المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر خبر دخول ذى القرنين الظلمات مما يلى القطب الشمالى لطلب عين الحياة - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٤

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع عشر

- ‌تتمة الفن الخامس في التاريخ

- ‌تتمة القسم الثالث

- ‌الباب الثانى من القسم الثالث من الفن الخامس فيما كان بعد موسى بن عمران عليهما السلام

- ‌ذكر خبر حزقيل عليه السلام

- ‌ذكر خبر إلياس عليه السلام

- ‌ذكر دعاء إلياس على قومه، وما حلّ بهم من القحط وخبر اليسع حين اتّبع إلياس

- ‌ذكر رفع البلاء عن قوم إلياس بدعوته واستمرارهم على الكفر ورفع إلياس وهلاك آجاب الملك وامرأته، ونبوّة اليسع

- ‌ذكر نبوّة اليسع عليه السلام

- ‌ذكر ابتداء أمر أشمويل وكيف كانت نبوّته

- ‌ذكر خبر الملك طالوت وإتيان التابوت وخبر جالوت

- ‌ذكر قصة التابوت وصفته وما قيل فيه

- ‌ذكر إتيان التابوت إلى بنى إسرائيل وسبب عوده

- ‌ذكر مسير طالوت بالجنود وخبر النهر الذى ابتلوا به

- ‌ذكر خبر داود حين قتل جالوت الملك

- ‌ذكر خلافة داود عليه السلام ونبوّته ومبعثه إلى بنى اسرائيل وما خصه الله عز وجل به

- ‌ذكر خبر داود عليه السلام حين ابتلى بالخطيئة

- ‌ذكر ميلاد سليمان بن داود عليهما السلام

- ‌ذكر خبر أبشالوم بن داود

- ‌ذكر خبر الزرع الذى رعته الغنم وما حكم فيه سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر الذين اعتدوا فى السبت

- ‌ذكر استخلاف داود ابنه سليمان عليهما السلام وخبر الصحيفة وابتداء أمر الخاتم

- ‌ذكر وفاة داود عليه السلام

- ‌ذكر حشر الطير لسليمان بن داود عليهما السلام وكلامها له

- ‌ذكر خبر العنقاء فى القضاء والقدر

- ‌ذكر خبر خاتم سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر حشر الجن لسليمان بن داود عليهما السلام

- ‌ذكر خبر مطابخه عليه السلام

- ‌ذكر خبر الرزق الذى سأل سليمان الله تعالى أن يجريه على يديه

- ‌ذكر خبر بناء بيت المقدس وابتداء أمره

- ‌ذكر خبر وادى النمل وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر البعوض وما قيل فيه

- ‌ذكر خبر الخيل وما قيل فيها

- ‌ذكر خبر بساط سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر صخر الجنى

- ‌ذكر صفة كرسىّ سليمان عليه السلام وما انتهى إليه أمره

- ‌ذكر خبر بلقيس وابتداء أمرها

- ‌ذكر خبر ميلاد بلقيس وكيف كان وسبب ملكها

- ‌ذكر خبر سليمان وبلقيس وسبب زواجه بها

- ‌ذكر صفة القصر الذى بنته بلقيس وصفة عرشها

- ‌ذكر خبر وادى القردة

- ‌ذكر خبر الرجل الذى قبض بأرض الهند

- ‌ذكر خبر الفتنة وذهاب خاتم سليمان عليه السلام ورجوعه اليه

- ‌ذكر عزم سليمان عليه السلام أن يطوف على نسائه

- ‌ذكر وفاة بلقيس زوجة سليمان عليه السلام

- ‌ذكر خبر وفاة سليمان بن داود عليهما السلام

- ‌الباب الثالث من القسم الثالث من الفن الخامس فى أخبار شعيا وإرميا عليهما السلام وخبر بختنصّر وخراب بيت المقدس وعمارته وما يتصل بذلك من خبر عزير وفتنة اليهود

- ‌ذكر قصة شعيا عليه السلام

- ‌ذكر قصة إرميا عليه السلام

- ‌ذكر خبر بختنصر وابتداء أمره وكيف ملك

- ‌ذكر خبر بختنصّر مع دانيال

- ‌ذكر خبر عمارة بيت المقدس بعد أن خرّبه بختنصّر وخبر الذى مرّ على قرية

- ‌الباب الرابع من القسم الثالث من الفن الخامس فى قصة ذى النّون يونس بن متّى عليه السلام وخبر بلوقيا

- ‌ذكر قصة ذى النّون يونس بن متّى عليه السلام

- ‌ذكر خبر بلوقيا وما شاهد من العجائب

- ‌الباب الخامس من القسم الثالث من الفن الخامس فى أخبار زكريّا وابنه يحيى وعمران ومريم وعيسى بن مريم عليهم السلام

- ‌ذكر نسب زكريّا وعمران عليهما السلام وما يتصل بذلك

- ‌ذكر ميلاد مريم بنة عمران عليه السلام

- ‌ذكر دعاء زكريا أن يرزقه الله عز وجل الولد ومولد يحيى بن زكريا

- ‌ذكر صفة يحيى بن زكريا وحليته

- ‌ذكر نبوّة يحيى عليه السلام وسيرته وزهده

- ‌ذكر مقتل يحيى بن زكريّا وأبيه زكريّا عليهما السلام

- ‌ذكر هلاك بنى إسرائيل وخراب بيت المقدس ثانيا

- ‌ذكر خبر حمل مريم بنة عمران بعيسى عليهما السلام

- ‌ذكر خبر ميلاد عيسى بن مريم عليهما السلام

- ‌ذكر رجوع مريم بعيسى عليه السلام بعد مولده الى قومها

- ‌ذكر خروج مريم وعيسى عليهما السلام إلى مصر وما ظهر له من المعجزات فى مسيره ومدّة مقامه إلى أن عاد

- ‌وكان من المعجزات التى ظهرت على يدى عيسى عليه السلام فى مسيره ومقامه بمصر

- ‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌‌‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌‌‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌معجزة أخرى:

- ‌ذكر خبر زكريا عليه السلام مع هيرودس الملك وما كان من أمره

- ‌ذكر رجوع عيسى ومريم عليهما السلام من مصر

- ‌ذكر الخصائص والآيات والمعجزات التى أظهرها الله تعالى على يد عيسى عليه السلام بعد مبعثه

- ‌ذكر خبر سام بن نوح وغيره الذين أحياهم عيسى بإذن الله عز وجل

- ‌ومن معجزاته عليه السلام إخباره عن الغيوب

- ‌ذكر خبر يجمع عدّة معجزات من معجزات عيسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر المائدة التى أنزلها الله عز وجل من السماء

- ‌ذكر ما قالته الشياطين الثلاثة فى عيسى بن مريم واتبعهم الناس بعدهم

- ‌ذكر خبر إبليس حين عارض عيسى عليه السلام وما خاطبه به وجوابه

- ‌ذكر خبر عيسى مع اليهود حين ظفروا به وأرادوا صلبه وقتله

- ‌ذكر خبر رفع عيسى عليه السلام أوّل مرة وهبوطه إلى الأرض ووصيّته إلى الحواريّين ورفعه ثانيا

- ‌ذكر وفاة مريم بنة عمران عليها السلام

- ‌الباب السادس من القسم الثالث من الفنّ الخامس فى أخبار الحواريّين الذين أرسلهم عيسى عليه السلام وما كان من أمرهم مع من أرسلوا اليه وخبر جرجيس

- ‌ذكر خبر أخبار الحواريّين

- ‌ذكر خبر يوحنّا وبولس اللذين توجّها إلى إنطاكية

- ‌ذكر خبر توما الحوارىّ مع ملك الهند وإيمانه به

- ‌ذكر خبر لوقا الحوارىّ مع ملك فارس

- ‌ذكر خبر جرجيس رحمة الله عليه

- ‌التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس

- ‌الباب الأوّل من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى ذكر الحوادث التى تظهر قبل نزول عيسى بن مريم

- ‌ذكر خبر المتغلّبين على البلاد وذلك مما يظهر من الفتن قبل نزول عيسى عليه السلام

- ‌ذكر خبر خروج المهدىّ

- ‌ذكر خبر خروج الدجّال وصفته

- ‌الباب الثانى من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى خبر نزول عيسى بن مريم عليه السلام وقتله الدجّال و

- ‌ذكر نزول عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌ذكر خبر يأجوج ومأجوج

- ‌الحديث الجامع لأخبار عيسى بن مريم عليه السلام والدجّال

- ‌الباب الثالث من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى ذكر ما يكون بعد وفاة عيسى بن مريم عليه السلام الى أن ينفخ إسرافيل فى الصور النفخة الأولى

- ‌ذكر خروج الدابّة وطلوع الشمس من مغربها

- ‌ذكر خبر قيام الساعة والنفخة الأولى

- ‌الباب الرابع من التذييل على القسم الثالث من الفنّ الخامس فى أخبار يوم القيامة والحشر والمعاد والنفخة الثانية فى الصور

- ‌ذكر يوم القيامة وأسمائه

- ‌ذكر الحشر والمعاد والنفخة الثانية

- ‌حديث لقيط بن عامر

- ‌القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وملوك الأمم والطوائف، وخبر سيل العرم ووقائع العرب فى الجاهلية

- ‌الباب الأوّل فى أخبار ذى القرنين الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الكهف

- ‌ذكر خبر دخول ذى القرنين الظلمات مما يلى القطب الشمالىّ لطلب عين الحياة

- ‌الباب الثانى من القسم الرابع من الفنّ الخامس فى أخبار ملوك الأصقاع، وهم ملوك الهند والصين والترك وجبل الفتح وملوك مصر

- ‌ذكر أخبار ملوك الهند

- ‌ذكر تنصيب ابن البرهمن وهو الباهبود

- ‌ذكر أخبار ملوك الصين

- ‌ذكر أخبار ملوك الترك

- ‌ذكر جبل الفتح وما عليه من الملوك والأمم

الفصل: ‌ذكر خبر دخول ذى القرنين الظلمات مما يلى القطب الشمالى لطلب عين الحياة

وقد ذكرنا خبر السدّ فيما سلف من كتابنا «1» هذا عن سلّام التّرجمان حين أرسله الواثق إلى السدّ فرآه، وهو فى الباب الثالث من القسم الخامس من الفنّ الأوّل وهو فى السفر الأوّل من كتابنا هذا.

قال الأنماطىّ قال وهب: فبلغنا- والله أعلم- أنهم يأتونه فى كل سنة مرّة، وذلك أنهم يسيحون فى بلادهم حتى إذا انتهوا إلى ذلك الرّدم حبسهم فرجعوا يسيحون فى بلادهم، فهم كذلك حتى تقرب الساعة، فإذا جاء أشراطها فتحه الله عز وجل؛ فذلك قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ «2»

، وقوله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا «3»

. والله أعلم.

‌ذكر خبر دخول ذى القرنين الظلمات مما يلى القطب الشمالىّ لطلب عين الحياة

قال أبو إسحاق الثعلبىّ رحمه الله: قال علىّ رضى الله عنه: ملك ذو القرنين ما بين المشرق والمغرب، وكان له خليل من الملائكة اسمه رفائيل يأتيه ويزوره. فبينما هما ذات يوم يتحادثان إذ قال ذو القرنين: يا رفائيل، حدّثنى عن عبادتكم [فى السماء «4» ] .

فبكى وقال: يا ذا القرنين، وما عبادتكم [بشىء «5» ] عند عبادتنا! إنّ فى السماء من الملائكة من هو قائم أبدا لا يجلس، ومنهم من هو ساجد لا يرفع رأسه أبدا، ومنهم الراكع لا يستوى أبدا قائما، يقولون: سبحان الملك القدّوس، ربّ الملائكة والرّوح، ربنا ما عبدناك حقّ عبادتك. فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ثم قال: إنى لأحبّ أن

ص: 309

أعيش فأبلغ من عبادة ربّى حقّ طاعته. قال رفائيل: أو تحبّ ذلك؟ قال نعم.

قال: فإنّ لله عينا فى الأرض تسمّى عين الحياة فيها من الله عزيمة، إنّ من يشرب منها شربة لم يمت أبدا حتى يكون هو الذى يسأل ربّه الموت. قال ذو القرنين: هل تعلم موضع تلك العين؟ قال الملك: لا، غير أنّا نتحدّث فى السماء أنّ لله تعالى فى الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جانّ، فنحن نظن أنّ العين فى تلك الظلمة. فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض وأهل دراسة الكتب وآثار النبوّة فقال لهم: أخبرونى هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله وما جاءكم من أحاديث الأنبياء ومن كان قبلكم أنّ الله وضع فى الأرض عينا سمّاها عين الحياة؟. قالوا لا. وقال عالم من العلماء «1» : إنّى قرأت وصيّة آدم، وصّى أنّ الله تعالى خلق فى الأرض ظلمة لم يطأها «2» إنس ولا جانّ ووضع فيها عين الخلد. فقال ذو القرنين: فأين وصيّته فى الأرض؟ قال: على قرن الشمس. فبعث ذو القرنين وحشر إليه العلماء والأشراف والملوك، ثم سار يطلب مطلع الشمس، فسار اثنتى عشرة سنة إلى أن بلغ طرف الظّلمة، فإذا ظلمة تقوم «3» مثل الدّخان ليست بظلمة ليل، فعسكر هناك، ثم جمع العلماء وقال: إنّى أريد أن أسلك هذه الظلمة. قالوا: إنه من كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها، فإنّا نخاف أن ينبثق عليك أمر تكرهه فيكون فيه فساد [أهل «4» ] الأرض. فقال: لابدّ من أن أسلكها. قالوا: أيها الملك كفّ عنها ولا تطلبها فإنّا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط علينا ربّنا لاتّبعناك، ولكنّا نخاف العتب من الله عز وجل وفساد الأرض ومن عليها. فقال: لابدّ أن أسلكها.

ص: 310

قالوا: شأنك بها. قال: أىّ الدوابّ بالليل أبصر؟ قالوا: الخيل. قال:

فأىّ الخيل أبصر؟ قالوا: الإناث. قال: فأىّ الإناث أبصر؟ قالوا: البكارة. فجمع ذو القرنين ستّة آلاف فرس بهذه الصفة، ثم انتخب من عسكره [أهل الجلد والعقل «1» ] ستّة آلاف رجل، فدفع إلى كلّ رجل فرسا، وعقد للخضر عليه السلام على مقدّمته ألفين، وبقى هو فى أربعة آلاف. وقال ذو القرنين للناس: لا تبرحوا من معسكركم هذا إلى اثنتى عشرة سنة، فإن رجعنا إليكم وإلا فارجعوا إلى بلادكم.

فقال الخضر: أيها الملك، إنّا نسلك ظلمة لا ندرى كم المسير فيها ولا يبصر بعضنا بعضا، فكيف نصنع إذا ضللنا! فدفع إلى الخضر خرزة حمراء وقال: حيث يصيبكم الضلال فاطرح هذه فى الأرض فإذا صاحت فليرجع إليها أهل الضلال أين صاحت. فسار الخضر بين يديه، يرتحل الخضر وينزل ذو القرنين. فبينما الخضر يسير إذ عرض له واد فظنّ أنّ العين فيه وألقى ذلك فى قلبه. فقام على شفير الوادى وقال لأصحابه: قفوا لا تبرحو. ورمى بالخرزة فى الوادى ومكث طويلا حتى أجابته الخرزة، فطلب صوتها فانتهى إليها فإذا هى إلى جانب العين. فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين، فإذا ماؤها أشدّ بياضا من اللبن وأحلى من الشهد، فشرب واغتسل وتوضّأ ولبس ثيابه، ثم رمى الخرزة نحو أصحابه، فوقعت الخرزة وصاحت، فرجع إلى صوتها حتى انتهى إلى أصحابه، فركب وقال: سيروا على اسم الله. ومرّ ذو القرنين فأخطأ الوادى فسلكوا تلك الظّلمة أربعين يوما وليلة، ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر، وإلى أرض حمراء ورملة خشخاشيّة «2» ، فإذا هو بقصر مبنىّ فى تلك الأرض طوله فرسخ فى فرسخ عليه باب، فنزل ذو القرنين بعسكره، ثم خرج وحده فدخل القصر، فإذا حديدة قد وضع طرفاها على جانبى القصر من هاهنا وهاهنا،

ص: 311

وإذا طائر أسود يشبه الخطّاف مزموم بأنفه إلى الحديدة، معلّق بين السماء والأرض.

فلمّا سمع الطائر خشخشة ذى القرنين قال: من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين.

فقال: يا ذا القرنين، أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلىّ! ثم قال الطائر:

يا ذا القرنين، حدّثنى؛ قال سل؛ فقال: هل كثر بناء الآجرّ والجصّ فى الأرض؟

قال نعم؛ فانتفض الطائر انتفاضة ثم انتفخ فبلغ ثلث الحديدة، ثم قال: يا ذا القرنين، هل كثرت شهادات الزور فى الأرض؟ قال نعم؛ فانتفض الطائر ثم انتفخ فملأ الحديدة وسدّ ما بين جدارى القصر، ففرق ذو القرنين فرقا عظيما. فقال الطائر: لا تخف، حدّثنى. قال سل. قال: هل ترك الناس [شهادة أن «1» ] لا إله إلّا الله بعد؟ قال لا، فانضم الطائر ثلثه ثم قال: هل ترك الناس الصلاة المفروضة بعد؟ قال لا، فانضمّ ثلثاه. ثم قال: يا ذا القرنين، هل ترك الناس غسل الجنابة بعد؟ قال لا؛ فعاد الطائر كما كان. ثم قال: يا ذا القرنين، اسلك هذا الدّرج درجة درجة إلى أعلى القصر، فسلكها وهو خائف وجل لا يدرى على ماذا يهجم، حتى انتهى إلى سطح ممدود، عليه صورة رجل شابّ قائم، وعليه ثياب بيض، رافعا وجهه إلى السماء، واضعا يديه على فيه، فلمّا سمع خشخشة ذى القرنين قال: من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين. قال:

يا ذا القرنين، إنّ الساعة قد اقتربت، وإنا منتظر أمر ربّى يأمرنى أن أنفخ [فأنفخ «2» ]، ثم أخذ صاحب الصّور شيئا بين يديه كأنه حجر وقال: خذه يا ذا القرنين، فإن شبع هذا شبعت، وإن جاع جعت؛ فأخذه ونزل إلى أصحابه فحدّثهم بأمر الطائر وما قال له وما ردّ عليه، وما قال صاحب الصّور. ثم جمع علماء عسكره فقال:

أخبرونى عن هذا الحجر ما أمره؟ [فقالوا: أيها الملك، أخبرنا عما قال لك فيه صاحب الصور. فقال ذو القرنين: إنه قال لى: إن شبع هذا شبعت وإن جاع جعت «3» ] فوضعوا

ص: 312

ذلك الحجر فى إحدى كفّتى ميزان وأخذوا حجرا مثله فوضعوه فى الكفة الأخرى ثم رفعوا الميزان فإذا هو يميل، [فوضعوا معه آخر فاذا هو يميل بهنّ «1» ] فلم يزالوا يضعون حتى وضعوا ألف حجر فمال بالألف جميعا، فقالوا: انقطع علمنا دون هذا الحجر لا ندرى أسحر هو أم علم [ما نعلمه «2» ] ! فقال الخضر: نعم أنا أعلمه، فأخذ الميزان بيده ثم وضع الحجر فى كفّتها وأخذ كفّا من تراب فجعله فى الكفّة الأخرى ثم رفع الميزان فاستوى.

فخرّت العلماء سجّدّا لله تعالى وقالوا: هذا علم لم يبلغه علمنا. فقال الخضر عليه السلام: أيّها الملك، إنّ سلطان الله عز وجل قاهر لخلقه، وأمره نافذ فيهم، وحكمه جار عليهم؛ وإنّ الله تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض، فابتلى العالم بالعالم، والجاهل بالجاهل، والعالم بالجاهل، والجاهل بالعالم؛ وإنه ابتلانى بك وابتلاك بى.

قال ذو القرنين: صدقت، فأخبرنى ما هذا؟ فقال الخضر: أيها الملك، هذا مثل ضربه لك صاحب الصّور، [إن الله تعالى مكّن لك فى البلاد، وأعطاك منها ما لم يعط أحدا، وأوطأك منها ما لم يؤطى أحدا، فلم «3» ] تشبع، وآتيت نفسك شرّها، حتى بلغت من سلطان الله ما لم يطأه إنس ولا جانّ، فهذا مثل ضربه لك، إن ابن آدم لا يشبع أبدا دون أن يحثى عليه التراب، ولا يملأ جوفه إلّا التراب. فبكى ذو القرنين وقال: صدقت، لا جرم [أنى «4» ] لا طلبت أثرا فى البلاد بعد مسيرى هذا حتى أموت، ثم انصرف راجعا. فلمّا توسّط الظّلمة وطئ وادى الزّبرجد، فقال من معه لما سمعوا الخشخشة تحت حوافر دوابّهم: ما هذا أيّها الملك؟ فقال: خذوا منه فإنه من أخذ منه ندم، ومن تركه ندم. فمنهم من أخذ، ومنهم من ترك. فلمّا خرجوا من الظلمة إذا هو الزبرجد. فندم الآخذ كونه لم يكثر، والتارك كونه لم يأخذ. قال:

ص: 313

فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أخى ذا القرنين لو ظفر بوادى الزّبرجد فى المبتدأ ما ترك منه شيئا حتى أخرجه إلى الناس لأنه كان راغبا فى الدنيا ولكنّه ظفر به وهو زاهد فى الدنيا لا حاجة له فيها» .

قال الثعلبىّ: ثم رجع إلى العراق وملك ملوك الطوائف، ومات فى طريقه بشهرزور «1» . وقال علىّ رضى الله عنه:[ثم إنه «2» ] رجع إلى دومة «3» الجندل فأقام بها حتى مات. وصرّح الثعلبىّ فى سياقة أخباره أنه الذى قتل دارا بن دارا، وأنه لم تطل مدّة عمره. وسنذكر إن شاء الله تعالى خبر قاتل دارا بن دارا فى أخبار ملوك اليونان.

وحكى الأنماطىّ عن وهب فى خبر دخول الإسكندر الظّلمات: أنه لمّا انتهى إلى مغرب الشمس ترك من معه هناك وسار على الماء فى الظلمة ثمانية أيام وثمانى ليال حتى انتهى إلى جبل قاف، وإذا هو بملك قابض على الجبل يسبّح الله تعالى؛ فخرّ ذو القرنين ساجدا لله تعالى فلم يرفع رأسه حتى قوّاه الله تعالى على النظر إلى الملك. فقال له: كيف قويت يابن آدم على أن تبلغ هذا الموضع ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك؟! قال: قوّانى الله الذى قوّاك على قبض هذا الجبل. فأخبرنى عن هذا الجبل. قال: إنه قاف المحيط بالأرض كلها، ولولا هو لانكفأت الأرض بأهلها، وليس على ظهر الأرض أعظم منه، وإنه لمحيط بها كالحلقة، وهو أوّل جبل أثبته الله، فرأسه ملصق بسماء الدنيا، وأسفله راسخ فى الأرض السفلى.

ص: 314

وحكى إبراهيم بن وصيف شاه فى كتاب العجائب الكبير: أنّ ذا القرنين لمّا سار إلى الظّلمة مرّ بجزيرة فيها أمّة رءوسهم رءوس الكلاب العظام بادية أنيابهم، يخرج من أفواههم مثل لهب النار، وأنهم خرجوا إلى مراكبه فحاربوه فتخلّص منهم، وسار فرأى نورا ساطعا فقصده فاذا هو قد بلغ جزيرة القصر. قال: وهذه الجزيرة فيها قصر مبنىّ بالبلّور الصافى عالى الطول يشفّ حتى يرى نوره على البعد، فأراد النزول بها، فمنعه بهرام فيلسوف الهند وعرّفه أنّ من نزل اليها وقع عليه النوم وعزب عقله فلا يستطيع الخروج منها حتى يهلك. قال: ويقال إنه ظهر لهم منها قوم قصار زعر، لباسهم ورق الشجر. فسأل بهرام عن صبرهم على المقام بها، فعرّفوه أنّ بها ثمرا اذا أكلوا منه زال عنهم ذلك، وذكروا أنهم إذا كان الليل ظهر بين شرف القصر مثل المصابيح تسرج إلى الصّبح ثم تخمد نهارا إلى الليل فتوقد. قال:

ويقال إنه مرّ فى طريقه بجزيرة التّنّين «1» وإنها جزيرة فيها جبال وأنهار وأشجار وزروع وهى عامرة، وعلى مدينتها حصن عال، وبها تنّين عظيم قد سام أهلها أقبح سوم.

فلمّا دخلها الإسكندر استغاثوا به من التّنين وأنه أتلف مواشيهم حتى إنهم جعلوا له فى كل يوم ثورين ينصبونهما قريبا من موضعه، فيخرج فيبتلعهما. فأمر الإسكندر بثورين عظيمين فسلخا وحشا جلودهما زفتا وكبريتا وكلسا وزرنيخا، وجعل مع تلك الأخلاط كلاليب حديد، وجعلهما فى ذلك المكان. وخرج التنّين وأقبل كالسحابة السوداء وعيناه [تلمعان «2» ] كالبرق، والنار تخرج من جوفه، فابتلعهما ومضى، فأضّطرمت تلك الأشياء فى جوفه، فلمّا أحسّ بثقلها ذهب ليقذفها، فتشبّكت

ص: 315

الكلاليب فى حلقه فخرّ وفتح فاه ليستروح، فأمر الإسكندر بقطع الحديد فأحميت وحملت على ألواح من حديد وقذفت فى حلقه فمات. ففرح أهل ذلك الموضع بموته وألطفوا الإسكندر وحملوا اليه من طرائف ما عندهم. وكان فيما حملوه اليه دابّة فى خلق الأرنب، شعرها أصفر يبرق كالذهب، يسمّونها المعراج «1» ، وفى رأسها قرن واحد أسود، اذا رأتها الأسود وسباع الوحش وكلّ دابّة هربت منها.

وقال الأنماطىّ فى سياقة أخبار الإسكندر عن وهب تلو خبر السدّ: ثم انطلق ذو القرنين بعد ذلك، فبينما هو يسير إذ مرّ على شيخ يصلّى، فوقف عليه بجنوده حتى إذا انصرف من صلاته قال له: كيف لم يرعك ما حضرك من الجنود؟! قال: كنت أناجى من جنوده أكثر من جنودك، وسلطانه أعزّ من سلطانك، وقوّته أشدّ من قوّتك؛ ولو صرفت وجهى إليك لم أدرك حاجتى قبله. قال له: هل لك أن تنطلق معى وأواسيك بنفسى وأستعين بك على بعض أمرى؟ قال: نعم، إن ضمنت لى أربعة خصال: نعيم لا يزول، وصحة لا سقم فيها، وشباب لا كبر فيه، وحياة لا موت فيها. قال له ذو القرنين: وأىّ مخلوق يقدر على هذه الخصال!.

قال الشيخ: فإنّى مع من يقدر عليها ويملكها، فتركه وسار. فبينما هو يسير إذ دفع الى الأمة الصالحة من قوم موسى الذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون، فوجد أمّة مقسطة عادلة يقسمون بالسّويّة، ويحكمون بالعدل ويتواسون، فكلمتهم واحدة، وقلوبهم مؤتلفة مستقيمة، وسيرتهم مستوية، وقبور موتاهم فى أفنيتهم، وليس على بيوتهم «2» أبواب تغلق، وليس عليهم أمراء، ولا قضاة بينهم، ولا أشراف

ص: 316

يتفاوتون، ولا يتفاضلون ولا يختلفون ولا يتنازعون ولا يتسابّون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولا تصيبهم الآفات؛ فعجب من أمرهم وقال: أخبرونى خبركم أيّها القوم؛ فإنّى قد أحصيت الأرض شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وبرّها وبحرها، ونورها وظلمتها، فلم أر مثلكم. قالوا: سلنا عمّا بدا لك نخبرك. قال: ما بال قبوركم فى أفنيتكم وعلى أبواب بيوتكم؟ قالوا: لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا. قال:

فما بال بيوتكم لا أبواب عليها؟ قالوا: ليس فينا متّهم ولا ظنين، ولا فينا إلّا مؤتمن أمين. قال: فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا: لأنّا لا نتظالم. قال: فما بالكم ليس فيكم أغيناء؟ قالوا: لأنّا لا نتكاثر. قال: فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟

قالوا: من قبل أنّا متواسون متراحمون. قال: فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا:

لأنّا لا نتنافس. قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا. قال: فما بالكم ليس بينكم حكّام؟ قالوا: نحن لا نختصم.

قال: فما بال كلمتكم واحدة؟ قالوا: من قبل أنّا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا. قال: فأخبرونى من قبل ماذا تشابهت قلوبكم واعتدلت سيرتكم؟

قالوا: من صحّة صدورنا، فنزع الله بذلك الغلّ والحسد من قلوبنا. قال: فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: من قبل أنا نقسم بالسويّة. قال: فما بالكم ليس فيكم فظّ ولا غليظ؟ قالوا من قبل الذل والتواضع. قال: فأخبرونى بماذا أنتم أطول الناس أعمارا؟ قالوا: من قبل أنّا نتعاطى الحقّ ونحكم بالعدل. قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: لأنّا لا نغفل عن الاستغفار. قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفات؟ قالوا: من قبل أنّا لا نتوكّل إلّا على الله، ولا نستمطر بالأنواء ولا بالنجوم.

قال: أهكذا وجدتم آباءكم يفعلون؟ قالوا: وجدنا آباءنا يعطون مسكينهم، ويواسون فقيرهم، ويوقّرون غنيّهم، ويعفون عمّن ظلمهم، ويحسنون الى من أساء اليهم،

ص: 317

ويحملون عمّن جهل عليهم، ويستغفرون لمن سبّهم، ويصلون أرحامهم، ويؤدّون أمانتهم، ويحفظون وفاءهم لصلاحهم، ويوفون بعهدهم، ويصدقون فى مواعيدهم، ولا يرغبون عن أكفائهم، ولا يستنكفون عن أقاربهم؛ فأصلح الله تعالى لهم بذلك أمرهم، وحفظهم به ما كانوا أحياء. قال: فأقام ذو القرنين عندهم حتى قبضه الله عز وجل، ولم تطل مدّة إقامته فيهم. قال وهب: عاش منذ بعثه الله تعالى الى أن قبض خمسائة عام. وقال غيره: أكثر من ذلك. وقد ذكر فى المعمّرين. وقيل:

إنه عاش ألف وستمائة وخمسين سنة ومات فى حياة أمه. وقيل: إنه أدرك إبراهيم الخليل واجتمع معه وأركبه من دوابّه. حكاه الأزرقىّ وأبو عبيد البكرىّ. والله أعلم.

ص: 318