّا وعمران عليهما السلام وما يتصل بذلك

- ‌ذكر ميلاد مريم بنة عمران عليه السلام

- ‌ذكر دعاء زكريا أن يرزقه الله عز وجل الولد ومولد يحيى بن زكريا

- ‌ذكر صفة يحيى بن زكريا وحليته

- ‌ذكر نبوّة يحيى عليه السلام وسيرته وزهده

- ‌ذكر مقتل يحيى بن زكريّا وأبيه زكريّا عليهما السلام

- ‌ذكر هلاك بنى إسرائيل وخراب بيت المقدس ثانيا

- ‌ذكر خبر حمل مريم بنة عمران بعيسى عليهما السلام

- ‌ذكر خبر ميلاد عيسى بن مريم عليهما السلام

- ‌ذكر رجوع مريم بعيسى عليه السلام بعد مولده الى قومها

- ‌ذكر خروج مريم وعيسى عليهما السلام إلى مصر وما ظهر له من المعجزات فى مسيره ومدّة مقامه إلى أن عاد

- ‌وكان من المعجزات التى ظهرت على يدى عيسى عليه السلام فى مسيره ومقامه بمصر

- ‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌‌‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌ذكر خبر زكريا عليه السلام مع هيرودس الملك وما كان من أمره

- ‌ذكر رجوع عيسى ومريم عليهما السلام من مصر

- ‌ذكر الخصائص والآيات والمعجزات التى أظهرها الله تعالى على يد عيسى عليه السلام بعد مبعثه

- ‌ذكر خبر سام بن نوح وغيره الذين أحياهم عيسى بإذن الله عز وجل

- ‌ومن معجزاته عليه السلام إخباره عن الغيوب

- ‌ذكر خبر يجمع عدّة معجزات من معجزات عيسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر المائدة التى أنزلها الله عز وجل من السماء

- ‌ذكر ما قالته الشياطين الثلاثة فى عيسى بن مريم واتبعهم الناس بعدهم

- ‌ذكر خبر إبليس حين عارض عيسى عليه السلام وما خاطبه به وجوابه

- ‌ذكر خبر عيسى مع اليهود حين ظفروا به وأرادوا صلبه وقتله

- ‌ذكر خبر رفع عيسى عليه السلام أوّل مرة وهبوطه إلى الأرض ووصيّته إلى الحواريّين ورفعه ثانيا

- ‌ذكر وفاة مريم بنة عمران عليها السلام

- ‌الباب السادس من القسم الثالث من الفنّ الخامس فى أخبار الحواريّين الذين أرسلهم عيسى عليه السلام وما كان من أمرهم مع من أرسلوا اليه وخبر جرجيس

- ‌ذكر خبر أخبار الحواريّين

- ‌ذكر خبر يوحنّا وبولس اللذين توجّها إلى إنطاكية

- ‌ذكر خبر توما الحوارىّ مع ملك الهند وإيمانه به

- ‌ذكر خبر لوقا الحوارىّ مع ملك فارس

- ‌ذكر خبر جرجيس رحمة الله عليه

- ‌التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس

- ‌الباب الأوّل من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى ذكر الحوادث التى تظهر قبل نزول عيسى بن مريم

- ‌ذكر خبر المتغلّبين على البلاد وذلك مما يظهر من الفتن قبل نزول عيسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر خروج المهدىّ

- ‌ذكر خبر خروج الدجّال وصفته

- ‌الباب الثانى من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى خبر نزول عيسى بن مريم عليه السلام وقتله الدجّال و

- ‌ذكر نزول عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌ذكر خبر يأجوج ومأجوج

- ‌الحديث الجامع لأخبار عيسى بن مريم عليه السلام والدجّال

- ‌الباب الثالث من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى ذكر ما يكون بعد وفاة عيسى بن مريم عليه السلام الى أن ينفخ إسرافيل فى الصور النفخة الأولى

- ‌ذكر خروج الدابّة وطلوع الشمس من مغربها

- ‌ذكر خبر قيام الساعة والنفخة الأولى

- ‌الباب الرابع من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى أخبار يوم القيامة والحشر والمعاد والنفخة الثانية فى الصور

- ‌ذكر يوم القيامة وأسمائه

- ‌ذكر الحشر والمعاد والنفخة الثانية

- ‌حديث لقيط بن عامر

- ‌القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وملوك الأمم والطوائف، وخبر سيل العرم ووقائع العرب فى الجاهلية

- ‌الباب الأوّل فى أخبار ذى القرنين الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الكهف

- ‌ذكر خبر دخول ذى القرنين الظلمات مما يلى القطب الشمالىّ لطلب عين الحياة

- ‌الباب الثانى من القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وهم ملوك الهند والصين والترك وجبل الفتح وملوك مصر

- ‌ذكر أخبار ملوك الهند

- ‌ذكر تنصيب ابن البرهمن وهو الباهبود

- ‌ذكر أخبار ملوك الصين

- ‌ذكر أخبار ملوك الترك

- ‌ذكر جبل الفتح وما عليه من الملوك والأمم

الفصل: ‌الباب الأول فى أخبار ذى القرنين الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الكهف

‌القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وملوك الأمم والطوائف، وخبر سيل العرم ووقائع العرب فى الجاهلية

،

ويشتمل على خمسة أبواب

‌الباب الأوّل فى أخبار ذى القرنين الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الكهف

.

قال الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً* إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً «1»

. واختلف فى تسميته ذا القرنين، فقيل:

لبلوغه أطراف الأرض، وإنّ الملك الموكّل بجبل قاف سمّاه بذلك. وهذا القول محكىّ عن ابن عبّاس رضى الله عنهما. وقيل: إنما سمّى بذلك لأنه كانت له ذؤابتان من الذهب. ويعزى هذا القول إلى علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه. وقيل:

إنما سمّى بذلك لأنه رأى فى منامه أنه يدنو من الشمس فيضع يده فى قرنيها من شرقها وغربها، فقصّ رؤياه على قومه فسمّوه ذا القرنين، وهذا القول مروىّ عن وهب.

وقيل: إنما سمّى به لأن الله تعالى كان قد بعثه إلى قوم فضربوه على قرنه فمات، فأحياه الله ثم بعثه اليهم فضربوه على قرنه الآخر فمات، ثم أحياه الله، فسمّى ذا القرنين.

وقيل: إنما سمّى بذلك لأنه أفنى قرنين من الناس. وقيل: لأنه كريم الطرفين من أهل بيت شرف من قبل أبيه وأمّه. وقيل: لأنه أعطى علم الظاهر والباطن.

ص: 298

وقيل: لأنه دخل الظلمة والنور. وقيل: لأنه ملك فارس والروم. وقيل غير «1» ذلك. والله تعالى أعلم.

قال وهب: كان ذو القرنين رجلا من أهل الإسكندرية يقال له الإسكندروس. والعجب كونه نسبه أنه من أهل الإسكندرية، وقد نقل جماعة من أهل التاريخ أن الإسكندر هو الذى أنشأ الإسكندرية وبناها، فكيف يكون من أهلها وهو الذى أنشأها واليه نسبت!. وروى عن وهب أيضا أن ذا القرنين كان خارجيا فى قومه، ولم يكن بأفضلهم نسبا ولا حسبا ولا موضعا، ثم قال بعد ذلك: إن الله تعالى بعثه نبيّا ورسولا. ولا يكون الأنبياء إلّا من أفضل قومهم حسبا وأشرفهم نسبا. وقد يكون هذا النقل لاختلاف الروايات. وما آفة الأخبار إلّا رواتها.

قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبىّ فى تفسيره عن ابن إسحاق قال حدّثنى من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم: أنّ ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر، اسمه مرزبان «2» بن مرذبة اليونانىّ من ولد يونان بن يافث ابن نوح. قال وقال ابن هشام: اسمه الإسكندر، وهو الذى بنى الإسكندرية، فنسبت إليه. قال وقيل: اسمه هرمس، ويقال هرديس. وقال ابن هشام:

هو الصعب بن ذى يزن الحميرىّ. وقال وهب: هو رومىّ. وقيل: إنه أفريدون [الذى قتل بيوراسب بن أرونداسب «3» ] الملك الفارسىّ «4» .

ص: 299

وقال أبو إسحاق الثعلبىّ رحمه الله تعالى فى قصصه- وذكر الخلاف فى نبوّته- قال: الصحيح إن شاء الله أنه كان نبيّا غير مرسل، كما روى عن وهب وغيره من أهل الكتب. قال وقالوا: كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره، وكان اسمه إسكندروس. قال ويقال: كان اسمه ابن عيّاش «1» ، وكان عياش عبدا صالحا. قال وهب: ونشأ ذو القرنين فى علم وأدب وثروة وعفّة، ولم يزل يتخلّق بمكارم الأخلاق ويسمو إلى معالى الأمور حتى بعدت همّته، واشتدّ أمره، وعلا صوته، وعزّ فى قومه، وألقى الله تعالى عليه الهيبة، وحدّث نفسه بمعالى الأمور. قال الثعلبىّ: فلمّا استحكم ملكه واستجمع أمره أوحى الله تعالى إليه:

يا ذا القرنين، إنّى بعثتك إلى جميع الخلائق ما بين الخافقين، وجعلتك حجّتى عليهم، وهذا تأويل رؤياك. وإنى باعثك إلى أمم الأرض كلهم وهى سبع أمم مختلفة ألسنتهم، منهم أمّتان بينهما عرض الأرض، وأمّتان بينهما طول الأرض، وثلاث أمم فى وسط الأرض، وهم الإنس والجنّ ويأجوج ومأجوج. فأمّا الأمّتان اللتان بينهما طول «2» الأرض فأمّة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك، والأخرى [بحيالها عند مطلع الشمس «3» ] يقال لها منسك. وأمّا الأمّتان اللتان بينهما عرض «4» الأرض فأمّة فى قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل، والأخرى بحيالها فى قطر الأرض الأيسر يقال لها تاويل. فلمّا قال الله تعالى له ذلك قال ذو القرنين: إلهى إنك قد ندبتنى إلى أمر عظيم لا يقدر قدره «5» إلا أنت؛ فأخبرنى عن هذه الأمم التى بعثتنى إليها بأىّ قوّة أكاثرهم، وبأىّ حيلة وجمع أكابرهم، وبأىّ صبر أقاسيهم، وبأىّ لسان أناطقهم؛ وكيف لى بأن أفقه لغاتهم، وبأىّ سمع أسمع أقوالهم، وبأىّ بصر أنفذهم، وبأىّ

ص: 300

حجّة أخاصمهم، وبأىّ عقل أعقل عنهم، وبأىّ قلب وحكمة أدبّر أمرهم، وبأىّ قسط أعدل بينهم، وبأىّ حلم أصابرهم، وبأىّ معرفة أفصل بينهم، وبأىّ علم أتقن أمرهم، وبأىّ يد أسطو عليهم، وبأىّ رجل أطؤهم، وبأىّ طاقة أحصيهم، وبأىّ جند أقاتلهم، وبأىّ رفق أتألفهم، وليس عندى يا إلهى شئ مما ذكرت يقوم لهم «1» ويقوى عليهم وأنت الرؤف الرحيم، الذى لا تكلّف نفسا إلا وسعها، ولا تحمّلها إلّا طاقتها، ولا تشقيها؛ بل أنت ترحمها. فقال الله تعالى له: إنى سأطوّقك ما حمّلتك، وأشرح لك صدرك وسمعك فتسمع وتعى كلّ شئ، وأوسّع لك فهمك فتفقه كلّ شئ، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شئ، وأفتح لك بصرك فينفذ فى كل شئ، وأحصى لك قوّتك «2» فلا يفوتك شئ، وأشدّ لك عضدك فلا يهولك شئ، وأشيّد لك ركنك فلا يغلبك شئ، وأشدّ لك قبلك فلا يفزعك شئ، وأشدّ لك يديك «3» فتسطو على كلّ شئ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شئ، وأسخّر لك النور والظلمة وأجعلهما جندا من جنودك، يهديك النور من أمامك، وتحوطك الظلمة من ورائك. قال: فلما قيل له ذلك حدّث نفسه بالمسير، وألحّ عليه قومه بالمقام، فلم يفعل وقال: لابدّ من طاعة الله تعالى. قال وهب: وكان أوّل ما بدأ به أن أخذ قومه بالإسلام فأسلموا قهرا من عند آخرهم، ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا ويجعلوا طوله أربعمائة ذراع، وعرضه مائتى ذراع، وسمك حائطه اثنين وعشرين ذراعا، وارتفاعه فى السماء مائة ذراع، وأمرهم أن ينصبوا فيه سوارى. قالوا: يا ذا القرنين، كيف لنا بخشب يبلغ ما بين الحائطين؟ فلمّا كمل البناء أمرهم بردمه بالتراب، ثم فرض على الموسر قدره من الذهب وعلى المقتر قدره، وأمرهم أن يجعلوا ذلك الذهب كقلامة الظّفر

ص: 301

ويخلطوه بالتراب وكبسوا التراب حتى ساوى البناء، ثم أمرهم بعد ذلك أن يتّخذوا أعمدة من النحاس بدلا من الخشب فصنعوها، وجعلوا على كل حائط اثنى عشر ذراعا، فكان طول كل عمود من النحاس مائتين وأربعة وعشرين ذراعا، فتمكّنوا من ذلك بسبب الردم. فلمّا استقرّ «1» السقف بما فيه أمر الإسكندر المساكين أن يحوّلوا التراب، ومن خرج له شئ من الذهب فهو له، فسارعوا إلى ذلك ونقلوه واستغنوا بما فيه، ثم جنّد القوم أربعين ألفا، وهم أوّل جند اتّبعوه.

وقال الثعلبىّ رحمه الله: إنّ الإسكندر جنّد المساكين بما حصل لهم من قراضة الذهب، وكانوا أربعين ألفا، جعلهم أربعة أجناد، فى كل جند عشرة آلاف.

قال: ثم عرض جنده فوجدهم فيما قيل ألف ألف وأربعمائة ألف رجل غير المساكين، وهم أربعون ألفا؛ ثم انطلق يؤمّ الأمّة التى عند مغرب الشمس، فسار لا يمرّ بأمّة إلّا دعاهم إلى الله تعالى، فإن أجابوه قبل ذلك منهم، وإن أبوا عليه غشيتهم الظّلمة فلبست مدائنهم ومنازلهم وأعشت أبصارهم، فيتحيّروا حتى يجيبوه، أو يأخذهم عنوة. ولم يزل كذلك حتى بلغ مغرب الشمس. قال الله تعالى:

فَأَتْبَعَ سَبَباً* حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ «2»

أى ذات حمأة، ومن قرأ حامية فمعناه حارّة وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً

الآيات إلى قوله: يُسْراً

. قال الثعلبىّ: فوجد جمعا وعددا لا يحصيه إلا الله تعالى، وقوّة وبأسا لا يطيقه إلا الله تعالى، ورأى ألسنا مختلفة وأهواء متشتّتة، وهذه الأمّة هى ناسك. فلمّا رأى ذلك كاثرهم بالظّلمة فضرب حولهم ثلاث عساكر فأحاط بهم من كل مكان حتى جمعهم فى مكان واحد، ثم أخذ عليهم بالنور فدعاهم إلى الله تعالى وعبادته، فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه،

ص: 302

فعمد إلى الذين تولّوا عنه فأدخلهم الظّلمة، فدخلت فى أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم، ودخلت فى بيوتهم وغشيتهم من فوقهم ومن تحتهم ومن كل جانب، فصاحوا وتحيّروا وأشفقوا من الهلكة، فعجّوا إليه بصوت واحد، فكشفها عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا فى دعوته، فجنّد منهم أمما عظيمة وجعلهم جندا واحدا، ثم انطلق بهم يقودهم والظّلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم والنور أمامهم، وسار يريد الأمّة التى فى قطر الأرض التى يقال لها هاويل، فكان إذا انتهى إلى بحر أو نهر بنى سفنا من ألواح صغار أمثال النعال ونظمها فى ساعة، ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم والجنود، فإذا قطع ذلك البحر أو النهر فتقها ثم دفع إلى كل رجل منهم لوحا فلا يكرثه حمله، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل ففعل بهم كما فعل بالأمة التى قبلها. قال: ولما فرغ منها مضى حتى انتهى إلى منسك وهى الأمة التى عند مطلع الشمس. قال الله تعالى: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً* حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً* كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً «1» .

قال: وقوله تعالى: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً

وذلك أنهم كانوا فى مكان لا يستقرّ عليه بناء، وكانوا يكونون فى أسراب «2» لهم، حتى إذا زالت الشمس خرجوا الى معايشهم وحروثهم. وقال الحسن «3» : كانت أرضهم أرضا لا تحتمل البناء، فكانوا إذا طلعت الشمس عليهم تهوّروا فى الماء، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فتراعوا كما ترعى البهائم. وقال الكلبىّ: هم أمّة يقال لها منسك عراة حفاة عماة عن الحقّ.

قال: وحدّثنى عمرو بن مالك بن أميّة قال: وجدت رجلا بسمرقند يحدّث الناس

ص: 303

وهم مجتمعون حوله، فسألت بعض من سمع حديثه فأخبرنى أنه حدّثهم عن القوم الذين تطلع عليهم الشمس، قال: خرجت حتى جاوزت الصين، ثم سألت عنهم فقيل:[لى «1» ] إن بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة، فاستأجرت رجلا [يرينيهم «2» ] ، فسرت بقيّة عشيّتى وليلتى حتى صبّحتهم، فإذا أحدهم يفترش أذنه ويلبس «3» الأخرى. وكان صاحبى يحسن لسانهم فسألوه فقال: جئنا ننظر كيف تطلع الشمس. قال: فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مثل الصلصلة، فغشى علىّ فوقعت، فلمّا أفقت وجدتهم يمسحوننى بالدهن فإذا الشمس طلعت على الماء، وهى عليه كهيئة الزيت، وإذا طرف السماء كهيئة الفسطاط، فلمّا ارتفعت دخلوا فى سرب لهم وأنا وصاحبى، فلمّا ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك فيطرحونه فى الشمس فينضج.

نرجع إلى تتمة أخبار الإسكندر ومطلع الشمس. قالوا: ولمّا بلغ الإسكندر مطلع الشمس فعل بمنسك كما فعل بالأمم التى قبلها وجنّد منها جنودا، ثم كرّ حتى أخذ ناحية الأرض اليسرى وهى بدء تاويل، وهى الأمّة التى بحيال هاويل، وهما متقابلتان بينهما عرض الأرض. فلمّا بلغها عمل فيها كما عمل بمن قبلها. ولمّا فرغ من الأمم الذين هم بأطراف الأرض وطاف الشرق والغرب عطف منها إلى الأمم التى هى فى وسط الأرض من الجنّ والإنس ويأجوج ومأجوج. فلمّا كان فى بعض الطريق مما يلى منقطع الترك نحو المشرق قالت له أمّة صالحة من الإنس:

يا ذا القرنين، إنّ بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله ليس فيهم مشابهة من الإنس، وهم أشباه البهائم، يأكلون العشب ويفترسون الدوّاب والوحوش كما يفترسها السباع، ويأكلون هوّام الأرض من الحيّات والعقارب وكل ذى روح مما خلق الله تعالى.

وليس لله خلق ينمون نماءهم ولا يزدادون كزيادتهم. فإن أتت مدّة على ما نرى من

ص: 304

نمائهم وزيادتهم فلا شكّ أنهم سيملئون الأرض ويخلون أهلها منها ويظهرون عليها فيفسدون فيها، وليست تمرّ بنا سنة منذ جاورناهم إلا ونحن نتوقّعهم أن يطلع علينا أوّلهم من [بين «1» ] هذين الجبلين «2» .

قال الشيخ عبد الوهاب بن المبارك الأنماطىّ فى كتابه عن وهب بن منبّه: إنّ يأجوج ومأجوج أجفلوا «3» فى زمن ذى القرنين يريدون أرضا وأمّة من الأمم، وكانوا إذا توجّهوا لوجه لم يعدلوا عنه ولا يميلون ولا يعرّجون، وكانت تسمع همهمتهم من مسيرة مائة فرسخ لكثرتهم. فلما سمعت تلك الأمّة حسّهم استغاثوا بذى القرنين، وهو يومئذ فى ناحية أرضهم من شرقى أرض الترك والخزر وقالوا: يا ذا القرنين، إنه قد بلغنا ما آتاك الله من السلطان والملك، وما ألبسك من الهيبة، وما أيّدك به من جنود أهل الأرض ومن النور والظلمة، وإنّا جيران يأجوج ومأجوج، وليس بيننا وبينهم إلا شواهق الجبال، وليس لهم إلينا طريق إلا من هذين الصّدفين «4» ، فهل نجعل لك خرجا [على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا «5» ] . قال الله تعالى: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً* حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا* قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً «6»

أى جعلا وأجرا عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا

أى حاجزا فلا يصلون إلينا قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي

أى قوّانى خَيْرٌ

من خراجكم ولكن فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً

حاجزا كالحائط. قالوا: وما تلك القوّة؟ قال: فعلة وصنّاع

ص: 305

يحسنون البناء والعمل والآلة. قالوا: وما تلك الآلة: قال آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ

يعنى قطعه، واحدتها زبرة، وأتونى بالنّحاس. قالوا: من أين لنا الحديد والنّحاس [ما يكفى هذا العمل «1» ] ؟ قال، سأدلّكم على معادن الحديد والنحاس، فضرب لهم فى جبلين حتى فلقهما، ثم استخرج منهما معدنين من الحديد والنحاس. قالوا: فبأىّ قوّة نقطع الحديد والنحاس؟ فآستخرج معدن السامور وهو أشدّ ما خلق الله بياضا، وهو الذى قطع به سليمان صخور بيت المقدس وجواهره، كما تقدّم. قال الثعلبىّ:

ولمّا شغلهم الإسكندر فى استخراج الحديد والنحاس سار نحو يأجوج ومأجوج ليعلم علمهم، فانطلق يؤمّهم حتى انتهى إليهم وتوسّط بلادهم، فوجدهم على مقدار واحد ذكرهم وأنثاهم، يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منّا.

وروى عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال: منهم من طوله شبر، ومنهم من هو مفرط فى الطول، لهم مخاليب فى أيديهم موضع الأظافر، وأنياب وأضراس كالسّباع، يسمع لها حركة إذا أكلوا كقضم البغل المسنّ أو الفرس القوىّ، ولهم من الشعر فى أجسادهم ما يواريهم وما يتّقون به الحرّ والبرد، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان، إحداهما وبرة والأخرى زغبة، يفترش إحداهما ويلتحف الأخرى، ويصيّف فى إحداهما ويشتّى فى الأخرى «2» . وقال الأنماطىّ فى خبره:

ص: 306

ولهم أخفاف كأخفاف الإبل. قالوا: وليس منهم ذكر ولا أنثى إلّا قد عرف أجله الذى يموت فيه. وذلك أنّ الذكر منهم لا يموت حتى يخرج من صلبه ألف ولد، ولا تموت الأنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد «1» ، فإذا كان ذلك أيقن بالموت

ص: 307

وترك طلب المعيشة. قالوا: وهم يرزقون التنيّن فى أيام الربيع، يقذفه عليهم السحاب من البحر فى كل عام مرّة. فإذا تأخّر عنهم وقت عادته استمطروه كما يستمطر الغيث لحينه، فإن قذفوا به أخصبوا وسمنوا وتوالدوا وكثروا وأكلوا منه حولا كاملا لا يأكلون غيره، ويقدّدونه فيعمّهم على كثرتهم. قال: وهم يتداعون تداعى الحمام، ويعوون عواء الذئاب، ويتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا. فلمّا عاينهم ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصّدفين فقاس ما بينهما، ثم أوقد على ما جمع من الحديد والنحاس فصنع منه زبرا أمثال الصخور العظام، ثم أذاب النّحاس فجعله كالطين وألاط به تلك الصخور الحديد ثم بناه.

قالوا: وكيفيّة بنائه على ما ذكره أهل السّير: أنه لمّا قاس ما بين الجبلين وجد ما بينهما مائة فرسخ، ثم حفر له الأساس حتى بلغ الماء، وجعل عرضه خمسين فرسخا، ثم وضع الحطب بين الجبلين، ثم نسج عليه الحديد، ثم نسج الحطب على الحديد، فلم يزل يحوّل الحديد على الحطب والحطب على الحديد حتى ساوى بين الصّدفين، وهما الجبلان، ثم أمر بالنار فأرسلت فيه، ثم قال انفخوا ثم جعل يفرغ القطر «1» وهو النحاس المذاب، فجعلت النار تأكل الحطب ويصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس، فصار كأنه برد «2» حبرة من صفرة النحاس وحمرته، وسواد الحديد وغبرته؛ فصار سدّا طويلا عظيما حصينا.

قال الله تعالى: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً «3»

وقد روى أنّ رجلا قال يا رسول الله قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوج. قال: «انعته لى» .

قال: كالبرد المحبّر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء. قال:«قد رأيته» .

ص: 308